أنت هنا: الرئيسية المكتبة الاسلامية سماحة الاسلام وحقوق الأقليات الدينية في مدرسة أهل البيت عليهم السلام
 
 


مقدمة المركز

البريد الإلكتروني طباعة

كتاب سماحة الإسلام وحقوق الأقليات الدينية ص 1 ـ 13

سماحة الاسلام
وحقوق الأقليات الدينية في مدرسة أهل البيت عليهم السلام
السيد سعيد كاظم العذاري

تحظى إصدارات المركز
بالمتابعة والتقويم والإشراف العلمي

 


( 2 )

 


( 3 )

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 


( 4 )

 


( 5 )



مقدمة المركز


    الحمد لله ربّ العالمين والصلاة على نبيّنا محمّد وآله الطاهرين ، وبعد..
    إنّ من أبرز سمات الفكر المتحضّر شموليته ، بحيث لا يضيق ذرعاً بجانب ما وإن أبدع في سائر الجوانب الحياتية الأخرى ، ومرونته بامكان الاستفادة منه في علاج ما يستجد من مشاكل الحياة المعاصرة ، وانسجامه مع طموحات الإنسان وتلبية حاجاته في كلّ عصر وجيل . وسلامة مبادئه من العصبية والتطرف على حساب جنس أو لون ، مع قوّته في ذاته بسلامة حجته ، ومتانة دليله ، ووضوح منطقه ، ومن الواضح ان فكراً عالمياً بهذه المواصفات لا يمكن أن يكون من نتاج عقلية بشرية ، وإن بلغت من السموّ والارتقاء إلى أقصى ما يمكن أن تبلغه العقول من درجات ، كما لا يمكن العثور عليه حتى في نطاق الأديان السماوية التي جاءت لقوم دون آخرين لتعالج مشاكل اُمة معينة في مرحلة من مراحل عتوّها وجبروتها ، ولاشكّ أنّ الدين الوحيد الذي لم يحصر خطابه باُمة معينة ، وإنما خاطب الناس كافة هو الإسلام الذي جاء متمّماً لدعوة الأنبياء جميعاً ، وبكماله وتمامه انقطع وحي السماء ، وهذا يعني تمامية فكره وانسجامه مع الحياة في كلّ زمان ومكان ، إذ لا يعقل أن يرتضيه الله ديناً لجميع العباد ويتركه ناقصاً ليتمّمه البشر ! وقد نبّه القرآن الكريم على هذه الحقيقة بآيات كثيرة ، كما طفحت بها السنّة النبوية ، وفاضت على جنبات مدرسة أهل البيت عليهم السلام .
    ومن مؤشرات عظمة هذا الدين أنه لم ينتشر عن طريق القوّة كما يدّعيه خصومه ، كما لم تكن آيات القتال في دستوره وسيلة من وسائل الاكراه على العقيدة ، وإنما انتشر بقوة الفكر على خلاف ما كان في تاريخ انتشار الديانات الأخرى ، ورفض مبدأ الضغط والإكراه في الدين وأبطل كل ما يقوم على هذا المبدأ من عقائد ؛ وشرطه في العقيدة أن تُبنى على القناعة في الفكر والسلوك ، وأما القوّة في أدبياته فهي لدفع العدوان والقضاء على الظلم والفساد ، وإلاّ فهي أعجز من أن تنفذ إلى أعماق الإنسان لتكسبه عقيدة ، والأسلوب الحضاري الذي سلكه الإسلام في جذب الناس إليه يتمثّل في دعوته إليهم بالتي هي أحسن من خلال الكلمة الطيبة التي تفوح بالحكمة ، والموعظة الحسنة ، وفتح أبواب الحوار الهادئ الموضوعي ، ونبذ اللجاج والعصبية ، وترك الاحتجاج بغير الدليل المقنع . وقد اضطرد هذا الأسلوب في القرآن والسنة كما نلحظه بوفرة في احتجاجات أهل البيت عليهم السلام مع المشركين ، والثنوية ، والدهرية ، والزنادقة ، وأهل الكتاب ، والصابئة ، وغيرهم من أصحاب الديانات والملل الأخرى.
    ومن منهج الإسلام إنه هيّأ مستلزمات الدخول إلى الإيمان، وبسطها بوضوح، وجعلها في متناول الجميع ثمّ ترك الناس وشأنهم في حرية الاختيار ( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ) ، وهذه هي سنّة الله تعالى في عباده ، إذ لم يشأ أن يخلق الإيمان فيهم خَلقاً كما خلق أجسادهم وركّب صورهم.
    ومن مبادئه أيضاً أنه رفض الانطلاق مع الحياة على أساس وحشي باستخدام أساليب التعسّف والارهاب التي لا تعترف بحرية الإنسان وأمان الشعوب ، لأنّ الإنسان من حيث المبدأ الإسلامي العامّ حرٌّ ومسؤول ، وأن أي تقييد له خارج إطار نظامه العامّ ، يُعد انتقاصاً لكرامته وقد رفع الله سبحانه من مقامه ، وأعزّه وسخر له ما في الأرض جميعاً. وأما الشعوب فإنّ الله خلق الناس شعوباً ليتعارفوا ، لا ليستذلَّ بعضهم رقاب بعض ، ولا ليسود جنس على آخر ،


