الفصـل الاَول في الحيوان

البريد الإلكتروني طباعة

كتاب منهاج الصالحين ج 3

مسألة 874 : لا فرق في المسلم الذي تكون يده امارة على التذكية بين المؤمن والمخالف، وبين من يعتقد طهارة الميتة بالدبغ وغيره، وبين من يعتبر الشروط المعتبرة في التذكية ـ كالاستقبال والتسمية وكون الذابح مسلماً وقطع الاعضاء الاربعة وغير ذلك ـ ومن لا يعتبرها اذا احتمل تذكيته على وفق الشروط المعتبرة عندنا وان لم يلزم رعايتها عنده، بل الظاهر ان اخلاله بالاستقبال ـ اعتقاداً منه بعدم لزومه ـ لا يضر بذكاة ذبيحته.

مسألة 875 : المدار في كون البلد منسوباً الى الاسلام غلبة السكان المسلمين فيه بحيث ينسب عرفاً إليه ولو كانوا تحت سلطنة الكفار، كما ان هذا هو المدار في بلد الكفر، ولو تساوت النسبة من جهة عدم الغلبة

( 288 )

فحكمه حكم بلد الكفر.

مسألة 876 : ما يوجد في يد الكافر من لحم وشحم وجلد اذا احتمل كونه مأخذواً من المذكى يحكم بطهارته وكذا بجواز الصلاة فيه على الاظهر، ولكن لا يحكم بتذكيته وحلية اكله ما لم يحرز ذلك، ولو من جهة العلم بكونه مسبوقاً باحدى الامارات الثلاث المتقدمة، ولا يجدي في الحكم بتذكيته اخبار ذي اليد الكافر بكونه مذكى، كما لا يجدي كونه في بلاد المسلمين، ومن ذلك يظهر ان زيت السمك ـ مثلاً ـ المجلوب من بلاد الكفار المأخوذ من ايديهم لا يجوز أكله من دون ضرورة إلاّ اذا احرز ان السمك المأخوذ منه كان ذا فلس وانه قد اُخذ خارج الماء حياً أو مات في شبكة الصياد أو حظيرته.

كتاب الاَطعمـة والاَشـربة


( 290 )


( 291 )

وفيـه فصـلان:

الفصـل الاَول

في الحيوان

وهو على ثلاثة أقسام:

1 ـ حيوان البحر

مسألة 877 : لا يحلّ من حيوان البحر إلاّ السمك، فيحرم غيره من أنواع حيوانه حتى المسمّى باسم ما يؤكل من حيوان البرّ كبقره وفرسه، وكذا ما كان ذا حياتين كالضفدع والسرطان والسلحفاة على الاقوى، نعم الطيور والمساة بطيور البحر ـ من السابحة والغائصة وغيرهما ـ يحل منها ما يحل مثلها من طيور البرّ.

مسألة 878 : لا يحل من السمك إلاّ ما كان له فلس ولو بالاصل فلا يضر زواله بالعارض فيحل الكنعت والربيثا والبز والبني والشبوط والقطان والطبراني والابلامي وغيرها حتى الاربيان المسمى في زماننا هذا بـ (الروبيان)، ولا يحل ما ليس له فلس في الاصل كالجري والزمير والزهو

( 292 )

والمارماهي، وإذا شك في وجود الفلس وعدمه بنى على العدم.

مسألة 879 : ذكر جمع من الفقهاء انه يحل من السمك الميت ما يوجد في جوف السمكة المباحة إذا كان مباحاً، ولكن هذا محل اشكال فلا يترك الاحتياط بالاجتناب عنه، واما ما تقذفه السمكة الحية من السمك فلا يحلّ إلاّ أن يضطرب ويؤخذ حياً خارج الماء والاَحوط الاولى اعتبار عدم انسلاخ فلسه أيضاً.

مسألة 880 : بيض السمك تتبع السمك، فبيض المحلل حلال وان كان املس وبيض المحرم حرام وان كان خشناً، وإذا اشتبه انه من المحلل أو من المحرّم فلا بد من الاجتناب عنه.

2 ـ البهائم ونحوها

مسألة 881 : البهائم البرية من الحيوان صنفان: اهلية ووحشية:

أما الاهلية فيحل منها جميع أصناف الغنم والبقر والابل ويكره الخيل والبغال والحمير، ويحرم منها الكلب والهر ونحوهما.

