المقدمة

البريد الإلكتروني طباعة

كتاب المؤمن ص1 ـ ص13

المُؤْمِنُ

لِلشَّيْخ الثِّقَةِ الجَليْلِ
الحُسَيْنِ بْنِ سَعيْدِ الكُوفِيّ الأَهْوَازِيّ مِنْ أصْحَابِ الأَئِمّةِ أَبيِ الْحَسَنِ الرِّضَا ، أَبيِ جَعْفَرِ الْجَوَادِ ، أَبيِ الْحَسَنِ الْهَادِي
عَلَيْهِمُ السَّلامُ
المُتِوَفّى بِقُــمٍ

تحقيق ونشر
مدرسة الإمام المهدي عليه السلام
قم المقدسة






( 3 )

الاهداء

إلى صاحب الامر..
مهدي الامم..
بقية الله في الارضين..
الحجة بن الحسن العسكري..
أرواحنا له الفداء...
وإلى إخواننا المؤمنين لا سيما العلماء العاملين.


( 4 )
شكر وثناء


تتقدم ( مدرسة الامام المهدي عليه السلام ـ مركز التحقيق ) في قم المقدسة ، بباقات من التبريكات أعطر من الرياحين ، ومن الشكر والثناء آيات أسمى من أريج الياسمين.
مع أخلص الدعوات الزاكيات ، وأجمل الامنيات الخالصات ، لجميع الاخوة الافاضل ، العاملين المؤمنين ، الذين ساهموا في إخراج هذا الكتاب الثمين ، والدرة المصون ، لعالم الوجود ، بحلته القشيبة ، وبالحرص والعمل الدؤوب ، والتحقيق الدقيق والبحث العلمي الرصين العميق ، فلهم من الله ثناء غير مجذوذ ، وعطاء غير مردود ، و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، إنه نعم المولى ونعم النصير.


( 5 )
بسم الله الرحمن الرحيم

( 6 )


قال الله تعالى :
انما المؤمنون الذين امنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا باموالهم وانفسهم في سبيل الله اولئك هم الصادقون * الحجرات : 15



انما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم اياته زادتهم ايمانا وعلى ربهم يتوكلون * الذين يقيمون الصلوة ومما رزقناهم ينفقون * اولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم * الانفال : 2 ، 3 ، 4





( 7 )
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله على ما أولانا إيمانا خالصا كما آمن به الانبياء والمرسلون ، والعارفون الموحدون ، ويقينا صادقا كما صدقته الملائكة المقربون ، والاولياء والصالحون.
وسلام على المرسلين الذين بلغوا رسالات ربهم ، وهو على ما أصابهم في دعوتهم صابرون ، اولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة ، واولئك هم المهتدون ، الذين لاخوف عليهم ولا هم يحزنون.
والصلاة والسلام على خير خلق الله الاطهار المصطفين ، محمد وآله سادة الخلق أجمعين ، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، الذين صبروا وصابروا في ولائهم لاهل البيت المنتجبين ، واوذوا وقتلوا وحرقوا ونفوا عن ديارهم ولا زالوا بحبلهم متمسكين ، الذين قال فيهم الامام الصادق عليه السلام : « نحن صبر وشيعتنا أصبر منا ، وذلك أنا صبرنا على ما نعلم ، وصبروا هم على ما لا يعلمون » (1) اولئك الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
واللعنة الدائمة الماحقة لاعدائهم أجمعين ، الذين يخادعون الله وما يخدعون إلا أنفسهم ، فحملوا ظهورهم وزر البرايا ، ألا ساء ما يزرون.
إن ما أجمع عليه ، أن للايمان منازل ودرجات ، ومراقي عاليات ، وللمؤمنين الممتحنين صفات مخصوصات ، جعلتهم في الناس مميزين كبدور نيرات ، ولاخلاق العوام كارهين بل نابذين ، قد يحسبهم الرائي مرضى وما بالقوم من مرض ، ولكنهم من خوف الله وجلون ، كأنهم قد خولطوا ، ولقد خالطهم أمر عظيم ، لما كشف لهم من العذاب الاليم للمجرمين ، والنعيم المقيم للصالحين ، فهم والجنة كمن قد رآها فهم فيها منعمون ، وهم والنار كمن قد رآها فهم فيها معذبون ، كلما تلوا سورا من القرآن العظيم.
هؤلاء الذين هجرت عيونهم في الليل غمضها ، وأدت أنفسهم إلى بارئها فرضها ، حتى إذا غلب عليها الكرى ، افترشت أرضها ، وتوسدت كفها ، في معشر أسهر عيونهم خوف معادهم ، وتجافت عن مضاجعهم جنوبهم ، وهمهمت بذكر ربهم شفاههم ،
____________
(1) تفسير القمي ص 489 س 19 ، البحار 71 | 84 ح 27.


