المقدِّمة

البريد الإلكتروني طباعة
كتاب الذنب ص 1 ـ ص 25

الـذَّنـبُ

أسبابه وعلاجه

من محاضرات
الاستاذ الشيخ محسن القراءتي

تنظيم واعداد
محمّد محمّدي الأشتهاردي

مؤسسة النّشر الاسلامي
التّابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة

(2)

(3)
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين ، واللعن الدائم على اعدائهم أعداء الدين .
وبعد ، فإنّ الإنسان خلق مدنياً بالطبع ، فهو لا يستغني عن الآخرين من أبناء نوعه في الوصول إلى أغراضه وتوفير ما يحتاجه في حياته من مأكل وملبس ومسكن وغيرها ، وهذا بدوره سكون سببا في حصول المزاحمة وبثّ الاختلاف بين الناس ، باعتبار أنّ كلّ فرد يسعى للحصول على أكبر قدر ممكن من المنافع والفوائد ، ودفع أكبر قدر ممكن من الأضرار حتى لو كان ذلك على حساب الآخرين . الأمر الذي جعل الحاجة الى وجود قانون ينظّم علاقات الإنسان مع نفسه ومع الآخرين ملحة وماسّة ، وبدونه لا يمكن تصور بقاء الحياة الاجتماعية واستمراريّتها ، بل تكون مهدّدة بالفناء والزوال .
والمتكفّل لبيان القوانين والأنظمة إن كانت السماء سمّيت تلك المجموعة بالأديان السماوية ، ويتمّ ذلك عبر الشرائع والكتب الإلهية المقدّسة . وإن كان المتكفّل لها نفس الإنسان سمّيت بالقوانين الوضعية . ومع غضّ النظر من موافّقية الأديان السماوية وفشل القوانين الوضعية . ومع غضّ النظر عن موفّقية الأديان السماوية وفشل القوانين الوضعية في حفظ المجتمعات البشرية من الانحدار في مهاوي الضلال والهمجية نجد أن القانون والتشريع لا يعطي أثره ولا تظهر ثمرته إلاّ بعد الالتزام بمفاده واجتناب مخالفته . والمقنّن والمشرّع يهتّم


(4)


بذلك بنفس الدرجة التي يهتمّ بها في بيان أصل التشريع ، فنجده يرسم حدوداً معيّنة لا يسمح للتابعين الخروج عنها ، بل يحذّرهم من المخالفة ويوعدهم بالعقاب الأليم ، كلّ ذلك لأجل ضمان تنفيذ القوانين ، وبالتالي تحقيق أهدافها .
والإسلام الذي يعدّ الذروة في القوانين الإلهية والأطروحة الأنجح في سعادة الإنسان فرداً ومجتمعاً لم يستثن من هذه القاعدة ، بل حذّر أتباعه من المخالفة أو ما يصطلح عليه بالذنب ، وحذّر المذنبين تحذيراً شديداً من تبعات ذنوبهم في الدنيا والآخرة ، كلّ ذلك لأجل أن تعطي شجرة الإسلام المباركة ثمارها وتتحقّق الأغراض الإلهية من خلقة الإنسان في هذه المعمورة .
والكتاب الماثل بين يديك ـ عزيزنا القارئ ـ يشير إلى موضوع الذنب بشكلٍ تفصيلي ، فقد سعى فيه مؤلّفه الاستاذ الشيخ محسن القراءتي دامت تأييداته في بيان كلّ ما يمتّ إلى هذا الموضوع بصلة باسلوب جزل وبيان سهلٍ يتناسب وحاجة الشباب المعاصر ، فجزاه الله عن الإسلام خير الجزاء .
ونحن إذا نقدم على طبع هذا الكتاب ونشره لا يفوتنا أن نتقدّم بالشكر الجزيل للاخوة العاملين في مؤسسة الترجمة الإسلامية الذين سعوا في ترجمته ، وكذا نشكر سماحة الفاضل الشيخ محمّد المحمّدي الاشتهاردي على ما بذله في تنقيح أصل الكتاب وجمعه بعد أن كان على شكل محاضرات ودروس في كتاب مستقلّ ، سائلين الله عزّ شأنه لهم ولنا توفيق الطاعة وبعد المعصية ، إنّه خير موفقٍ ومعين .

