ترجمته

البريد الإلكتروني طباعة

الشاعر السيد الحميري ( رحمه الله )
( 105 - 173 هـ )

ولادته ونشأته :

وُلِد اسماعيل بن محمد بن يزيد بن وداع الحميري سنة ( 105 هـ ) بعُمان ، ونشأ في حضانة والديه الإباضيَّين المعاديين لآل البيت ( عليهم السلام ) ، إلى‏ أن عقل وشعر فهاجرهما . فذهب إلى البصرة واتصل بالأمير عقبة بن سَلم ، وتزلَّف لديه حتى‏ مات والداهُ ، فورثهما ثم غادر البصرة إلى الكوفة وأخذ فيها الحديث عن الأعمش وعاش متردِّداً بينهما.

منزلته :

لم تفتأ الشيعة تبجِّل كل مُتهالك في ولاء أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وتقدِّر له مكانة عظيمة ، وتُكْبر منه ما أكبره الله سبحانه ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) من منصَّة العظمة . أضف إلى ذلك تقدير الأئمة ( عليهم السلام ) لسعيه المشكور في الإشادة بذكرهم والذبِّ عنهم ، والبثُّ لفضائلهم ، وتظاهره بموالاتهم ، وإكثاره من مدائحهم . فإن ما كان يصدر منه من تلكم المظاهر لم تكن إلا تزلُّفاً منه إلى المولى‏ سبحانه ، وأداءً لأجر الرسالة ، وصلةً للصادع بها ( صلى الله عليه وآله ) . ولقد كاشف في ذلك كله أبويه الناصبيَّين الخارجيَّين ، فكان معجزة وقته في التلفُّع بهذه المآثر كلها ، والتظاهر بهذا المظهر الطاهر ، ومنبته ذلك المنبت الخبيث ، فما كان الشيعي يومذاك يجد من واجبه الديني إلا إكباره وخفض الجناح عند عظمته . قال ابن عبد ربِّه في العقد الفريد : السيد الحميري وهو رأس الشيعة ، وكانت الشيعة من تعظيمها له تلقي له وسادة بمسجد الكوفة . وليس ذلك ببدعٍ من الشيعة بعد ما أزلفه الإمام الصادق ( عليه السلام ) وأراه من دلائل ‏الإمامة ما أبقى‏ له مكرمة خالدة حفظها له التاريخ . ومن هذه الدلائل حديث انقلاب الخمر لبناً ، وإطلاق لسانه في مرضه وغيرها ، واستفاض الحديث بترحمه ( عليه السلام ) عليه والدعاء له والشكر لمساعيه . وبلغهم قوله ( عليه السلام ) لعُذاله فيه : لو زَلَّت له قدمٌ فقد ثبتت الأخرى . كما أنه ( عليه السلام ) كان قد أخبره بالجنة . وكان الحميري منذ صغره يُلقَّب بالسيد ، حتى قال له الإمام الصادق ( عليه السلام ) : سمَّتك أمَّك سيِّداً ، وُفِّقتَ في ذلك ، وأنت سيد الشعراء .

شعره :

كان السيد بعيد المَنْزَعة ، ولعاً بإعادة السهم إلى‏ النزعَة ، وقد أشفَّ وفاق‏ كثيرين من الشعراء بالجدِّ والاجتهاد في الدعاية إلى‏ مبدئه القويم ، والإكثار في مدح العترة الطاهرة
( عليهم السلام ) . وساد الشعراء ببذل النفس والنفيس في تقوية روح الإيمان في المجتمع ، وإحياء ميِّت القلوب ببثِّ فضائل آل البيت ( عليهم السلام ) ، ونشر مثالب مناوئيهم ومساوئ أعدائهم . وكان كما قال أبو الفرج : لا يخلو شعره من مدح بني هاشم ، أو ذمِّ غيرهم ممَّن ‏هو عنده ضدٌّ لهم . وروى‏ عن الموصلي عن عمِّه قال : جمعت للسيد في بني هاشم ألفين وثلاثمائة قصيدة ، فخِلتُ أن قد استوعبتُ شعره ، حتى‏ جلس إليَّ يوماً رجلٌ ذو أطمار رثَّة ، فسمعني أنشد شيئاً من شعره ، فأنشدني به ثلاث قصائد لم تكن عندي . فقلت في نفسي : لو كان هذا يعلم ما عندي كلَّه ثمَّ أنشدني بعده ما ليس عندي لكان عجباً فكيف وهو لا يعلم ؟! ، وإنما أنشد ما حضره . وعرفتُ حينئذ أنَّ شعره ليس ممَّا يُدرك ، ولا يمكن جمعه كلُّه . وقال ابن المعتز في طبقاته : كان السيد أحذق الناس بسوق الأحاديث ، والأخبار ، والمناقب في الشعر ، لم يترك لعلي بن أبي طالب ( عليه السلام ) فضيلةً معروفةً إلا نقلها إلى الشعر . وكان يُملُّه الحضور في مُحتَشَدٍ لا يُذكر فيه آل محمد ( عليهم السلام ) ولم يأنس بحفلة تخلو عن ذكرهم . وقبل هذه كلها حسبُهُ ثناءً عليه قول الإمام الصادق ( عليه السلام ) : أنت سيد الشعراء . فينمُّ عن مكانته الرفيعة في الأدب ، يقصُرُ الوصف عن استكناهها ، ولا يُدرك البيانُ مداها . فكان يُعدُّ من شعرائه ( عليه السلام ) وشعراء ولده الإمام الكاظم ( عليه السلام ) .

وفاته :

توفي السيد الحميري ( رحمه الله ) ، في الرميلة ببغداد وذلك في سنة ( 173 هـ ) في خلافة الرشيد ، ودُفن في جنينة من نواحي الكرخ .