أنت هنا: الرئيسية المكتبة الاسلامية من وحي الاسلام ـ الجزء الثاني ما قيل شعراً بمناسبة ولادة الإمام ( ع ) في بيت الله الحرام
 
 


ما قيل شعراً بمناسبة ولادة الإمام ( ع ) في بيت الله الحرام

البريد الإلكتروني طباعة
فهرست كتاب من وحي الإسلام ج 1


ما قيل شعرا بمناسبة ولادة الإمام
في بيت الله الحرام

 


وفيما يلي بعض المقطوعات الشعرية التي نظمت بمناسبة ولادته عليه السلام في بيت الله الحرام .
قال السيد الحميري بوحي من هذه المناسبة المباركة :

ولدته في حرم الإله وأمنـه * والبيت حيث فناؤه والمـسجد
بيضاء طاهرة الثياب كريمة * طابت وطاب وليدها والمـولد
في ليلة غابت نجوم نحوسها * وبدت مع القمر المنير الاسعد
مالُف في خرق القوابل مثله * الا ابن أمنة النبي محمـــد


وقال السيد رضا الهندي ( ره ) مخاطبا الإمام علي عليه السلام :

لما دعاك الله قِدَمــاً لأن * تولد في البيت فــلبيته
شكرته بين قريش بـأن * ظهرت من اصنامهم بيته


وقال الشيخ حسين نجف رحمه الله تعالى :

جـعل الله بـيته لعــلي * مولدا يا له على لا يضاهى
لم يشاركه في الولادة فيه * سيد الرسل لا ولا انبيـاها


وقال السيد اسماعيل الشيرازي رحمه الله المتوفى سنة 1305 هـ :

ولدت شمس الضحى بدر التمام * فانجلت عنا دياجير الظلام




( 169 )

 

ناديـا بشراكم هــذا غلام * وجهـه فلقــة بدر يهتدى
بسنا انــواره في الظلــم

 

هذه فاطمة بــنت اســـد * اقبلت تحـمل لاهوت الابـد
فاسجدوا ذلاله فيمن سجــد * فله الاملاك خـرت سجـدا
اذ تجلــى نــوره في آدم

 

هل درت ام العلى ما وضعت * أم درت ثدي الهدى ما ارضعت
ام درت كف النهى ما رفعت * ام درى رب الحجى ما ولــدا
جــل معنــاه فلـما يــعلم

 

سيد فاق عُلىً كــل الانـام * كــان اذ لا كائن وهـو إمام
شرف الله به البيــت الحرام * حيــن اضحى لـعلاه مولدا
فوطــا تربتــه بالقــدم

 

إن يكــن يجعــل لله البنـون * وتعـالى الله عمــا يصفون
فوليد البيت احــرى ان يكـون * لولــي البيت يدعــى ولدا
لا عزيــر لا ولا ابــن مريم


وقال عبد الباقي العمري مخاطبا الإمام علياً عليه السلام :

أنت العلي الذي فوق العلى رفعا * ببطن مكة وسط البيـت اذ وضعا
وأنت أنت الذي حطت له قـدم * في موضع يده الرحمن قد وضعا
ربيب طه حبيب الله انت ومـن * كان المربى له طه فـقد بــرعا


وقلت في مدحه عليه السلام مشيرا الى ولادته في بيت الله الحرام في بيت من المقطوعة التالية :

ماذا يقول بـك الاديب وينــظم * وعلاك اسمى والإمامة اعظم
ادركت بالإيمان مجـدا شامــخا * بالحق تقصر عن مداه الانجم
مثلت احكام الإلــه بســـيرة * نبوية فيها الكتاب متــرجم
بدأت حيـاتك بيــته بــولادة * ولديه اضحت بالشهادة تختم
كـنت الرسول فضائلاً وشمـائلاً * فكلاكما لعلى الفضيلة تـوأم




( 170 )

 

الاّ النبـوة مـيـزت شخصيكما * فبها الرســول مفضل ومـقدم
خلدتما في الدهر شمـس هـداية * بشعاعها لـيل الضــلال يحطم
وعليكما مني التحـيــة كلـما * اضحى بمدحكما الهــدى يترنم



حول احتضان النبي لعلي ( ع )

 