مؤسّسة النشر الاسلامي


(5)

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الانتباه الى الآفات


لو فرضنا أن هناك بستانين متشابهين من حيث الماء والهواء والتراب والحرارة وكذلك حال الشبه بالنسبة الى اشجارهما الموسمية . وكان لهما فلاحين ، أحدهما يهتم بمكافحة الامراض والآفات التي كانت تصيب بستانه .
فمن الطبيعي ان يكون ذلك البستان ذا فاكهة طرية وورود جميلة ومتنوعة .
أما الآخر فكان يجهل أولا يهتم بامراض وآفات بستانه ، فنتيجة لذلك تلف بستانه وصار اكلاً للدود وعرضة للذبول .
وهكذا الانسان اذا لم يعالج امراضه الروحية والجسمية فيصبح عنصراً ضاراً وخطراً ، واذا انتبه وراقب نفسه وعالج أمراضها فعندما يكون شخصاً مفيداً ولائقاً .
إنّ الآفات والاضرار في الانسان هي عيوبه وذنوبه التي حذرت الكتب السماوية وجميع الانبياء البشر من مغبة التلوث بها مؤكدين على الطهارة واجتناب الذنب .
قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) :


(6)


« آفة النفس الوله بالدنيا » (1) .
وقال الامام الصادق ( عليه السلام ) :
« آفة الدين الحسد والعجب والفخر » (2) .
وعلى هذا الاساس يجب ان نعرف الآفات ونكافحها بعزم وتصميم .
ان هذا الكتاب الذي بين يدي القارىء والذي دوّن لهذا الغرض ، وهو مجموعة من الدروس التي ألقاها حجة الاسلام الشيخ « محسن القراءتي » في تلفزيون الجمهورية الاسلامية على مدى ثلاثين درساً في شهر رمضان سنة 1362 هـ ش . قد وقعت مورد إعجاب الجمهور . وهذا الدروس هذبت ونظمت واكتملت حتى اصبحت كتاباً وضعناه تحت اختياركم .
إن السبب وراء بيان هذه المسألة في شهر رمضان .. شهر إصلاح النفس وشهر الصيام .. شهر الكف عن الشهوات والسيطرة على النفس ، هو الاستلهام من خطبة الرسول الاكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عندما كان يتحدث عن فضل شهر رمضان . اذ قام اليه الامام علي ( عليه السلام ) وسأله :
« يا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ما هي افضل الاعمال في هذا الشهر » ؟
فاجابه الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
____________
(1) غرر الحكم ج 1 ص 305 ـ 309 .
(2) اصول الكافي ج 2 ص 307 .


(7)


« الورع عن محارم الله » (1) .
إنّ هذه الدروس الاخلاقية العميقة المحتوى قد وضعت في هذا الكتاب على خسمة أقسام (2) :
1 ـ معنى الذنب وأقسامه وأبعاده .
2 ـ الدواعي والأرضية لايجاد الذنب .
3 ـ تبريرات الذنب ومعرفة حدوده ، والانتباه للاستثناءات ومعرفة القيم .
4 ـ العوامل التي تمنع من الوقوع في الذنب والسيطرة عليه ، الوقاية وعلاج الذنب وكيفية التصدي للمذنب .
5 ـ الآثار والنتائج السيئة الحاصلة من الذنب ، التوبة والتطهير ، واصلاح الآثار الوخيمة للذنب .
آمل أن يكون هذا الكتاب مفيداً وذخيرة لنا في القبر والقيامة .

الحوزة العلمية في قم
محمد المحمدي الاشتهاردي
شهر رمضان 1409 ـ ارديبهشت 1368





____________
(1) وسائل الشعية : ج 7 ص 228 .
(2) لقد تم التركيز على بيان روح وعصارة تلك الدروس ، ولأجله فقد عضضنا النظر عن كثير من التوضيحات المتعلقة بها .