( 8 )


اولئك الذين وصفهم أمير المؤمنين سلام الله عليه بقوله : مُرْه (1) العيون من البكاء ، خمص البطون من الصيام ، صفر الالوان من السهر ، على وجوههم غبرة الخاشعين ، اولئك إخواني الذاهبون ، فحق لنا أن نظمأ إليهم ، ونعض الايدي على فراقهم.
والمؤمن كلما اقترب من ربه منزلة أتحفه الله بأنواع المصائب والبلايا ، فتتوالى عليه من كل مكان ، وتسدد قسيها إليه من كل جانب ، وهل البلاء إلا لمن أخلص لله وآمن به ، الامثل فالامثل ، ليجزيه الله الجزاء الاوفر.
وقد مر موضوع شدة الابتلاء وأنواعه في مقدمة كتاب « التمحيص » فلا حاجة لاعادته ، وسترد أحاديث اخرى في كتابنا هذا تنير الطريق لسالكيه ، وتشرح القلوب التي في الصدور ، مستقاة من معين أهل بيت الرحمة عليهم السلام ، الذين هم أعرف بعلل النفوس وأمراضها ، ووساوس الشياطين وأدرانها ، فيعينوا الداء ، ويصفوا الدواء ،
جعلنا الله من المتمسكين بحبل ولايتهم ، المقبولة أعمالهم ، المغفورة ذنوبهم ، الهانئين بشربة روية من حوض كوثرهم ، الفائزين بشفاعتهم يوم لا ينفع مال ولا بنون ، إلا من أتى الله بقلب سليم ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
____________
(1) مُرْه : جمع أمره ، من مرهت عينه إذا فسدت ، أو ابيضت حماليقها.


( 9 )
ترجمة المؤلف

هو الحسين بن سعيد بن حماد بن مهران الاهوازي (1).
كنيته
أبو محمد (2) ، الكوفي الاصل (3) ، انتقل مع أخيه الحسن بن سعيد إلى الاهواز (4) فاشتهرا بهذا اللقب ، وكان الحسن يعرف ب‍ « دندان » (5) ، والاخوان من موالي علي بن الحسين سلام الله عليهما (6).
عاصر الحسين بن سعيد كلا من الامام الرضا والجواد والهادي سلام الله عليهم أجمعين ، وروى عنهم ، ولذا عد من أصحابهم ، كما في أغلب كتب التراجم والرجال (7).
مدحه وأطراه جميع الاصحاب والمشايخ الذين كتبوا عنه ، وأثنوا عليه ، ووصفوه بأنه ثقة ، مثل الشيخ في كتابيه الرجال والفهرست ، والعلامة في الخلاصة نعته بأنه : ثقة عين ، جليل القدر ، وقال أبو داود في حقه : ثقة ، عظيم الشأن (8).
وقال ابن النديم (9) : الحسن والحسين ابنا سعيد الاهوازيان من أهل الكوفة... أوسع أهل زمانهما علما بالفقه والآثار والمناقب وغير ذلك من علوم الشيعة.
وذكر أحد كتبه المجلسي (10) بقوله : وأصل من اصول عمدة المحدثين الشيخ الثقة الحسين بن سعيد الاهوازي ، وكتاب الزهد وكتاب المؤمن له أيضا.
انتقل الاخوان من الكوفة إلى الاهواز فترة من الزمن لنشر تعاليم آل الرسول صلى الله عليه وآله وأبناء فاطمة البتول عليهم السلام الذين أذهب الله عنهم الرجس و
____________
(1) النجاشي ص 46 ، إلا أن الشيخ في الفهرست ص 58 ح 220 والكشي ص 551 ح 1041 ذكرا بعد « حماد » « سعيدا » ، فيكون : الحسين بن سعيد بن حماد بن سعيد بن مهران.
(2) النجاشي ص 46
(3) البرقي ص 54 ، الفهرست ص 104 ، رجال أبي داود رقم 743
(4) الفهرست ص 104
(5) رجال الكشي ص 551
(6) الشيخ في رجاله والفهرست ، الكشي ، النجاشي ، نفس الصفحات السابقة ، والظاهر أنهما من ذراري موالي الامام السجاد عليه السلام للفرق الشاسع بين وفاة الامام السجاد عليه السلام سنة 95 ه‍ـ وبين وفاة الامام الرضا عليه السلام سنة 203 ه‍ـ وحتى وفاة الامام الهادي عليه السلام سنة 254 ه‍ـ ، فلاحظ.
(7) ذكره الشيخ في رجاله ص 372 ، 399 ، 412.
(8) المصادر السابقة
(9) الفهرست ص 277
(10) البحار ج 1 | 16.