وكما ان ولادة الإمام علي عليه السلام في الكعبة تعتبر كرامة كرمه الله بها على وجه التخصيص لعدم مشاركة احد له فيها . كذلك يعتبر احتضان النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم له من اول يوم من ايام ولادته واشرافه المباشر على تربيته وتغذيته الروحية والبدنية كما تحدث بذلك علي نفسه عن هذه الرعاية الخاصة والعناية الفائقة التي اولاها النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل بعثته لعلي من يوم ولادته الى يوم حصول البعثة المباركة .
أجل : ان هذه الرعاية الخاصة والتربية الرائعة التي لم تحصل لاحد غير علي عليه السلام تعتبر من الكرامات التي تميز بها ونال المرتبة السامية والدرجة الرفيعة نظراً لما يترتب على التربية الصحيحة المنسجمة مع روح الشريعة الغراء ونهج التربية الفطرية الناجحة ـ من الاثر البليغ في استقامة سلوك النشء وارتقائه الى المنزلة الرفيعة والمرتبة السامية في العقيدة الصحيحة الراسخة والاعمال الصالحة والاخلاق الفاضلة .
واشراف النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم على تربية الإمام علي عليه السلام وان كان قبل بعثته المباركة بالرسالة الإسلامية الكاملة الخالدة الا ان ذلك لم يكن مانعا من حصول التربية الراجحة الناجحة التي يريد الله سبحانه حصولها للإمام علي عليه السلام .
وذلك لان العناية الإلهية قد رافقت شخص النبي منذ صباه بالالهام السماوي الذي كان يصقل به فطرته ويزيدها تألقا واشراقا من جهة وتكليف


( 171 )


الله سبحانه لاعظم ملك من ملائكته ليحتضن شخصه الكريم ويسلك به طريق المكارم ـ من جهة ثانية قد ساهم كل واحد منهما (1) في صياغة شخصية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم صياغة سماوية جعلته افضل مخلوق واكمل رسول على الاطلاق .
وقد تحدث الإمام علي عليه السلام عن احتضان الرسول له من اول ايام وجوده في هذه الحياة وذلك بقوله في نهج البلاغة من خطبته المسماة بالقاصعة :
وقد علمتم موضعي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة وضعني في حجره وانا ولد يضمني الى صدره ويكنفي في فراشه ويمسني جسده ويشمني عرفه وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه وما وجد لي كذبة في قول ولا خطلة في فعل .
ولقد قرن الله به صلى الله عليه وآله وسلم من لدن ان كان فطيما اعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ومحاسن اخلاق العالم ليله ونهاره ولقد كنت اتبعه اتباع الفصيل اثر امه يرفع لي في كل يوم من اخلاقه علما ويأمرني بالاقتداء به .
ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه ولا يراه غيري ولم يجمع بيت واحد في الإسلام غير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخديجة وانا ثالثهما ارى نور الوحي والرسالة واشم ريح النبوة .
وقد شرح الإمام علي عليه السلام بكلامه هذا مدى عناية الرسول به من الناحية المادية والجسمية بما كان يقدمه له من الطعام بعد مضغه له ليتمكن من ابتلاعه بسهولة مع عنايته به من الناحية الروحية التربوية الامر الذي جعله متأثرا بهذه التربية الفائقة التي لم تحصل لاي شخص آخر لان عظمة التربية
____________
(1) أي كل واحد من الرعاية الإلهية المباشرة واشراف الملك بأمر من الله سبحانه .


( 172 )


وتقدمها في ميدان النجاح تتبع شخصية المشرف عليها والقائم بها فبقدر ما يكون عظيم الشخصية ومستقيم السلوك ورفيع الخلق ـ يكون نجاحه في تربيته وتفاعل المربى ـ معها ايجابا ليصبح صورة اخرى عمن يصوغ شخصيته ويصبها في قالب الفضيلة وقد بين الإمام ( عليه السلام ) نتيجة تجاوبه وتأثره بهذه التربية الفذة بقوله :
وما وجد لي كذبة في قول ولا خطلة في فعل وبين السبب المثمر المؤدي الى هذه النتيجة السليمة بقوله :
ولقد كنت اتبعه اتباع الفصيل اثر أمه يرفع لي في كل يوم من اخلاقه علما ويأمرني بالاقتداء به .
كما بين عليه السلام مدى الاعتناء السماوي في بناء شخصية الرسول منذ نعمومة اظفاره وذلك بمصاحبة اعظم ملك له بأمر من الله سبحانه ليسلك به طريق المكارم ومحاسن اخلاق العالم وكأن الإمام عليه السلام يريد ان يبين مدى العناية الإلهية والاعتناء السماوي ببناء شخصية كل واحد من الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم وابن عمه الاكرم وصياغتها على النحو الذي يساعد كل واحدة من هاتين الشخصيتين الفذتين على النهوض بالمسؤولية الكبرى التي ستلقى على عاتقه في المستقبل وهي مسؤولية القيام بالدعوة الإسلامية من اجل ان يخرج بها شخص الداعي العظيم وهو الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم ـ المجتمع الجاهلي ـ من ظلمات الشرك وعبادة الاصنام الى نور التوحيد في العقيدة والتوحيد في عبادة الله الواحد العلام وهذه هي مسؤولية النبوة والنبي الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم واما المسؤولية التي اعدت شخصية الإمام علي لينهض بها في مستقبله الجهادي فهي اولا مسؤولية دعم الدعوة بالمبادرة الى اعلان التصديق بها والعمل بمقتضاها والدفاع عنها قدر الامكان ـ وثانياً مسؤولية النيابة العامة والقيادة الشرعية بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .
ومن المعلوم ان مسؤولية الرسول في دعوته وعلي في نصرته اولا وقيادته العامة الهامة ثانيا في منتهى الصعوبة والخطورة فلا يقدر على النهوض