واما الوحشية فتحل منها الظباء والغزلان والبقر والكباش الجبلية واليحامير والحمر الوحشية.

وتحرم منها السباع، وهي ما كان مفترساً وله ظفر أو ناب قوياً كان كالاسد والنمر والفهد والذئب أو ضعيفاً كالثعلب والضبع وابن آوى، وكذا يحرم الارنب وان لم يكن من السباع، كما تحرم المسوخ ومنها الخنزير والقرد والفيل والدب.

مسألة 882 : تحرم الحشرات ويقصد بها الدواب الصغار التي تسكن

( 293 )

باطن الاَرض كالضب والفار واليربوع والقنفذ والحية ونحوها، كما يحرم القمل والبرغوث والجعل ودودة القز بل مطلق الديدان، نعم في حرمة خصوص ديدان الفواكه ونحوها من الثمار اشكال، ولا يبعد حليتها إذا اكلت معها بان تؤكل الفاكهة مثلاً بدودها الا مع تيسّر ازالتها فانه لا يترك الاحتياط عندئذ بالاجتناب عنها.

3 ـ الطـيور

مسألة 883 : كل طائر ذي ريش يحل أكل لحمه إلاّ السباع، فيحل الحمام بجميع اصنافه كالقمري والدبسي والورشان وويحلّ الدراج والقبج والقطا والطيهوج والبط والكروان والحباري والكركي، كما يحل الدجاج بجميع اقسامه والعصفور بجميع انواعه ومنه البلبل والزرزور والقبرة، ويحل الهدهد والخطاف والشقراق والصرد والصوام وان كان يكره قتلها، وتحل النعامة والطاووس على الاقوى.

وأما السباع وهي كل ذي مخلب سواء أكان قوياً يقوى به على افتراس الطير ـ كالبازي والصقر والعقاب والشاهين والباشق ـ أو ضعيفاً لا يقوى به على ذلك كالنسر والبغاث فهي محرمة الاكل، وكذا الغراب بجميع انواعه حتى الزاغ على الاحوط لزوماً، ويحرم ايضاً كل ما يطير وليس له ريش كالخفاش وكذا الزنبور والبق والفراشة وغيرها من الحشرات الطائرة ـ عدا الجراد ـ على الاَحوط لزوماً.

مسألة 884 : الظاهر ان كل طائر يكون صفيفه اكثر من دفيفه ـ أي بسط جناحيه عند الطيران أكثر من تحريكهما ـ أي تحريكهما عنده ـ يكون ذا مخلب فيحرم

( 294 )

لحمه. بخلاف ما يكون دفيفه أكثر من صفيفه فانه محلل اللحم.

وعلى هذا فيتميز المحرم من الطيور عن غيره بملاحظة كيفية طيرانها، كما يتميز ما لا يعرف طيرانه بوجود (الحوصلة أو القانصة أو الصيصية) فيه، فما يكون له أحدى الثلاث يحل أكله دون غيره.

والحوصلة ما يجتمع فيه الحب وغيره من المأكول عند الحلق. والقانصة ما يجتمع فيه الحصاة الدقاق التي يأكلها الطير. والصيصية شوكة في رجل الطير خارجة عن الكف.

مسألة 885 : قد علم مما تقدم ان الطير الذي يكون صفيفه أكثر من دفيفه محرم الاكل وان وجد فيه أحد الاعضاء الثلاثة أو جميعها، فمورد الرجوع الى هذه العلامة الطير الذي له صفيف ودفيف ولم يتبين أيهما أكثر ـ ولو من جهة اختلاف المشاهدين لطيرانه كما هو الحال في اللقلق ـ وكذا الطير المذبوح إذا لم يعرف حاله.

مسألة 886 : لو فرض تساوي الصفيف والدفيف في الطير فالمشهور حليته، ولكنه محل إشكال فالاحوط لزوماً الرجوع الى العلامة المذكورة، فان وجد فيه أحد الاعضاء الثلاثة حل أكله وإلا حرم.

