أنت هنا: الرئيسية المكتبة الاسلامية الـذنـب اسبابه وعلاجه ب ـ عدم الحياء وتمزيق الستار
 
 


ب ـ عدم الحياء وتمزيق الستار

البريد الإلكتروني طباعة

كتاب الذنب ص 117 ـ ص 141


ورد في تحرير الوسيلة للامام الخميني ( قدس سره ) في مصرف سهم السادات قوله :
« الاحوط عدم الدفع الى المتهتك المتجاهر بالكبائر بل يقوى عدم الجواز ان كان في الدفع اعانة على الاثم والعدوان وإغراء بالقبيح » . (1)
وفي مورد أهل الكتاب من ( المسيحيين واليهود .... ) من شرائط الذمة عدم جواز التجاهر بالذنوب امام المسلمين مثل ( شرب الخمر علناً ، والزنا واكل لحم الخنزير ، والزواج من المحرماتٍ من النساء » . (2)
إنّ كل ذلك يعتبر خروجاً عن شرائط الذمة .
وسأل شخص الامام الكاظم ( عليه السلام ) : أنه لو قبض على يهودي او مسيحي او مجوسيّ مرتكباً الزنا او شارياً للخمر فما حكمه ؟
قال الامام الكاظم ( عليه السلام ) : « تقام عليه حدود المسلمين اذا فعلوا ذلك في مصرٍ من أمصار المسلمين او في غير امصار المسلمين اذا رفعوا الى حكام المسلمين » . (3)
تبين لنا هذه الروايات وهذه الاحكام ان التجاهر بالذنوب يوجب إقامة الحد على فاعلها حتى لو كان من اهل الكتاب . وإقامة
____________
(1) تحرير الوسيلة ج 1 ص 365 .
(2) تحرير الوسيلة ج 2 ص 501 .
(3) وسائل الشيعة ج 18 ص 338 .


(118)


الحد موقوفة على التجاهر بالذنوب . وفي الختام نأتي بهذه الرواية عن أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) :
« شر الناس من لا يعفو عن الهفوة ولا يستر العورة » . (1)
لابد من الالتفات الى ان ايجاد مراكز الفحشاء والفسق واغراء الناس على ارتكاب الذنب وعدم ارتداء الحجاب ، هي موارد لاشاعة الذنب علناً .

ب ـ عدم الحياء وتمزيق الستار :


ان تمزيق الستار وعدم الحياء أحد العوامل المهيئة لفساد المحيط . وعلى هذا الاساس يجب حفظ الحياء الاسلامي ، الحياء من الله جل وعلا ، والحياء من الناس ، والحياء من النفس ... كل هذا له تأثير مباشر على سلامة المحيط .
قال الرسول الاكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
« استحيوا من الله حقّ الحياء » . (2)
وقال امير المؤمنين علي ( عليه السلام ) :
« من لم يستحي من الناس ، لم يستحي من الله سبحانه » . (3)
وقال امير المؤمنين علي ( عليه السلام ) ايضاً :
____________
(1) غرر الحكم ج 1 ص 446 « قلنا في تحقيق سابق : ان الذنوب الصغيرة تتحول أو تحتسب ذنوباً كبيرة اذا تجاهر بها صاحبها » .
(2) مصباح الشريعة ص 86 .
(3) ميزان الحكمة ج 2 ص 566 نقل من غرر الحكم .


(119)


« أحسن الحياء استحياؤك من نفسك » . (1)

القرآن ومسألة الحياء .


جاءت في القرآن الكريم تعابير مختلفة حول مسالة الحياء مثل :
1 ـ الحياء في اللسان . ذكر الآية ( الانعام ـ آية 108 )
( ولا تسبّوا الذّين يدعون من دون الله فيسبّوا الله عدواً بغير علم ) .
2 ـ الحياء في طريقة التكلم . ذكر الآية ( الاحزاب ـ آية 32 )
( يا نساء النبي لستنّ كأحدٍ من النساء ان اتقيتنّ فلا تخضعن بالقول فيطمع الّذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً ) .
3 ـ الحياء في السير والحركة . ذكر الآية ( القصص ـ آية 25 )
( فجاء ته إحداهما تمشي على استحياء ) .
4 ـ الحياء في الاشتراك في مجالس الضيوف . ذكر الآية ( الاحزاب . آية 53 ) .
( يا أيّها الّذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي الاّ أن يؤذن لكم الى طعام غير ناظرين إناه ولكن اذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستئنسين لحديث ) .
5 ـ الحياء في غض البصر . ذكر الآية ( النور ـ آية 30 و 31 )
____________
(1) نفس المصدر السابق .


