أنت هنا: الرئيسية المكتبة الاسلامية فضل آل البيت قوله تعالى : « جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم » . وآراء المفسرين فيها .
 
 


قوله تعالى : « جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم » . وآراء المفسرين فيها .

البريد الإلكتروني طباعة
كتاب فضل آل البيت من ص 62 ـ 86


ومن ذلك ما جاء في الأثر أن حمام الحرم من حمامتين عششتا على فم الغار الذي اختفى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلذلك حرم حمام الحرم ، وإذا كان كذلك فمحمد صلى الله عليه وسلم أحرى وأولى وأحق ، وأجدر أن يحفظ الله تعالى ذريته ، فإنه إمام الصلحاء ، وما أصلح الله فساد خلقه إلا به ، ومن جملة حفظ الله تعالى لأولاد فاطمة عليها السلام أن لا يدخلهم النار يوم القيامة .
وقد أخرج أبو داود الطيالسي . حدثنا عمرو بن ثابت ، حدثنا عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن حمزة بن أبي سعيد الخدري ، عن أبيه قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :
ما بال أقوام يزعمون أن رحمي لا تنفع ، والذي نفسي بيده إن رحمي لموصولة في الدنيا والاخرة ، وإني فرطكم (1) على الحوض ، أيها الناس ألا وسيجيء قوم يوم القيامة ، فيقول القائل منهم : يا رسول الله أنا فلان بن فلان ، فأقول : أما النسب فقد عرفت ، ولكنكم ارتددتم بعدي ، ورجعتم القهقري » (2) .
____________
(1) أي متقدم عليكم .
(2) انظر كتاب « منحة المعبود في ترتيب مسند الطيالسي أبي داود » كتاب الكبائر ، باب الترهيب من احتقار الذنوب الصغيرة والاتكال على النسب : 2 / 64 . هذا وقد رواه بمثله الامام احمد في مسنده : 3 / 18 .


( 63 )



ورواه شريك عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن سعيد بن المسيب وحمزة ابن أبي سعيد [ عن أبي سعيد ] (1) الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره ، قيل لشريك : يا أبا عبد الله علام حملتم هذا الحديث ؟ قال : على أهل الردة .
ورواه قتيبة ، وعبد الرحمن بن شريك ، عن شريك .

* * *


____________
(1) سقطت من « ق » والمثبت عن « س » .

 


( 64 )

 

4

* * وقال تعالى : ( جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم ، وأزواجهم وذرياتهم ) (1) قال أبو جعفر الطبري (2) :
[ يقول الله تعالى : جنات عدن يدخلها هؤلاء الذين وصف صفتهم ] (3) وهم الذين يوفون بعهد الله ، ويصلون ما أمر الله به أن يوصل ، ويخشون ربهم ، والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة ، وفعلوا الأفعال التي ذكرها الله تعالى [ 138 / ب ] في هذه الايات الثلاث ومن صلح من آبائهم وأزواجهم [ وهم ] (4) نساؤهم ، وأهلوهم ، وذرياتهم ، وصلاحهم : إيمانهم بالله تعالى ، وأتباعهم أمره ، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم .
ثم ذكر عن مجاهد : ( ومن صلح من آبائهم ) من آمن في الدنيا .
____________
(1) سورة الرعد : 23 .
(2) انظر تفسير الطبري : 13 / 141 .
(3) سقطت من « س » .
(4) سقطت من « س » .


( 65 )


وقال الإمام أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي : ( ومن صلح ) موضع ( من ) رفع عطف على الواو في : ( يدخلونها ) .
وقال أبو اسحاق : وجائز أن يكون نصبا ، كما تقول : « دخلوا وزيدا » أي مع زيد .
وقال ابن عباس رضي الله عنه : ( ومن صلح من آبائهم ) يريد : من صدق بما صدقوا به ، وإن لم يعمل مثل أعمالهم .
وقال أبو اسحاق : إعلم أن الأنساب لا تنفع بغير أعمال صالحة . فعلى قول ابن عباس ، رضي الله عنه : معنى صلح : صدق ، وآمن ، ووحد ، وعلى ما ذكره أبو إسحاق معناه : صلح في عمله .
والصحيح ما قال ابن عباس ، رضي الله عنهما ؛ لان الله تعالى جعل من ثواب المطيع سروره بما يراه في أهله حيث بشره بدخول الجنة مع هؤلاء ، فدل على أنهم يدخلونها كرامة للمطيع العامل ، ولا فائدة للتبشير والوعد إلا بهذا ، إذ كل مصلح في عمله قد وعد دخول الجنة .
وقال القرطبي (1) : ( ومن صلح من آبائهم ) يجوز أن يكون معطوفا على ( أولئك ) ، والمعنى : أولئك ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم لهم عقبى الدار ،
____________
(1) انظر تفسير القرطبي : 9 / 311 ، 312 .