( 6 )


وبذلك فهو يرفض الحرب التي تثيرها عصبية الدين أو الجنس أو اللون أو اللغة ، ويرفضها بقصد الاكراه على الدخول في الإسلام ، أو بقصد جرّ المغانم والاستلاب وامتصاص ثروات الشعوب ، أو لأجل اكتساب الأمجاد الشخصية للملوك والقوّاد . وليس في الإسلام ما يُبيح المذابح الوحشية كما حصل في محاكم التفتيش في الأندلس ، والأحباش في الصومال وأرتيريا ، وفرنسا في الجزائر ، وبريطانيا في الهند وسائر مستعمراتها ، وروسيا في الشيشان ودول البلقان ، ويوغسلافيا في أقاليمها ، والصرب في البوسنة والهرسك وسراييفو ، والهند في كشمير ، وأمريكا في هيروشيما وناكازاكي وأفغانستان ، والصهيونية في كفر قاسم ، ودير ياسين ، وصبرا وشاتيلا ، وجنين ، وأغلب المدن الفلسطينية حالياً.
    إنّ دراسة وجهة نظر الإسلام في شيء ما ، لابدّ وأن ترتكز على الجوانب النظرية والتطبيقية فيه ، مع الفصل بين الفكر المنحرف والتصرّف المرفوض إسلامياً وإن انطلق من دائرته ، وبين الفكر الإسلامي الأصيل المتجسّد على ضوء مفاهيم القرآن الكريم ومدرسة أهل البيت عليهم السلام وفقهها الممتدّ إلى الوقت الراهن . ومن دون هذا الفصل ستُبنى نتائج الدراسة ـ سيما في عالم اليوم ـ على تلك التصرّفات الشاذّة من أمثال غزو الكويت ، وظهور الطالبان ، وجيش الصحابة ، وقاعدة ابن لادن ، وغيرها من تطرفات السلفية في تاريخها ، وتَوَهُّم أنها المعبّر الحقيقي عن الرؤية الإسلامية تجاه تلك المسائل ، فيساء ـ حينئذٍ ـ إلى سماحة الإسلام ، وطريقة انتشاره ، وأسباب حروبه ، وحقوق الأقليات الدينية فيه ونحوها . وبالتالي تحميله تبعة جهل تلك الحكومات وأعوانها عبر ما أفرزته سياساتها من انحراف ، وما تركته ممارساتها العملية من أخطاء متراكمة على الواقع المحسوس ، والإسلام بريء من كلّ هذا.
    وهكذا شأن كلّ دراسة في هذا الحقل لا تأخذ بعين الاعتبار الفصل المذكور ، ولا تدرك فرقاً بين الماس والخزف ، ولا تعرف من هو المعبّر الأمين عن المضمون الواقعي لرسالة التوحيد ، كما نلحظه في معظم الدراسات الغربية التي اتهمت الإسلام بغمطه حقوق الأقليات الدينية وبالقسوة والتعسف والارهاب ، وأرجعت عوامل انتشاره إلى القوّة والبطش والاكراه !! في حين إن السلم والأمان يحظيان بقسط وافر في أدبيات الإسلام ، وما كانت حروب العهد النبوي إلاّ وسيلة للحماية من الاعتداء ، والوقاية من التحديات المضادة التي قام بها أعداء الإسلام والمتربّصون به الدوائر عند بدء انطلاقته من الجزيرة.
    لقد رفض الإسلام اضطهاد أصحاب المعتقدات الدينية التي ارتضت العيش بسلام في داره ، فنظّم مبادئ العلاقات بينه وبين تلك الأقليات في المجتمع الإسلامي على أساس التوحيد ، وبذل لها من سماحته ، ورعايته ، وعدالته ما لم يوفّره نظام من الأنظمة التي عرفتها البشرية لمَن خالفهم في العقيدة والمذهب والاتجاه ، ومنحهم حرية البقاء على أديانهم ، وضمن لهم حقوقهم كاملة ، كحقّ التقاضي ، وإبداء الرأي ، مع الحماية القانونية لجميع الحقوق الاقتصادية والمالية ، وصيانة أموالهم وممتلكاتهم ، ومنحهم حقّ الضمان الاجتماعي ، وسائر الحقوق المدنية في الزواج ، والإرث ، والوصية ، والصدقة ، والوقوف ، مع حقن دمائهم ، وحماية أعراضهم ، ومعاملتهم بالحسنى ، مطبّقاً عليهم شريعته في العدالة والمساواة وعدّهم في هذا كالمسلمين سواءً بسواءٍ . وقد حفظت لنا مدرسة أهل البيت عليهم السلام أمثلة رائعة من العدالة والسماحة والرعاية لتلك الأقليات الدينية الموجودة في دار الإسلام.
    والكتاب الماثل بين يديك قد عالج هذا الموضوع الحسّاس على ضوء القرآن الكريم ، والسنّة المطهرة ، ومدرسة أهل البيت عليهم السلام ، وما أفتى به عظماء فقهاء هذه المدرسة قديماً وحديثاً ، ولم يخرج عن هذا الاطار باعتباره المعبّر الجوهري عن واقع الدين الحنيف عقيدة وفكراً وشريعة . آملين أن يسدّ ثغرة لم تزل مفتوحة بوجه الإسلام إلى اليوم.
   

