المقصد الحادي عشر صلاة المسافر

البريد الإلكتروني طباعة

كتاب منهاج الصالحين ج 1 ص 288 ـ ص 313

المقصد الحادي عشر

صلاة المسافر


وفيه فصول:

الفصل الأول


تقصر الصلاة الرباعية بإسقاط الركعتين الأخيرتين منها في السفر بشروط :
الأول : قصد قطع المسافة ـ بمعنى إحراز قطعها و لو من غير إرادة ـ و هي ثمانية فراسخ امتدادية ذهاباً أو إياباً أو ملفقة من الثمانية ذهاباً و إياباً ، سواء اتصل ذهابه بإيابه أم انفصل عنه بمبيت ليلة واحدة أو أكثر ، في الطريق أو في المقصد الذي هو رأس الأربعة ، ما لم تحصل منه الإقامة القاطعة للسفر أو غيرها من القواطع الآتية .
مسألة 884 : الفرسخ ثلاثة أميال ، و الميل أربعة آلاف ذراع بذراع اليد ، و هو من المرفق إلى طرف الأصابع ، فتكون المسافة أربعاً و أربعين كيلو متراً تقريباً .
مسألة 885 : إذا نقصت المسافة عن ذلك و لو يسيراً بقي على التمام ، و كذا إذا شك في بلوغها المقدار المذكور ، أو ظن بذلك .
مسألة 886 : تثبت المسافة بالعلم ، و بالبينة الشرعية و بالشياع و ما في حكمه مما يفيد الاطمئنان و في ثبوتها بخبر العدل الواحد إشكال بل منع ما لم يوجب الوثوق ، و إذا تعارضت البينتان تساقطتا و وجب التمام ، و لا يجب الاختبار إذا لزم منه الحرج ، بل مطلقاً ، و إذا شك العامي في مقدار المسافة


( 289 )

ـ شرعاً ـ وجب عليه إما الرجوع إلى المجتهد و العمل على فتواه ، أو الاحتياط بالجمع بين القصر و التمام ، و إذا اقتصر على أحدهما و انكشف مطابقته للواقع أجزأه .
مسألة 887 : إذا اعتقد كون ما قصده مسافة فقصر فظهر عدمه أعاد ، و أما إذا اعتقد عدم كونه مسافة فأتم ثم ظهر كونه مسافة أعاد في الوقت دون خارجه .
مسألة 888 : إذا شك في كونه مسافة ، أو اعتقد العدم و ظهر في أثناء السير كونه مسافة قصر و إن لم يكن الباقي مسافة .
مسألة 889 : إذا كان للبلد طريقان ، و الأبعد منهما مسافة دون الأقرب ، فإن سلك الأبعد قصر ، ، و إن سلك الأقرب أتم ، و لا فرق في ذلك بين أن يكون سفره من بلده إلى بلد آخر أو من بلد آخر إلى بلده أو غيره .
مسألة 890 : إذا كان الذهاب خمسة فراسخ و الإياب ثلاثة قصر ، و كذا في جميع صور التلفيق ، إذا كان الذهاب و الإياب بمجموعهما ثمانية فراسخ .
مسألة 891 : تحتسب المسافة من الموضع الذي يعد الشخص بعد تجاوزه مسافراً عرفاً وهو آخر البلد غالباً، و ربما يكون آخر الحي أو المحلة في بعض البلاد الكبيرة جداً .
مسألة 892 : لا يعتبر توالي السير على النحو المتعارف ، بل يكفي قصد السفر في المسافة المذكورة و لو في أيام كثيرة ، نعم لو كان يقطع في كل يوم شيئاً يسيراً جداً للتنزه أو نحوه فالأحوط الجمع بين القصر و التمام .
مسألة 893 ـ يجب القصر في المسافة المستديرة إذا كان مجموع الذهاب و الإياب ثمانية فراسخ ، و لا فرق بين ما إذا كانت الدائرة في أحد جوانب البلد أو كانت مستديرة على البلد .

( 290 )

مسألة 894 ـ لابد من تحقق القصد إلى المسافة في أول السير فإذا قصد ما دون المسافة و بعد بلوغه تجدد قصده إلى ما دونها أيضا ، و هكذا وجب التمام و إن قطع مسافات ، نعم إذا قصد ما دون المسافة عازماً على الرجوع و كان المجموع يبلغ ثمانية فراسخ لزمه التقصير ، فطالب الضالة أو الغريم أو الآبق و نحوهم يتمون ، إلا إذا حصل لهم في الأثناء قصد ثمانية فراسخ امتدادية أو ملفقة من الذهاب و الإياب .
مسألة 895 : إذا خرج إلى ما دون أربعة فراسخ ينتظر رفقة ـ إن تيسروا سافر معهم و إلا رجع ـ أتم ، و كذا إذا كان سفره مشروطاً بأمر آخر غير معلوم الحصول ، نعم إذا كان مطمئناً بتيسر الرفقة أو بحصول ذلك الأمر قصر .
مسألة 896 : لا يعتبر في قصد السفر أن يكون مستقلاً ، فإذا كان تابعاً لغيره كالزوجة و الخادم و الأسير وجب التقصير ، إذا كان قاصداً للمسافة تبعاً لقصد المتبوع ، و إذا شك في قصد المتبوع بقي على التمام ، و الأحوط ـ استحباباً ـ الاستخبار من المتبوع ، و لكن لا يجب عليه الإخبار ، و إذا علم في الأثناء قصد المتبوع ، فإن كان الباقي مسافة و لو ملفقة قصر ، و إلا بقي على التمام .
مسألة 897 : إذا كان التابع عازماً على مفارقة المتبوع ـ قبل بلوغ المسافة ـ أو متردداً في ذلك بقي على التمام ، و كذا إذا كان عازماً على المفارقة ، على تقدير حصول أمر محتمل الحصول ـ سواء أ كان له دخل في ارتفاع المقتضي للسفر أو شرطه مثل الطلاق ، أم كان مانعاً عن السفر مع تحقق المقتضي له و شرطه ـ فإذا قصد المسافة و احتمل احتمالاً عقلائياً لا يطمئن بخلافه حدوث مانع عن سفره أتم صلاته ، و إن انكشف بعد ذلك عدم المانع .
مسألة 898 : الظاهر وجوب القصر في السفر غير الاختياري كما إذا

( 291 )