( 66 )


ويجوز أن يكون معطوفا على الضمير المرفوع في : ( يدخلونها ) وحسن العطف لما حال (1) الضمير المنصوب بينهما ، ويجوز أن يكون المعنى : فيدخلها من صلح من آبائهم أي من كان صالحا ، لا يدخلونها بالأنساب . ويجوز أن يكون موضع « من » نصبا على تقدير : يدخلونها مع من صلح من آبائهم : أي وإن لم يعملوا مثل أعمالهم يلحقهم الله تعالى بهم كرامة لهم .
وقال ابن عباس ، رضي الله عنهما : هذا الصلاح : الأيمان بالله والرسول ، ولو كان لهم مع الأيمان طاعات أخرى لدخلوها بطاعتهم لا على وجه التبعية .
قال القشيري : وفي هذا نظر لأنه لا بد من الأيمان [ فالقول في إشتراط العمل الصالح كالقول في إشتراط الأيمان ] (2) فالأظهر أن هذا الصلاح في جملة الأعمال ؛ والمعنى أن النعمة غدا [ 139 / ا ] تتم عليهم بأن جعلهم مجتمعين مع قراباتهم في الجنة ، وإن كان لا يدخلها كل إنسان بعمل نفسه ، بل برحمة الله تعالى .

***


قال جامعه : فإذا جاز أن يكرم الله تعالى عباده المؤمنين بالذين عملوا بطاعته ، ونهوا أنفسهم عن مخالفته بأن يدخل معهم الجنة من أهاليهم ، وذوي قراباتهم من كان مؤمنا قد
____________
(1) في « ق » : « لما حل » والمثبت عن « القرطبي » و « س » .
(2) سقطت من « س » .

 


( 67 )


قصر في عبادة ربه ، وخالف بعض ما نهى عنه بطريق التبعية لهم ، لا أنهم قد استحقوا تلك المنازل بما أسلفوا من الطاعات في أيام الحياة الدنيا ؛ فرسول الله صلى الله عليه وسلم سيد المرسلين وإمام المتقين لولي بهذه الكرامة أن يدخل الله تعالى عصاة ذريته الجنة تبعا له ، ويرضى عنهم أخصامهم .

***

 


( 68 )

 

5

* * وقال تعالى : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) (1) . قال الطبري (2) يقول : الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد للذين يمارونك في الساعة من مشركي قومك : قل لا أسألكم أيها القوم على دعايتكم إلى ما أدعوكم إليه من الحق الذي جئتكم به ، والنصيحة التي أنصحكم ـ ثوابا وجزاء [ وعوضا من أموالكم تعطونيه ] (3) إلا المودة في القربى ؛ فاختلف أهل التأويل ما يعني بقوله : ( إلا المودة في القربى ) فقال بعضهم : معناه : إلا أن تودوني في قرابتي [ منكم ] (4) وتصلوا رحمي بيني وبينكم .
ثم ذكر الطبري من طريق الشعبي عن ابن عباس ، رضي الله عنهما قال : لم يكن بطن من بطون قريش إلا وبين رسول
____________
(1) سورة الشورى ، آية : 23 .
(2) انظر : « تفسير الطبري » 25 / 22 / 26 .
(3) سقطت من « س » .
(4) في « ق » : « معكم » والمثبت عن « س » .