( 173 )


بها الا من أوتي حظا وافرا من العناية السماوية والرعاية الإلهية بشكل مميز وقد حقق الله سبحانه ذلك في حق كلا الشخصين العظيمين النبي المرسل والوصي المبجل وذلك بما اودعه في كل واحد منهما من الكفاءة والاستعداد للتلقي علماً والترقي خلقاً وعملاً وضم الى زرع ذلك الاستعداد ايجاد المربي المعصوم الذي يستثمر ذلك ويخرجه من مرحلة القابلية والقوة الى مرحلة الفعلية والتحرك الايجابي الهادف على درب الرسالة دعوة لها ونشراً لنورها في افاق العقول واجواء النفوس من قبل الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم .
ومبادرة الى التصديق بها والعمل بمقتضاها مع الدفاع عنها وازالة العراقيل من طريق انتصارها وانتشارها ـ من قبل الناصر المحامي والممثل الشرعي لشخص النبي الاكرم بعد انتقاله الى جوار الله سبحانه .
وكان المربي المعصوم الذي اعده الله للنبي المعصوم هو ذلك الملك الاعظم كما كان المربي المعصوم للوصي المعصوم هو شخص النبي صلى الله عليه وآله وسلم ـ واذا عرفنا ان النبي محمداً صلى الله عليه وآله هو افضل من جميع الملائكة كما انه افضل من جميع الانبياء ـ ندرك السر في العظمة والتفوق الذي ظفر به شخص الإمام علي عليه السلام الامر الذي جعله افضل من جميع الخلق ملائكته وجنه وإنسه باستثناء شخص النبي محمد صلى الله عليه وآله الطاهرين .
وذلك لنص آية المباهلة التي اعتبرت علياً نفس النبي باستثناء درجة النبوة المميزة والرافعة ـ وحيث ان النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم افضل الخلق على الاطلاق كذلك من يكون نفسه .
وهذا يعتبر من الكرامات والخصوصيات التي خص بها الله سبحانه شخص الإمام علي عليه السلام ليكون اعداداً تربوياً وبناء معنوياً لشخصيته الرسالية المثالية يؤهله للإضطلاع بدور النصرة والحماية للرسول ورسالته في البداية وللنهوض باعباء القيادة العامة والمسؤولية الكبرى بعد الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم كما مرت الاشارة اليه .


( 174 )


وحيث اننا نريد من الكرامة التي كرم الله بها رسوله الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم ووصيه علياً الاكرم عليه السلام ـ العناية الفائقة والرعاية الخاصة بنحو مميز لهما عن غيرهما من ابناء المجتمع السابقين واللاحقين ـ فإن صفات الإمام علي الكمالية ومواقفه الرسالية التي برز بها بتفوق في كل الساحات والميادين ـ تعتبر كرامات فذة وخصوصيات مميزة تقتضي بطبعها تميزه وتفوقه عمن سواه من البشر باستثناء شخص النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم لانه وحده بلغ ذروة الكمال البشري بتخطيط من الله سبحانه ليتحقق التناسب بين اكملية وافضلية رسالته واكملية وافضلية شخصيته كما تقدم والى هذه الافضلية التي خص الله بها حبيبه ونبيه محمداً أشار بعضهم بقوله :

بلـــغ العلــى بكمــاله * كشــف الدجــى بجمــاله
حسنــت جميــع خصـاله * صلـــوا عليــه وآلـــه


وقال آخر مشيراً الى تفوق شخصيته صلى الله عليه وآله وسلم على من سواه

وأجمل منك لم تــر قط عيني * واكمــل منك لم تلد النساء
خلقت مبرأ من كــل عـيب * كأنــك قد خلقت كما تشاء


وقال آخر في مدحه صلى الله عليه وآله وسلم .

فاق النبيين في خلق وفي خلق * ولم يدانوه في عـلم وفـي كـرم
وكلهم من رسول الله ملـتمس * غرفاً من البحر او رشفاً من الديم
فهو الذي تم معناه وصـورته * ثم اصطفاه حبيـباً باريء النـسم
منزه عن شريك في محاسـنه * فجوهر الحسن فيه غـير منقـسم


وفيما يلي ابيات رائعة مدح بها صفي الدين الحلي ( قده ) الإمام عليا عليه السلام .

جمعــت في صفاتك الاضـداد * ولهــذا عـزت لك الانــداد
زاهد حـاكم حـليــم شـجاع * نــاســك فاتك فقـير جواد




( 175 )

 

خلق يخجل النسيم من اللطــف * وبــأس يذوب مـنه الجماد
شيم ما اجتمعن في بشر قــط * ولا حــاز مثلـهن العــباد


ولا يريد هذا الشاعر تفضيل الإمام علي على كل العباد كما يظهر من البيت الاخير لوضوح افضلية النبي صلى الله عليه وآله وسلم منه لدى كل الطوائف الإسلامية وانما يريد تفضيله على من سواه فيكون هذا الوضوح قرينة على مراده من كلامه .