ألقي في قطار أو سفينة بقصد إيصاله إلى نهاية مسافة ، و هو يعلم ببلوغه المسافة ، أما إذا كان نائماً أو مغمى عليه مثلاً و سافر به شخص من غير سبق التفات فلا تقصير عليه .
الثاني : استمرار القصد و لو حكماً فلا ينافيه إلا العدول أو التردد ، فإذا عدل ـ قبل بلوغه الأربعة ـ إلى قصد الرجوع ، أو تردد في ذلك وجب التمام ، و الأحوط ـ لزوماً ـ إعادة ما صلاه قصراً إذا كان العدول قبل خروج الوقت و قضاؤه إن كان بعد خروجه و الإمساك في بقية النهار و إن كان قد أفطر قبل ذلك ، و إذا كان العدول أو التردد بعد بلوغ الأربعة ، و كان عازماً على العود قبل إقامة العشرة بقي على القصر و استمر على الإفطار .
مسألة 899 : يكفي في استمرار القصد بقاء قصد نوع السفر و إن عدل عن الشخص الخاص ، كما إذا قصد السفر إلى مكان و في الأثناء عدل إلى غيره ، إذا كان ما مضى مع ما بقي إليه مسافة ، فإنه يقصر على الأصح ، و كذا إذا كان من أول الأمر قاصداً السفر إلى أحد البلدين ، من دون تعيين أحدهما ، إذا كان السفر إلى كل منهما يبلغ المسافة .
مسألة 900 : إذا تردد في الأثناء ، ثم عاد إلى الجزم ، فإن كان ما بقي مسافة و لو ملفقة قصر في صلاته ، و كذا إذا لم يكن الباقي مسافة و لكنه يبلغها بضم مسيره الأول إليه ، و إن كان الأحوط في هذه الصورة أن يجمع بين القصر و الإتمام .
الثالث : أن لا يكون ناوياً في أول السفر إقامة عشرة أيام قبل بلوغ المسافة ، أو يكون متردداً في ذلك ، و إلا أتم من أول السفر ، و كذا إذا كان ناوياً المرور بوطنه أو مقره مع النزول فيه أو كان متردداً في ذلك ، فإذا كان قاصداً السفر المستمر ، لكن احتمل احتمالاً لا يطمئن بخلافه عروض ما يوجب تبدل قصده على نحو يلزمه أن ينوي الإقامة عشرة ، أو المرور بالوطن

( 292 )

والنزول فيه ، أتم صلاته ، و إن لم يعرض ما احتمل عروضه .
الرابع : أن يكون السفر مباحا ، فإذا كان حراماً لم يقصر سواءاً أ كان حراماً لنفسه ، كإباق العبد ، أم لغايته ، كالسفر لقتل النفس المحترمة ، أم للسرقة ، أم للزنا أم لإعانة الظالم في ظلمه ، و نحو ذلك ، و يلحق به ما إذا كانت الغاية من السفر ترك واجب ، كما إذا كان مديوناً و سافر مع مطالبة الدائن و استحقاق الدين ، و إمكان الأداء في الحضر دون السفر ، فإنه يجب فيه التمام ، إن كان السفر بقصد التوصل إلى ترك الواجب ، أما إذا كان السفر مما يتفق وقوع الحرام أو ترك الواجب أثناءه ، كالغيبة و شرب الخمر و ترك الصلاة و نحو ذلك ، من دون أن يكون الحرام أو ترك الواجب غاية للسفر وجب فيه القصر .
مسألة 901 : إذا سافر على الدابة المغصوبة مثلاً بقصد الفرار بها عن المالك أتم صلاته ، و كذا إذا سافر في الأرض المغصوبة على الأظهر .
مسألة 902 : إباحة السفر شرط في الابتداء و الاستدامة ، فإذا كان ابتداء سفره مباحاً ـ و في الأثناء قصد المعصية ـ أتم حينئذ ، و أما ما صلاه قصراً سابقاً فلا تجب إعادته ، و إذا رجع إلى قصد المباح قصر في صلاته و إن لم يكن الباقي مسافة .
مسألة 903 : إذا كان ابتداء سفره معصية فعدل إلى المباح ، قصر في صلاته سواء أ كان الباقي مسافة أم لا على الأظهر .
مسألة 904 : الراجع من سفر المعصية يقصر إذا كان الرجوع مسافة و لم يكن بنفسه من سفر المعصية ، و لا فرق في هذا بين من تاب عن معصيته و من لم يتب .
مسافة 905 : إذا سافر لغاية ملفقة من أمر مباح و آخر حرام أتم صلاته، إلا إذا كان الحرام تابعاً غير صالح للاستقلال في تحقق السفر فإنه يقصر .

( 293 )

مسألة 906 : إذا سافر للصيد ـ لهواً ـ كما يستعمله أبناء الدنيا أتم الصلاة في ذهابه ، و قصر في إيابه إذا كان وحده مسافة و لم يكن كالذهاب للصيد لهواً، أما إذا كان الصيد لقوته و قوت عياله قصر ، و كذلك إذا كان للتجارة ، على الأظهر ، و لا فرق في ذلك بين صيد البر و البحر .
مسألة 907 : التابع للجائر ، إذا كان مكرهاً، أو بقصد غرض صحيح ، كدفع مظلمة عن نفسه أو غيره يقصر ، و إلا فإن كان على وجه يعد من أتباعه و أعوانه في جوره يتم ، و إن كان سفر الجائر مباحا فالتابع يتم و المتبوع يقصر .
مسألة 908 : إذا شك في كون السفر معصية أو لا ، مع كون الشبهة موضوعية فالأصل الإباحة فيقصر ، إلا إذا كانت الحالة السابقة هي الحرمة ، أو كان هناك أصل موضوعي يحرز به الحرمة فلا يقصر .
مسألة 909 : إذا كان السفر في الابتداء معصية فقصد الصوم ثم عدل في الأثناء إلى الطاعة ، فإن كان العدول قبل الزوال وجب الإفطار ، و إن كان العدول بعد الزوال ، و كان في شهر رمضان فالأحوط ـ وجوباً ـ أن يتمه ، ثم يقضيه ، و لو انعكس الأمر بأن كان سفره طاعة في الابتداء ، و عدل إلى المعصية في الأثناء فإن لم يأت بالمفطر فالأحوط ـ وجوباً ـ أن يصوم ثم يقضيه سواء أ كان ذلك قبل الزوال أم بعده ، نعم لو كان ذلك بعد فعل المفطر وجب عليه الإتمام و القضاء .
الخامس : أن لا يكون السفر إلى المسافة فما زاد عملاً له عرفاً أما باتخاذ عمل سفري مهنة له أو بتكرر السفر منه خارجاً ، فالمكاري ، و الملاح و الساعي ، و الراعي ، و التاجر الذي يدور في تجارته ، و غيرهم ممن تكون مهنته سفرية أو يكون السفر مقدمة لمهنته يتمون الصلاة في سفرهم ، و إن استعملوه لأنفسهم ، كحمل المكاري متاعه أو أهله من مكان إلى آخر ، و كما أن التاجر الذي يدور في تجارته يتم الصلاة ، كذلك العامل الذي يدور في

( 294 )