( 69 )


الله صلى الله عليه وسلم وبينهم قرابة ، فقال : قل لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تودوني في القرابة التي بيني وبينكم .
وعن طاووس في قوله : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) . فقال : سئل عنها ابن عباس رضي الله عنهما فقال سعيد بن جبير : هي قربى آل محمد . فقال : عجل أبو عبد الله (1) ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن بطن من بطون قريش إلا وله فيه قرابة . قال : فنزلت : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) قال : إلا القرابة التي بيني وبينكم أن تصلوها (2) .
وفي رواية عن ابن عباس ، رضي الله عنهما قال : كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم قرابة في جميع قريش ؛ فلما كذبوه ، وأبوا أن يتابعوه قال : يا قوم إن أبيتم أن [ 139 / ب ] تتابعوني فاحفظوا قرابتي فيكم ، لا يكن غيركم من العرب أولى أن يحفظني وينصرني (3) منكم .
وفي رواية عن ابن عباس رضي الله عنهما : يعني محمدا صلى الله عليه وسلم قال لقريش : لا أسألكم من أموالكم
____________
(1) في الطبري والبخاري : « عجلت » .
(2) انظر : صحيح البخاري كتاب التفسير باب قوله : « إلا المودة في القربى » 6 / 107 . تحقيق النواوي ، وابو الفضل ، وخفاجي .
(3) في الطبري : « أولى بحفظي ونصرتي منكم » .


( 70 )


شيئا ، ولكن لا تؤذوني لقرابة ما بيني وبينكم ؛ فإنكم قومي وأحق من أطاعني ، وأجابني .
وعن عكرمة رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، كان واسطا في قريش ، وكان له في كل بطن من قريش نسبا فقال : لا أسألكم عليه أجرا على ما أدعوكم إليه إلا أن تحفظوني في قرابتي .
وعن أبي مالك : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني هاشم ، وأمه من بني زهرة ، وأم أبيه من بني مخزوم ، فقال : « احفظوني في قرابتي » .
وعن عكرمة قال : تعرفون قرابتي وتصدقوني فيما جئت به وتمنعوني .
وعن قتادة : إن الله أمر محمدا صلى الله عليه وسلم أن لا يسأل الناس على هذا القرآن أجرا إلا أن يصلوا ما بينه وبينهم من القرابة ، وكل بطون قريش قد ولدته ، وبينه وبينهم قرابة .
وعن مجاهد قوله : ( إلا المودة في القربى ) أن يتبعوني ، ويصدقوني ، ويصلوا رحمي .
وعن السدى قال : لم يكن بطن من بطون قريش إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيهم ولادة ، فقال : قل لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تودوني لقرابتي منكم .
وعن الضحاك في قوله ( إلا المودة في القربى )


( 71 )


يعني قريشا ، يقول : إنما أنا رجل منكم فأعينوني على عدوي ، واحفظوا قرابتي ، وإن الذي جئتكم به لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى أن تودوني لقرابتي ، وتعينوني على عدوي .
وعن ابن زيد (1) يقول : إلا أن تودوني لقرابتي كما توادوني في قرابتكم ، وتواصلون بها ، ليس هذا الذي جئت به يقطع عني ، فلست ابتغي على الذي جئت به أجرا آخذه على ذلك منكم .
وعن قتادة قال : كل قريش قد كانت بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم قرابة ، فقال : لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تودوني بالقرابة التي بيني وبينكم .
وعن عطاء بن دينار يقول : لا أسألكم على ما جئتكم به أجرا إلا أن تودوني في قرابتي منكم ، وتمنعوني من الناس .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : قل لمن اتبعك من المؤمنين لا أسألكم على ما جئتكم به أجرا إلا أن تودوا قرابتي .
ثم ذكر عن السدى عن أبي الديلم قال : لما جيء بعلي بن الحسين أسيرا ، وأقيم على درج (2) دمشق قام رجل من أهل الشام فقال : الحمد لله الذي قتلكم ، واستأصلكم ، وقطع قرن الفتنة . فقال له علي : أقرأت القرآن ؟ قال : نعم . قال : قرأت « آل حم » ؟ قال : قرأت القرآن ، ولم أقرأ «آل حم » . قال
____________
(1) في « ق » و « س » : « ابن أبي زيد » والمثبت عن « الطبري » .
(2) درج دمشق : طريقها .


