بلاغة
الإمام علي بن الحسين عليهما السلام
خطب ـ رسائل ـ كلمات
تأليف
الشيخ جعفر عباس الحائري









20 ربيع الاول 1375 عبدالحسين شرف الدين الموسوي








الشيخ جعفر عباس الحائري



مما لفظه الوحي الالهي ، ونطق به لسان العلم الربوبي ؛ من خطب وكتب وكلمات يقصر عنها الادراك البشري . ويدق خفاه عن فهم الذكي.



جعفر الشيخ عباس الحائري
كربلاء المقدسة
«( الباب الأول )»
في خطب الإمام ما جرى مجراها
( من بليغ كلامه فصيح بيانه )
لسلام
يحمد الله ويثني عليه ثم يذكر النبي ( ص )

____________
(1) الاوهام : جمع وهم ما يقع في القلب من الخاطر ، ويطلق على القوة الوهمية ، وهي من الحواس الباطنة في الانسان محلها آخر التجويف الاوسط من الدماغ من شأنها ادراك المعاني الجزئية المتعلقة بالمحسوسات كشجاعة زيد وسخاوته.

(2) الابتداع والاختراع لفظان متحدان في المعاجم العربية يقال ابتدعت الشيء اخترعته واخترعت الشيء ابتدعته.


____________
(1) رهقت الشيء رهقا من باب تعب قربت منه.
(2) الاثر الاجل ومنه الحديث : ( من سره أن يبسط الله في رزقه وينشأ في اثره ـ أي في اجله ـ فليصل رحمه ).
(3) سورة النجم آية 33.
(4) سورة الفرقان آية 41.

____________
(1) قال في الغريب : يقال لما يقع في النفس من عمل الخير إلهام ولما يقع من الشر وما لا خير فيه وسواس.
(2) البرزخ في اللغة الحاجز بين الشيئين ، واطلق على الحالة التي تكون بين الموت والبعث.
(3) سورة الجاثية آية 21.
(4) سورة الدخان آية 41.
(5) برق البصر برقاً بروقاً ـ تجير فزعاً حتى لا تطرف ، أو دهش فلم يبصر.
(6) الابشار جمع بشر بالتحريك كسبب واسباب وهو جمع بشره وهي ظاهر جلد الانسان.
نار الله الى كريم جوار الله ، حمداً نزاحم به ملائكته المقربين ونضام(1) به انبياؤه المرسلين في دار المقامة(2) التي لا تزول ، ومحل كرامته التي لا تحول.



____________
(1) الضم : الجمع . تقول ضممت الشيء الى الشيء فانضم ، وضامه : أي انجمع اليه ، والمعنى تنضم به الى الأنبياء.
(2) المقامة مصدر بمعنى الاقامة الحقت به التاء أي دار الاقامة التي لا انتقال عنها ابداً.
(3) قد يتوهم انه وقع من العبارة شيء ولكن ليس كذلك والمعنى لا يمكن تأدية شكره متى يمكن ذلك.
(4) القنا بالكسر والقصر مثل الا بمعنى الرضا يقال اقناه الله أي أرضاه.
برحمته تكرما ، وانتظر مراجعتنا برأفته حلما.


____________
(1) المقصود بنو اسرئيل الذين كانت سنة الله تعالى لهم في التوبة قتل النفس لا الندم فقط ( كما جاء في القرآن الكريم ).
جنته ، وخفيراً(1) من نقمته ، وامنا من غضبه ، وظهيراً على طاعته ، وحاجزاً عن معصيته ، وعونا على تأدية حقه ووظائفه حمدا نسعد به في السعداء من اوليائه ، ونصير به في نظم الشهداء وبسيوف اعدائه انه ولي الحميد.


____________
(1) ا لخفير هو المجير والمحامي من باب ضرب.
(2) ذرء بالهمزة من باب بفع خلقهم.
(3) حامة الرجل خاصته من اهله وولده.
ألا بعدين ، وعادى فيك الاقربين ، واذأب نفسه في تبليغ رسالتك واتعبها في الدعاء الى ملتك ، وشغلها بالنصح لاهل دعوتك ، وهاجر الى بلاد الغربة ، ومحل النأي عن موطن رحله ، وموضع رحله ومسقط رأسه ، ومأنس نفسه أرادة منه لاعزاز دينك ، واستنصاراً على اهل الكفر بك حتى استتب(1) له ما حاول في اعدائك ، وأستتم ما دبر في اوليائك ، فنهد(2) اليهم مستفتحاً بعونك ، ومتقوياً على ضعفه بنصرك ، فغزاهم في عقر ديارهم وهجم عليهم في بحبوحة قرارهم ، حتى ظهر أمرك ، وعلت كلمتك ، ولو كره المشركون.