إنّه وليّ التوفيق مركز الرسالة


( 7 )



المقدمة


بسـم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الانبياء والمرسلين محمد وآله الطاهرين.
    الاسلام دين الرحمة ودين السلام جاء من اجل هداية الانسانية وتحريرها من جميع الوان الانحراف الفكري والعاطفي والسلوكي بتهيئة العقول والقلوب والارادات للتلقي والاستجابة الذاتية للمفاهيم والقيم الالهية واستتباعها بالعمل الايجابي الذي يترجم التصورات والافكار إلى مشاعر وممارسات وعلاقات في الواقع دون اكراه أو اجبار ، وهو يسعى إلى تغيير المجتمع الانساني لتكون المفاهيم والقيم الصالحة هي الحاكمة على الافكار والمواقف ، إلاّ أنّ هناك معوقات تقف في طريق حركته ومسيرته وتمنع من امتداده ، وكان لاعدائه الدور الاكبر في خلقها لأنّ تقدم الاسلام والمسلمين له انعكاسات خطيرة على مصالحهم في حال اعتناقه من قبل الامم والشعوب التي يحكمونها.
    فالأعداء يتربصون بالاسلام فكراً ووجوداً ويتآمرون عليه بلا توقف ، وهم يتصيدون كل ثغرة وكل حجة وكل شبهة لتشويه سمعته والتشكيك في مفاهيمه وغاياته واهدافه ، ويقودون حرب الشبهات وصراع التشكيك للحيلولة دون انتشاره وقيادته للناس أجمعين ، فقد اثاروا عليه شبهة الانتشار بالسيف واراقة الدماء واكراه الاقليات الدينية على اعتناقه ، واضطهاد غير المسلمين والتعامل العنصري معهم ، وعدم اعتبارهم من المواطنين ، وقرنوا


( 8 )


عنوان الاسلام والمسلمين بالقتل والعدوان والتخريب وعدم مراعاة حقوق الانسان ، ونجحوا بعض النجاح واستطاعوا خداع شعوبهم إلاّ أنّه ظهر بعض المنصفين ليدافعوا عن المنهج الاسلامي وتعامله الانساني مع غير المسلمين ومع الاقليات الدينية ، على مر العصور.
    ولما كانت حقيقة الإسلام قد تجسّدت على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله بأهل بيته الأطيبين كما هو صريح قوله صلى الله عليه وآله في حديث الثقلين الذي لم يختلف في صحته اثنان ، لذا وجب معرفة قيمة تلك الشبهات المطروحة في هذا المجال من خلال ما في مدرسة أهل البيت عليهم السلام ، تلك المدرسة التي عكست إنسانية الإسلام وسماحته مع الأقليات الدينية بأحسن صورة ، وبنت نوعاً منصفاً من العلاقات القائمة على أساس التوحيد بين أهل الأديان كافّة كما سنرى ذلك في خمسة فصول.
    أوّلها : «مبدأ المساواة بين الأقليات الدينية».
    وثانيها : «أصالة السلم واستثنائية القتال في مدرسة أهل البيت عليهم السلام ».
    وثالثها : «فكرة عن الحروب الدفاعية والوقائية في العهد النبوي».
    ورابعها : «مبادئ العلاقات بين مكاتيب الرسول صلى الله عليه وآله وشرائط الذمّة».
    وخامسها : «حقوق الأقليات الدينية في نظر أهل البيت عليهم السلام ».
    وقد اتّسم منهجنا في هذا الكتاب باعتماد القرآن الكريم باعتباره دستور الإسلام ، وأحاديث العترة الطاهرة باعتبارهم قرين القرآن ، مع الكشف عن آراء وفتاوى فقهاء أهل البيت عليهم السلام من المتقدّمين وأساطين المعاصرين ، رحم الله الماضين وحفظ الباقين.