عمله كالنجار الذي يدور في الرساتيق لتعمير النواعير و الكرود ، و البناء الذي يدور في الرساتيق لتعمير الآبار التي يستقى منها للزرع ، و الحداد الذي يدور في الرساتيق و المزارع لتعمير الماكينات و إصلاحها ، و النقار الذي يدور في القرى لنقر الرحى ، و أمثالهم من العمال الذين يدورون في البلاد و القرى و الرساتيق للاشتغال و الأعمال ، مع صدق الدوران في حقهم ، لكون مدة الإقامة للعمل قليلة غالبا ، و مثلهم الحطاب و الجلاب الذي يجلب الخضر و الفواكه و الحبوب و نحوها إلى البلد ، فإنهم يتمون الصلاة ، و كذلك من كانت إقامته في مكان و تجارته أو طبابته أو تدريسه أو دراسته في مكان آخر فيسافر إليه يوميا أو بين يوم و يوم مثلا ، و الحاصل أن العبرة في لزوم التمام بكثرة السفر ، و لكن تكفي الكثرة التقديرية في المهن السفرية كالسياقة و الملاحة و نحوهما ، فالسائق و نحوه يتم الصلاة و إن لم يكثر السفر منه بعد إذا كان عازماً على ذلك ـ كما سيجيء ـ و أما في غيرها فتعتبر الكثرة الفعلية من غير فرق بين من يكون السفر مقدمة لمهنته و من يتكرر السفر منه لغرض آخر كما سيأتي في المسألة ( 916 ) .
مسألة 910 : إذا اختص عمله بالسفر إلى ما دون المسافة قصر إن اتفق له السفر إلى المسافة ، نعم إذا كان عمله السفر إلى مسافة معينة كالمكاري من النجف إلى كربلاء ، فاتفق له كري دوابه إلى غيرها فإنه يتم حينئذ .
مسألة 911 : لا يعتبر في وجوب التمام على من اتخذ العمل السفري مهنة له تكرر السفر منه ثلاث مرات ، بل متى ما صدق عليه عنوان السائق أو نحوه يجب عليه التمام ، نعم إذا توقف صدقه على تكرار السفر يجب التقصير قبله .
مسألة 912 : إذا سافر من اتخذ العمل السفري مهنة له سفرا ليس من

( 295 )

عمله و لا متعلقاً به ـ كما إذا سافر المكاري للزيارة أو الحج ـ وجب عليه القصر ، و مثله ما إذا انكسرت سيارته أو سفينته فتركها عند من يصلحها و رجع إلى أهله فإنه يقصر في سفر الرجوع ، و كذا لو غصبت دوابه أو مرضت فتركها و رجع إلى أهله ، نعم إذا لم يتهيأ له المكاراة في رجوعه فرجع إلى أهله بدوابه أو بسيارته أو بسفينته خالية من دون مكاراة فإنه يتم في رجوعه ، فالتمام يختص بالسفر الذي هو عمله ، أو متعلق بعمله ، هذا مع عدم تحقق الكثرة الفعلية في حقه و إلا فحكمه التمام و لو في السفر الذي لا يتعلق بعمله .
مسألة 913 : إذا اتخذ السفر عملاً له في شهور معينة من السنة أو فصل معين منها ، كالذي يكري دوابه بين مكة و جدة في شهور الحج أو يجلب الخضر في فصل الصيف جرى عليه الحكم ، و أتم الصلاة في سفره في المدة المذكورة ، أما في غيرها من الشهور فيقصر في سفره إذا اتفق له السفر .
مسألة 914 : الحملدارية الذين يسافرون إلى مكة في أيام الحج في كل سنة ، و يقيمون في بلادهم بقية أيام السنة يشكل جريان حكم من عمله السفر عليهم ، فالأحوط لزوماً لهم الجمع بين القصر و التمام ، بل لا يبعد وجوب القصر عليهم فيما إذا كان زمان سفرهم قليلاً ـ كثلاثة أسابيع مثلاً ـ ، كما هو الغالب في من يسافر جواً في عصرنا الحاضر .
مسألة 915 : الظاهر توقف صدق عنوان السائق مثلاً على العزم على مزاولة مهنة السياقة مرة بعد أخرى على نحو لا يكون له فترة غير معتادة لمن يتخذ تلك المهنة عملاً له ، و تختلف الفترة طولاً و قصراً بحسب اختلاف الموارد ، فالذي يسوق سيارته في كل شهر مرة من النجف إلى خراسان يصدق أن عمله السياقة ، و أما الذي يسوق سيارته في كل ليلة جمعة من النجف إلى كربلاء فلا يصدق في حقه ذلك ، و هذا الاختلاف ناشئ من

( 296 )

اختلاف أنواع السفر ، و المدار العزم على توالي السفر من دون تخلل فترة تضر بصدق عنوان السائق أو الملاح أو نحوهما . هذا فيمن اتخذ العمل السفري مهنة له ، و أما غيره ممن يتكرر منه السفر خارجاً لكونه مقدمة لمهنته أو لغرض آخر فتتحقق كثرة السفر في حقه إذا كان يسافر في كل يوم و يرجع إلى أهله ، أو يحضر يوماً و يسافر يوماً ، أو يحضر يومين و يسافر يومين ، أو يحضر ثلاثة أيام و يسافر ثلاثة أيام ، أو يحضر أربعة أيام و يسافر ثلاثة أيام ، و إذا كان يحضر خمسة و يسافر يومين كالخميس و الجمعة فالأحوط له لزوماً الجمع بين القصر و التمام ، و أما إذا كان لا يتفق له السفر إلا مرة في الأسبوع أو الأسبوعين فوظيفته القصر لأنه لا يعد بذلك كثير السفر عرفاً .
مسألة 916 : إذا لم يتخذ العمل السفري عملاً و حرفة له و لم يكن السفر مقدمة لمهنته و لكن كان له غرض في تكرار السفر بلا فترة ـ مثل أن يسافر كل يوم من البلد للتنزه أو لعلاج مرض ، أو لزيارة إمام ، أو نحو ذلك ـ بحيث يعد كثير السفر عرفاً فالأظهر وجوب التمام عليه .
مسألة 917 : إذا أقام من عمله السفر في بلده عشرة أيام لم ينقطع حكم عملية السفر فيتم الصلاة بعده حتى في سفره الأول على الأظهر ، و كذلك إذا أقام في غير بلده عشرة منوية ، و لا يبعد جريان هذا الحكم حتى في المكاري و إن كان لا ينبغي له ترك الاحتياط بالجمع بين القصر و الإتمام في سفره الأول .
السادس : أن لا يكون ممن بيته معه بأن لا يكون له مسكن يستقر فيه و إلا أتم صلاته و يكون بيته بمنزلة الوطن ، و لو كانت له حالتان كأن يكون له مقر في الشتاء يستقر فيه و رحلة في الصيف يطلب فيها العشب و الكلأ مثلاً ـ كما هو الحال في بعض أهل البوادي ـ كان لكل منهما حكمه فيقصر لو خرج إلى حد المسافة في الحالة الأولى و يتم في الحالة الثانية . نعم إذا سافر من

( 297 )