(8)

(9)

          القســـم الأول

    معنى الذنب وانواعه

    الذنب يعني المخالفة ، فكل عمل من الأعمال التي تخالف الاوامر الالهية يعد في نظر الاسلام ذنباً ، فحتى لو كان الذنب هيناً فهو عظيم وكبير وذلك لمخالفة الاوامر الربانية وعدم إطاعة الله سبحانه وتعالى .
    قال الرسول الاكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لأبي ذر :
    « لا تنظر الى صغر الخطيئة ولكن انظر الى من عصيته » (1) .

    الاصطلاحات الدالة على الذنب في القرآن الكريم :


    ذكرت في القرآن الكريم وعلى لسان الرسول الاعظم ( صلى الله عليه وآله سلم ) واهل بيته الطاهرين ( عليهم السلام ) اصطلاحات كثيرة ومختلفة حول الذنب ، حيث يكشف كل منها عن قسم من الآثار السيئة للذنب ويبّين الانواع المختلفة له ، والاصطلاحات التي وردت في القرآن الكريم عن الذنب
    ____________
    (1) مجموعة ورام ج 2 ص 53 .


    (10)


    عبارة عن :
    1 ـ الذنب 2 ـ المعصية 3 ـ الاثم 4 ـ السيئة 5 ـ الجرم 6 ـ الحرام 7 ـ الخطيئة
    8 ـ الفسق 9 ـ الفساد 10 ـ الفجور 11 ـ المنكر 12 ـ الفاحشة 13 ـ الخبط
    14 ـ الشر 15 ـ اللمم 16 ـ الوزر والثقل 17 ـ الحنث .


    * * *

    1 ـ الذنب : ومعناه التابع ، وحيث ان كل عمل مخالف للشريعة يتبعه نوع من الجزاء الدنيوي او الاخروي ، فقد وردت هذه الكلمة 35 مرة في القرآن الكريم .
    2 ـ المعصية : ومعناها التمرد والخروج عن الاوامر الالهية ، وتعبّر عن تعدي الانسان لحدود العبودية ، وقد وردت هذه الكلمة 33 مرة في القرآن الكريم .
    3 ـ الاثم : ومعناه الخمول ، والبط ، والعجز ، والحرمان من الأجر والثواب . وهو دلالة على أنّ الآثم شخص عاجز ومحروم ولا ينبغي له ان يتوهم بانه فطنّ ، وهذه الكلمة ذكرت في القرآن الكريم 48 مرة .
    4 ـ السيئة : ومعناها العمل القبيح والسيء الموجب للهم والذلة ، وتقابلها ( الحسنة ) التي تعني السعادة والفلاح ، ووردت هذه الكلمة في القرآن الكريم 165 مرة . وكلمة السوء مأخوذة من نفس المصطلح وذكرت 44 مرة في القرآن الكريم .


    (11)


    5 ـ الجرم : ويعني في الاصل : انفصال الثمرة عن الشجرة وكذلك تعني الانحطاط ، والجريمة والجرائم اشتقت من نفس هذه المادة ، والتلوث بالجرم يبعد الانسان عن الحقيقة ، والسعادة ، والتكامل ، والهدف ، وقد وردت هذه الكلمة 61 مرة في القرآن الكريم .
    6 ـ الحرام : وتعني هذه الكلمة المنع والحظر . كلباس الاحرام الذي يرتديه الانسان في الحج والعمرة فيحرم عليه ممارسة عدة من الاعمال ، والشهر الحرام هو الشهر الذي يحرّم فيه القتال ، والمسجد الحرام يعني المسجد الذي له قدسيّة وحرمة خاصة ويحرم على المشركين الدخول فيه ، وقد وردت هذه الكلمة 75 مرة في القرآن الكريم .
    7 ـ الخطيئة : وتعني الذنب غير المتعمد غالباً . وقد تعني احياناً الذنب الكبير ، كما اشير اليها في آيتين في القرآن الكريم . ( بلى من كسب شيّئة وأحاطت به خطيئته فاولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) (1) .
    ووردت في سورة الحاقة الآية 37 .
    ( لا يأكله إلاّ الخاطئون ) .
    ان ارتكاب الخطيئة يقطع على الانسان طريق النجاة ويمنع دخول الانوار الالهية الى قلبه .
    ____________
    (1) البقرة : آية 81 .