( 176 )


تفوق الإمام علي عليه السلام بالصفات الكمالية

 


ومن اجل توضيح ما ذكرته آنفا من ان الإمام عليا عليه السلام كان متفوقا في كل صفاته الكمالية ومواقفه الرسالية على من سواه باستثناء الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم نحتاج الى ان نقف ولو قليلا من الوقت امام ابرز صفاته السامية ومعانيه الراقية من اجل ان نستلهم منها الدروس والعبر التي تنور عقولنا بالعرفان الواعي وقلوبنا بالايمان الثابت وتجمل نفوسنا بالمثل الرفيعة والقيم السامية التي تجمل بها وسما الى اعلى مراتب المجد والسؤدد التي لم يبلغها بل سما فوقها سوى الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم .
من صفاته البارزة التي تفوق بها على غيره ما عدا الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم العلم ويشهد له بتفوقه به الواقع الملموس مضاف الى ما ورد في حقه من النصوص وهي كثيرة منها ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لدى الفريقين من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حقه :
أنا مدينة العلم وعلي بابها وقد اشار الشاعر الى هذا المعنى بقوله :

إنما المصطفى مدينة علم * وهو الباب من أتاه أتاها


واشتهر عن الإمام علي قوله عليه السلام : « علمني رسول الله الف باب من العلم يفتح لي من كل باب الف باب » .
وكذلك قوله عليه السلام : « لو ثنيت لي الوسادة لافتيت اهل التوراة بتوراتهم واهل الانجيل بإنجيلهم واهل الفرقان بفرقانهم » .


( 177 )


وقوله عليه السلام : مشيراً الى صدره الشريف : « ان هاهنا لعلمنا جما لو اصبت له حمله » وشهادة النبي في حقه وانه مع الحق والحق معه يدور معه حيثما دار ـ تجعل شهادته مقبولة حتى في حق نفسه لانه معصوم لا ينطق عن الهوى ويؤكد هذه الشهادة شهادته الاخرى في حقه ايضا وهي قوله صلى الله عليه وآله وسلم : علي مع القرآن والقرآن مع علي .
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : « اقضاكم علي » وفي حديث آخر عنه صلى الله عليه وآله وسلم : « قسمت الحكمة عشرة اجزاء فأعطي علي تسعة اجزاء والناس جزء واحداً » وقد اشتهر عن الخليفة الثاني قوله : « لولا علي لهلك عمر » وقوله : « اللهم لا تبقني لمعضلة ليس لها ابن ابي طالب » .
وروي عن ابن عباس قوله : « علم رسول الله من علم الله تبارك وتعالى وعلم علي من علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلمي من علم علي وما علمي وعلم اصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم في علم علي الا كقطرة في سبعة ابحر » .
وقد اشتهر عنه قوله عليه السلام : « سلوني والله لا تسألوني عن شيء يكون الى يوم القيامة الا اخبرتكم وسلوني عن كتاب الله فوالله ما من آية الا وانا اعلم ابليل نزلت ام بنهار في سهل ام في جبل » .
وعن ابن عباس ان عمر بن الخطاب قال للامام علي عليه السلام : يا ابا الحسن انك لتعجل في الحكم والفصل للشيء اذا سئلت عنه قال : فأبرز علي كفه وقال له : كم هذا ؟ . فقال عمر : خمسة فقال له علي : عجلت ابا حفص قال : لم يخف عليَّ فقال علي عليه السلام : « وانا اسرع فيما لا يخفى علي » .


( 178 )


حلم الإمام علي ( ع )

 


لم يكن اكبارنا لشخصية الإمام علي عليه السلام لمجرد انه كان اعلم الناس بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بل لانه كان افضلهم واسبقهم الى كل الصفات الكمالية والمواقف الرسالية التي تخدم الإسلام والمسلمين بل والناس اجمعين لانه مثل بسلوكه المستقيم وخلقه الكريم خلق الرسول العظيم فكان محمداً الثاني وحيث ان الإسلام حث على الحلم وكظم الغيظ وطبق الرسول الاعظم ذلك على نفسه بسيرته القويمة وحث عليه بسنته الحكيمة حيث قال :
« صل من قطعك واعط من حرمك واعف عمن ظلمك واحسن الى من اساء اليك » فلا بد ان يكون الإمام علي عليه السلام من السابقين الى ذلك عملا وقولا لانه نفس الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بنص آية المباهلة كما تقدم ولانه معد لان يكون الممثل للرسول والمطبق للرسالة تطبيقا كاملا بالاتصاف بكل الصفات الكمالية التي دعت اليها وحثت عليها ليكون قوله الذي حث به غيره على فعل ما ينفع والاتصاف بما يرفع ـ مسبوقا او مقترنا بالعمل والممارسة فيكون اكثر تأثيرا وفاعلية مما اذا تجرد عن ذلك كما هو واضح وسأذكر في المقام بعض ما روي عنه عليه السلام من الحكم التي دعا بها الى العفو والصفح عن المسيء من ذلك قوله عليه السلام : في نهج البلاغة : « اذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكرا للقدرة عليه » . وقد طبق الإمام عليه السلام هذه الوصية على نفسه حيث عمل بها في عدة موارد منها ما حاصله ان شخصا يدعى نعيما بن دجاجة قد صدر منه عمل فيه اساءة للامام عليه السلام فأمر بأن يضرب تأديباً له فقال نعيم هذا : إن