( 72 )


ما قرأت : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) ؟ قال : فإنكم لأياهم (1) ؟ قال : نعم .
وعن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قالت الأنصار : فعلنا وفعلنا ـ فكأنهم فخروا ـ فقال ابن عباس ـ أو العباس ـ لنا الفضل عليكم . فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتاهم في مجالسهم فقال : يا معشر الأنصار ، ألم تكونوا أذلاء فأعزكم الله بي ؟ قالوا : بلى يا رسول الله . قال : ألم تكونوا ضلالا فهداكم الله بي ؟ قالوا : بلى يا رسول الله . قال : أفلا تجيبوني ؟ قالوا : ما نقول يا رسول الله ؟ قال : ألا تقولون : أولم يخرجك قومك فآويناك ؟ أولم يكذبوك فصدقناك ؟ أولم يخذلوك فنصرناك ؟ قال : فما زال يقول حتى جثوا على الركب ، وقالوا : أموالنا ، وما في أيدينا لله ولرسوله . قال : فنزلت : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) .
وعن أبي العالية ، عن سعيد بن جبير : ( إلا المودة في القربى ) قال : هي قربى رسول الله صلى الله عليه وسلم . وعن أبي إسحاق : سألت عمرو بن شعيب ، عن قول الله تعالى : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) . قال : قربى النبي صلى الله عليه وسلم .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : قل لا أسألكم أيها الناس
____________
(1) في الطبري : « وانكم لأنتم هم » ؟


( 73 )


على ما جئتكم به أجرا إلا أن توددوا إلى الله ، وتتقربوا إليه بالعمل الصالح ، والطاعة .
ثم ذكر من طريق قزعة بن سويد عن ابن أبي نجيح ] (1) عن مجاهد ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : قل لا أسألكم على ما جئتكم به من البينات والهدى أجرا إلا أن تودوا الله ، وتتقربوا إليه بطاعته .
وعن الحسن : ( إلا المودة في القربى ) قال : القربى إلى الله ، وفي رواية : إلا التقرب إلى الله تعالى ، والتودد إليه بالعمل الصالح ، وفي رواية : قل لا أسألكم على ما جئتكم به أجرا إلا المودة في القربى . . إلا أن توددوا إلى الله تعالى بما يقربكم إليه من عمل بطاعته .
وعن قتادة ، عن الحسن ، بنحوه . وقال آخرون : بل معنى ذلك : إلا أن تصلوا قرابتكم .
ثم ذكر [ عن ] (2) عبد الله بن القاسم في قوله : ( إلا المودة في القربى ) . قال : أمرت أن تصل قرابتك .
قال الطبري : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، وأشبهها بظاهر التنزيل قول من قال : معناه قل لا أسألكم عليه أجرا
____________
(1) الفقرة من أول قوله : « فاحفظوا قرابتي فيكم » إلى قوله : « عن ابن أبي نجيح » ساقطه من « ق » والمثبت عن « س » .
(2) سقطت من « س » .


( 74 )


يا معشر قريش إلا أن تودوني في قرابتي منكم ، وتصلوا الرحم التي بيني وبينكم ، ثم استدل لذلك .

***


وقال ابن عطية (1) : « اختلف الناس في معناه ـ يعني قوله تعالى : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) ـ فقال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ وغيره : هي آية مكية نزلت في صدر الأسلام ، ومعناها : استكفاف (2) شر الكفار ، ودفع أذاهم ، أي إني ما أسألكم على القرآن والدين ، والدعاء إلى الله تعالى إلا أن تودوني لقرابة هي بيني وبينكم ، فتكفوا عني أذاكم .
قال ابن عباس ، وابن إسحاق ، وقتادة : لم يكن في قريش بطن إلا ولرسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فيهم نسب أو صهر ، والاية على هذا هي استعطاف ما ، ودفع أذى ، وطلب سلامة منهم ، وذلك كله منسوخ بآية السيف . ويحتمل على هذا التأويل أن يكون معنى الكلام استدعاء نصرهم ، أي لا أسألكم غرامة ولا شيئا إلا أن تودوني لقرابتي منكم ، وأن يكونوا أولى بي من غيركم .
وقال مجاهد : المعنى إلا أن تصلوا رحمي باتباعي .
وقال ابن عباس أيضا ما يقتضي أنها مدنية ، وسببها أن
____________
(1) انظر « المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز » ورقة : 98 ، 99 .
(2) أي طلب الكف .