    (12)


    هذا الاصطلاح في الاصل هو حالة تحصل للإنسان نتيجة اقترافه الذنب فتمنعه من بلوغ سبيل النجاة وتحجب نفوذ انوار الهداية الى قبله (1) . وردت هذه الكلمة 22 مرة في القرآن الكريم .
    8 ـ الفسق : ويعني في الأصل خروج نوى التمر عن قشوره ، وهو كناية عن خروج المذنب عن طريق الطاعة والعبودية لله سبحانه وتعالى .
    اي انه بذنبه قد انتهك حرمة الاوامر الالهية ، وفي النتيجة بقي هذا المذنب عارياً وبدون حصن يحصنه وحافظ يحفظه . وقد ورد هذا الاصطلاح 53 مرة في القرآن الكريم .
    9 ـ الفساد : ويعني الخروج عن حد الاعتدال ، ونتيجته الضياع وتبذير القوى ، وقد ذكر هذا الاصطلاح 50 مرة في القرآن الكريم .
    10 ـ الفجور (2) : ومعناه تمزق ستار الحياء والسمعة والدين ، وعاقبته الافتضاح ، وجاء هذا الاصطلاح ست مرات في القرآن الكريم .
    11 ـ المنكر : وأصله من الانكار بمعنى الغير معروف ، وذلك لكون الذنب غير مأنوس لدى الفطرة والعقل السليم ، بل يعدانه قبيحاً اجنبياً ، وقد ورد هذا الاصطلاح 16مرة في القرآن الكريم ، وطرح اكثر الاحيان بعنوان النهي عن المنكر .
    ____________
    (1) الميزان ج 1 ص 218 .
    (2) الفجور شق ستر الديانة ( مفردات الراغب 373 ) .


    (13)


    12 ـ الفاحشة : هي الكلام والعمل القبيح الذي لا شك في قبحه . وفي بعض الاحيان تستعمل بمعنى العمل الشديد القبح والعار والتضجر . وقد ورد هذا الاصطلاح 24 مرة في القرآن الكريم .
    13 ـ الخبط : ومعناه عدم التعادل والتوازن في القيام والقعود . وكأن المذنب يتحرك حركات غير موزونة ولا معقولة يتبعها خمول وانحطاط .
    14 ـ الشر : ومعناه كل شيء قبيح يرفضه الناس .وعلى العكس منه اصطلاح الخير ، بمعنى العمل المحبوب لدى الناس وكأن الذنب هو على خلاف الفطرة والاحساس الداخلي للبشر . وهذا الاصطلاح يستعمل غالباً في مورد البلاء والنوائب ويستعمل احياناً في مورد الذنب حيث ورد قوله تعالى في سورة الزلزال بمعنى الذنب :
    ( ومن يعمل مثقال ذرةٍ شراً يره ) (1) .
    15 ـ اللمم : ( وهو على وزن قلم ) بمعنى التقرب الى الذنب ، وبمعنى الاشياء القليلة . ويستعمل في الذنوب الصغيرة ، وورد هذا الاصطلاح مرة واحدة في سورة ( النجم آية 32 ) .
    16 ـ الوزر : ومعناه الثقل .يأتي اكثر الاحيان بمعنى تحمل ذنوب الاخرين . فالوزير يطلق على من يتحمل عبء الحكومة الثقيل ، والمذنب غافل عن انه سيحمل على عاتقه حملاً ثقيلاً ، وهذا الاصطلاح ذكر 26 مرة في القرآن الكريم .
    ____________
    (1) سورة الزلزال آية 8 .