بيته لمقصد آخر كحج أو زيارة أو لشراء ما يحتاج من قوت أو حيوان أو نحو ذلك قصر ، و كذا إذا خرج لاختيار المنزل أو موضع العشب و الماء ، أما إذا سافر لهذه الغايات و معه بيته أتم .
مسألة 918 : السائح في الأرض الذي لم يتخذ وطناً منها يتم و كذا إذا كان له وطن و خرج معرضاً عنه و لم يتخذ وطناً آخر بحيث عد ممن بيته معه ، و إلا وجب عليه القصر .
السابع : أن يصل إلى حد الترخص ، و هو المكان الذي يتوارى فيه المسافر عن أنظار أهل البلد بسبب ابتعاده عنهم ، و علامة ذلك غالباً أنه لا يرى أهل بلده ، و مثله على المشهور المكان الذي لا يسمع فيه أذان البلد و لكنه لا يخلو عن إشكال بل منع . و لا يلحق محل الإقامة و المكان الذي بقي فيه ثلاثين يوماً متردداً بالوطن ، فيقصر فيهما المسافر صلاته بمجرد شروعه في السفر ، و إن كان الأحوط فيهما ـ استحباباً ـ الجمع بين القصر و التمام فيما بين البلد و حد الترخص .
مسألة 919 : المدار في عين الرائي و صفاء الجو بالمتعارف مع عدم الاستعانة بالآلات المتداولة لمشاهدة الأماكن البعيدة .
مسألة 920 : المشهور اعتبار حد الترخص في الإياب كما يعتبر في الذهاب ، و لكن لا يبعد عدم اعتباره فيه ، فالمسافر يقصر في صلاته حتى يدخل بلده و لا عبرة بوصوله إلى حد الترخص ، و إن كان الأولى رعاية الاحتياط بتأخير الصلاة إلى حين الدخول في البلد أو الجمع بين القصر و التمام إذا صلى بعد الوصول إلى حد الترخص .
مسألة 921 : إذا سافر من بلده و شك في الوصول إلى حد الترخص بنى على عدمه فيبقى على التمام .
مسألة 922 : إذا اعتقد الوصول إلى الحد فصلى قصراً ، ثم بان أنه

( 298 )

لم يصل بطلت و وجبت الإعادة قبل الوصول إليه تماماً ، و بعده قصراً ، فإن لم يعد وجوب عليه القضاء ، و يلاحظ فيه وظيفته حال الفوت .
مسألة 923 : إذا سافر من وطنه و جاز عن حد الترخص ثم في أثناء الطريق رجع إلى ما دونه لقضاء حاجة أو نحو ذلك فما دام هناك يجب عليه التمام و إذا جاز عنه بعد ذلك وجب عليه القصر إذا كان الباقي مسافة .

الفصل الثاني

في قواطع السفر


و هي أمور :
الأول : الوطن ، فإن المسافر إذا مر به في سفره و نزل فيه وجب عليه الإتمام ما لم ينشئ سفراً جديداً، و أما المرور اجتيازاً من غير نزول ففي كونه قاطعاً إشكال ، و المقصود بالوطن أحد المواضع الثلاثة :
1 ـ مقره الأصلي الذي ينسب إليه و يكون مسكن أبويه و مسقط رأسه عادة .
2 ـ المكان الذي اتخذه مقراً و مسكناً لنفسه بحيث يريد أن يبقى فيه بقية عمره .
3 ـ المكان الذي اتخذه مقراً لفترة طويلة بحيث لا يصدق عليه أنه مسافر فيه و يراه العرف مقرا له حتى إذا اتخذ مسكناً موقتاً في مكان آخر لمدة عشرة أيام أو نحوها ، و لا يعتبر في الأقسام الثلاثة أن يكون للشخص ملك فيه ، بل لا يعتبر إباحة المسكن فلو غصب داراً في بلد و أراد السكنى فيها بقية عمره مثلاً يصير وطناً له .
مسألة 924 : يجوز أن يكون للإنسان وطنان كما لو اتخذ على نحو الدوام و الاستمرار مسكنين لنفسه ، فيقيم في كل سنة بعضاً منها في هذا،

( 299 )

وبعضها الآخر في الآخر ، و كذا يجوز أن يكون له أكثر من وطنين .
مسألة 925 : الظاهر أنه لا يكفي في ترتيب أحكام الوطن مجرد نية التوطن ، بل لابد من الإقامة بمقدار يصدق معها عرفاً أن البلد وطنه و مقره .
مسألة 926 : ذكر بعض الفقهاء نحواً آخر من الوطن يسمى بالوطن الشرعي و يقصد به المكان الذي يملك فيه الإنسان منزلاً قد استوطنه ستة أشهر ، بأن أقام فيها ستة أشهر عن قصد و نية فقالوا : إنه يتم الصلاة فيه كلما دخله . و لكن الأظهر عدم ثبوت هذا النحو .
مسألة 927 : يكفي في صدق الوطن قصد التوطن و لو تبعاً ، كما في الزوجة و الخادم و الأولاد .
مسألة 928 : يزول حكم الوطن بالخروج معرضاً عن السكنى فيه ، و أما إذا تردد في التوطن في المكان الذي كان وطناً له ففي بقاء الحكم إشكال ، و الأظهر البقاء ، بلا فرق في ذلك بين الوطن الأصلي و الاتخاذي .
مسألة 929 : تقدم أن من أقسام الوطن المكان الذي يتخذه الشخص مقراً له لفترة طويلة كما هو ديدن المهاجرين إلى النجف الأشرف أو غيره من المعاهد العلمية لطلب العلم قاصدين الرجوع إلى أوطانهم بعد قضاء و طرهم ، فإن هؤلاء يتمون الصلاة في أماكن دراستهم فإذا رجعوا إليها من سفر الزيارة مثلاً أتموا و إن لم يعزموا على الإقامة فيها عشرة أيام ، كما أنه يعتبر في جواز القصر في السفر منها إلى بلد آخر أن تكون المسافة ثمانية فراسخ امتدادية أو تلفيقية ، فلو كانت أقل وجب التمام ، و كذلك ينقطع السفر بالمرور فيها و النزول فيها كما هو الحال في الوطن الأصلي .
تنبيه : إذا كان الإنسان وطنه النجف مثلاً ، و كان له محل عمل في الكوفة يخرج إليه وقت العمل كل يوم و يرجع ليلاً ، فإنه لا يصدق عليه عرفاً ـ و هو في محله ـ أنه مسافر ، فإذا خرج من النجف قاصداً محل العمل و بعد

( 300 )