مسألة 887 : بيض الطير تابع له في الحلّ والحرمة فبيض المحلل حلال وبيض المحرّم حرام، وما اشتبه أنه من المحلل أو المحرّم يؤكل ما اختلف طرفاه وتميز اعلاه من أسفله مثل بيض الدجاج، دون ما اتفق وتساوى طرفاه.

مسألة 888 : تتساوى طيور الماء مع غيرها في الضابطين المتقدمين للحّل والحرمة، فما كان منها صفيفه أكثر من دفيفه حرم أكله، وما كان دفيفه

( 295 )

أكثر حل أكله وان كان يأكل السمك، وإذا لم يعرف كيفية طيرانه فالعبرة في حليته بوجود أحد الاعضاء الثلاثة فيه أي (الحوصلة والقانصة والصيصية).

مسألة 889 : تعرض الحرمة على الحيوان المحلل بالاصل بامور:

(الاَمر الاَوّل): الجلل، وهو ان يتغذى الحيوان بعذرة الانسان بحيث يصدق عرفاً انها غذاؤه، ولا يلحق بعذرة الاِنسان عذرة غيره ولا سائر النجاسات، ويتحقق الصدق المزبور بانحصار غذائه بها مدة معتداً بها، فلو كان يتغذى بها مع غيرها لم يتحقق الصدق فلم يحرم، إلاّ ان يكون تغذيه بغيرها نادراً جداً بحيث يكون في النظر العرفي بحكم العدم، وكذا إذا انحصر غذاؤه بها فترة قصيرة كيوم وليلة، بل لا بد من الاستمرار يومين فما زاد.

مسألة 890 : يعم حكم الجلل كل حيوان محلّل حتى الطير والسمك.

مسألة 891 : كما يحرم لحم الحيوان الجلاّل يحرم لبنه وبيضه ويحلاّن بما يحل به لحمه، فحكم الحيوان المحرّم بالعارض حكم الحيوان المحرّم بالاَصل قبل ان يُستبرأ ويزول حكمه

مسألة 892 : الجلل ليس مانعاً عن تذكية الحيوان، فيذكى الجلال بما يذكى به غيره، ويترتب عليها طهارة لحمه وجلده كسائر الحيوان المحرم بالاصل القابل للتذكية.

مسألة 893 : تزول حرمة الجلال بالاستبراء وهو أن يمنع الحيوان عن أكل العذرة لمدة يخرج بها عن صدق الجلال عليه، والاَحوط الاولى مع ذلك أن يراعى في الاستبراء مضي المدة المعينة لها في بعض الاخبار وهي: للدجاجة ثلاثة ايام، وللبطة خمسة، وللغنم عشرة، وللبقرة عشرون، وللبعير أربعون يوماً، وللسمك يوم وليلة.


( 296 )

مسألة 894 : لا يشترط فيما يكون غذاء الحيوان في مدة الاستبراء من الجلل ان يكون طاهراً بل يكفي تغذّيه فيها بغير ما أوجب الجلل مطلقاً وان كان متنجساً أو نجساً على الاقوى.

مسألة 895 : يستحب ربط الدجاجة التي يراد اكلها اياماً ثم ذبحها وان لم يعلم جللها.

(الامر الثاني) ـ مما يوجب حرمة الحيوان المحلل بالاصل ـ: ان يطأه الانسان قبلاً أو دبراً وان لم ينزل فانه يحرم بذلك لحمه وكذا لبنه ونسله المتجدد بعد الوطء على الاَحوط. ولا فرق في الواطىَ بين الصغير والكبير على الاَحوط، كما لا فرق بين العاقل والمجنون والعالم والجاهل والمختار والمكره، ولا فرق في الموطوء بين الذكر والانثى، ولا يحرم الحمل إذا كان متكوناً قبل الوطء كما لا يحرم الموطوء إذا كان ميتاً، والاَظهر اختصاص الحكم المذكور بالبهائم فلا تحرم بالوطء سائر أنواع الحيوان.

مسألة 896 : الحيوان الموطوء ان كان مما يُطلب لحمه كالغنم والبقر يجب أن يذبح ثم يحرق، فان كان لغير الواطىَ وجب عليه ان يغرم قيمته لمالكه. واما إذا كان مما يركب ظهره كالخيل والبغال والحمير وجب نفيه من البلد وبيعه في بلد آخر، ويغرم الواطىَ ـ إذا كان غير المالك ـ قيمته ويكون الثمن لنفس الواطىَ. وأما إذا كان مما يطلب لحمه ويركب ظهره معاً كالابل لحقه حكم القسم الاول على الاظهر.