    (14)


    وفي بعض الاحيان ورد اصطلاح « الثقل » في القرآن الكريم في مورد الذنب ، كما دلت عليه الآية 13 من سورة العنكبوت .
    17 ـ الحنث : ( على وزن جنس ) (1) وأصله التمايل والانحراف نحو الباطل ، واكثر ما تستعمل هذه الكلمة للذنوب الناتجة من عدم الوفاء بالوعد ، ونقض العهد بعد الالتزام به ، التي تعد من الذنوب الكبيرة . وقد ورد هذا الاصطلاح مرتين في القرآن الكريم .
    إن هذه الاصطلاحات السبعة عشر يبيّن كلّ واحدٍ منها جزءاً من الآثار الوخيمة للذنب ويجسد الوانه ، وكل واحد منها له أسلوب خاص في تحذير الناس من ارتكاب الذنوب .

    الاصطلاحات الاخرى في الروايات :


    جاءت في الروايات الاسلامية اصطلاحات أخرى للذنوب مثل : الجريرة ، الجناية ، الزلة ، العثرة ، والعيب و . . .
    وكل واحد من هذه الاصطلاحات يبين لنا معناً خاصاً للذنب من الممكن للانسان أن يقع فيه .

    اقسام الذنب :


    قسم علماء الاسلام قديماً الذنب الى قسمين .
    1 ـ الذنوب الكبيرة .
    ____________
    (1) مفردات الراغب والمنجد ( حنث ) .


    (15)


    2 ـ الذنوب الصغيرة .
    وقد نشأ هذا التقسيم من القرآن الكريم والروايات ، فمثلاً نقرأ في القرآن الكريم :
    الآية 31 من سورة النساء :
    ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلاً كريماً ) .
    وفي الآية 49 من سورة الكهف :
    ( ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين ممّا فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرةً إلاّ أحصاها ) .
    وفي الآية 32 من سورة النجم :
    ( الّذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش الاّ اللّمم إنّ ربك واسع المغفرة ... ) (1) .
    1 ـ اللمم ( على وزن قلم ) واصلها القرب من الذنب وتحتسب من الذنوب الصغيرة .
    وفي الآية 37 من سورة الشورى :
    ( والّذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش ) .
    وفي الآية 48 من سورة النساء :
    ____________
    (1) اللمم ( على وزن قلم ) تعني في الاصل الاقتراب نحو الذنب ، كما يعبر عن الذنوب الصغيرة بـ « اللمم » ايضاً .


    (16)


    ( إنّ الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثّما عظيماً ) .
    لقد أصبح واضحاً من خلال هذه الايات الشريفة ان الذنوب في الاسلام على نوعين : صغيرة وكبيرة .
    ويستفاد أيضاً من ان بعض الذنوب ( بدون توبة نصوحة ) لا عفو فيها وانّ بعضها تشمله المغفرة والعفو الالهي .

    7

    تقسيم الذنوب كما جاء في الروايات :


    جاءت عن أهل البيت ( عليهم السلام ) روايات متعددة تبين لنا تقسيم الذنوب الى الكبيرة والصغيرة .
    وقد أختصّ بهذا الموضوع ما رود في كتاب اصول الكافي تحت عنوان « باب الكبائر » والذي يحتوي على 24 حديثاً ، حيث ورد في الرواية الاولى والثانية من هذا الباب ان الذنوب الكبيرة تطلق على الذنوب التي جعل الله لها النار والجحيم واجباً وحتمياً (1) .
    وجاء في بعض هذه الروايات ان الذنوب الكبيرة سبعة انواع ( كما جاء في الرواية الثالثة والثامنة ) ، وفي بعضها انها تسعة عشر ذنباً ( رواية 24 ) (2) .
    ____________
    (1) الكبائر التي اوجب الله سبحانه عليها النار . ( اصول الكافي ج 2 ص 276 ) .
    (2) اصول الكافي ط آخوندي ج 2 ص 285 ـ وسائل الشيعة ج 11 ص 252 فما بعدها .