 


( 75 )


قوما من شباب الأنصار فاخروا المهاجرين ، وطالوا (1) بالقول على قريش ، فنزلت الاية في ذلك على معنى : إلا أن تودوني فتراعوني في قرابتي ، وتحفظونني فيهم .
وقال بهذا المعنى في هذه الاية علي بن الحسين رضي الله عنهما [ 140 / ا ] واستشهد بهذه الآية حين سيق إلى الشام أسيرا ، وهو تأويل سعيد ابن جبير ، وعمرو بن شعيب ؛ وعلى هذا التأويل قال ابن عباس ، رضي الله عنهما ، قيل يا رسول الله من قرابتك الذين أمرنا [ بمودتهم ] (2) فقال : « علي وفاطمة وابناهما » (3) .
وقيل : هم ولد عبد المطلب ، قال ابن عطية : وقريش كلها عندي قربى ، وان كانت تتفاضل .
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « من مات على حب آل محمد مات شهيدا ، ومن مات على بغضهم لم يشم رائحة الجنة » .
وقال ابن عباس أيضا ـ في كتاب الثعلبي : سبب نزول هذه الاية أن الأنصار جمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
____________

(1) في تفسير ابن عطية : « ومالوا » .
(2) سقطت من « ق » والمثبت عن ابن عطية .
(3) قال في « مجمع الزوائد » : « رواه الطبراني وفيه جماعة ضعفاء ، وقد وثقوا » انظر : 9 / 168 .


( 76 )


[ مالا ] (1) وساقته إليه ، فرده عليهم ، ونزلت الاية في ذلك .
وقال ابن عباس أيضا : معنى الاية : قربى الطاعة ، والتزلف إلى الله تعالى [ كأنه ] (2) قال : إلا أن تودوني لأني أقربكم من الله ، وأريد هدايتكم ، وأدعوكم إليها .
وقال الحسن بن أبي الحسن (3) : معناه إلا أن تتوددوا إلى الله تعالى بالتقرب إليه .
وقال عبد الله بن القاسم في كتاب الطبري : [ معنى الاية ] (4) إلا أن تتوددوا بعضكم إلى بعض ، وتصلوا قراباتكم ؛ فالاية على هذا [ أمر ] (5) بصلة الأرحام .
وذكر النقاش ، عن ابن عباس ، ومقاتل ، والكلبي ، والسدى أن الاية منسوخة بقوله تعالى في سورة سبأ : ( قل ما سألتكم من أجر فهو لكم ) (6) .
والصواب أنها محكمة ، وعلى كل قول فالأستثناء منقطع و « إلا » بمعنى « لكن » ، والله أعلم .

***


____________
(1) ساقطة من ابن عطية .
(2) في « ق » « لأنّه » والمثبت عن « س » وابن عطية .
(3) في ابن عطية : ابن أبي الحسين ، وهو خطأ .
(4) ساقطة من ابن عطية .
(5) في « ق » : « البر بصلة الأرحام » .
(6) سورة سبأ ، آية : 47 .

 


( 77 )


قال جامعه : [ ويظهر لي ] (1) أن الخطاب في الاية عام لجميع من آمن ، وذلك أن العرب بأسرها قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين هو منهم ، فيتعين على من سواهم من العجم أن يوادوهم ، ويحبوهم ، وقد ورد في الأمر بحب العرب أحاديث ، وأن قريشا أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن كلهم ؛ فإنهم كلهم أبناء اسماعيل بن إبراهيم عليهما الصلاة والسلام ؛ فعلى كل يماني من العرب أن يود قريشا ويحبهم من أجل أنهم قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنو أبيه إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام .

***


وقد وردت أحاديث [ 140 / ب ] في تفضيل قريش ، وفي تقديمها على غيرها ، وأن بني هاشم رهط رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأسرته فيجب ويتعين على من عداهم من قريش محبتهم ومودتهم ، وأن عليا ، وفاطمة ، وحسنا ، وحسينا ، وذريتهما أقرب [ العرب ] (2) من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتتأكد مودتهم [ ويجب على بني هاشم ، بل وجميع قريش إكرامهم لما يجب من أكيد مودتهم ] (3) ويتعين من فضائلهم ، وفوق كل ذي علم عليم .
____________
(1) ساقطة من « س » .
(2) سقطت من « ق » والمثبت عن « س » .
(3) سقطت من « ق » والمثبت عن « س » .


( 78 )


وقال الطوفي (1) : اختلف في القربى فقيل : هي قربى كل مكلف أوصى بمودتها ، فهي كالوصية بصلة الرحم ، وقيل : هي قربى النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم اختلف فيها فقيل : هي جميع بطون قريش كما فسره ابن عباس رضي الله عنهما فيما رواه البخاري (2) وغيره . وقيل : هي قرابته الأدنون ، وهم أهل بيته : علي ، وفاطمة ، وولداهما أوصى بمودتهم .
وعند هذا استطالت الشيعة ، وزعموا أن الصحابة ، رضي الله عنهم خالفوا هذا الأمر ، ونكثوا هذا العهد بأذاهم أهل البيت بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، مع أنه سأل مودتهم ، ونزلها منزلة الأجر [ على ما [ لا ] (3) يجوز الأجر ] (4) عليه .
والى هذه الاية أشار الكميت بن زيد الأسدي (5) ، وكان شيعيا حيث يقول :

وجدنا لكم في آل حم آية * تأولها منا تقي ومعرب (6)


____________
(1) انظر : كتاب « الإشارات الإلهية » ورقة رقم : 180 كتاب التفسير .
(2) انظر صحيح البخاري كتاب التفسير باب قوله « إلا المودة في القربى 6 / 107 تحقيق النواوي ، وابو الفضل ، وخفاجي ط النهضة الحديثة .
(3) ساقطة من « ق » و « س » والمثبت عن « الإشارات » .
(4) ساقطة من « س » .
(5) انظر ترجمته في كتاب « الأغاني » لأبي الفرج الأصبهاني : 15 / 260 298 ط دار الفكر .
(6) البيت من قصيدته التي يمدح بها آل البيت وأولها :

* طربت وما شوقاً إلى البيض أطرب *

 


( 79 )



أي المجاهر ، ومن يحب التقية جميعا ، فتأولناها جميعا على أنكم المراد بها .
وأجاب الجمهور بمنع أن القربى فيها من ذكرتم ، ثم بمنع أن أحدا من الصحابة ، رضي الله عنهم ، آذاهم ، أو نكث العهد فيهم .

***



( 80 )

 

6

حدثني الشيخ الفقيه الحنفي الصوفي جمال الدين أبو المحاسن محمد بن ابراهيم بن أحمد المرشدي المكي ، حرمه الله بالمحرم الشريف تجاه الكعبة المعظمة قال : أخبرني الأمام العلامة مفتي المسلمين زين الدين عبد الرحمن الخلال (1) البغدادي ، وقد جاور بمكة ، شرفها الله تعالى ، أن بعض أمراء تيمورلنك أخبره أنه لما مرض تيمورلنك مرض الموت اضطرب ذات يوم اضطرابا كثيرا ، واسود وجهه ، وتغير لونه ، ثم أفاق ، فذكروا له ذلك فقال : إن ملائكة العذاب أتته ، فجاء رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فقال لهم : اذهبوا عنه ؛ فإنه كان يحب [ 141 / ا ] ذريتي ويحسن إليهم [ فذهبوا ] . (2)
وقد حدثني بهذا الخبر عن الخلال أيضا تلميذه الفاضل شرف الدين أحمد ابن إسماعيل بن عثمان الشهرزوري الكوراني الشافعي ، والشيخ جمال الدين المرشدي ، والشيخ زين الدين الخلال .
____________
(1) في « س » : « الجلال » .
(2) سقطت من « س » .


( 81 )


وللشيخ شرف الدين الكوراني عندي ترجمة في كتاب « درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة » . وكتب الي المحدث الفاضل أبو حفص بن محمد الهاشمي ، وشافهني به غير مرة قال : أخبرني الشيخ شمس الدين محمد بن حسن الخالدي قال : رأى عندي بعض أصحابنا النبي صلى الله عليه وسلم في المنام ورأى عنده تيمورلنك فقال له : وصلت إلى هنا يا عدو فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : « اليك يا محمد فإنه كان يحب ذريتي » .