الظهر ـ مثلاً ـ يذهب إلى بغداد يجب عليه التمام في ذلك المحل و بعد التعدي من حد الترخص منه يقصر ، و إذا رجع من بغداد إلى النجف و وصل إلى محل عمله أتم ، و كذلك الحكم لأهل الكاظمية إذا كان لهم محل عمل في بغداد و خرجوا منها إليه لعملهم ثم السفر إلى كربلاء مثلاً ، فإنهم يتمون فيه الصلاة ذهاباً و إياباً إذا نزلوا فيه .
الثاني : العزم على الإقامة عشرة أيام متوالية في مكان واحد أو العلم ببقائه المدة المذكورة فيه و إن لم يكن باختياره ، و الليالي المتوسطة داخلة بخلاف الأولى و الأخيرة ، و يكفي تلفيق اليوم المنكسر من يوم آخر فإذا نوى الإقامة من زوال أول يوم إلى زوال اليوم الحادي عشر وجب التمام ، و الظاهر أن مبدأ اليوم طلوع الفجر ، فإذا نوى الإقامة من طلوع الشمس فلا بد من نيتها إلى طلوعها من اليوم الحادي عشر .
مسألة 930 : يشترط وحدة محل الإقامة ، فإذا قصد الإقامة عشرة أيام في النجف الأشرف و مسجد الكوفة مثلاً بقي على القصر ، نعم لا يشترط قصد عدم الخروج عن سور البلد ، بل إذا قصد الخروج إلى ما يتعلق بالبلد من الأمكنة مثل بساتينه و مزارعه و مقبرته و مائه و نحو ذلك من الأمكنة التي يتعارف وصول أهل البلد إليها من جهة كونهم أهل ذلك البلد لم يقدح في صدق الإقامة فيها ، و أما من قصد الخروج إلى حد الترخص ، أو ما يزيد عليه إلى ما دون المسافة ـ كما إذا قصد الإقامة في النجف الأشرف مع قصد الخروج إلى مسجد الكوفة أو السهلة ـ فالأظهر أنه لا يضر بقصد الإقامة إذا لم يكن زمان الخروج مستوعباً للنهار أو كالمستوعب له كما لو قصد الخروج بعد الزوال و الرجوع ساعة بعد الغروب ، و لكن يشترط عدم تكرره بحد يصدق معه الإقامة في أزيد من مكان واحد .
مسألة 931 : إذا قصد الإقامة إلى ورود المسافرين ، أو انقضاء

( 301 )

الحاجة أو نحو ذلك ، وجب القصر و إن اتفق حصوله بعد عشرة أيام ، و كذا إذا نوى الإقامة إلى يوم الجمعة الثانية ـ مثلا ـ و كان عشرة أيام و لكنه لم يعلم بذلك من الأول فإنه يجب عليه القصر على الأظهر ، فلا فرق في وجوب القصر مع التردد في إقامة عشرة أيام بين أن يكون ذلك لأجل تردد زمان النية بين سابق و لاحق ، و بين أن يكون لأجل الجهل بالآخر ، كما إذا نوى المسافر الإقامة من اليوم الواحد و العشرين إلى آخر الشهر و تردد الشهر بين الناقص و التام ثم انكشف كماله فإنه يجب القصر في كلتا الصورتين .
مسألة 932 : تجوز الإقامة في البرية ، و حينئذ يجب أن ينوي عدم الوصول إلى ما لا يعتاد الوصول إليه من الأمكنة البعيدة ، إلا إذا كان زمان الخروج قليلاً ، كما تقدم .
مسألة 933 : إذا عدل ناوي الإقامة عشرة أيام عن قصد الإقامة ، فإن كان قد صلى فريضة أدائية تماماً بقي على الإتمام إلى أن يسافر ، و إلا رجع إلى القصر ، سواء لم يصل أصلاً أم صلى مثل الصبح و المغرب ، أو شرع في الرباعية و لم يتمها و لو كان في ركوع الثالثة ، و سواء أ فعل ما لا يجوز فعله للمسافر من النوافل و الصوم ، أو لم يفعل .
مسألة 934 : إذا صلى بعد نية الإقامة فريضة أدائية تماماً مع الغفلة عن إقامته بالكلية ثم عدل ففي كفايته في البقاء على التمام إشكال فلا يترك الاحتياط بالجمع بين القصر و الإتمام بعد العدول ، و كذلك الحال لو صلاها تماماً لشرف البقعة غافلاً عن نية إقامته ، و إذا فاتته الصلاة بعد نية الإقامة فقضاها خارج الوقت تماماً ثم عدل عن إقامته رجع إلى القصر .
مسألة 935 : إذا تمت مدة الإقامة لم يحتج في البقاء على التمام إلى إقامة جديدة ، بل يبقى على التمام إلى أن يسافر و إن لم يصل في مدة الإقامة فريضة تماماً .

( 302 )

مسألة 936 : لا يشترط في تحقق الإقامة كونه مكلفاً ، فلو نوى الإقامة و هو غير بالغ ثم بلغ في أثناء العشرة وجب عليه التمام في بقية الأيام و قبل البلوغ أيضاً يصلي تماماً ، و إذا نواها و هو مجنون و كان تحقق القصد منه ممكناً ، أو نواها حال الإفاقة ثم جن يصلي تماماً بعد الإفاقة في بقية العشرة ، و كذا إذا كانت حائضاً حال النية فإنها تصلي ما بقي بعد الظهر من العشرة تماماً ، بل إذا كانت حائضاً تمام العشرة يجب عليها التمام ما لم تنشئ سفراً .
مسألة 937 : إذا صلى تماماً ، ثم عدل لكن تبين بطلان صلاته رجع إلى القصر ، و إذا صلى الظهر قصراً ثم نوى الإقامة فصلى العصر تماماً ثم تبين له بطلان إحدى الصلاتين فإنه يرجع إلى القصر ، و يرتفع حكم الإقامة ، و إذا صلى بنية التمام ، و بعد السلام شك في أنه سلم على الأربع أو الاثنتين أو الثلاث كفى في البقاء على حكم التمام إذا عدل عن الإقامة بعد الصلاة ، و كذا يكفي في البقاء على حكم التمام إذا عدل عن الإقامة بعد الصلاة ، و كذا يكفي في البقاء على حكم التمام إذا عدل عن الإقامة بعد السلام الواجب ، و قبل الإتيان بسجود السهو ، أو قبل قضاء السجدة المنسية ، و لا يترك الاحتياط فيما إذا عدل بعد السلام الأول و قبل السلام الأخير أو قبل الإتيان بصلاة الاحتياط .
مسألة 938 : إذا استقرت الإقامة و لو بالصلاة تماماً ، فبدا للمقيم الخروج إلى ما دون المسافة ، فإن كان ناوياً للإقامة في المقصد ، أو في محل الإقامة ، أو في غيرهما بقي على التمام ، حتى يسافر من محل الإقامة الثانية ، و إن كان ناوياً الرجوع إلى محل الإقامة و السفر منه قبل العشرة أتم في الذهاب و المقصد ، و أما في الإياب و محل الإقامة فالأحوط الأولى الجمع بين القصر و التمام فيهما و إن كان الأظهر جواز الاقتصار على التمام حتى يسافر من محل الإقامة ، نعم إذا كان ناوياً السفر من مقصده و كان رجوعه إلى محل

( 303 )