    (17)


    ومن مجموع هذه الروايات يظهر ان الذنوب تكون من حيث الشدة والضعف على قسمين كبيرة وصغيرة . وبالرغم من ان كل ذنب مخالف للاوامر الالهية يعتبر كبيراً وثقيلاً ، ولكن هذا الموضوع لا ينافي كون بعض الذنوب من حيث اثارها الوخيمة اكبر من البعض الاخر وبالتالي تقسيمها الى كبيرة وصغيرة .

    ما جاء على لسان الامام الصادق ( عليه السلام ) حول الذنوب الكبيرة في كتاب الله سبحانه .


    قال الامام الكاظم ( عليه السلام ) .
    جاء أحد علماء الاسلام وهو ( عمرو بن عبيد ) الى الامام الصادق ( عليه السلام ) بعد ان سلّم عليه وقرأ هذه الآية :
    ( الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش ... ) ( النجم 32 ) .
    بعدها سكت ولم يكمل الآية .
    قال الامام الصادق ( عليه السلام ) : « لماذا سكتّ ؟ ! » .
    اجاب عمرو بن عبيد : أحبّ ان أعرف الذنوب الكبيرة في كتاب الله تعالى :
    اجابه الامام ( عليه السلام ) : نعم يا عمرو ! ، اسمع .
    1 ـ اكبر الذنوب الكبيرة الشرك بالله سبحانه كما قال سبحانه وتعالى :
    ( ومن يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنّة ) ( النساء 72 ) .


    (18)


    2 ـ وبعده اليأس من رحمته . قال الله تعالى :
    ( أنّه لا يياس من روح الله إلاّ القوم الكافرون ) ( يوسف 87 ) .
    3 ـ وبعدهما الامان من مكر الله تعالى . قال الله تعالى :
    ( فلا يأمن من مكر الله إلاّ القوم الخاسرون ) ( الاعراف 99 ) .
    4 ـ ومن جملة الذنوب الكبيرة عقوق الوالدين . حيث اطلق الله على عاق الوالدين بـ ( جبّاراً شقياً ) (1) .
    5 ـ قتل النفس المحترمة الا في موارد الحق حيث قال الله سبحانه :
    ( ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنّم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له عذاباً عظيماً ) ( النساء 93 ) .
    6 ـ قذف المرأة الطاهرة بالزنا كما يقول الله سبحانه وتعالى :
    ( إن الّذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم ) ( النور 23 ) .
    7 ـ اكل مال اليتيم : قال الله تعالى في مورد عاقبة الذين يأكلون مال اليتيم :
    ( إنّما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً ) ( النساء الآية 10 ) .
    الفرار من جبهة الجهاد : كقوله تعالى :
    ____________
    (1) وقد ورد على لسان عيسى ( عليه السلام ) ( وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً ) مريم 32 .


    (19)


    ( ومن يولّهم يؤمئذ دبره الاّ متحرفاً لقتالٍ أو متحيزاً الى فئةٍ فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنّم وبئس المصير ) ( الانفال 16 ) .
    9 ـ اكل الربا : قال الله تعالى :
    ( الذين يأكلون الربا لا يقومون إلاّ كما يقوم الّذي يتخبطه الشّيطان من المسّ ) ( البقرة 277 ) .
    10 ـ السحر والشعبذة : حيث قال الله تعالى :
    ( ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الاخرة من خلاقٍ ) ( البقرة 103 ) .
    11 ـ الزنا ، قال الله تعالى :
    ( ومن يفعل ذلك يلق أثاماً * يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً ) ( الفرقان 68 ، 69 ) .
    12 ـ القسم الكاذب للذنب ، قال الله تعالى :
    ( الّذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الاخرة ) ( آل عمران 77 ) .
    13 ـ الخيانة عند غنائم الحرب ، كقوله تعالى :
    ( ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة ) ( آل عمران 161 ) .
    14 ـ منع الزكاة ، حيث قال الله تعالى في مورد عاقبة مانع الزكاة :
    ( يوم يحمى عليها في نار جهنّم فتكوى بها جباههم


    (20)