وما توفيقي إلاّ بالله عليه توكّلت وهو حسبي.

 


( 9 )

 


الفصل الأول

مبدأ المساواة بين الأقليات الدينية



أولاً ـ المساواة في نزعة التديّن والتوجّه نحو الخالق

:     إن المنهج الإسلامي لم ينشأ في فراغ ، أو في قوالب ومظاهر مثالية ، وانما نشأ في الواقع الموضوعي للحياة ، وانطلق في النفس الإنسانية من أعماقها وأغوارها ومشاعرها الباطنية ، فهو منهج واقعي ناظر إلى واقع الانسان من حيث هو إنسان بما يحمل من غرائز روحية ومادية ؛ كغريزة التديّن والشخوص نحو المطلق ، فهم متساوون في ذلك ، ومتساوون في التأثّر الوجداني بعالم الغيب ، قال المسيو بوشيت :
    إن اعتقاد الأفراد والنوع الإنساني بأسره في الخالق اعتقاداً اضطراراً قد نشأ قبل حدوث البراهين الدالّة على وجوده ، ومهما صعد الإنسان بذاكرته في تاريخه ، فلا يستطيع أن يجد الساعة التي حدثت فيها عقيدته بالخالق ؛ لأنها عقيدة فطرية نشأت معه ، وصار لها أكبر الآثار في حياته.
    والإيمان بالله تعالى مودع في أعماق الضمير الإنساني.
    ونزعة التديّن مشتركة بين الناس جميعاً واهتمامهم بالمعنى الإلهي وبما فوق

 


( 10 )


الطبيعة هو إحدى النزعات العالمية الخالدة في تاريخ الإنسان ، وقد أكّد القرآن الكريم على هذه الحقيقة بقوله :
    ((وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ والأََرْضَ لَيَقُولُنَّ الله قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لأ يَعْلَمُونَ)) (1)
    والناس جميعاً مجبولون بفطرتهم على الإيمان بالخالق تعالى ، حيث تبدأ تساؤلات الإنسان منذ صغره عن سرّ وجوده ونشأة الكون ومصير هذه الحياة ، ولا فرق بين إنسان وآخر في الإيمان بهذه الحقيقة ، فالجميع متساوون منذ الخلقة الاولى وإلى يومنا هذا.
    والناس متساوون في التوجّه إلى الله تعالى ، فهو خالقهم وخالق جميع ما في الكون ، وهم متساوون في الشعور بانّه خالق مطلق ، له احاطة تامة بالعالم كلّه ، وبالأرض كلها ، وبالناس كلهم ، يعلم ما يحيط بالانسان ، وهو المهيمن على سكنات النفوس وحركاتها ، وما تخفي الصدور ، وإليه تعالى المصير ، فهو المبدأ وهو المنتهى ، قال تعالى : (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لأ إِلَهَ إِلأَ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) (2).
    والناس متساوون في موجبات الهداية ، وموحيات الايمان ، فهي ممتزجة بكيانهم الذي زودته بهم الفطرة والعقل السليم ، فكل مافي الكون يدل على وجوده تعالى ، وقد بيّن لهم تعالى مايدل عليه من خلال التفكر في الكون والحياة وفي أنفسهم.
    وهم متساوون في شمولهم بالرأفة والرحمة الإلهية ؛ قال تعالى : (وَالله
____________
(1) سورة لقمان : 31 | 25.
(2) سورة البقرة : 2 | 163 .


( 11 )


رَوَُوفٌ بِالْعِبَادِ) (1) ، وقال تعالى : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) (2) ، وقال أيضاً : (الله لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ) (3)
    وهم متساوون في وصول العطاء الالهي بمقدار مافي الموجود الانساني من درجة وقابلية لتقبل ذلك العطاء.