( 10 )


طهرهم تطهيرا ، كما مر آنفا.
وللاخوين مؤلفات كثيرة في الحلال والحرام وفي مختلف العلوم والمعارف ، بلغت خمسين تصنيفا للحسن فقط كما عن الكشي ، أو ثلاثين لكليهما كما نقل النجاشي قائلا : كتب بني سعيد كتب حسنة معمول عليها ، وهي ثلاثون كتابا.
وقد شارك الحسين أخاه الحسن في الكتب الثلاثين المصنفة ، وإنما كثر اشتهار الحسين أخيه بها ، والكتب هي :

1 ـ كتاب الوضوء 2 ـ كتاب الصلاة
3 ـ كتاب الزكاة 4 ـ كتاب الصوم
5 ـ كتاب الحج 6 ـ كتاب النكاح
7 ـ كتاب الطلاق 8 ـ كتاب العتق والتدبير والمكاتبة
9 ـ كتاب الايمان والنذور 10 ـ كتاب التجارات والاجارات
11 ـ كتاب الخمس 12 ـ كتاب الشهادات
13 ـ كتاب الصيد والذبائح 14 ـ كتاب المكاسب
15 ـ كتاب الاشربة 16 ـ كتاب الزيارات
17 ـ كتاب التقية 18 ـ كتاب الرد على الغلاة
19 ـ كتاب المناقب 20 ـ كتاب المثالب
21 ـ كتاب الزهد 22 ـ كتاب المروة
23 ـ كتاب حقوق المؤمنين وفضلهم 24 ـ كتاب تفسير القرآن
25 ـ كتاب الوصايا 26 ـ كتاب الفرائض
27 ـ كتاب الحدود 28 ـ كتاب الديات
29 ـ كتاب الملاحم 30 ـ كتاب الدعاء


وكان الحسين بن يزيد السوراني يقول : الحسن شريك أخيه الحسين في جميع رجاله إلا في زرعة بن محمد الحضرمي وفضالة بن أيوب ، فإن الحسين كان يروي عن أخيه ، عنهما (1).
وخالهما جعفر بن يحيى بن سعد الاحول ، من رجال أبي جعفر الثاني عليه السلام.
وعرف لهذا البيت إيمانهم العميق بالله تبارك وتعالى والاخلاص له ، وولاوهم الصادق للرسول وآل بيته الاطهار سلام الله عليهم أجمعين ، وجهادهم الطويل
____________
(1) النجاشي ص 46.


( 11 )


بالعمل الصالح ، والدفاع عن الحق خلال حقبة حكم العباسيين ، الذين كانوا يطاردون المؤمنين من شيعة علي والحسين عليهما السلام.
ومع كل ذلك كان الاخوان يتحركان في كل جانب ، لا تأخذهما في الله لومة لائم ، ولم يتركوا الامور على غاربها ، بل خاضوا لجج البحار ، وحاموا عن الذمار ، و دافعوا عن أحقية آل محمد المصطفين الاطهار ، باللسان والبنان ، بأوضح صورة وأجلى بيان.
فهذا الحسين بن سعيد كان يدافع وينافح بطرق وأساليب مختلفة عن البيت الهاشمي ، في نشر أخبارهم وعلومهم ومآثرهم ، فكان يتصل بالمخالفين ، ويعرض بضاعته النادرة الثمينة ، من كنوز علومهم ، بروح سامية ، ونية خالصة لوجهه الكريم ، تطبيقا لما ورد عنهم عليهم السلام : رحم الله عبدا أحيا أمرنا (1) ، لعله يكثر عدد محبيهم ، والمتبصرين لولايتهم.
وبالفعل فقد أبلغ الرسالة وأوصل عددا من الشخصيات إلى الامام الرضا سلام الله عليه ، فتمت هدايتهم وتبصرتهم ومعرفتهم بأعدال الكتاب ، وسفن النجاة ، والحجج على العباد ، بعد أن كانوا عنهم غافلين أو معرضين ، ولمنهجهم مخالفين ، ولاعدائهم موالين. ومن هؤلاء الشخصيات : إسحاق بن إبراهيم الحضيني ، وعلي بن الرسان ، وعلي بن مهزيار (2) ، وعبد الله بن محمد الحضيني ، وغيرهم ، حتى جرت الخدمة على أيديهم ، وصنفوا الكتب الكثيرة (3) ، كل ذلك بفضل الله أن جعله سببا في هداية القوم ، فلله دره ، وعلى الله أجره.
وأخيرا انتقل الحسين بن سعيد ، هذا المحدث العظيم ، إلى « قم » فنزل على الحسن بن أبان ، وتوفي فيها ، فرحمة الله عليه يوم ولد ، ويوم مات ، ويوم يبعث حيا ، وحشره الله مع من والاهم ، آمين رب العالمين.

السيد محمد باقر الموحد الابطحي
« الاصفهاني »




____________
(1) الكافي : 2 | 175 ح 2
(2) ذكره البرقي
(3) النجاشي ص 46