مسألة 897 : إذا وطىَ انسان بهيمة يطلب لحمها واشتبه الموطوء بين عدة أفراد اخرج بالقرعة.

(الاَمر الثالث) ـ مما يوجب حرمة الحيوان المحلل بالاَصـل ـ:

( 297 )

الرضاع من الخنزيرة، فانه إذا رضع الجدي ـ وهو ولد المعز ـ من لبن خنزيرة واشتد لحمه وعظمه من ذلك حرم لحمه ونسله ولبنهما أيضاً، ويلحق بالجدي العجل وأولاد سائر الحيوانات المحلل لحمها على الاَحوط لزوماً، ولا تلحق بالخنزيرة الكلبة ولا الكافرة، وفي تعميم الحكم للشرب من دون رضاع وللرضاع بعد ما كبر وفطم اشكال بل منع.

هذا إذا اشتد لحم الحيوان وعظمه بالرضاع، واما إذا لم يشتد فالاحوط أن يستبرأ سبعة أيام بلبن طاهر إن لم يكن مستغنياً عن الرضاع، وإلاّ استبرىَ بالعلف والشعير ونحوهما ثم يحل بعد ذلك.

مسألة 898 : لو شرب الحيوان المحلل الخمر حتى سكر فذبح في تلك الحال جاز أكل لحمه ولكن لا بد من غسل ما لاقته الخمر مع بقاء عينها، ولا يؤكل ما في جوفه من الاَمعاء والكرش والقلب والكبد وغيرها وان غسل على الاحوط، ولو شرب بولاً أو غيره من النجاسات ثم ذبح عقيب الشرب لم يحرم لحمه ويؤكل ما في جوفه بعد غسله مع بقاء عين النجاسة فيه.

مسألة 899 : لو رضع جدي أو عناق أو عجل من لبن أمرأة حتى فطم وكبر لم يحرم لحمه لكنه مكروه.

مسألة 900 : تحرم من الحيوان المحلل وان ذكي عدة اشياء، وهي ما يلي:

الدم، والروث، والقضيب، والفرج ظاهره وباطنه، والمشيمة وهي موضع الولد، والغدة وهي كل عقدة في الجسم مدورة تشبه البندق، والبيضتان، وخرزة الدماغ وهي حبة بقدر الحمصة في وسط الدماغ، والنخاع وهو خيط ابيض كالمخ في وسط فقار الظهر، والعلباوان ـ على

( 298 )

الاحوط ـ وهما عصبتان ممتدتان على الظهر من الرقبة الى الذنب، والمرارة، والطحال، والمثانة، وحدقة العين وهي الحبة الناظرة منها لا جسم العين كله.

هذا في غير الطيور والسمك والجراد، واماالطيور فيحرم مما يوجد فيها من المذكورات (الدم والرجيع)، واما تحريم غيرهما فمبني على الاحتياط اللزومي، وكذا تحريم الرجيع والدم من السمك والرجيع من الجراد ولا يحرم غير ذلك مما يوجد فيهما من المذكورات على الاَظهر.

مسألة 901 : يؤكل من الحيوان المذكى غير ما مر فيؤكل القلب والكبد والكرش والامعاء والغضروف والعضلات وغيرها، نعم يكره الكليتان واذنا القلب والعروق خصوصاً الاوداج، وهل يؤكل منه الجلد والعظم مع عدم الضرر أم لا؟ وجهان أظهرهما الاول والاحوط الاَولىالاجتناب، نعم لا اشكال في جلد الرأس وجلد الدجاج وغيره من الطيور وكذا في عظم صغار الطيور كالعصفور.

مسألة 902 : يجوز أكل ما حلّ أكله نياً ومطبوخاً بل ومحروقاً إذا لم يكن مضراً ضرراً بليغاً.

مسألة 903 : لاتحل ابوال ما لا يؤكل لحمه بل وما يؤكل لحمه أيضاً حتى الاِبل على الاحوط، نعم لا بأس بشرب أبوال الانعام الثلاثة للتداوي وان لم ينحصر العلاج بها.