(120)


( قل للمؤمنين يغضّوا من أبصارهم ... وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهنّ .... ) .
6 ـ الحياء الاقتصادي . ذكر الآية ( البقرة ـ آية 273 )
( للفقراء الّذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضرباً في الأرض يحسبهم الجاهل اغنياء من التّعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس ألحافاً ) .
7 ـ الحياء في الدخول الى البيوت . ذكر الآية ( النور ـ 58 و 59 )
( يا ايّها الذّين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والّذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرّاتٍ من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عوراتٍ لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهنّ طوّافون عليكم بعضكم على بعض كذلك يبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم * واذا بلغ الاطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الّذين من قبلهم ..... ) .
وخلاصة الكلام : ان التوجه الى الحياء تلك الصفة الطاهرة بجميع ابعادها كما اكد عليه الدين الاسلامي يكون باعثاً على تطهير المحيط . وعلى العكس من ذلك فأن كسر طوق الحياء يهيىء الأرضية لاتساع فجوة الفساد في المحيط .


(121)


ج ـ اللامبالاة والنظرة العابرة :


من العوامل التي تشيع الفساد في المجتمع هو ارتكاب الذنوب . والذي يشجع على ارتكاب الذنوب في المجتمع هو عدم المبالاة والنظرات العابرة للناس .
لذلك وضع الاسلام اوامر دقيقة واهتم اهتماماً واسعاً في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والاهتمام بالتولي والتبري والجهاد والدفاع المشروع والمقدس و ...
وأمر الاسلام أتباعه بالاهتمام بما يجري حولهم وما يحدث في المجتمع بعينٍ يقظةٍ وقلبٍ واعٍ وان يقفوا بكل همةٍ وقوةٍ أمام انتشار الفساد . وإن يساندوا اولياء الله عملا وعقيدةً ( التولّي ) ويبتعدون ويخذلون اعداء الله سبحانه ( التبرّي ) .
التولّي : يعني المحبة والعشق لأولياء الله تعالى واتباع نهجهم وسيرتهم في تطهير المحيط على المدى البعيد ، وان لهذا العمل أثراً بالغاً ونتيجة مرضية .
التبرّي : ويعني البراءة من اعداء الله جل وعلا اولئك الفاسقون والظالمون .
هذه القوانين والاوامر الاسلامية العالية . التي تؤكد لكل فردٍ مسلم ان الاسلام يرفض بشدة النظرات العابرة للناس واللامبالاة في المجتمع ، ويحث الناس على الوقوف امام الذنوب بكل عزم وقوة ، والعمل على تطهير المحيط على قدر الاستطاعة والامكان .


(122)


د ـ الرضاء بالذنب :


ان الرضا بالذنب والسكوت عليه يعتبر أحد العوامل التي تهيىء الارضية الاجتماعية للذنب وله دورّ مهمّ في اقتراف الذنوب ، لذلك عبرّ الله سبحانه وتعالى عن اليهود في زمان الرسول الاكرم محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بانهم قتلة الانبياء لانهم رضوا بأعمال اجدادهم لا سيما قتلهم للأنبياء ( عليهم السلام ) فجاء التعبير في آية (183) من سورة آل عمران تأكيداً لذلك كما جاء كذلك في الرواية التالية :
قال ابو عبدالله ( عليه السلام ) في معنى قوله تعالى :
« قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين » وقد علم ان هؤلاء لم يقتلوا ، ولكن كان هواهم مع الذين قتلوا فسمّاهم الله قاتلين لمتابعة هواهم ورضاهم بذلك الفعل .
وجاء في قتل ناقة صالح ( عليه السلام ) قوله تعالى في سورة هود آية 65 :
( فعقروها فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيامٍ ذلك وعد غير مكذوبٍ ) .
قال امير المؤمنين علي ( عليه السلام ) في بيان ذلك الموضوع :
« وإنما عقر ناقة ثمود رجل واحد فعمّهم الله بالعذاب لمّا عمّوه بالرضا » . (1)
____________
(1) نهج البلاغة خطبة 201 .


(123)


الروايات في الرضا على الذنب :


جاءت روايات كثيرة في هذا الصدد ونذكر هنا ثلاثة نماذج منها :
1 ـ قال امير المؤمنين ( عليه السلام ) :
« الراضي بفعل قومٍ كالداخل فيه معهم وعلى كلّ داخلٍ في باطلٍ اثمان ، إثم العمل به ، واثم الرضى به » .
2 ـ وقال الرسول الاكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
« من شهد امراً فكرهه كان كمن غاب عنه ، ومن غاب عن أمر فرضيه كان كمن شهده » . (1)
3 ـ وجاء في زيارة الاربعين للامام الحسين ( عليه السلام ) :
« ولعن الله امة سمعت بذلك فرضيت به » .