***


وحدثني الشيخ الفاضل يعقوب بن يوسف بن علي بن محمد القرشي المكناسي قال : أخبرني أبو عبد الله محمد الفاسي قال : كنت أبغض بني حسين (1) أشراف المدينة المنورة لما كان يظهر لي من تعصبهم على أهل السنة [ بالمدينة ، وتظاهرهم بالبدع مدة مجاورتي بالمدينة ] (2) فنمت مرة بالنهار بالمسجد النبوي تجاه القبر المقدس ، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم [ وهو ] يقول لي : يا فلان [ مالي ] أراك تبغض أولادي ؟ ! فقلت حاشا لله يا رسول الله ، ما أكرههم . وانما كرهت منهم ما رأيت من تعصبهم على أهل السنة ، فقال لي : مسألة فقهية ، أليس الولد العاق يلحق بالنسب ؟ قلت : بلى يا رسول الله ، فقال : هذا ولد عاق . فإنتبهت ، وقد زال بغضي لهم ، وصرت لا
____________
(1) في « ق » : « بني حسن » والمثبت عن « س » .
(2) سقطت من « ق » والمثبت عن « س » .

 


( 82 )


ألقي أحدا من بني حسين أشراف المدينة إلا بالغت في إكرامه . ولله الحمد والمنة .
وقد ذكرت المذكور في كتاب : « درر العقود » ونعم الرجل هو .
وحدثني قاضي القضاة عز الدين عبد العزيز بن عبد العزيز بن عبد المحمود البكري البغدادي الحنبلي قال : رأيت في المنام كأني بمسجد رسول صلى الله عليه وسلم ، وقد انفتح القبر المقدس ، وخرج منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجلس وعليه أكفانه ، وأشار بيده المقدسة أن تعال ، فقمت وجئت حتى دنوت منه ، فقال لي : قل للمؤيد يفرج عن عجلان . فانتبهت ، وصعدت على عادتي إلى مجلس السلطان المؤيد شيخ ، وأخذت أحلف له أيمانا حرجة [ 141 / ب ] أني ما رأيت عجلان قط ، ولا بيني وبينه معرفة ، ثم قصيت (1) عليه رؤياي ، فسكت ، وقمنا حتى انفض المجلس ، فقام وخرج من مجلسه إلى دركاه (2) القلعة ، ووقف عند مرماة نشاب (3) استجدها ، ثم استدعى الشريف عجلان من سجنه ، وافرج عنه .
____________
(1) قصيت : لغة في قصصت .
(2) دركاه القلعة : مدخلها ، وهي كلمة فارسية .
(3) النشاب : النبل .


( 83 )


ولما حدثني القاضي عز الدين بهذا الخبر أقسم بالله أني ما كنت قبل رؤياي هذه أعرف الشريف [ عجلان بل ولا رأيته قط .
قلت : عجلان هذه هو الشريف عز الدين عجلان ] (1) ابن نعير بن منصور بن جماز بن شيخة بن هاشم بن قاسم بن مهنا بن حسين بن مهنا بن داود بن قاسم ابن عبد الله بن طاهر ابن يحي بن الحسين بن جعفر بن عبد الله بن الحسين بن علي بن حسين بن علي بن ابي طالب رضي الله عنهم ، ولي المدينة النبوية بعد وفاة أخيه ثابت بن نعير ، ثم عزل ، ثم أعيد ، ثم عزل ثانيا بعزيز بن هيازع بن هبة بن جماز بن منصور في ذي الحجة سنة إحدى وعشرين وثمانمائة ، وحمل في الحديد من المدينة إلى القاهرة ، وسجن في برج بقلعة الجبل حنى أفرج عنه عندما ذكر القاضي عز الدين المنام للملك المؤيد شيخ ، وأعيد بعد ذلك إلى إمارة المدينة ، ثم عزل عنها بخشرم بن دوفان بن جعفر بن هبة بن جماز ، وقتل في ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة في حرب بينه وبين مانع بن علي بن عطية بن منصور بن جماز ، واتفق أن الشريف سرواح بن مقبل بن نخبار بن مقبل بن محمد بن رابح بن إدريس بن حسن بن ابي عزيز قتادة بن ادريس بن مطاعن بن عبد الكريم بن عيسى بن حسن بن سليمان بن علي بن عبد الله بن محمد بن موسى بن عبد الله
____________
(1) سقطت من « ق » والمثبت عن « س » .