    وجنوبهم وظهورهم ) ( التوبة 35 ) .
    15 ـ الشهادة كذباً وكتمان شهادة الحق ، كقوله تعالى :
    ( ومن يكتمها فانه آثم قلبه ) ( البقرة 283 ) .
    16 ـ شرب الخمر : لان الله سبحانه نهى عنها كما نهى عن عبادة الاوثان والاصنام . كما ورد في ( الآية 90 ) من سورة المائدة .
    17 ـ ترك الصلاة او أحد الواجبات الالهية الاخرى عمداً .
    قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
    « من ترك الصلاة متعمداً فقد بريء من ذمة الله وذمة رسول الله » .
    18 و 19 ـ عدم الوفاء بالعهد ، وقطع صلة الرحم : كقوله تعالى :
    ( اولئك لهم الّلعنة ولهم سوء الدّار ) ( الفرقان 25 ) .
    قال الرواي : ولما ان وصل الامام الصادق ( عليه السلام ) الى هذه النقطة اجهش عمرو بن عبيد بالبكاء والعويل من شدة الحزن وخرج من مجلسه وهو يقول : هلك من قال برأيه ونازعكم في الفضل والعلم (1) .

    الموازين والمعايير لمعرفة الذنوب الكبيرة والصغيرة :


    ما هو المعيار لمعرفة الذنوب الكبيرة من الصغيرة ؟ حيث ان هناك اختلافاً كثيراً في اقوال العلماء ، فمنهم من يقول : ان المعيار
    ____________
    (1) اصول الكافي : ج 2 ، ص 258 ، ـ 287 ، أصول الكافي المترجم ج 3 ص 390 ـ 392 .


    (21)


    لتشخيص تلك الذنوب ، الامور التالية :
    1 ـ كل ذنب وعد الله سبحانه وتعالى له في القرآن الكريم عذاباً .
    2 ـ كل ذنب عين له الشارع المقدس حداً معيناً ( كشارب الخمر والزاني ، والسارق ، وامثالها ، فحدودها الجلد والقتل والرجم ) وقد حذر عنه القرآن الكريم .
    3 ـ كل ذنب يدل على الاستهانة بالدين والامبالاة به .
    4 ـ كل ذنب ثبتت حرمته وانه ذنب كبير بالأدلة القاطعة .
    5 ـ كل ذنب هدّد له القرآن والسنة بالعذاب الشديد لمرتكبه (1) .
    أما حول عدد الذنوب الكبيرة فبعضهم قال : سبعة والبعض الآخر قالوا : عشرة ، واخرون : عشرون ، والبعض : اربع وثلاثون وبعض : أربعون أو أكثر .
    والجدير بالانتباه هو أنّ هذه الاختلافات في العدد قد جمعت واقتبست من الايات والروايات المختلفة ، ولاجل ذلك لا تكون الذنوب الكبيرة في مستوى واحد .
    ____________
    (1) نقلاً من العلامة المجلسي في شرح اصول الكافي ، والتي نقلها بدوره عن الشيخ البهائي ، ترجمة ( اصول الكافي ج3 ص 392 ) .


    (22)


    الذنوب الكبيرة في نظر الامام الخميني ( قدس سره ) .


    جاء في كتاب تحرير الوسيلة للامام الخميني ( قدس سره ) حول الذنوب الكبيرة ما يلي :
    1 ـ هي كل معصية توعد الله مرتكبها بنار جهنّم كما ورد في القرآن والروايات الاسلامية .
    2 ـ أو نهي عنها في الشريعة نهياً غليظاً .
    3 ـ او دل دليل على كونها اكبر من بعض الذنوب الكبيرة الاخرى او امثالها .
    4 ـ او حكم العقل بانها كبيرة .
    5 ـ ان يعد ذلك الذنب في ارتكاز المتشرعة من الذنوب الكبيرة .
    6 ـ او ورود النص من الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) او الائمة ( عليهم السلام ) بكونها من الذنوب الكبيرة .
    ثم قال : الذنوب الكبيرة كثيرة بعضها عبارة عن :
    1 ـ اليأس من رحمة الله .
    2 ـ الأمن من مكره .
    3 ـ الكذب على الله تعالى ورسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأوصيائه .
    4 ـ قتل النفس التي حرمها الله الا بالحق .
    5 ـ عقوق الوالدين .
    6 ـ اكل مال اليتيم ظلماً .