هـ ـ مساعدة الظالم والمذنب :


انّ أحد العوامل التي تهيىء الارضية الاجتماعية للذنب هو إعانة الظالم او اي نوع من انواع المساعدة للظالم لماذا ؟ لان مساعدة الظالم تجعله يتمادى في الذنوب ويكون اكثر وقاحة في اقتراف مزيد من السيئات وأعمال الباطل .
فالتبرّج مثلاً وعدم ارتداء الحجاب يعتبر أحد الذنوب
____________
(1) نهج الفصاحة الحديث 223 ـ وسائل الشيعة 11 ص 410 .


(124)


الاجتماعية ، فاذا تساهل الناس ولم يبدوا استنكاراً لهذا العمل المحرم شرعاً أصبح عندهم التبرج اعتيادياً ، ويشكل سبباً باعثاً لاقتراف ذنوبٍ اخرى ، وقد نهى القرآن الكريم وبشدة على تشجيع الذنب وبالاخص اعانة الظالم .
1 ـ نقرأ في سورة المائدة آية 2 قوله تعالى :
( وتعاونوا على البرّ والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان ) .
وبالحقيقة اذا كان التعاون في الاعمال الصالحة سائداً في المجتمع فانه يشجع على مقت الظالمين وعدم مساعدتهم وحينئذٍ يصبح مجتمعاً مانعاً من ارتكاب كثيرٍ من الذنوب .
2 ـ نقرأ في سورة هود آية 113 قوله تعالى :
( ولا تركنوا الى الّذين ظلموا فتمسّكم النّار ) .
ويعني ذلك ان اي نوع من انواع المساعدة او اظهار الرضا بعمل الظالم يحتسب جرماً ويجب الحذر منه .
3 ـ في سورة الانعام آية 68 نقرا :
( فلا تقعد بعد الذّكرى مع القوم الظّالمين ) .
4 ـ وفي آية 24 من سورة الانسان نقرأ ايضاً .
( ولا تطع منهم آثماً أو كفوراً ) .
وبشكلٍ عام نرى أنّ جميع الآيات القرآنية التي جاءت باصطلاح ( لا تطع ) و ( لا تطيعوا ) و ( لا تتّبع ) فهي كلها بمثابة


(125)


نهيٍ قاطع عن اعانة الظالم والمذنبين .
وكذلك جاءت الروايات الاسلامية بعناوين وتعابير مختلفة ناهية عن اعانة الظالم ومساعدة المذنب ونذكر منها :
1 ـ « من تبسم في وجه مبتدع فقد أعان على هدم دينه ومن أتى ذا بدعة فوقره فقد سعى في هدم الاسلام » .
2 ـ « من ولّى جائراً على جور كان قرين هامان في جهنم » . (1)
3 ـ « من سوّد إسمه في ديوان الظلمة حشره الله يوم القيامة خنزيراً » . (2)
4 ـ « .... والنظر اليهم على العمد من الكبائر التي يستحق عليها النار » . (3)
5 ـ « ملعون ملعون عالم يؤم سلطاناً جائراً معيناً له على جوره » . (4)
6 ـ « يا علي كفر بالله العظيم من هذه الامة عشرة .... وبائع السلاح من اهل الحرب » . (5)
7 ـ « اذا كان يوم القيامة نادى مناد : أين الظلمة ، وأعوان الظلمة ، وأشباه الظلمة ، حتى من بري لهم قلماً ، ولاق لهم دواة .
____________
(1) وسائل الشيعة ج 12 ص 134 و 133 .
(2) نفس المصدر السابق ص 130 ـ البحار ج 75 ص 374 .
(3) بحار الانوار : ج 75 ، ص 374 .
(4) بحار الانوار : ج 75 ، ص 381 .
(5) وسائل الشيعة ج 12 ص 71 .


(126)


قال ( عليه السلام ) : يجتمعون في تابوت من حديد ثمّ يرمى بهم في جهنم » . (1)
8 ـ « الا ومن علّق سوطاً بين يدي سلطان جعل الله ذلك السوط يوم القيامة ثعباناً من النار طوله سبعون ذراعاً يسلطه الله عليه في نار جهنم وبئس المصير » . (2)
9 ـ « لعن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في الخمر عشرة : غارسها وحارسها وعاصرها وشاربها وساقيها وحاملها والمحمولة اليه وبائعها ومشتريها وآكل ثمنها » . (3)
10 ـ « دخل رجلان على أبي الحسن الرضا ( عليه السلام ) بخراسان فسألاه عن التقصير فقال لاحدهما : وجب عليك التقصير لانك قصدتني ، وقال للأخر : وجب عليك التمام لانك قصدت السلطان » . (4)
11 ـ عن طلحة عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) : ان أباه كان يقول : من دخل على إمام جائر فقرأ عليه القرآن يريد بذلك عرضاً من عرض الدنيا لعن القاريء بكل حرف عشر لعنات ، ولعن المستمع بكل حرف لعنة » . (5)
____________
(1) وسائل الشيعة ج 12 ص 131 .
(2) وسائل ج 12 ص 130 .
(3) نفس المصدر السابق ص 165 .
(4) وسائل الشيعة ج 5 ص 510 .
(5) بحار الانوار : ج 75 ، ص 380 .