مسألة 904 : يحرم رجيع كل حيوان ولو كان مما حلّ أكله على ما تقدم، نعم الظاهر عدم حرمة فضلات الديدان الملتصقة باجواف الفواكه ونحوها، وكذا ما في جوف السمك والجراد إذا أكل معها.


( 299 )

مسألة 905 : يحرم لبن الحيوان المحرم أكله ولو لعارض كما مر، وأما لبن الاِنسان فالاحوط وجوباً ترك شربه.

مسألة 906 : يحرم الدم من الحيوان ذي النفس السائلة حتى العلقة والدم في البيضة، بل وما يتخلّف في الاجزاء المأكولة من الذبيحة على الاقوى، نعم لا اشكال مع استهلاكه في المرق أو نحوه.

وأما الدم من غير ذي النفس السائلة فما كان مما حرم أكله كالوزغ والضفدع والعقرب والخفاش فلا اشكال في حرمته.

وأما ما كان مما حلّ أكله كالسمك الحلال ففيه اشكال، نعم لا يبعد حليته إذا أكل مع السمك بأن أكل السمك بدمه.

مسألة 907 : تحرم الميتة وان كانت طاهرة كالسمك الطافي وكذا تحرم اجزاؤها، ويستثنى منها اللبن والانفحة والبيضة اذا اكتست القشر الاَعلى وان لم يتصلب، وقد يستثنى منها جميع ما لا تحله الحياة مما يحكم بطهارته وان كانت الميتة نجسة ـ كالعظم والقرن والظفر ـ ولكنه محل اشكال.

مسألة 908 : إذا اشتبه اللحم فلم يعلم انه مذكى أم لا ولم تكن عليه احدى امارات التذكية المتقدمة في المسألة (871) لم يحل أكله، وأما لو اشتبه اللحم المحرز تذكيته ـ ولو باحدى اماراتها ـ فلم يعلم ا نه من النوع الحلال أو الحرام حكم بحلّه.

مسألة 909 : لا يحرم بلع النخامة والاخلاط الصدرية الصاعدة إلى فضاء الفم، ويحرم القيح والبلغم والنخامة ونحوها من فضلات الحيوان مما تعافه الطباع وتستخبثه النفوس.


( 300 )

الفصـل الثاني

في غير الحيوان

مسألة 910 : يحرم تناول الاعيان النجسة وكذا المتنجسة ما دامت باقية على تنجسها مائعة كانت أم جامدة.

مسألة 911 : إذا وقعت النجاسة في الجسم الجامد ـ كالسمن والعسل الجامدين ـ لزم رفع النجاسة وما يكتنفها من الملاقي معها برطوبة ويحل الباقي، وإذا كان المائع غليظاً ثخيناً ـ بأن كان بحيث لو أخذ منه شيء بقي مكانه خالياً حين الاخذ وإن امتلاَ بعد ذلك ـ فهو كالجامد، ولا تسري النجاسة الى تمام اجزائه إذا لاقت بعضها بل تختص النجاسة بالبعض الملاقي لها ويبقى الباقي على طهارته.

مسألة 912 : يحرم استعمال كل ما يضر ضرراً بليغاً بالانسان، سواء أكان موجباً للهلاك كتناول السموم القاتلة وكشرب الحامل ما يوجب سقوط الجنين، أم كان موجباً لتعطيل بعض الاعضاء أو فقدان بعض الحواس، كاستعمال ما يوجب شلل اليد أو عمى العين، والاَحوط عدم استعمال الرجل أو المرأة ما يجعله عقيماً لا يقدر على التناسل والانجاب وان كان جوازه في حد ذاته لا يخلو عن وجه.

مسألة 913 : لا فرق في حرمة استعمال المضر ـ بالحدّ المتقدم ـ بين معلوم الضرر ومظنونه بل ومحتمله ايضاً إذا كان احتماله معتداً به عند العقلاء ولو بلحاظ الاهتمام بالمحتمل بحيث أوجب الخوف عندهم، وكذا لا فرق بين أن يكون الضرر المترتب عليه عاجلاً أو بعد مدة.