    (23)


    7 ـ قذف المحصنة .
    8 ـ الفرار من الزحف .
    9 ـ قطيعة الرحم .
    10 ـ السحر والشعبذة .
    11 ـ الزنا .
    12 ـ اللواط .
    13 ـ السرقة .
    14 ـ اليمين الغموس .
    15 ـ كتمان الشهادة في مورد تكون الشهادة عليه واجبة .
    16 ـ شهادة الزور .
    17ـ نقض العهد .
    18 ـ الحيف في الوصية .
    19 ـ شرب الخمر .
    20 ـ الربا .
    21 ـ أكل السحت .
    22 ـ القمار .
    23 ـ اكل الميتة والدم .
    24 ـ اكل لحم الخنزير .
    25 ـ ما أهلّ لغير الله من غير ضرورة .
    26 ـ البخس في المكيال والميزان .


    (24)


    27 ـ التعرب بعد الهجرة (1) .
    28 ـ معونة الظالمين .
    29 ـ الركون اليهم ( يعني الظالمين ) .
    30 ـ حبس الحقوق من غير عذر .
    31 ـ الكذب .
    32 ـ التكبر .
    33 ـ الاسراف والتبذير .
    34 ـ الخيانة .
    35 ـ الغيبة .
    36 ـ النميمة .
    37 ـ الاشتغال بالملاهي .
    38 ـ الاستخفاف بالحج .
    39 ـ ترك الصلاة .
    40 ـ منع الزكاة .
    41 ـ الاصرار على الصغائر من الذنوب .
    وأما الشرك بالله تعالى وانكار ما انزله ومحاربة اوليائه فهي من اكبر الكبائر (2) .
    ____________
    (1) يعني أنّ الانسان كان في مكان محفوظ فيه دينه ويهاجر الى مكان يكون دينه في خطر فيسمى ذلك ( التعرب ) .
    (2) تحرير الوسيلة ج 1 ص 274 ، 275 .


    (25)


    وطبقاً لما ورد في رسالة الامام الخميني ( قدس سره ) فانّ الذنوب الكبيرة كثيرة وما ذكر هو قسم منها . فمثلاً الاستهانة بالكعبة والقرآن والرسول والائمة الطاهرين ( عليه السلام ) او سبهم او البدعة و ...... يعد من الذنوب الكبيرة .

    تقسيم آخر للذنوب :


    قال الامام علي ( عليه السلام ) (1) .
    « إن الذنوب ثلاثة .... فذنب مغفور وذنب غير مغفور . وذنب نرجو لصاحبه ونخاف عليه » .
    قيل : يا امير المؤمنين ( عليه السلام ) فبينها لنا ، قال ( عليه السلام ) نعم : أما الذنب المغفور فعبد عاقبه الله تعالى على ذنبه في الدنيا فالله أحكم وأكرم ان يعاقب عبده مرتيّن ، وأما الذنب الذي لا يغفر فظلم العباد بعضهم لبعض ، إن الله تبارك وتعالى اذا برز لخلقه أقسم قسماً على نفسه فقال : وعزتي وجلالي لا يجوزني ظلم ظالم ولو كفّ بكّف ، ولو مسحة بكف ونطحةٍ ما بين الشاة القرناء الى الشاة الجماء ، فيقتض الله للعباد بعضهم من بعض ، حتى لا يبقى لأحدٍ عند أحد مظلمة ، ثم يبعثهم الله الى الحساب ، وأم الذنب الثالث فذنب سترة الله على عبده ورزقه التوبة فأصبح خاشعاً من ذنبه ، راجياً لربه فنحن له كما هو لنفسه نرجو له الرحمة ونخاف عليه العقاب .
    ____________
    (1) بحار الانوار ج 6 ص 29 ـ 30 .