(127)


ولاجل تكميل البحث بهذا الصدد ننقل حديثاً عن الامام الصادق ( عليه السلام ) للشخص النادم الذي كان في البلاط العباسي :
« عن علي بن حمزة قال : كان لي صديق من كتّاب بني امية فقال لي : استأذن لي على ابي عبدالله ( عليه السلام ) فاستأذنت له « عليه » فأذن له ، فلما أن دخل سلّم وجلس ، ثم قال : جعلت فداك اني كنت في ديوان هؤلاء القوم فأصبت من دنياهم مالاً كثيراً ، وأغمضت في مطالبه ، فقال ابو عبد الله ( عليه السلام ) : لولا أن بني امية وجدوا لهم من يكتب ويجبي لهم الفيء ويقاتل عنهم ويشهد جماعتهم لما سلبونا حقنا ، ولو تركهم الناس وما في أيدهم ما وجدوا شيئاً الاّ ما وقع في أيدهم قال : فقال الفتى : جعلت فداك فهل لي مخرج منه ؟ قال : ان قلت لك تفعل ؟ قال : أفعل ، قال له : فاخرج من جميع ما كسبت « اكتسبت » في ديوانهم فمن عرفت منهم رددت عليه ماله ، ومن لم تعرف تصدّقت له ،وأنا أضمن لك على الله عزّ وجل الجنّة ، فاطرق الفتى طويلاً ثم قال له : لقد فعلت جعلت فداك ، قال ابن أبي حمزة : فرجع الفتى معنا الى الكوفة فما ترك شيئاً على وجه الارض الاّ خرج منه حتى ثيابه التي كانت على بدنه قال : فقسمت له قسمة واشترينا له ثياباً وبعثنا إليه بنفقة ، قال : فما أتى عليه الاّ اشهر قلائل حتى مرض ، فكنا نعوده ، قال : فدخلت عليه يوماً وهو في السوق قال : ففتح عينيه ثم قال لي : يا علي وفى لي والله صاحبك ، قال : ثم مات فتولينا أمره فخرجت حتى دخلت على أبي عبدالله ( عليه السلام ) فلما نظر اليّ قال لي : يا علي وفينا والله


(128)


لصاحبك ، قال : فقلت : صدقت جعلت فداك والله هكذا ، والله قال لي عند موته » . (1)

و ـ تشجيع المذنب :


ان تشجيع المذنب عامل آخر من العوامل التي تهيىء الارضية الاجتماعية للذنب وفساد المحيط . لماذا ؟ لان التشجيع وتحت كل عنوان إنما يغري البسطاء الآخرين لاقتراف الذنوب . ولاجل التوضيح اكثر نأتي بهذه الروايات .
1 ـ قال امير المؤمنين علي ( عليه السلام ) في رسائله لمالك الاشتر :
« ولا يكوننّ المحسن والمسيء عندك بمنزلةٍ سواء » . (2)
2 ـ وقال امير المؤمنين علي ( عليه السلام ) ايضاً :
« الثناء باكثر من الاستحقاق ملق ، والتقصير عن الاستحقاق عي أو حسد » . (3)
3 ـ وقال الرسول الاكرم ( صلى الله عليه و آله وسلم ) :
« اذا مدح الفاجر اهتزّ العرش وغضب الرّبّ » . (4)
فمدح المذنب يعني رفعه في المجتمع وكلما ارتفعت درجته
____________
(1) سفينة البحار ج 2 ص 107 ـ 108 ، وسائل الشيعة ج 12 ص 144 .
(2) نهج البلاغة رسالة 53 .
(3) نهج البلاغة حكمة 347 .
(4) سفينة البحار ج 2 ص 528 .


(129)


يصبح طاغياً كثيراً ، وعلى هذا الاساس يضعف التوحيد ويرتجف ويتزلزل النظام في كل العالم لان مدح وحمد الظالم المذنب هو خلاف للنظام الكوني في الوجود وللارادة الالهية التي جعلها الله سبحانه وتعالى تسير على نهج سوي ومستقيم بعظمتهٍ .
4 ـ قال الرسول الاكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
« احثوا في وجوه المداحيهن التراب » . (1)
5 ـ وقال امير المؤمنين علي ( عليه السلام ) :
« أمرنا رسول الله أن نلقى أهل المعاصي بوجوه مكفهرةٍ » . (2)
6 ـ وقال الامام الصادق ( عليه السلام ) :
« ان الله بعث ملكين الى اهل مدينة ليقلباها على أهلها فلمّا انتهيا الى المدينة فوجدا فيها رجلاً يدعو ويتضرع الى أن قال : فعاد احدهما الى الله ، فقال : يا رب إني انتهيت الى المدينة فوجدت عبدك فلاناً يدعوك ويتضرع اليك فقال : امض لما امرتك به ، فان ذا رجل لم يتمعر وجهه غيظاً لي قطً » . (3)