( 179 )


المقام معك لذل وان فراقك لكفر فلما سمع الإمام منه ذلك قال : قد عفونا عنك ان الله عز وجل يقول :
( ادفع بالتي هي احسن السيئة ) (1) .
اما قولك : « ان المقام معك لذل فسيئة اكتسبتها واما قولك ان فراقك كفر فحسنة اكتسبتها فهذه بهذه » .
ومن موارد حلمه وعفوه عليه السلام انه قدم نصيحة لاصحابه على اثر حصول تصرف غير مناسب للحكم الشرعي والخلق الإسلامي فقال احد الخوارج : « قاتله الله كافرا ما افقهه » فوثب القوم ليقتلوه فقال عليه السلام : رويدا انما هو سب بسبب او عفو عن ذنب ومنها ما نقل في البحار من ان امير المؤمنين مر بأصحاب التمر فإذا هو بجارية تبكي فقال : « يا جارية ما يبكيك » ؟ . فقالت : « بعثني مولاي بدرهم فابتعت من هذا تمراً فأتيتهم به فلم يرضوه فلما اتيته به ابى ان يقبله » .
قال عليه السلام لذلك الرجل : « يا عبد الله انها خادم وليس لها امر فاردد اليها درهمها وخذ التمر فقام اليه الرجل فلكزه فقال الناس : هذا امير المؤمنين فخاف الرجل واصفر لونه واخذ التمر ورد الدرهم ثم قال : « يا امير المؤمنين ارض عني » فقال عليه السلام ما ارضاني عنك ان انت اصلحت امرك وفي رواية اخرى : اذا وفيت الناس حقوقهم » ومنها انه دعا غلاما له مراراً فلم يجبه فخرج فوجده على باب البيت فقال : « ما حملك على ترك اجابتي » ؟ .
فقال : « كسلت عن اجابتك وامنت عقوبتك فقال عليه السلام : « الحمد لله الذي جعلني ممن يأمنه خلقه امض فأنت حر لوجه الله » .
____________
(1) سورة المؤمنون ، آية : 96 .


( 180 )


تواضع الإمام علي ( ع )

 


ومن الصفات الكمالية التي ترفع مقام صاحبها ـ التواضع وكان الإمام علي من المتصفين بها بل من السابقين الى هذا الاتصاف وقد ذكر المرحوم السيد محمد كاظم القزويني في كتابه النفيس ( علي من المهد الى اللحد ) قصة تبرز اتصافه بهذه الصفة بشكل واضح وباسلوب رائع وحاصلها انه ورد عليه عليه السلام اخوان له مؤمنان ( اب وابن ) فقام اليهما واكرمهما واجلسهما في صدر المجلس وجلس بين ايديهما ثم امر بطعام فأحضر فأكلا منه ثم جاء قنبر بطست وابريق خشب ومنديل وجاء ليصب على يد الرجل فوثب الإمام علي عليه السلام واخذ الابريق وصب على يد الاب باصرار منه على ذلك رغم عدم رضا هذا الضيف بهذا العمل وطلب من ابنه محمد بن الحنفية ان يصب الماء على يد الضيف الابن .
وقال الإمام العسكري عليه السلام معلقا على هذه القصة بقوله :
فمن تبع عليا على ذلك فهو الشيعي حقا بعد ان كان قد قال عليه السلام : اعرف الناس بحقوق اخوانه واشدهم قضاء لها اعظمهم عند الله شأنا ومن تواضع في الدنيا لاخوانه فهو عند الله من الصديقين ومن شيعة علي بن ابي طالب عليه السلام حقا هذا من حيث السيرة والعمل واما من حيث القول فقد روي عنه عليه السلام قوله : « ما تواضع الا رفيع وما تكبر الا وضيع » قال الشاعر :

تواضع تكن كالنجم لاح لناظر * على صفحات الماء وهو رفيع
ولا تك كالدخان يعلو بنفسـه * الى طبقات الجو وهو وضـيع




( 181 )


زهد الإمام علي ( ع )

 