إقامته من جهة وقوعه في طريقه قصر في إيابه و محل إقامته أيضاً .
مسألة 939 : إذا دخل في الصلاة بنية القصر ، فنوى الإقامة في الأثناء أكملها تماماً ، و إذا نوى الإقامة فشرع في الصلاة بنية التمام فعدل في الأثناء ، فإن كان قبل الدخول في ركوع الثالثة أتمها قصراً ، و إن كان بعده جاز له قطعها و أتى بها قصراً .
مسألة 940 : إذا عدل عن نية الإقامة ، و شك في أن عدوله كان بعد الصلاة تماماً ليبقى على التمام أم لا بنى على عدمها فيرجع إلى القصر .
مسألة 941 : إذا عزم على الإقامة فنوى الصوم ، و عدل بعد الزوال قبل أن يصلي تماماً ففي صحته إشكال فالأحوط إتمامه ثم قضاؤه ، و أما الصلاة فيجب فيها القصر ، كما سبق .
الثالث : أن يقيم في مكان واحد ثلاثين يوماً من دون عزم على الإقامة عشرة أيام ، سواء عزم على إقامة تسعة أو أقل أم بقي متردداً فإنه يجب عليه القصر إلى نهاية الثلاثين ، و بعدها يجب عليه التمام إلى أن يسافر سفراً جديداً .
مسألة 942 : المتردد في الأمكنة المتعددة يقصر و إن بلغت المدة ثلاثين يوماً .
مسألة 943 : إذا خرج المقيم المتردد إلى ما دون المسافة جرى عليه حكم المقيم عشرة أيام إذا خرج إليه ، فيجري فيه ما ذكرناه فيه .
مسألة 944 : إذا تردد في مكان تسعة و عشرين يوماً ، ثم انتقل إلى مكان آخر ، و أقام فيه ـ متردداً ـ تسعة و عشرين ، و هكذا بقي على القصر في الجميع إلى أن ينوي الإقامة في مكان واحد عشرة أيام ، أو يبقى في مكان واحد ثلاثين يوماً متردداً .
مسألة 945 : يكفي تلفيق اليوم المنكسر من يوم آخر هنا ، كما تقدم

( 304 )

في الإقامة .
مسألة 946 : في كفاية الشهر الهلالي إذا نقص عن الثلاثين يوماً إشكال ، بل الأظهر عدم الكفاية .

الفصل الثالث

في أحكام المسافر


مسألة 947 : تسقط النوافل النهارية في السفر ، و في سقوط الوتيرة إشكال و الأظهر السقوط ، نعم لا بأس بالإتيان بها برجاء المطلوبية ، و يجب القصر في الفرائض الرباعية بالاقتصار على الأوليين منها فيما عدا الأماكن الأربعة ، كما سيأتي ، و إذا صلاها تماماً ، فإن كان عالماً بالحكم بطلت ، و وجبت الإعادة أو القضاء ، و إن كان جاهلاً بالحكم من أصله ـ بأن لم يعلم مشروعية التقصير للمسافر أو كونه واجباً عليه ـ لم تجب الإعادة ، فضلاً عن القضاء ، و إن كان عالماً بأصل الحكم ، و جاهلاً ببعض الخصوصيات الموجبة للقصر ، مثل انقطاع عملية السفر بإقامة عشرة في البلد ، و مثل أن العاصي في سفره يقصر إذا رجع إلى الطاعة و نحو ذلك فإن علم في الوقت فالأحوط إعادة الصلاة و لا يبعد عدم وجوب قضائها إذا علم به بعد مضي الوقت ، و إن كان جاهلاً بالموضوع ، بأن لا يعلم أن ما قصده مسافة ـ مثلاً ـ فأتم فتبين له أنه مسافة ، أو كان ناسياً للسفر أو ناسياً أن حكم المسافر القصر فأتم ، فإن علم أو تذكر في الوقت أعاد ، و إن علم أو تذكر بعد خروج الوقت فالظاهر عدم وجوب القضاء عليه .
مسألة 948 : الصوم كالصلاة فيما ذكر فيبطل في السفر مع العلم و يصح مع الجهل ، سواء أ كان لجهل بأصل الحكم أم كان بالخصوصيات أم كان بالموضوع .

( 305 )

مسألة 949 : إذا قصر من وظيفته التمام بطلت صلاته في جميع الموارد ، بلا فرق في ذلك بين العامد و الجاهل و الناسي و الخاطئ ، نعم المقيم عشرة أيام إذا قصر جهلاً بأن حكمه التمام ثم علم به كان الحكم بوجوب الإعادة عليه مبنياً على الاحتياط الوجوبي .
مسألة 950 : إذا دخل الوقت و هو حاضر و تمكن من الصلاة تماماً و لم يصل ، ثم سافر حتى تجاوز حد الترخص و الوقت باق ، صلى قصراً ، و إذا دخل عليه الوقت و هو مسافر و تمكن من الصلاة قصراً و لم يصل حتى وصل إلى وطنه ، أو محل إقامته صلى تماماً ، فالمدار على زمان الأداء لا زمان حدوث الوجوب .
مسألة 951 : إذا فاتته الصلاة في الحضر قضى تماماً و لو في السفر ، و إذا فاتته في السفر قضى قصراً و لو في الحضر ، و إذا كان في أول الوقت حاضراً و في آخره مسافراً أو بالعكس راعى في القضاء حال الفوات و هو آخر الوقت ، فيقضي في الأول قصرا ، و في العكس تماماً .
مسألة 952 : يتخير المسافر بين القصر و التمام في الأماكن الأربعة : مكة المعظمة ، و المدينة المنورة ، و الكوفة ، و حرم الحسين عليه السلام ، فللمسافر السائغ له التقصير أن يتم صلاته في هذه المواضع بل هو أفضل و إن كان التقصير أحوط ، و ذكر جماعة اختصاص التخيير في البلاد الثلاثة بمساجدها و لكنه لا يبعد ثبوت التخيير فيها مطلقاً و إن كان الاختصاص أحوط ، و الظاهر أن التخيير ثابت في حرم الحسين عليه السلام فيما يحيط بالقبر الشريف بمقدار خمسة و عشرين ذراعاً من كل جانب فتدخل بعض الأروقة في الحد المذكور و يخرج عنه بعض المسجد الخلفي .
مسألة 953 : لا فرق في ثبوت التخيير في الأماكن المذكورة بين أرضها و سطحها و المواضع المنخفضة فيها ، كبيت الطشت في مسجد

( 306 )

الكوفة .
مسألة 954 : لا يلحق الصوم بالصلاة في التخيير المذكور ، فلا يجوز للمسافر الذي حكمه القصر الصوم في الأماكن الأربعة .
مسألة 955 : التخيير المذكور استمراري ، فإذا شرع في الصلاة بنية القصر يجوز له العدول في الأثناء إلى الإتمام، و بالعكس .
مسألة 956 : لا يجري التخيير المذكور في سائر المساجد و المشاهد الشريفة .
مسألة 957 : يستحب للمسافر أن يقول عقيب كل صلاة مقصورة ثلاثين مرة : (( سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر )) .
مسألة 958 : يختص التخيير المذكور بالأداء و لا يجري في القضاء .