2 ـ قادة الضلالة :


إنّ قادة الضلالة الذين بيدهم زمام الأمور يعتبرون أحد العوامل
____________
(1) وسائل الشيعة ج 12 ص 132 .
(2) وسائل ج 11 ص 413 .
(3) وسائل الشيعة ج 11 ص 413 ـ 414 ـ « بالطبع ان هذا النوع من المعاملة مع المذنب ليس دائماً وانما في موارد ذكرت في الفقه الاسلامي » .


(130)


في ايجاد الارضية الاجتماعية لاقتراف الذنوب ، وكذلك الحكام الفجرة يساهمون في ارتكاب الناس للذنوب .
وفي آية 16 من سورة الاسراء نقرأ :
( واذا أردنا أن نهلك قريةً أمرنا متّرفيها ففسقوا فيها فحقّ عليها القول فدمّرناها تدميراً ) .
ان هذه الآية الكريمة تبين لنا أن منشأ الفساد يكون في الغالب بسبب أصحاب رؤوس الاموال البعيدون عن الله سبحانه وتعالى والذين يمتلكون زمام أمور المجتمع ويستعمرون الناس فيتبعوهم وبذلك يجرون المجتمع الى الهاوية والفساد ، ويكونون عندها سبباً لنزول العذاب الالهي ، وعلى كل حال نرى ان هؤلاء لهم تأثير بالغ في المجتمع لذلك قالوا : ( الناس على دين ملوكهم ) .
قال الامام علي ( عليه السلام ) :
« الناس بأمرائهم أشبه منهم بآبائهم » . (1)
ونقرأ في سورة ( النحل آية 100 ) قوله تعالى :
( إنّما سلطانه على الّذين يتولّونه والّذين هم به مشركون ) .
أن هذه الآية الكريمة تبين لنا كيف ان الموالين لقادة الشيطان يصابون بالتلوث والشرك والذنب وهذه الموالاة هي عين الفساد .
وفي آية 28 من سورة الكهف نقرأ :
____________
(1) بحار الانوار : ط قديم ج 17 ، ص 129 .


(131)


( ولا تطع من اغفلنا قلبه عن ذكرنا واتّبع هواه وكان أمره فرطاً ) .

نبذة من كلام المعصومين :


قال الرسول الاكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « انما أخاف على أمتي ثلاثاً : شحّاً مطاعاً وهوىً متبعاً وإماماً ضالاً » . (1)
ومن كلام امير المؤمنين علي ( عليه السلام ) :
« فليست تصلح الرّعية إلاّ بصلاح الولاة » . (2)
قال الامام الصادق ( عليه السلام ) :
« ثلاثة لا يمكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب اليم من ادعى إمامة من الله ليست له ، ومن جحد إماماً من الله ، ومن زعم أنّ لهما في الاسلام نصيباً » . (3)
ويجب الانتباه الى هذه النقطة وهي اذا كان قائدة الشعب فاسداً فانه يهيىء الارضية الاجتماعية للذنب وكذلك المسؤولون الصغار مثل المحافظ والقائم مقام ورئيس الناحية وعالم المنطقة وكلّ على قدر نفوذه في المجتمع ، فهؤلاء لهم تأثير بالغ في افساد وانحراف المجتمع اذا كانوا فاسدين وعلى تطهيرة واصلاحه اذا كانوا صالحين .
____________
(1) سفينة البحار ج 2 ص 74 ( ظلل ) .
(2) نهج البلاغة الخطبة 216 .
(3) أصول الكافي ج 1 ص 373 .


(132)


وقال الرسول الاكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
« فئتان من امتي اذا فسدتا فسدت امتي واذا صلحتا صلحت امتي : الفقهاء والامراء » . (1)
والنقطة المهمة هنا هي تطبيق القانون الالهي . حيث ان تطبيقه يساعد على طهارة المجتمع والمحيط وأما عدم تطبيق القانون وخاصة القانون الجزائي فله تأثير سريع في انحلال المجتمع وفساده واندثاره .
قال الرسول الاكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
« ساعة من امام عدل افضل من عبادة سبعين سنةً ، وحدُ يقام الله في الارض أفضل من مطر أربعين صباحاً » . (2)
وخطر في ذهني هذا الأمر ان الفرق بين مجتمعنا اليوم والمجتمع السابق الذي عاش في ظل النظام العميل ( نظام پهلوي ) قبل الثورة الاسلامية هو أنّ المحيط اليوم أصبح سالماً ، اما المحيط السابق تحت نير الطاغية فهو مليء بالفساد والفحشاء . اذن فالقادة الفجرة هم عوامل فساد المجتمع .
قال امير المؤمنين علي ( عليه السلام ) :
« إن شر الناس عند الله امام جائر ضلّ وضلّ به فأمات سنة
____________
(1) بحار الانوار : طبع بيروت ج 74 ، ص 154 .
(2) فروع الكافي ج 7 ص 175 « باب التحديد الحديث 8 » .