وقد فسر لنا الزهد بقوله عليه السلام : « ليس الزهد ان لا تملك شيئاً ولكن الزهد ان لا يملك شيء » .
هذا هو الزهد في نظر الإسلام وقد فسره الإمام علي عليه السلام بعبارة مختصرة لفظاً ولكنها واسعة معنى حيث توحي بأن الإنسان اذا سعى في سبيل تحصيل الثراء الواسع من المصدر الحلال وللهدف المشروع والمصرف المباح بالمعنى العام للاباحة في مقابل المصرف الحرام مع الالتزام بإخراج الحق المعلوم للسائل والمحروم ـ فإنه بذلك يكون زاهداً ولو ملك مال قارون او ظفر بملك النبي سليمان على نبينا وعليه افضل التحية وازكى السلام ـ كما يكون عابداً لله سبحانه بذلك كله بالعبادة المقربة من الله زلفى بعد ملاحظة ان المراد من العبادة التي جعلها الله سبحانه السبب الداعي والعلة الغائية الباعثة على الخلق والايجاد للإنسان والكون كله ـ هو الخضوع المطلق والانقياد الكلي لارادة الله سبحانه بكل تصرف اختياري يصدر من الإنسان بارادته واختياره .
وحيث ان الله سبحانه امر بالسعي في سبيل تحصيل المال من المصدر الحلال وجوبا او استحبابا كما أمر بأخراج الحق الشرعي وجوباً وبما يزيد عليه استحبابا ـ وبالانفاق اللازم على النفس وسائر افراد الاسرة الذين تجب نفقتهم على المكلف ـ وجوبا وبما يزيد على النفقة الواجبة ـ استحبابا ـ .
أجل : حيث ان الله سبحانه امر بذلك وجوبا واستحبابا فإن المكلف الذي يمتثل هذا الامر الوجوبي او الاستحبابي ـ يكون عابدا لله سبحانه ومحصلاً بهذه العبادة الثواب العظيم الذي يستحق به ما يرغب فيه ويحلم به


( 182 )


من النعيم الخالد والسعادة الدائمة مضافا الى ما يحصله في هذه الحياة من النعيم الروحي والمادي بما وفقه الله له أيضا من الثروة المادية وما توفق له من القيام بالواجب او المستحب الذي يبعث في قلبه السرور والابتهاج نتيجة شعوره واحساسه بتأدية ما طلبه منه مولاه الحقيقي وهو الله سبحانه من تأدية وظيفة العبودية التي تعود عليه بالخير والسعادة في الدنيا والآخرة .
وعلى ضوء ما ذكرناه من المعنى الواعي الموضوعي للزهد حسبما يفهم من كلام الإمام عليه السلام ندرك ان تمتع الإنسان المؤمن بما احل الله له من المتع المادية والروحية ـ لا ينافي الزهد بل يكون كما ذكرنا عابدا ـ مضافا الى كونه زاهدا .
ويظهر ذلك جليا من الآيات المباركة والرويات المشهورة التي تحث على العمل لكلتا الدارين معا ـ الدنيا والاخرة ـ في اطار الشروط المذكورة للتصرفات المادية كسبا وصرفا وتصرفا ـ بمعنى ان يكون المصدر حلالا والمصرف حلالا ـ مع الالتزام بإخراج الحق الشرعي الواجب كما تقدم وذلك لان الإسلام دين الفطرة الذي جاء لينعشها وينطلق معها في سبيل تحقيق غاية الخلق والايجاد ولا يمنع الا من المحرمات فهي وحدها التي طلب من الملكف ان يزهد فيها ويتجنب ممارستها نظرا لما يترتب عليها من المفاسد المادية والمعنوية الفردية والاجتماعية واما غيرها من المتع المباحة فهو يرغبه فيها ويشجعه على التمتع بها ما دامت لا توجب ضررا للإنسان فردا ومجتمعا ـ كما هو واضح من طبيعة التشريع الإسلامي السمحاء .
قال سبحانه :
( قل من حرم زينة الله التي اخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة ) (1) .
____________
(1) سورة الاعراف ، آية : 32 .


( 183 )