( 301 )

مسألة 914 : يجوز للمريض ان يتداوى بما يحتمل فيه الضرر البليغ ويؤدي اليه احياناً اذا استصوبه له الطبيب الموثوق به بعد موازنته بين درجتي النفع والضرر احتمالاً ومحتملاً، بل يجوز له المعالجة بما يؤدي الى الضرر البليغ إذا كان ما يدفع به أعظم ضرراً وأشد خطراً، ومن هذا القبيل قطع بعض الاعضاء دفعاً للسراية المؤدية الى الهلاك، ولكن يشترط في ذلك ايضاً أن يكون الاقدام عليه عقلائياً، بان يكون العمل صادراً برأي الطبيب الحاذق المحتاط غير المتسامح ولا المتهور.

مسألة 915 : ما كان كثيره يضر ضرراً بليغاً دون قليله يحرم كثيره دون قليله، ولو فرض العكس كان بالعكس ، وكذا ما يضر منفرداً لا منضماً مع غيره يحرم منفرداً لا منضماً، وما كان بالعكس كان بالعكس.

مسألة 916 : ما لا يضر تناوله مرة أو مرتين مثلاً، ولكن يضر ادمانه وتكرر تناوله والتعود به يحرم تكراره المضر خاصة.

مسألة 917 : يحرم استعمال الترياق ومشتقاته وسائر انواع المواد المخدرة إذا كان مستتبعاً للضرر البليغ بالشخص سواء أكان من جهة زيادة المقدار المستعمل منها أم من جهة ادمانه، بل الاَحوط الاجتناب عنها مطلقاً إلاّ في حال الضرورة فتستعمل بمقدار ما تدعو الضرورة إليه.

مسألة 918 : يحرم اكل الطين وهو التراب المختلط بالماء حال بلته، وكذا المدر وهو الطين اليابس، ويلحق بهما التراب والرمل على الاحوط وجوباً، نعم لا بأس بما يختلط به حبوب الحنطة والشعير ونحوهما من التراب والمدر مثلاً ويستهلك في دقيقهما عند الطحن، وكذا ما يكون على وجه الفواكه ونحوها من التراب والغبار إذا كان قليلاً بحيث لا

( 302 )

يعد أكلاً للتراب، وكذا الماء المتوحل أي الممتزج بالطين الباقي على اطلاقه، نعم لو أحست الذائقة الاجزاء الطينية حين الشرب فالاحوط الاولى الاجتناب عن شربه حتى يصفو.

مسألة 919 : لا يلحق بالطين الاحجار وانواع المعادن والاشجار فهي حلال كلها مع عدم الضرر البليغ.

مسألة 920 : يستثنى من الطين طين قبر الاِمام الحسين عليه السلام للاستشفاء، ولا يجوز اكله لغيره، ولا أكل ما زاد عن قدر الحمصة المتوسطة الحجم، ولا يلحق به طين قبر غيره حتى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم والاَئمة عليهم السلام ، نعم لا بأس بان يمزج بماء أو مشروب آخر على نحو يستهلك فيه والتبرك بالاستشفاء بذلك الماء وذلك المشروب.

مسألة 921 : قد ذكر لاخذ التربة المقدسة وتناولها عند الحاجة آداب وادعية خاصة، ولكن الظاهر انها شروط كمال لسرعة تأثيرها لا أنها شرط لجواز تناولها.

مسألة 922 : القدر المتيقن من محل أخذ التربة هو القبر الشريف وما يقرب منه على وجه يلحق به عرفاً فالاحوط وجوباً الاقتصار عليه، واستعمالها فيما زاد على ذلك ممزوجة بماء أو مشروب آخر على نحو تستهلك فيه ويستشفى به رجاءً.

مسألة 923 : تناول التربة المقدسة للاستشفاء يكون اما بازدرادها وابتلاعها، واما بحلّها في الماء ونحوه وشربه، بقصد التبرك والشفاء.

مسألة 924 : إذا أخذ التربة بنفسه أو علم من الخارج بانه من تلك التربة المقدسة بالحد المتقدم فلا اشكال، وكذا إذا قامت على ذلك البينة،

( 303 )

وفي كفاية قول الثقة أو ذي اليد اشكال إلاّ ان يورث الاطمينان، والاَحوط وجوباً في غير صورة العلم والاطمينان وقيام البينة تناولها ممزوجاً بماء ونحوه بعد استهلاكها فيه.