(133)


مأخوذةً وأحيى بدعة متروكة » (1) .

رسالة الامام السجاد ( عليه السلام ) الى عالم البلاط :


يعتبر « محمد بن مسلم الزهري » أحد العلماء البارزين والتابعين المشهورين الذي يعد من العشرة الموفقين لمصاحبة الامام السجاد ( عليه السلام ) . توفي هذا العالم في سنة ( 185 هـ . ق ) في بغداد ودفن في مقبرة ( باب التين ) (2) . كان يتبع طريق المسامحة والمماشاة مع طواغيت زمانه ويستجيب لرغباتهم ويكثر الذهاب والمجيء اليهم .
فكتب اليه الامام السجاد ( عليه السلام ) موبخاً اياه ، ونحن نذكر هنا بعض مفاهيم تلك الرسالة حتى نبيّن قبح العالم المنحرف في نظر الاسلام وجاء في مضمونها :
1 ـ ان الطاغوت قد استخدمك لا من جهة لياقتك العلمية والمعنوية بل هو يطمع في دنياك .
2 ـ القضاء على العلماء الحقيقيين .
3 ـ غلبة الحماقة والجهل عليه وعليك .
4 ـ حب الدنيا والمنصب جعلك مرتبطاً به ارتباطاً وثيقاً .
لماذا لا تتيقظ من نوم الغفلة ؟ لماذا لا ترجع عن اخطائك حتى
____________
(1) شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد : ج 9 ، ص 261 .
(2) الكنى والالقاب : ج 2 ، ص 301 .


(134)


تعلن بصراحة : اقسم بالله أني لم انهض ولو مرة واحدة لاحياء دين الله وإماتة الباطل حقيقة ، هل هذا هو حق شكر حمل العلم الثقيل التي جعلها الله على عاتقك ؟ انا أخشى ان تكون انت من تلك الطائفة التي قال الله عنها :
( اضاعوا الصّلاة واتّبعوا الشّهوات فسوف يلقون غيّاً ) .
وفي مقطع آخر من الرسالة : « .... فما أخوفني أن تبوء بإثمك غداً مع الخونة ، وأن تسأل عما أخذت باعانتك على ظلم الظلمة ، إنك اخذت ما ليس لك ممن أعطاك ، ودنوت ممن لم يرد على أحد حقاً ، ولم ترد باطلاً حين أدناك ، وأحببت من حادّ الله ، أوليس بدعائه إياك حين دعاك جعلوك قطباً أداروا بك رحى مظالمهم ، وجسراً يعبرون عليك الى بلاياهم ، وسلّماً الى ضلالتهم ، داعياً الى غيّهم ، سالكاً سبيلهم ، يدخلون بك الشك على العلماء ويقتادون بك قلوب الجهّال إليهم .... » . (1)

3 ـ جليس السوء :


إنّ أحد الاسباب التي تهيىء الارضية الاجتماعية للذنب هو الجليس والصديق السيء . على العكس من الجليس والصديق الصالح الذي له الدور الفعال في هداية الفرد والمجتمع الى السعادة
____________
(1) نص الرسالة في كتاب تحف العقول ( ترجمة احمد جنّتي ) صفحة 313 الى 317 .


(135)


والتكامل . وقد ثبت بالتجربة والعلم ان الصحبة لها تأثير بالغ على الشخص ، فان كان الجليس والصديق صالحاً فذلك عامل لصّنع شخصية الانسان ، وأما الجليس والصديق الطالح فهو عامل مهم في تحطيم شخصية الانسان . لذلك نرى ان أبن نوح ( عليه السلام ) قد تأثر باصحابه وجلسائه فهوى وهلك . بينما نرى ان كلب أصحاب الكهف قد تأثر في أيام قلائل بالشباب المؤمنين الطيبين القلب فصار معهم (1) . ولذا وقال الشاعر : الفارسي ما معناه :

يجب ان يكون الجليس افضل منك
حـتى يكـتمل عــقلك وديـنك

ونذكر هنا عدة نماذج من الآيات والروايات حول اتخاذ الصديق السيء :

القرآن وصديق السوء :


1 ـ « في عصر الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان يوجد صديقان من المشركين في مكة المكرمة احدهما يدعى « عقبة » والآخر « أبي » وكانا متخالّين (2) وذلك ان عقبة كان لا يقدم من سفر الاّ صنع طعاماً فدعا اليه أشراف قومه وكان يكثر مجالسة الرسول فقدم من سفره ذات يوم فصنع طعاماً ودعا الناس فدعا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الى طعامه فلمّا
____________
(1) مجمع البيان ج 7 ص 166 .
(2) متخالين : من تخلل القوم دخل بينهم وتعني قوة الصداقة ، المنجد في اللغة ص 190 .