وقال سبحانه :
( وابتغ فيما آتاك الله الدار الاخرة ولاتنس نصيبك من الدنيا ) (1) .
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قوله : « ليس منا من ترك اخرته لدنياه ولا من ترك دنياه لاخرته » كما روي عن الإمام الحسن عليه السلام قوله : « اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لاخرتك كانك تموت غدا » .
واما ما روي عن الإمام علي عليه السلام من تقشفه في طعامه ولباسه ومسكنه ونحو ذلك وروي عنه قوله : « ولقد رقعت مدرعتي حتى استحييت من راقعها » فليس ذلك لان الزهد بطبعه يقتضي هذا الوضع الخاص من التقشف ـ بل لحالة استثنائية طارئة اقتضت ان يبرز الإمام عليه السلام بهذه الحالة وذلك لان الوضع الاقتصادي العام كان صعبا في عهده الامر الذي ادى الى انتشار ظاهرة التقشف في اوساط المجتمع بصورة غير اختيارية فإضطر الإمام عليه السلام لان يبرز على الحالة السائدة يوم ذاك وبدرجة اصعب من الوضع العام ـ من اجل ان يساوي نفسه بالطبقة المحتاجة ليكون ذلك مخففا من الم التقشف عندما يرى اكثر الشعب امامهم مساويا لهم بل اصعب وضعا منهم .
وقد صرح الإمام عليه السلام بذلك لبعض الاشخاص الذي التبس عليه الامر وتوهم ان الابتعاد عن الدنيا ومتعها يكون محبوبا لله ومقربا منه ـ ولو كانت من الحلال ـ فأدى ذلك لان يلبس الملابس المتواضعة جدا ويبتعد عن اهل بيته فأخبر اخوه الإمام بذلك فاستدعاه بواسطة اخيه هذا ونصحه بترك تلك الحالة من التقشف والعود الى وضعه الطبيعي من حيث التمتع بما احل الله سبحانه من المتع فقال للامام عليه السلام ما مضونه : ها انت في خشونة ملابسك وجشوبة طعامك فأجابه الإمام عليه السلام بأن هذا وضع مختص به بصفته القائد والإمام للمجتمع فيطلب منه ان يساوي الطبقة الفقيرة حتى تكون
____________
(1) سورة القصص ، آية : 77 .


( 184 )


مواساته لهم مخفقة من الم الحاجة والفقر .
ويؤكد هذه الحقيقة بروز الإمام الحسن عليه السلام بالظاهرة الطبيعية التي يريد الإسلام ان يعيشها الإنسان في حياته وهي ظاهرة الاعتدال والتوازن بين مطالب الروح وحاجات البدن وبذلك يتحقق التوازن تلقائيا بين حاجات الدنيا ومطالب الاخرة لان نفس هذا التوازن المتمثل باعطاء البدن حاجته المادية مطلب اخروي وتكليف شرعي وجوبي بالقدر اللازم واستحبابي بالنسبة الى الزائد .


( 185 )


الإمام علي عليه السلام رمز الحق والعدالة

 


الحديث عن عدالة الإمام علي عليه السلام والتزامه منهج الحق ـ لا يراد به الكشف عن مجهول بالنسبة الى اي شخص له معرفة ولو اجمالا بشخصية هذا الإنسان العظيم ولذلك اكتفي في المقام بالاشارة الاجمالية الى واقع هذه الشخصية الرسالية المثالية والعقل السليم والفهم المستقيم يتحرك من هذه الصورة الاجمالية الى الكثير من الصور التفصيلية المشرقة .
وتوضيح ذلك باختصار اننا ندرك على ضوء آية المباهلة ان الإمام علياً هو نفس النبي صلى الله عليه وآله وسلم وان النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو مجمع المثل السامية وملتقى القيم الرفيعة ـ بدليل وصف الله له بأنه على خلق عظيم مع قوله صلى الله عليه وآله وسلم وهو حق لانه معصوم لا ينطق عن الهوى :
« إنما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق » وذلك لا يكون الا اذا كان متصفا بها كلها وبدرجة رفيعة مميزة .
أجل : ان ملاحظة مجموع ذلك ينتج ان الإمام علياً متجمل بجميع الاخلاق الفاضلة والمكارم السامية التي حث عليها الإسلام وتجمل بها كلها نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم سيد الانام ولذلك يكون التعرض لذكر بعض المحامد الرفيعة والرافعة ـ من باب ذكر النماذج الفذة والشواهد الحية المؤكدة لحقيقة تجمل الإمام بمكارم اخلاق الإسلام ـ وقد ذكرت بعضا من هذه المزايا الحميدة وفيما يلي بعض آخر منها اذكره لا لمجرد التبرك ونيل الثواب بالتحدث بفضائله عليه السلام بل من اجل استيحاء الكثير من العبر والدروس كما


( 186 )


مرت الاشارة اليه في السابق ـ مضافا الى تحصيل الثواب العظيم المترتب على ذكر فضائل اهل البيت عليهم السلام بصورة عامة والإمام علي بصورة خاصة ـ على ضوء بعض الروايات الناصة على ذلك في كتب الفريقين ومما ورد في كتب السنة ما رواه اخطب خوارزم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونقله عنه المرحوم المقدس الشيخ المظفر في الجزء الثاني من دلائل الصدق ص 320 .
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ان الله جعل لاخي علي فضائل لا تحصى كثرة فمن ذكر فضيلة من فضائله مقرا بها غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ومن كتب فضيلة من فضائله لم تزل الملائكة تستغفر له ما بقي لتلك الكتابة رسم ومن استمع الى فضيلة من فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالاستماع ومن نظر الى كتاب من فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالنظر .
ثم قال : النظر الى عليّ عبادة وذكره عبادة ولا يقبل الله ايمان عبد الا بولايته والبراءة من اعدائه .
واذا كان الإمام علي عليه السلام لا يترك فعل مستحب من الافعال ولا التجمل بما هو مستحب من الخصال فبالطريق الاولى ان لا يترك واجبا من ذلك كله ـ ومن اوضح الواجبات واهمها صفة العدل والعمل بمقتضاها .
ومما روي عنه في هذا المجال ان عمرو بن العاص دخل على أمير المؤمنين ليلة وهو في بيت المال وكان الإمام عليه السلام ينظر في اموال المسلمين وحسابهم ودواوين العطاء وعنده سراج يضيء بنوره الضيئل وقد اشترى زيت السراج من بيت المال فلما دخل ابن العاص واراد ان يتحدث مع الإمام عليه السلام في بعض الشؤون الخاصة اطفأ الإمام السراج وجلس في ضوء القمر ولم يستحل ان يستعمل السراج المضاء بمال المسلمين في غير مصلحتهم والقصص الواردة في عدله كثيرة اقتصرت على ذكر هذه القصة كنموذج لهذه الصفة بسبب ضيق المجال ووضوح اتصافه بها الذي يغني عن المزيد من البيان حيث يكون من توضيح الواضحات وخصوصا بالنسبة الى هذه الصفة التي يعتبر الاتصاف بها من اهم الواجبات كما سبق .