( 307 )


المقصد الثاني عشر

في صلاة الجمعة


وفيه فروع
الأول : صلاة الجمعة ركعتان كصلاة الصبح ، و تمتاز عنها بخطبتين قبلها ، ففي الأولى منهما يقوم الإمام و يحمد الله و يثني عليه و يوصي بتقوى الله و يقرأ سورة قصيرة من الكتاب العزيز ثم يجلس قليلاً، و في الثانية يقوم و يحمد الله و يثني عليه و يصلي على محمد صلى الله عليه و آله و على أئمة المسلمين عليهم السلام و يضم إلى ذلك على الأحوط الأولى الاستغفار للمؤمنين و المؤمنات .
الثاني : الأحوط إتيان الحمد و الصلاة من الخطبة بالعربية ، و أما غيرهما من أجزائها كالثناء على الله و الوصية بالتقوى فيجوز إتيانها بغير العربية أيضاً على الأظهر ، بل الأحوط ـ إذا كان أكثر الحضور غير عارفين باللغة العربية ـ أن تكون الوصية بتقوى الله تعالى باللغة التي يفهمونها .
الثالث : صلاة الجمعة واجبة تخييراً على الأظهر ، و معنى ذلك أن المكلف يوم الجمعة مخير بين الإتيان بصلاة الجمعة على النحو الذي تتوفر فيه شرائطها الآتية و بين الإتيان بصلاة الظهر و لكن إقامة الجمعة أفضل ، فإذا أتى بها مع الشرائط أجزأت عن الظهر .
الرابع : يعتبر في وجوب صلاة الجمعة أمور :
1 ـ دخول الوقت ، و هو زوال الشمس ، و وقتها أول الزوال عرفا كما مر ، فلو أخرها عنه لم تصح منه فيأتي بصلاة الظهر .
2 ـ اجتماع خمسة أشخاص ، أحدهم الإمام ، فلا تجب الجمعة ما

( 308 )

لم يجتمع خمسة نفر من المسلمين كان أحدهم الإمام .
3 ـ وجود الإمام الجامع لشرائط الإمامة من العدالة و غيرها ـ على ما تقدم ذكرها في صلاة الجماعة ـ .
الخامس : تعتبر في صحة صلاة الجمعة أمور :
1 ـ الجماعة ، فلا تصح صلاة الجمعة فرادى ، و يجزي فيها إدراك الإمام في الركوع الأول بل في القيام من الركعة الثانية أيضاً فيأتي مع الإمام بركعة و بعد فراغه يأتي بركعة أخرى ، و أما لو أدركه في ركوع الركعة الثانية ففي الاجتزاء به إشكال فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيه .
2 ـ أن لا تكون المسافة بينها و بين صلاة جمعة أخرى أقل من فرسخ ، فلو أقيمت جمعتان فيما دون فرسخ بطلتا جميعا إن كانتا مقترنتين زماناً ، و أما إذا كانت إحداهما سابقة على الأخرى و لو بتكبيرة الإحرام صحت السابقة دون اللاحقة ، نعم إذا كانت إحدى الصلاتين فاقدة لشرائط الصحة فهي لا تمنع عن إقامة صلاة جمعة أخرى و لو كانت في عرضها أو متأخرة عنها .
3 ـ قراءة خطبتين قبل الصلاة ـ على ما تقدم ـ و الأحوط لزوماً أن تكون الخطبتان بعد الزوال ، كما لابد أن يكون الخطيب هو الإمام ، و لا يجب الحضور حال الخطبة على الأظهر .
السادس : إذا أقيمت الجمعة في بلد واجدة للشرائط فإن كان من أقامها هو الإمام المعصوم عليه السلام أو من يمثله وجب الحضور فيها عيناً ، و إن كان غيره لم يجب الحضور على الأظهر ، بل يجوز الإتيان بصلاة الظهر .
السابع : يعتبر في وجوب الحضور في الصورة الأولى المتقدمة أمور :
1 ـ الذكورة ، فلا يجب الحضور على النساء .
2 ـ الحرية ، فلا يجب على العبيد .
3 ـ الحضور ، فلا يجب على المسافر سواء في ذلك المسافر الذي

( 309 )

وظيفته القصر و من كانت وظيفته الإتمام كالقاصد لإقامة عشرة أيام .
4 ـ السلامة من المرض و العمى ، فلا يجب على المريض و الأعمى .
5 ـ عدم الشيخوخة ، فلا يجب على الشيخ الكبير .
6 ـ أن لا يكون الفصل بينه و بين المكان الذي تقام فيه الجمعة أزيد من فرسخين ، كما لا يجب على من كان الحضور عليه حرجياً لمطر أو برد شديد أو نحوهما و إن لم يكن الفصل بهذا المقدار .
الثامن : من لا تجب عليه صلاة الجمعة عيناً تجوز له المبادرة إلى أداء صلاة الظهر في أول وقتها .
التاسع : الأحوط لزوماً الإصغاء إلى الخطبة لمن يفهم معناها ، و لا يجوز ـ على الأحوط ـ التكلم أثناء اشتغال الإمام بها إذا كان ذلك مانعاً عن الإصغاء .
العاشر : يحرم البيع و الشراء بعد النداء لصلاة الجمعة إذا كانا منافيين للصلاة و لكن الأظهر صحة المعاملة و إن كانت محرمة .
الحادي عشر : من يجب عليه الحضور إذا تركه و صلى صلاة الظهر فالأظهر صحة صلاته .

( 310 )


خاتمة

في بعض الصلوات المستحبة


منها : صلاة العيدين ، و هي واجبة في زمان الحضور مع اجتماع الشرائط ، و مستحبة في عصر الغيبة جماعة و فرادى ، و لا يعتبر فيها العدد و لا تباعد الجماعتين ، و لا غير ذلك من شرائط صلاة الجمعة . و كيفيتها : ركعتان يقرأ في كل منهما الحمد و سورة ، و الأفضل أن يقرأ في الأولى (( و الشمس )) و في الثانية (( الغاشية )) أو في الأولى ( الأعلى ) و في الثانية (( و الشمس ) ثم يكبر في الأولى خمس تكبيرات ، و يقنت بين كل تكبيرتين وفي الثانية يكبر بعد القراءة اربعا، ويقنت بين كل تكبيرتين و لا يبعد الاجتزاء بثلاث تكبيرات في كل ركعة عدا تكبيرتي الإحرام و الركوع ، و يجزي في القنوت ما يجزي في قنوت سائر الصلوات ، و الأفضل أن يدعو بالمأثور ، فيقول في كل واحد منها : ( اللهم أهل الكبرياء و العظمة ، و أهل الجود و الجبروت ، و أهل العفو و الرحمة ، و أهل التقوى و المغفرة ، أسألك بحق هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا ، و لمحمد صلى الله عليه و آله و سلم ذخراً و مزيداً ، أن تصلي على محمد و آل محمد ، كأفضل ما صليت على عبد من عبادك ، و صل على ملائكتك و رسلك ، و اغفر للمؤمنين و المؤمنات ، و المسلمين و المسلمات ، الأحياء منهم و الأموات ، اللهم إني أسألك خير ما سألك به عبادك الصالحون و أعوذ بك من شر ما استعاذ بك منه عبادك المخلصون ) ، و يأتي الإمام بخطبتين بعد الصلاة يفصل بينهما بجلسة خفيفة ، و لا يجب الحضور عندهما ، و لا الإصغاء ، و الأحوط عدم تركهما في زمان الغيبة إذا كانت الصلاة جماعة .