(136)


قربوا الطعام قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ما أنا بآكل من طعامك حتى تشهد أن لا اله الاّ الله وأني رسول الله ، فقال عقبة : أشهد ان لا اله الاّ الله وانّ محمداً رسول الله ، وبلغ ذلك أبي بن خلف فقال : صبأت يا عقبة ، قال : لا والله ما صبأت ولكن دخل عليّ رجل فأبى ان يطعم من طعامي الاّ ان أشهد له فاستحييت ان يخرج من بيتي ولم يطعم فشهدت له فطعم ، فقال أبي : ما كنت براضٍ عنك أبداً حتى تأتيه فتبزق في وجهه ففعل ذلك عقبة وارتد واخذ رحم دابة فالقاها بين كتفيه فقال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : لا القاك خارجاً من مكة الاّ علوت رأسك بالسيف فضرب عنقه يوم بدر صبراً واما أبيّ بن خلف فقتله النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يوم احد بيده في المبارزة ... » . (1)
وفي الآيات 27 ـ 29 من سورة الفرقان اشارة الى سوء الجزاء للمنحرف نتيجة اتخاذه الصديق الطالح :
( ويوم يعض الظّالم على يديه يقول يا ليتني اتّخذت مع الرّسول سبيلاً * يا ويلتا ليتني لم اتّخذ فلاناً خليلاً * لقد أضلّني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشّيطان للانسان خذولاً ) .
ان هذه الآيات تبين لنا بوضوح عاقبة « عقبة » وامثاله في اختيار صديق السوء الذي كان سبباً في انحرافه ودماره فكلمة « يعض » تنتج من شدة التأثر والاسف والندم .
____________
(1) مجمع البيان ج 7 ص 166 .


(137)


فالآية الثالثة تبين لنا ان اتخاذ الصديق السيء كيف اثّر تأثيراً بالغاً فصار تابعاً للشيطان . وفي الحقيقة ان هذه الآية انذار شديد لمراقبة الشيطان الذي طرد من الرحمة الالهية ويريد بكل الوسائل ان يسحب الانسان الى الانحراف والفساد والتيه .
2 ـ نقرأ في الآية 68 من سورة الانعام .
( واذا رأيت الّذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتّى يخوضوا في حديثٍ غيره ) .
وفي الآية ( 140 من سورة النساء ) جاء نفس المطلب السابق :
( فلا تقعدوا معهم حتّى يخوضوا في حديثٍ غيره إنّكم اذاً مثلهم ) .
3 ـ وكذلك ورد في الآيات ( 42 ـ 45 من سورة المدثّر ) أن اصحاب الجنة قالوا لأصحاب النار : ما سلككم في نار جهنم ؟ فمن جملة ما أجابوا :
( وكنا نخوض مع الخائصين ) .
4 ـ وفي الآية ( 25 من سورة فصلت ) ذكر رفاق السوء باعتبارهم احد انواع الجزاء الذي يجازى به اعداء الله تعالى :
( وقيّضنا لهم قرناء فزيّنوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم ) .
أن هذه الآية الكريمة تبين لنا الآثار السيئة التي يخلفها رفاق السوء على الانسان ـ وتبين ايضاً ان الصديق الطالح مصيبة مؤلمة للانسان .


(138)


الروايات وجليس السوء :


قلما نجد موضوعاً اهتمت به الروايات كاهتمامها بالتوبيخ لانتخاب رفيق السوء ، وما اكثر الروايات حول هذا الموضوع ، ونحن هنا نستعرض نماذج منها :
1 ـ قال الامام الصادق ( عليه السلام ) :
« لا ينبغي للمؤمن أن يجلس مجلساً يعصى الله فيه ولا يقدر على تغييره » . (1)
2 ـ وقال الرسول الاكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
« المرء على دين خليلة وقرينه » . (2)
3 ـ وقال الامام الصادق ( عليه السلام ) :
« لا ينبغي للمسلم أن يواخي الفاجر ولا الأحمق ولا الكذاب » . (3)
4 ـ وقال الامام الجواد ( عليه السلام ) :
« اياك ومصاحبة الشرير فانه كالسيف المسلول يحسن منظره ويقبح اثره » . (4)
____________
(1) اصول الكافي ج 2 ص 374 « باب مجالسة اهل المعاصي الحديث الاول » .
(2) نفس المصدر السابق ص 375 .
(3) نفس المصدر السابق .
(4) بحار الانوار ج 74 ص 195 .