( 187 )


كرم الإمام علي ( ع )

 


واتصافه بهذه المزية واضح ايضا بعد ملاحظة انه عليه السلام هو القرآن الناطق والإسلام العملي المتحرك ويؤكد ذلك دعوته الاخرين الى الاتصاف بهذه الصفة النبيلة ولا يعقل في حقه وهو الإمام المعصوم ان يدعو غيره الى فعل الخير ثم ينسى نفسه ومما نقل عنه عليه السلام من الكلام الذي دعا به الى البذل والعطاء قوله عليه السلام : « من ايقن بالخلف جاد بالعطية » وقوله : « البخل بالموجود سوء ظن بالمعبود » ومن المشهور عنه عليه السلام قوله :
« لو كشف لي الغطاء لما ازددت يقينا » (1) فإن هذا القول الصادق الصادر عن المعصوم الصادق يدل على قوة يقينه بالخلف والعوض الذي يقدمه الله سبحانه للكرماء المحسنين ومع قوة يقينه بذلك لا يحتمل في حقه ان يكون لديه شيء من سوء الظن بالمعبود ولو بنسبة ضيئلة لا تذكر لامتناع اجتماع ذلك مع قوة اليقين ومما يذكر كنموذج ومثال فقط لكرمه النادر ما جاء في كتاب البحار من ان اعرابيا جاء الى الإمام علي عليه السلام فقال :
يا أمير المؤمنين إني مأخوذ بثلاث علل علة النفس وعلة الفقر وعلة الجهل فأجابه الإمام عليه السلام وقال : يا اخا العرب : علة النفس تعرض على الطبيب وعلة الجهل تعرض على العالم وعلة الفقر تعرض على الكريم فقال الاعرابي انت الكريم وانت العالم وانت الطبيب فأمر أمير المؤمنين بأن يعطى من بيت المال ثلاثة آلاف درهم وقال ) تنفق الفا في علة النفس والفا في علة الجهل والفا في علة الفقر .
____________
(1) قد وردت هذه الجملة في الجزء الاول ص 72 سطر 16 بقلم بعض المشرفين على التصحيح هكذا : ( لو كشف لي الغطاء لما ازددت الا يقينا ) والاقرب ذكرها بدون الا .


( 188 )


وسأله اعرابي شيئا فأمر له بألف فقال الوكيل من ذهب او فضة فقال عليه السلام : كلاهما عندي حجر فأعط الاعرابي انفعهما له .
وقال له ابن الزبير : اني وجدت في حساب ابي ان له على ابيك ثمانين الف درهم فقال له : « ان اباك صادق فقضى ذلك ثم جاءه فقال : غلطت فيما قلت انما كان لوالدك على والدي ما ذكرته لك فقال : والدك في حل والذي قبضته هو لك ـ وروي ان رجلا جاء الى الإمام علي عليه السلام فقال : « يا امير المؤمنين ان لي اليك حاجة » فقال : « اكتبها في الارض فإني ارى الضر فيك بيناً » فقال عليه السلام : « يا قنبر اكسه حلتين فأنشأ الرجل يقول :

كسوتني حلة تبلـى محـــاسنها * فسوف اكسوك من حسن الثنا حللا
ان نلت حسن ثنائي نلت مـكرمة * ولست تبغى بما قد نلته بـــدلا
ان الثناء ليـحي ذكر صــاحبة * كالغيث يحيي نداه السـهل والجبلا
لا تزهد الدهر في عرف بدأت به * فـكل عبد سيجزى بالــذي فعلا


فقال عليه السلام : « اعطوه مائة دينار فقيل يا أمير المؤمنين لقد اغنيته فقال : اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : « انزل الناس منازلهم » ثم قال عليه السلام : « اني لاعجب من اقوام يشترون المماليك بأموالهم ولا يشترون الاحرار بمعروفهم » .