____________
(1) استتب له الامر اي استقام وتم قاله الزمخشري في اساس اللغة وقال ابن الاثير في النهاية في حديث الدعاء حتى استتب له ما حاول في اعدائك اي استقام واستمر.
(2) نهد اي ظهر وبرز من بابي نفع وقتل.
(3) الصحيفة الكاملة السجادية.
( ومن كلام له عليه السلام )
في التوحيد(1)



____________
(1) قال بعض العلماء اعلم ان التوحيد يطلق على معان أحدهما.
(2) بحار الانوار ج2 ص 312 للمجلسي وجامع الاخبار ص 8.
يناجى ربه فقال :

____________
نفي التشريك في الالهية اي استحقاق العبادة ، وهي اقصى غاية التذلل والخضوع ولذا لا يستعمل الا في التذلل لله تعالى لأنه هو المولى لاعظم النعم بل جميعها فهو المنتهي لاقصى الخضوع وغايته ، والمخالف في ذلك مشركوا العرب واضرابهم فانهم بعد علمهم بان صانع العالم واحد كانوا يشركون الاصنام في عبادته ثانيها نفي التشريك في صانيعة العالم والمخالف في ذلك الثنوية واضرابهم ثالثها ما يشمل المعنيين المتقدمين وتنزيهه عما لا يليق بذاته وصفاته تعالى من النقص والعجز والجهل والتركيب واحتياج والمكان وغير ذلك من الصفات السلبية وتوصيفه بالصفات الثبوتية الكمالية رابعها ما تشمل تلك المعاني وتنزيهه عما يوجب النقص في افعاله ايضا من الظلم وترك اللطف وغيرها وبالجملة بكل ما يتعلق به سبحانه تعالى ذاتا وصفاتاً وافعالاً اثباتاً ونفياً.
(1) مندوحة الفسحة والوسعة.
(2) بحار الانوار ج2 ص 146 والارشاد ص 240 للمفيد.
( ومن كلام له عليه السلام )
يذكر فيه خلق العرش

____________
(1) قال في المعارف العالية ص 33 : كان العلماء في خلال اعصار مرت على هذا الحديث يعدونه من المتشابه الذي لا يعرف تاويله حتى وقفت سنة 1335 على جزء الطبيعيات من النقش في الحجر تأليف فانديك الامريكاني فاذا به يحلل ضوء الشمس الى انوار مختلفة هي النور الاخضر ومنه تبدو الخضرة على الاجسام والنور الاحمر ومنه تبدو الحمرة الخ زاعما أن الذي اكتشف هذه الحقيقة قبل كل احد هو اسحق نيوتن الانجليزي المتوفى سنة 1140 فعرفت تاويل الحديث الى أن يقول : غير ان الدين الاسلامي نطق به على لسان اوليائه وامنائه قبل الف وقرون.
غلظ كل طبق كأول العرش إلى اسفل السافلين ليس من ذلك طبق إلا يسبح بحمد ربه ، ويقدسه باصوات مختلفة ، والسنة غير مشتبهة ، ولو أذن للسان منها فاسمع شيئاً مما تحته لهدم الجبال والمداين والحصون ولخسف البحار ، ولاهلك ما دونه ، له ثمانية أركان ، كل ركن منها من الملائكة ما لا يحصى عددهم إلا الله عز وجل ، يسبحون الليل والنهار ولو حس شيء فما فوقه ما قام لذلك طرفة عين لهم وبين إحساس الجبروت ، والكبرياء والعظمة ، والقدس ثم العلم ، وليس وراء هذا المقال(1).
( ومن كلام له عليه السلام )
في الزهد والتقوى
والتحذير من سخط الباري ونقمته