(139)


5 ـ وقال ( سليمان بن جعفر ) الجعفري : ان الامام الكاظم ( عليه السلام ) قال لي :
« ما لي رأيتك عند عبد الرحمن بن يعقوب ؟ . قلت يا سيدي : انه خالي .
فقال الامام ( عليه السلام ) : « انه يقول في الله قولاً عظيماً ، يصف الله ولا يوصف ، فامّا جلست معه وتركتنا وإمّا جلست معنا وتركته » . (1)
6 ـ وقال أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) :
« مجالسة الاشرار توجب سوء الظن بالاخيار » . (2)
7 ـ وقال الامام الباقر ( عليه السلام ) :
« من قعد في مجلسٍ يسب فيه إمام من الائمة يقدر على الانتصاب فلم يفعل البسه الله الذلّ في الدنيا وعذبه في الآخرة وسلبه صالح ما مّنَ به عليه من معرفتنا » . (3)
8 ـ وقال أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) :
« من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فلا يقوم مكان ريبةٍ » .
9 ـ وقال ابن نعمان الجعفي :
« كان لأبي عبد الله ( عليه السلام صديق لا يكاد يفارقه الى ان قال : فقال يوماً لغلامه : يا ابن الفاعلة اين كنت ؟ قال : فرفع ابو عبد
____________
(1) اصول الكافي ج 2 ص 375 ـ وسائل ج 11 ص 503 .
(2) وسائل الشيعة ج 11 ص 506 .
(3) اصول الكافي ج 2 ص 379 .
(4) اصول الكافي ج 2 ص 378 .


(140)


الله ( عليه السلام ) يده فصك بها جبهة نفسه ثم قال : سبحان الله تفذف امّه قد كنت ارى أنّ لك ورعاً ، فاذا ليس لك ورع فقال : جعلت فداك ان امّه سندية مشركة ، فقال : أما علمت ان لكل امّة نكاحاً تنح عني فما رأيته يمشي معه حتى فرّق بينهما الموت » . (1)

4 ـ الحرمان والنبذ الاجتماعي :


ان أحد العوامل التي تهيىء الارضية الاجتماعية للذنب هو « الحرمان والنبذ الاجتماعي » فهناك افراد لا يعملون لله سبحانه وتعالى وعملهم يخلو من الاخلاص . وميزان اعمالهم المدح والذم لهم من قبل المجتمع ، فاذا طردوا ونبذوا من المجتمع نشأت عندهم عقدة الحقارة والحقد والعداوة فيكون عاملاً على اقتراف انواع الذنوب . ولذا يجب عليهم أن يتحققوا من الأسباب التي دعت المجتمع أن ينبذهم ويحرصوا على اصلاحها حتى يرجع الماء الفائض الى مجراه الطبيعي ، واساس الاصلاح الاخلاص في الأعمال . ونرى في التاريخ الاسلامي افراداً كثيرين قد طردوا ونبذوا من المجتمع ونراهم قد تعقدوا وارتكبوا ذنوباً كبيرة وخطيرة .
ومن المحتمل ان يكون دليل احترام اليتيم هو التعويض له عن الحرمان وفقدان الاب او والأم حتى لا يتعقد وتنشأ عنده عقدة الحقد على المجتمع بسبب عدم احترام المجتمع له ، وكذلك من المحتمل
____________
(1) وسائل الشيعة ج 11 ص 331 .


(141)


ايضاً بأن سبب الوصايا الاسلامية في ان تكون امورهم شورى بينهم والنهي عن التسميات السيئة واعابة احدهم الآخر دليل واضح على دفع نشوء عقدة الحقارة عندهم .
وفي التأريخ نماذج حية لاشخاص دفعهم النبذ الاجتماعي الى التطبع بنوع من التعقيد والوقوع في خاتمة المطاف في طريق ارتكاب الذنوب المهلكة نتيجة ذلك الانزواء .
قال الامام الباقر ( عليه السلام ) لأحد اصحابه ويدعى جابر الجعفي :
« واعلم يا جابر بأنك لا تكون لنا ولياً حتى لو اجتمع عليك أهل مصرك وقالوا إنك رجل سوء لم يحزنك ذلك ، ولو قالوا انك رجل صالح لم يسرك ذلك ولكن اعرض نفسك على ما في كتاب الله فان كنت سالكاً سبيله ، زاهداً في تزهيده ، راغباً في ترغيبه ، خائفاً من تخويفه فاثبت وابشر فانه لا يضرك ما قيل فيك » . (1)
نستنتج من خلال ما قاله الامام الباقر ( عليه السلام ) أنه قد اعطانا درساً مثمراً وعميق المحتوى .
____________
(1) سفينة البحار ج 2 ص 691 .