( 311 )

مسألة 959 : لا يتحمل الإمام في هذه الصلاة غير القراءة .
مسألة 960 : إذا لم تجتمع شرائط وجوبها ففي جريان أحكام النافلة عليها إشكال ، و الظاهر بطلانها بالشك في ركعاتها ، و لزوم قضاء السجدة الواحدة إذا نسيت ، و سجود السهو عند تحقق موجبه .
مسألة 961 : إذا شك في جزء منها و هو في المحل أتى به ، و إن كان بعد تجاوز المحل مضى .
مسألة 962 : ليس في هذه الصلاة أذان و لا إقامة ، بل يستحب أن يقول المؤذن : الصلاة ـ ثلاثاً ـ .
مسألة 963 : وقتها من طلوع الشمس إلى الزوال ، و الأظهر سقوط قضائها لو فاتت ، و يستحب الغسل قبلها ، و الجهر فيها بالقراءة ، إماماً كان أو منفرداً، و رفع اليدين حال التكبيرات ، و السجود على الأرض ، و الإصحار بها إلا في مكة المعظمة فإن الإتيان بها في المسجد الحرام أفضل ، و أن يخرج إليها راجلاً حافياً لابساً عمامة بيضاء مشمراً ثوبه إلى ساقه ، و أن يأكل قبل خروجه إلى الصلاة في الفطر ، و بعد عوده في الأضحى مما يضحي به إن كان .
ومنها : صلاة ليلة الدفن ، و تسمى صلاة الوحشة و هي ركعتان يقرأ في الأولى بعد الحمد آية الكرسي و الأحوط لزوماً قراءتها إلى : ( هم فيها خالدون ) و في الثانية بعد الحمد سورة القدر عشر مرات ، و بعد السلام يقول : (( اللهم صل على محمد و آل محمد و ابعث ثوابها إلى قبر فلان )) و يسمي الميت ، و في رواية بعد الحمد في الأولى التوحيد مرتين ، و بعد الحمد في الثانية سورة التكاثر عشراً ، ثم الدعاء المذكور ، و الجمع بين الكيفيتين أولى و أفضل .
مسالة 964 : لا بأس بالاستئجار لهذه الصلاة و إن كان الأولى ترك الاستئجار و دفع المال إلى المصلي ، على نحو لا يؤذن له بالتصرف فيه ، إلا

( 312 )

إذا صلى .
مسألة 965 : إذا صلى و نسي آية الكرسي أو القدر أو بعضهما أو أتى بالقدر أقل من العدد الموظف فهي لا تجزئ عن صلاة ليلة الدفن و لا يحل له المال المأذون له فيه بشرط كونه مصلياً إذا لم تكن الصلاة تامة .
مسألة 966 : وقت صلاة ليلة الدفن على النحو الأول الليلة الأولى من الدفن فإذا لم يدفن الميت إلا بعد مرور مدة أخرت الصلاة إلى الليلة الأولى من الدفن ، و أما على النحو الثاني فظاهر الرواية الواردة به استحبابها في أول ليلة بعد الموت ، و يجوز الإتيان بها في جميع آنات الليل ، و إن كان التعجيل أولى .
مسألة 967 : إذا أخذ المال ليصلي فنسي الصلاة في ليلة الدفن لا يجوز له التصرف في المال إلا بمراجعة مالكه ، فإن لم يعرفه و لم يمكن تعرفه جرى عليه حكم مجهول المالك ، نعم لو علم من القرائن رضاه بالتصرف فيه إذا صلى هدية أو عمل عملاً آخر جاز له التصرف فيه بمثل الأكل و الشرب و أداء الدين ، بل يجوز له ـ على الأظهر ـ التصرف بمثل البيع و نحوه كأن يشتري به شيئاً لنفسه .
و منها : صلاة أول يوم من كل شهر ، و هي : ركعتان يقرأ في الأولى بعد الحمد سورة التوحيد ثلاثين مرة ، و في الثانية بعد الحمد سورة القدر ثلاثين مرة ثم يتصدق بما تيسر ، يشتري بذلك سلامة الشهر ـ كما في الرواية ـ و يستحب قراءة هذه الآيات الكريمة بعدها و هي : ( بسم الله الرحمن الرحيم * و ما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ، و يعلم مستقرها و مستودعها كل في كتاب مبين ) ( بسم الله الرحمن الرحيم * و إن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو و إن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير ) ( بسم الله الرحمن الرحيم * سيجعل الله بعد عسر يسرا ، ما شاء الله لا قوة إلا بالله ، حسبنا الله و نعم الوكيل ، و أفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد ،

( 313 )

لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير ، رب لا تذرني فرداً و أنت خير الوارثين ) .
مسألة 968 : يجوز إتيان هذه الصلاة في تمام النهار .
و منها : صلاة الغفيلة ، و هي : ركعتان بين المغرب و العشاء ، يقرأ في الأولى بعد الحمد : ( و ذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين * فاستجبنا له و نجيناه من الغم و كذلك ننجي المؤمنين ) و في الثانية بعد الحمد : ( و عنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو و يعلم ما في البر و البحر و ما تسقط من ورقة إلا يعلمها و لا حبة في ظلمات الأرض و لا رطب و لا يابس إلا في كتاب مبين ) ثم يرفع يديه و يقول : (( اللهم إني أسألك بمفاتح الغيب التي لا يعلمها إلا أنت أن تصلي على محمد و آل محمد و أن تفعل بي كذا و كذا )) و يذكر حاجته ، ثم يقول : (( اللهم أنت ولي نعمتي و القادر على طلبتي تعلم حاجتي فأسألك بحق محمد و آله عليه و عليهم السلام لما ( و في نسخة إلا ) قضيتها لي )) ثم يسأل حاجته فإنها تقضى إن شاء الله تعالى ، و قد ورد أنها تورث دار الكرامة و دار السلام و هي الجنة .
مسألة 969 : يجوز الإتيان بصلاة الغفيلة بقصد ركعتين من نافلة المغرب فيكون ذلك من تداخل المستحبين .
و منها : الصلاة في مسجد الكوفة لقضاء الحاجة ، و هي ركعتان يقرأ في كل واحدة منهما بعد الحمد سبع سور ، و الأولى الإتيان بها على هذا الترتيب : الفلق ـ أولاً ـ ثم الناس ، ثم التوحيد ، ثم الكافرون ، ثم النصر ، ثم الأعلى ، ثم القدر .
و لنكتف بهذا المقدار من الصلوات المستحبة طلباً للاختصار ، و الحمد لله ربنا و هو حسبنا و نعم الوكيل .