مسألة 925 : يجوز اكل الطين الارمني والداغستاني وغيرهما للتداوي عند انحصار العلاج فيها.

مسألة 926 : يحرم شرب الخمر بالضرورة من الدين بحيث يحكم بكفر مستحلِّها مع التفاته الى أن لازمه انكار رسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الجملة بتكذيبه صلى الله عليه وآله وسلم في تبليغ حرمتها عن الله تعالى، وقد وردت اخبار كثيرة في تشديد امرها والتوعيد على ارتكابها، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (من شرب الخمر بعد ما حرمها الله على لساني فليس بأهل ان يُزوّج اذا خطب، ولا يشفّع إذا شفع، ولا يصدّق إذا حدث، ولا يعاد إذا مرض، ولا يشهد له جنازة، ولا يؤتمن على امانة)، وفي رواية اخرى: (لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الخمر عشرة: غارسها، وحارسها، وعاصرها، وشاربها، وساقيها، وحاملها، والمحمول اليه، وبائعها، ومشتريها، وآكل ثمنها)، وعن الصادق عليه السلام : (ان الخمر اُم الخبائث، ورأس كل شر، يأتي على شاربها ساعة يسلب لبه فلا يعرف ربه، ولا يترك معصية إلاّ ركبها، ولا يترك حرمة إلاّ انتهكها، ولا رحماً ماسة إلاّ قطعها، ولا فاحشة إلاّ أتاها، وان شرب منها جرعة لعنه الله وملائكته ورسله والمؤمنون، وان شربها حتى سكر منها نزع روح الايمان من جسده وركبت فيه روح سخيفة خبيثة، ولم تقبل صلاته اربعين يوماً)، وفي بعض الروايات: (ان مدمن الخمر كعابد الوثن) وقد فسر المدمن في بعضها بانه ليس الذي يشربها كل يوم ولكنه الموطِّن نفسه

( 304 )

انه إذا وجدها شربها.

مسألة 927 : يلحق بالخمر ـ موضوعاً أو حكماً ـ كل مسكر جامداً كان أم مائعاً، وما أسكر كثيره دون قليله حرم قليله وكثيره.

مسألة 928 : إذا انقلبت الخمر خلاًّ حلّت سواء أكان بنفسها أو بعلاج، وسواء أكان العلاج بدون ممازجة شيء معها كما إذا كان بتدخين أو بمجارة شيء أو كان بالممازجة، وسواء استهلك الخليط فيها قبل أن تنقلب خلاً ـ كما إذا مزجت بقليل من الملح أو الخل فاستهلكا فيها ثم انقلبت خلاً ـ أم لم يستهلك بل بقي فيها الى ما بعد الانقلاب، ويطهر الباقي من المزيج بالتبعية كما يطهر بها الاناء، نعم إذا كان الاناء متنجساً بنجاسة خارجية قبل الانقلاب لم يطهر، وكذا إذا وقعت النجاسة فيها قبل ان تنقلب وان استهلكت فيها.

مسألة 929 : الفقاع حرام، وهو شراب معروف يوجب النشوة عادة لا السكر، وكان يتخذ في الصدر الاَول من الشعير في الاغلب، وليس منه ماء الشعير الذي يستعمله الاطباء في معالجاتهم.

مسألة 930 : يحرم عصير العنب إذا غلى بنفسه أو بالنار أو بالشمس، بل الاَحوط الاولى الاجتناب عنه بمجرد النشيش وان لم يصل الى حد الغليان، واما العصير الزبيبي فلا يحرم بالغليان ما لم يوجب الاسكار، وان كان الاَحوط استحباباً الاجتناب عنه وهكذا الحال في العصير التمري.

مسألة 931 : الماء الذي تشتمل عليه حبة العنب بحكم عصيره في تحريمه بالغليان على الاحوط، نعم لا يحكم بحرمته ما لم يعلم بغليانه،

( 305 )

فلو وقعت حبة من العنب في قدر يغلي وهي تعلو وتسفل في الماء المغلي لم يحكم بحرمتها ما لم يعلم بغليان ما في جوفها من الماء وهو غير حاصل غالباً.