أنت هنا: الرئيسية المكتبة الاسلامية المجموعة القصصية الكاملة ـ المجلد الثالث
 
 


المرأة والعمل

البريد الإلكتروني طباعة
كلمة ودعوة من ص 201 ـ ص 205

المرأة والعمل


أختاه ...
وبعد فتعالي معي لأطلعك على ما بعثت به إليّ إحدى أخواتنا العزيزات وما تفضلت بسؤاله مشكورة فليس هناك شيء أحب الي من أن يتهيأ لبنات الاسلام الجو الملائم لابراز بعض مرتكزاتهن الوهمية لتتبلور فكرتهن وتتعقم من الأدران بما يتلقى من أجوبة وتصحيح . نعم بعثت إليّ لتقول بعد أن تلطفت بالأطناب بمجلة الأضواء وكتابها قالت : أنك ذكرت غير مرة أن الاسلام يفتح أمام المرأة المسلمة أبواب العمل ولكن كيف لها أن تعمل وما عساها أن تعمل دون أن تخالف تعاليم الاسلام ومن ضرورات العمل أن تسير في صف واحد مع الرجل كأن تصبح دكتورة أو مهندسة أو إدارية فنحن حينما نراجع أحكام الاسلام نرى أنه يمنعها باحكامه وقوانينه من ممارسة أمثال هذه الأعمال فهو على هذا يريد أن يجعلها مستضعفة لا تصلح إلا للنسل وطبخ الطعام إلى هنا أنتهت كلمات الاخت المتعلقة بالموضوع فإلى هذه الأخت العزيزة وإلى كافة أخواتنا المسلمات أوجه جوابي الذي أرجو أن يكون


( 202 )

وافيا بالمقصود ، والأن دعيني أولاً أن أوجه لك هذا السؤال لماذا سميت المرأة بالجنس الناعم وهناك في النساء من هي أطول من بعض الرجال قامة وأصلب عوداً وأغلب الظن أنك تعلمين سبب هذه التسمية وذلك ماضمته حناياها من نعومة وما طوت عليه جوانحها من رقة هذه النعومة وهذه الرقة التي لولاها لما سارت سفينة الحياة ولأصبح كل فرد من المجتمع لقيطاً وابن لقيط أو مشرداً تائهاً في ظلمات الكون فلولا هذه الروح البلورية ولولا هذا الاحساس المرهف والشعور الحساس لما استطاعت المرأة أن تقوم بوظيفتها المقدسة فتكابد آلام الحمل وأثقاله وتتحمل مضاعفاته وأضراره ثم ترحب بالوليد القادم وتبذل له من جهدها وحبها الكثير الكثير وتدعه يسلب منها لذة النوم ويملك عليها حريتها في الليل والنهار وتغذيه من عصارة روحها حليباً سائغاً هنيئاً ثم هي فوق ذلك ممرضة له إذا مرض ملاعبة إياه إذا ضجر قد تعمل لأجله المستحيل وقد تتحمل من ورائه الأخطار والأهوال ولكنها في كل ذلك راضية قانعة بل فرحة مستبشرة تدفعها إلى ذلك كله عاطفة صادقة وحب خالص ولكن هذا الحب الخالص وهذه العاطفة الصادقة موجودة عند الأب والأم سواء بسواء فما السبب في كون الأم هي التي تتحمل أوفر قسط من المسؤولية وحدها دون الأب سوى شعورها المرهف وعواطفها الرقيقة فان الله حينما كونها في تركيبها العضوي الخاص وأوعدها طبيعياً لاعداد الانسانية وصناعتها وأعدها اجتماعياً لقيادة


( 203 )

العائلة الانسانية وتدبير شؤونها وفقاً لما تقتضيه وظيفتها الطبيعية . أقول حينما أعدها الله تعالى لذلك حباها وزودها بدروع باطنية تقاوم بها الآلام التي تنتج عن قيامها بدورها الطبيعي والاجتماعي في العائلة الانسانية وهل هناك درع أقوى وأقوى من الحب كما أن الله تبارك وتعالى حينما كون الرجل وأعده إعداداً خاصاً للقيام بدور الكفاح في الحياة وإخضاع الطبيعة لمطاليب الانسان أسبغ عليه العوامل التي تهيؤه للكفاح والتي تجعله جديراً بمواجهة مشاكل الحياة الخارجية بعزيمة ومضاء فهو بذلك قد وزع لكل ما تقتضيه مسؤوليته في الحياة فلولا أن تكون المرأة عاطفية ورقيقة لتبرمت بمشاكل الأمومة ولتخلت كل امرأة عن وليدها ولو بأن تلقي به إلى ملجأ أيتام وبذلك تنحل عرى الأسرة ويستحيل المجتمع إلى مجتمع متفكك واهي فعلاً . ولكون المرأة انسانة ملائكية وروح سماوية تعبق بالطهر والحب وتشع بهالات القدس والحنان لهذا فان طبيعتها هي أولا وبالذات لم تخلق لما تذكرين من أعمال وهي وإن مارستها فإنها لا تخلو من نقاط ضعف تقعد بها عن السير إلى نهاية الطريق فإذا سلمنا كما لا ريب فيه أن من ضرورات الحياة أن تكون المرأة عاطفية ومن واجبات استمداد حياة المجتمع أن تكون المرأة خالقة أجيال وباعثة مستقبل ثم تصبح هذه المرأة طبيبة ويتفق في مرة أن تدعى لعيادة مريضها وهي في حالة المخاض أو تذهب لعيادة مريض مشرف على الهلاك وإذا بذبالة حياته تنطفي بين


