أنت هنا: الرئيسية أهل البيت شعراء الفرزدق / ابو فراس (رحمه الله)
 
 


ينظم في مدح الامام زين العابدين (ع)

البريد الإلكتروني طباعة

الشاعر ابو فراس الفرزدق
ينظم في مدح الامام زين العابدين (ع)

حجّ هشام بن عبدالملك فلم يقدر على استلام الحجر من الزحام، فنصب له منبر فجلس عليه و أطاف به أهل الشام، فبينما هو كذلك إذ أقبل عليّ بن الحسين (عليه السلام) و عليه إزار و رداء، من أحسن الناس وجهاً و أطيبهم رائحة، بين عينيه ثفنة السجود، فجعل يطوف فاذا بلغ إلى موضع الحجر تنحّى الناس حتّى يستلمه هيبة له، فقال شاميّ: من هذا يا أميرالمؤمنين؟ فقال: لا أعرفه (لئلاّ يرغب فيه أهل الشام) فقال الفرزدق و كان حاضراً: لكنّي أنا أعرفه، فقال الشاميّ: من هو يا أبا فراس؟ فأنشأ قصيدته المشهورة:

يا سائلي أين حلّ الجود و الكرم؟ عندي بيان إذا طلا به قدموا
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته و البيت يعرفه و الحلّ و الحرم
هذا ابن خير عباد الله كلهم هذا التقيّ النقيّ الطاهر العلم
هذا الذي أحمد المختار والده صلّى عليه إلهي ما جرى القلم
لو يعلم الرّكن من قد جاء يلثمه لخرّ يلثم منه ما وطى القدم
هذا عليّ رسول الله والده أمست بنور هداه تهتدي الاُمم
هذا ابن سيّدة النسوان فاطمة و ابن الوصيّ الذي في سيفه نقم
إذا رأته قريش قال قائلها إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
يكاد يمسكه عرفان راحته ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
و ليس قولك: من هذا؟ بضائره العرب تعرف من أنكرت و العجم
يُنمى إلى ذروة العزّ التي قصرت عن نيلها عرب الاسلام و العجم
يُغضي حياءً و يُغضى من مهابته فما يكلّم إلاّ حين يبتسم
ينجاب نور الدّجى عن نور غرّته كالشمس ينجاب عن إشراقها الظلم
بكفّه خيزران ريحه عبق من كف أروع في عرنينه شمم
ما قال: «لا» قطّ إلاّ في تشهّده لولا التشهّد كانت لاءه نعم
مشتقّة من رسول الله نبعته طابت عناصره و الخيم و الشيم
حمّال أثقال أقوام إذا فدحوا حلو الشمائل تحلو عنده نعم
إن قال قال بما يهوى جميعهم و إن تكلّم يوماً زانه الكلم
هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله بجدّه أنبياء الله قد ختموا
الله فضّله قدماً و شرّفه جرى بذاك له في لوحه القلم
من جدّه دان فضل الأنبياء له و فضل اُمّته دانت لها الاُمم
عمّ البريّة بالإحسان و انقشعت عنها العماية و الإملاق و الظلم
كلتا يديه غياث عمّ نفعهما يستو كفان و لا يعروهما عدم
سهل الخليقة لاتخشى بوادره يزينه خصلتان: الحلمُ و الكرم
لا يخلف الوعد ميموناً نقيبته رحب الفناء أريب حين يُعترم
من معشر حبّهم دين و بغضهم كفر و قربهم منجى و معتصم
يُستدفع السوء و البلوى بحبّهم و يُستزاد به الإحسان و النعم
مقدّم بعد ذكر الله ذكرهم في كلّ فرض و مختوم به الكلم
إن عدّ أهل التّقى كانوا أئمّتهم أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم
لا يستطيع جواد بعد غايتهم و لا يدانيهم قوم و إن كرموا
هم الغيوث إذا ما أزمة أزمت و الأسد أسد الشرى و البأس محتدم
يأبى لهم أن يحلّ الذمّ ساحتهم خيم كريم و أيد بالندى هضم
لا يقبض العسر بسطاً من أكفّهم سيّان ذلك إن أثروا و إن عدموا
أيّ القبائل ليست في رقابهم لأوّليّة هذا أوله نعم؟
من يعرف الله يعرف أوّليّة ذا فالدّين من بيت هذا ناله الاُمم
بيوتهم في قريش يستضاء بها في النائبات و عند الحكم إن حكموا
فجدّه من قريش في اُرومتها محمّد و عليّ بعده علم
بدر له شاهد و الشّعب من اُحد و الخندقان و يوم الفتح قد علموا
و خيبر و حنين يشهدان له و في قريضة يوم صيلم قتم
مواطن قد علت في كلّ نائبة على الصحابة لم أكتم كما كتموا

فغضب هشام و منع جائزته و قال: ألا قلت فينا مثلها؟ قال: هات جدّاً كجدّه و أباً كأبيه و اُمّاً كامّه حتّى أقول فيكم مثلها، فحبسوه بعُسفان بين مكة و المدينة.
فجعل الفرزدق يهجو هشاماً و هو في الحبس، فكان ممّا هجاه به قوله:

أيحبسني بين المدينة و التي إليها قلوب الناس يهوي مُنيبها
يقلّب رأساً لم يكن رأس سيّد و عيناً له حولاء باد عيوبها