( 84 )


ابن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم ، قبض على أبيهم مقبل أمير ينبع في سنة خمس وعشرين وثمانمائة وأقيم عوضه في إمرة ينبع بن أخيه عقيل بن زبير بن نخبار ، وحمل حتى سجن بالأسكندرية ، ومات في سجنه . وكحل ابنه سرواح هذا حتى سالت حدقتاه وورم دماغه ونتن ، وأقام خارج القاهرة مدة وهو أعمى ثم مضى إلى المدينة النبوية ، ووقف تجاه قبر جده المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وشكا ما به [ 142 / ا ] وبكى ودعا الله تعالى ، ثم انصرف ، وبات تلك الليلة فرأى في منامه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد مسح بيده المقدسة على عينيه فانتبه ، وقد رد الله عليه بصره ، فاشتهر خبره عند أهل المدينة ، وأقام عندهم مدة ، ثم عاد إلى القاهرة ، فبلغ السلطان الملك الأشرف برسباي قدومه ، وأنه يبصر فقبض عليه ، وطلب المزنيين اللذين أكحلاه ، وضربهما ضربا مبرحا فأقاما عنده بينة يرتضيها من أتباعه بأنهم شاهدوا الميل ، وقد أحمي بالنار ، ثم كحل به سرواح فسالت حدقتاه بحضورهم ، فعند ذلك كف عن قتلهما ؛ لأنه ظن أنهما تمالا على عدم إكحاله وكذلك أخبر أهل المدينة النبوية أنهم شاهدوا سرواح وهو ذاهب الحدقتين ، ثم إنه أصبح عندهم ، وقد أبصر بعد عماه ، وقص عليهم رؤياه ، فأفرج عن سرواح ، وأقام حتى مات بالطاعون في آخر جمادى الاخرة سنة ثلاث وثلاثين


( 85 )


وثمانمائة شهيداً غريباً مُـقَلا .

***


وحدثني الرئيس شمس الدين محمد بن عبد الله العمري قال : سرت يوما في خدمة القاضي جمال الدين محمود العجمي محتسب القاهرة من منزله حتى جاء الى بيت الشريف عبد الرحمن الطباطبي (1) المؤذن ، ومعه نوابه وأتباعه ، فاستأذن عليه ، فخرج من منزله ، وعظم عليه مجيء المحتسب إليه ، وأدخله إلى منزله ، فدخلنا معه ، وجلسنا بين يديه على مراتبنا ، فلما اطمأن به الجلوس ، قال للشريف : يا سيد حاللني . قال : لم احاللك يا مولانا ؟ قال : لما صعدت البارحة إلى القلعة ، وجلست بين يدي مولانا السلطان ـ يعني الظاهر برقوق ـ فجئت أنت وجلست فوقي في المجلس ، فقلت في نفسي : كيف يجلس هذا فوقي بحضرة السلطان ؟ ثم لما قمنا وكان الليل ، ونمت رأيت في نومي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا محمود تأنف أن تجلس تحت ولدي ؟! فبكى عند ذلك الشريف عبد الرحمن وقال : يا مولانا ومن أنا حتى يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! فبكى الجماعة ، وسألوه
____________
(1) في « ق » : « عبد الله الطباطي » والمثبت عن « الضوء اللامع » و « س » .

 


( 86 )


الدعاء ، وانصرفنا (1) . والله اعلم .

***


تتبعه مؤلفه أحمد بن علي المقريزي ، فصح ذلك في ذي القعدة سنة 841 هـ والحمد لله وحده . وصلى الله على من لا نبي بعده .

***

____________
(1) ذكر السخاوي هذه القصة باختصار في كتابه « الضوء اللامع » انظر : 4 / 86 .