( 204 )

يديها وهي تلك المخلوقة المرهفة الشعور الفياضة العاطفة أو أنها تصبح محامية مثلا أو قاضية ثم تذهب لتدافع أمام القضاة أو لتقضي بالعدل بين المتخاصمين وإذا برحمتها الأنثوية وبأوتار قلبها الحساس تنعطف نحو المجرم بعد أن تسمع منه شكاته وتعرف انها هي المسؤولة عن جريمته وعدلها أو عن حياته وفنائه فهل تتمكن امرأة خلقت لتحيي أفراداً أن تلقي بواحد إلى مخالب الموت أو إلى السجن الرهيب وإذا صادف ذلك وتمكنت من هذا فان ذلك يكون دليلاً على تحررها من شخصيتها الحقيقة وعدم صلاحيتها للقيام بدورها كامرأة في الحياة وفي هذا من الخطر ما يهدد المجموعة البشرية ثم نأتي لنطالع موقفها وهي منهدسة فنراها تدعى مرة مثلا لتضع تخطيط جسر أو سد أن تحدد شق شوارع في عرض الصحراء فيتحتم عليها أن تتحمل الشمس في القيظ الكاوي والصقيع في الشتاء المتجمد وكثيراً ما يستوجب عملها ممارسة أعمال خشنة لا تتلاءم مع نعومتها وطراوة جلدتها وهي مع ذلك لا تتمكن من القيام بدورها الأنثوي أيضا فهي دائما وأبداً في حركة مستمرة وتنقل وإذا حصل وكانت ربة بيت تعتمد على الخدم والوصائف بادارة عشها السعيد ومملكتها الصغيرة فسلام على ذلك البيت الذي تديره خادمة وعلى ذلك العش الذي تحرسه وصيفة والويل للأولاد البريئين الذين يترعرعون في أحضان المربيات وعلى صدور المرضعات وكذلك الحال بالمرأة الادارية التي يتحتم عليها ان تتخلى عن بيتها


( 205 )

ومن فيه وما فيه ثلثي النهار تقريبا فتجلس في دائرتها تنجز طلبات الأجانب وتقوم بما تكلف به شرعاً وعرفاً تاركة إفلاذها فريسة للملل والسأم وطعمة سائغة تحت أنياب الانحراف والفساد كما أخذت تدل عليه النتائج في المجتمعات الغربية وفي مجتمعاتنا المتطفلة عليها فان حضن الأم أول مدرسة في الحياة ولا يمكن للطفولة والفتوة أن تكون طفولة سليمة وفتوة معتدلة صالحة إذا لم يواكب سيرها حنان الأم ولم تتابعها عيونها البصيرة والآن فلعلك عرفت يا اختاه أن الاسلام إذ يفتح أمام المرأة أبواب العمل مع كونه يلزمها بالصيانة والحجاب لا يعتمد من ذلك العمل أمثال ما ذكرتيه من أعمال ولا أريد أن اقصد من هذا ان الاسلام يحرم على المرأة أن تكون مهندسة مثلا فإذا أمكن أن تكون مهندسة بدون أن تخالف تعاليمه كما هو ميسور في مجتمع اسلامي صحيح لا يمنعها من ذلك ولكنه يقبل هذا بوصفه استثناءاً وحالة فردية لا تكون هدفاً للمرأة وحالة أجتماعية ولعلك لا تجهلين أن هناك اعمال كثيرة يمكن القيام بها مع مسايرة الاسلام في شرائعه واحكامه وهل يطلب الاسلام من المرأة إلا الحجاب الذي لا يعدو كونه ابراداً تقيها الزوابع ودروعاً تصد عنها هجمات الوحوش الجائعة وعدا هذا فهي حرة طليقة لها ما للرجل وعليها ما عليه . وأخيراً فلعلك تنبهت إلى ما كنت قد غفلت عنه والسلام عليك وعلى جميع أخواتنا المسلمات .