ثانياً ـ المساواة في الخصائص الانسانية

:   الناس متساوون في خصائصهم الانسانية ، فقد خلقهم الله تعالى من مصدر واحد ، لا فرق بينهم ولاتمييز من حيث النشأة والابتداء ، قال تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِْنْسَانَ مِنْ سُلألَةٍ مِنْ طِينٍ) (4) ، وقال تعالى : (خَلَقَ الإِْنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ) (5)
    والناس جميعاً خُلقوا من ذكر وانثى ، فلا فرق بين عنصر وعنصر ، وسلالة واخرى ، ولاتمييز بين لون ولون ، قال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا...) (6) ، وقال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ...) (7)
    فلا موجب للتمييز ، فالخالق واحد ، والاب واحد ، والمصدر واحد ، قال
____________
(1) سورة البقرة : 2 | 207.
(2) سورة الأعراف : 7 | 156 .
(3) سورة الشورى : 42 | 19.
(4) سورة المؤمنون : 23 | 12 .
(5) سورة العلق : 96 | 2.
(6) سورة الحجرات : 49 | 13.
(7) سورة الأنعام : 6 | 98.

( 12 )

رسول الله صلى الله عليه وآله : «أيها الناس إن ربّكم واحد ، وإنّ أباكم واحد ، كلكم لآدم وآدم من تراب...» (1).
    وهم متساوون في الخلق كما قال الامام علي عليه السلام : «... فانهم صنفان : أما أخ لك في الدين ، وأمّا نظير لك في الخلق» (2).
    فهم متساوون في طبيعة الخلقة ، مركّبون من جسد وعقل ونفس وروح ، ومن غرائز وشهوات واحدة ، وهم متساوون في الضعف والمحدودية ، قال تعالى : (يُرِيدُ الله أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِْنْسَانُ ضَعِيفًا) (3).
    وهم متساوون في الصفات المرافقة لضعف الانسان ومحدوديته ، قال تعالى : (وَكَانَ الإِْنْسَانُ عَجُولاً) (4) ، (... وَكَانَ الإِْنْسَانُ قَتُورًا) (5) ، (وَكَانَ الإِْنْسَانُ أَكْثَرَ شَىْءٍ جَدَلاً) (6) ، (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِْنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ) (7) ، (إِنَّ الإِْنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا...) (8).
____________
(1) تحف العقول | الحسن بن علي بن شعبة الحراني : 24 ، المطبعة الحيدرية ، النجف ، 1380هـ .
(2) شرح نهج البلاغة | ابن أبي الحديد المعتزلي 17 : 32 ، دار إحياء الكتب العربية ، القاهرة ، 1378هـ .
(3) سورة النساء : 4 | 28.
(4) سورة الإسراء : 17 | 11.
(5) سورة الإسراء : 17 | 100.
(6) سورة الكهف : 18 | 54.
(7) سورة هود : 11 | 9.
(8) سورة المعارج : 70 | 19.

( 13 )

    فالناس جميعاً يمتازون بالضعف والمحدودية ، والافتقار إلى الخالق تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَالله هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (1).
    والله تعالى هو الذي جعل للانسان جوارحه : (قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأََبْصَارَ وَالأََفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ) (2).
    وجعلهم متساوين في العقول والمشاعر والاحاسيس ، بلا فرق بين انسان وانسان ، ولا ميزة لسلالة على سلالة ، ولا لعنصر على عنصر ، فالجميع متساوون من حيث خصائصهم الذاتية ، أمّا انعكاس هذه الصفات على الواقع العمليّ فمتوقّف على درجات التفاعل مع المؤثرات الخارجة.
    وهم متساوون في حبّ الشهوات : (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأََنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا...) (3).
  والناس متساوون في الموت والحياة والبعث والنشور.
  وهم لا يملكون لأنفسهم ضرّاً ولا نفعاً ، ولا يعلمون ما يجري في المستقبل عليهم من حيث الحياة والرزق والموت ، فهم متساوون في جميع ما يتعلق بالانسان من خصائص ذاتية وطبعية ، جسدية وروحية ، نفسية وعقلية ، ومتساوون في الضعف والكينونة المحدودة ، بلا فـرق بينهم في أصل خلقتهم.
____________
(1) سورة فاطر : 35 | 15.
(2) سورة الملك : 67 | 23.
(3) سورة آل عمران : 3 | 14.