____________
(1) التوحيد للشيخ الصدوق والكافي للكليني ورجال الكشي والاختصاص للمفيد والتفسير للقمي والبحار للمجلسي.

____________
(1) اي عقوبته.
الملائكة بالروح والرحيان ، وإن لم يكن كذلك تلجلج(1) لسانك ودحضت(2) حجتك ، وعييت عن الجواب ، وبشرت بالنار ، واستقبلتك ملائكة العذاب ، بنزل من حميم ، وتصلية جحيم فاعلم ابن آدم أن وراء هذا أعظم وأفضع ، وأوجع للقلوب يوم القيامة ، ذلك ( يوم مجموع له الناس ، وذلك يوم مشهود ) ويجمع الله فيه الأولين والآخرين ، ذلك يوم ينفخ فيه الصور ويبعث ما في القبور ، ذلك يوم الازفة(3) اذ القلوب لدى الحناجر كاظمة . ذلك يوم لا تقال فيه عثرة ، ولا تؤخذ من أحد فدية ، ولا تقبل من أحد فيه معذرة ، ولا لأحد مستقبل توبة ليس إلا الجزاء بالحسنات ، والجزاء بالسيئات ، فمن كان من المؤمنين ، وعمل في هذه الدنيا مثقال ذرة من خير وجده ومن كان من المؤمنين عمل في هذه الدنيا مثقال ذرة من شر وجده فأحذروا أيها الناس من المعاصي والذنوب . فقد نهاكم الله عنها ، وحذركموها في الكتاب الصادق ، والبيان الناطق ولا تأمنوا مكر الله وشدة أخذه ، عندما يدعوكم الشيطان
____________
(1) تلجلج في الكلام تردد ولم يظهر.
(2) دحضت الحجة بطلت.
(3) يوم القيامة .
اللعين ، من عاجل الشهوات واللذات في هذه الدنيا فان الله يقول(1) : (إن الذين إتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فاذا هم مبصرون) فاشعروا قلوبكم خوف الله : وتذكروا ما قد وعدكم الله في مرجعكم اليه من حسن ثوابه . كما قد خوفكم الله من شديد العقاب فانه من خاف شيئاً حذره . ومن حذر شيئاً نكله ، فلا تكونوا من الغافلين المائلين إلى زهرة الحياة الدنيا ، فتكونوا من الذين مكروا السيئات وقد قال تعالى(2) : ( أفأمن ا لذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو ياتيهم العذاب من حيث لا يشعرون * أو ياخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزون * أو يأخذهم على تخوف فان ربكم لرؤف رحيم) فاحذروا ما حذركم الله ، وأتعظوا بما فعل بالظلمة في كتابه ولا تأمنوا أن ينزل بكم بعض ما يوعد به القوم الظالمون في الكتاب ، تالله لقد وعظتم بغيركم ، وإن السعيد من وعظ بغيره ولقد أسمعكم الله في ا لكتاب ما فعل بالقوم الظالمين من أهل القرى قبلكم من حيث قال : ( وكم قصمنا(3) من قرية كانت
____________
(1) سورة الاعراف الآية 22.
(2) سورة النحل اية 45.
(3) اي حطمناها وهشمناها وذلك عبارة عن الهلاك يقال قصمت الشيء قصماً من باب حزب كسرته حتى يتبين.
ظالمة وأنشأنا بعدها قوماً آخرين ) وقال تعالى : (فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون) ـ يعني يرهبون ـ وقال سبحانه : (لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون فلما أتاهم العذاب قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيداً خامدين) وايم الله ان هذه لعظة لكم وتخويف إن اتعظتم وخفتم ، ثم رجع إلى القول من الله في الكتاب على أهل المعاصي والذنوب فقال : (لئن مستهم نفحة من عذاب ربك ليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالمين)(1) فان قلتم أيها الناس أن الله انما عنى بهذا أهل الشرك ، فكيف ذاك وهو يقول : ( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردل اتينا بها وكفى بنا حاسبين)(2) واعلموا عباد الله أن اهل الشرك لا تنصب لهم الموازين ولا تنشر لهم الدواوين(3) وانما يحشرون الى جهنم زمرا(4) وانما ننشر
____________
(1) الايات في سورة الانبياء ايه 11 و12 و13 و47.
(2) سورة الانبياء الاية 48.
(3) الدواوين صحائف الاعمال.
(4) أي جماعات في تفرقة واحداتها زمر وهي الجماعة من الناس.
الدواوين لاهل الاسلام فاتقوا الله عباد الله ، وأعلموا ان الله لم يخير في هذه الدنيا وعاجلها لأحد من اوليائه ، ولم يرغبهم فيها وفي عاجل زهرتها ، وظاهر بهجتها ، وإنما خلق الدنيا وخلق أهلها ليبلوهم أيهم أحسن عملا لآخرته ، وأيم الله (لقد ضرب لكم فيها الامثال وصرف الآيات لقوم يعقلون) فكونوا أيها المؤمنون من القوم الذين يعقلون ، ولا قوة إلا بالله ، وأزهدوا فيما زهدكم الله فيه من عاجل الحياة الدنيا ، فان الله يقول وقوله الحق(1) (انما مثل الحياة الدنيا كماء انزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والانعام حتى وأذا أخذت الارض زخرفها وأزينت وظن أهلها انهم قادرون عليها اتاها امرنا ليلا أو نهار فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالامس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون) فكونوا عباد الله من القوم الذين يتفكرون فلا تركنوا الى الدنيا ، فان الله قد قال لمحمد نبيه صلّى الله عليه وآله ولأصحابه : (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار)(2) ولا تركنوا إلى زهرة الحياة الدنيا وما فيها ركون من اتخذها دار قرار ، ومنزل استيطان ، فانها
____________
(1) سورة يونس الآية 24.
(2) سورة هود الآية 115.
دار بلغة ومنزل قلعة(1)ودارعمل ، فتزودوا فان خير الزاد الاعمال الصالحة منها قبل أن تخرجوا منها قبل الاذن من الله في خرابها فكان قد اخربها الذي عمرها أول مرة وابتداها . وهو ولي ميراثها ، وأسأل الله لنا ولكم العون على تزود التقوى ، والزهد فيها ، جعلنا الله واياكم من الزاهدين في عاجل زهرة الحياة الدنيا ، والراغبين العاملين لأجل ثواب الآخرة فانما نحن به وله ( وفي البحار ج17 ص 217) وصلى الله على محمد النبي وآله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته(2).
( ومن خطبة له عليه السلام )
( في التحذير عن الدنيا )

____________
(1) دار بلغة ومنزل قلعة : أي دار عمل يتبلغ فيها من صالح الاعمال ويتزود ، ومنزلة قلعة : أي يتحول عنها من دار الى دار.
(2) الامالي ص 356 للصدوق وتنبيه الخواطر لابن ورام ص 225 والبحار ج17 ص 217 للمجلسي والكافي للكليني.