37/07/10


تحمیل

الموضوع:- مسألة ( 19 ) – المكاسب المحرمة.

رأي صاحب الجواهر(قده):- ذكر صاحب الجواهر(قده)[1] أنّ اللعب إذا كان بغير الآلات المتعارفة فتارةً يكون من دون رهنٍ وأخرى يكون مع الرهن ، أمّا إذا كان من دون رهن فيمكن أن نحكم بالجواز لانصراف ما دلّ على حرمة القمار إلى الآلات المتعارفة وبالتالي يتمسّك بالأصل ، وأمّا إذا كان مع الرهن فهنا يمكن الحكم بفساد الرهن لأنه أكلٌ بالباطل.

ولو فرض إنّ الرهن دفعه الخاسر للفائز لا من باب الوعد الإلزامي أو الوفاء الالزامي بل من باب الوفاء بالوعد الذي هو راجحٌ مع طيب النفس أمكن الحكم بالجواز ، نعم إذا كانت الآلات التي لعب بها من الآلات المتعارفة للقمار فهنا يشكل الحكم بجواز الأخذ رغم طيب نفس المعطي ، ونصّ وعبارته:- ( بل أخذ الرهن بعنوان الوفاء بالوعد - الذي هو نذر لا كفارة له[2] - مع طيب نفس الباذل لا بعنوان أن المقامر أوجبته أمكن القول بجوازه ، نعم هو مشكلٌ في القسم الأوّل[3] ).

ويرد عليه:-

أوّلاً:- إنه يظهر منه الحكم ببطلان الرهن فقط من دون حرمةٍ تكليفية فإنه سكت عنها ، وحينئذٍ يرد عليه ما أشرنا إليه سابقاً من أنه يمكن الحكم بالحرمة حتى إذا كانت الآلات غير متعارفة للنكتة التي أشرنا إليها وهي أنّ العرف يلغي خصوصية كون الالة آلة شطرنج أو غير ذلك ويرى كلّ الخصوصية أنهما يلعبان للفوز بالرهن ، فتمام النكتة هي هذه ، ومادام العرف يلغي هذه الخصوصية فحينئذٍ نحكم بالتعميم كما في مثال ما لو قال الإمام ( إذا أصاب ثوبك بول فاغسله ) فإنا لا نقتصر على الثوب بل نعمّم للعباءة والعمامة وغير ذلك ، فالعرف يلغي خصوصية الثوب ويحمل الثوب على المثالية ، وموردنا أيضاً كذلك.

الثاني:- إنه قال:- ( إذا طابت نفسه وكانت الآلات غير متعارفة أمكن الحكم بالجواز ) ، ونحن نقول:- لماذا يقول ( أمكن ) ؟! بل المناسب للفقيه أن يجزم بالجواز ، فالتعبير بكلمة ( أمكن ) يشعر بأنّ هناك تأمّلاً وتوقّفاً وهذا لا داعي إليه فإنه مادام قد طابت نفسه فحينئذٍ لا مشكلة ، وهذه قضيّة سيّالة فهي تأتي حتى في الربا ، ففي الربا الفائدة الربوية حرامٌ أخذها ولكن إذا فرض أنّ المديون قال للدائن صحيحٌ أنّك لا تستحق هذه الفائدة الربويّة ولكن أنا أعطيها لك عن طيب نفس فهنا يجوز أخذها ولا حرمة فيها لأنه هو المالك وقد طابت نفسه لا أنه من باب الإلزام وحينئذٍ لا مشكلة ، فتعبيره بكلمة ( أمكن ) لا وجه له بل المناسب الجزم بالجواز.

الثالث:- إنه قال:- ( نعم هو مشكل في القسم الأوّل ) يعني إذا كانت الآلات متعارفة ، ونحن نقول:- مادامت قد طابت نفسه وهو يدفع من باب طيب النفس - ولا من باب الخجل فإنّ المأخوذ حياءً كالمأخوذ غصباً - فلماذا يقول هو مشكلٌ ، بل لا إشكال أبداً ويجوز له الأخذ ، وهذا من الأشياء الغريبة.

ثم إنّ الشيخ الأعظم(قده) بعد أن تعرّض إلى كلام صاحب الجواهر وناقشه بعدم قبول الانصراف حاول أن ينصره فقال:- إنه يمكن التمسّك بصحيحة محمد بن قيس لنصرة صاحب الجواهر[4] ، وهي قد رواها الكليني عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن عيسى عن يوسف بن عقيل عن محمد بن قيس[5] عن أبي جعفر عليه السلام قال:- ( قضى أمير المؤمنين عليه السلام آكَلَ وأصحابٍ له شاةً فقال:- إن أكلتموها فهي لكم وإن لم تأكلوها فعليكم كذا وكذا ، فقضى فيه أنّ ذلك باطلٌ لا شيء في المؤاكلة من الطعام ما قلّ منه وما كثر ومنع غرامته منه )[6] ، ومضمون الرواية واضح.

وتقريب الدلالة لصالح صاحب الجواهر(قده) هي أن نقول:- إنّ المولى عليه السلام لم يقل هذا عملٌ حرام بل سكت عن ذلك وسكوته يدلّ على أنّ هذه المعاملة هي ليست بآلات القمار والإمام لم يحكم بالحرمة وإنما حكم بفساد ما جُعِلَ أي المسمّى - كالمئة دينار المجعولة مثلاً إذا لم يأكلوا الشاة بكامله - فهو حكم بفساد الرهن والغرامة ولم يحكم بالحرمة التكليفية ، فسكوته عن الحرمة التكليفية يدلّ على الجواز ، هكذا قال الشيخ الأعظم(قده) ، ونصّ عبارته:- ( وظاهرها من عدم ردع الإمام عليه السلام عن فعل مثل هذا أنه ليس بحرام إلا أنه لا يترتب عليه أثر )[7] ، فأقصى ما هناك أنهم لا يضمنون ما جُعِل من الرهن ، وهذا هو الذي أرداه صاحب الجواهر(قده).

ونرجع إلى الرواية من جديد ونلاحظ كيفية قراءة عبارتها حيث إنه في الوسائل والكافي توجد همزة على الألف - أي ( أكل ) - ، ولكن في التهذيب لم يضع شيئاً على الألف - لا همزة ولا مدّة - ، والمناسب أن تكون بالمدّ - أي ( آكَلَ ) -.

ثم ورد في ذيل الرواية عبارة ( منع غرامته منه ) ، والمناسب أن يرد فيها لفظٌ آخر غير لفظ ( منه ) مثل ( له ) أو ( فيه ) ، والوارد في التهذيب[8] والكافي[9] عبارة:- ( ومنع غرامته فيه ) وهو أولى.

وننبّه على شيء آخر:- وهو أنّ الإمام عليه السلام قال هذا لا يغرم المئة دينار ، ولكنهم لم يأكلوا كلّ الشاة فهل هم لا يضمنون العوض الواقعي للشاة أيضاً ؟! كلا إنهم يضمنونه ولكنه سكت هنا عن هذا ، فالإمام عليه السلام بصدد أنهم لا يضمنون ما جُعِل من الرهن ففقط أمّا أنهم لا يضمنون العوض الواقعي فهو ليس بصدده ، بل هم يضمنون العوض الواقعي لأنه يمكن أن يقال هو تصرفٌ بلا إذنٍ لأنّه أذن لهم أن يأكلوها مجاناً بشرط أن يأكلوها بأكملها أمّا إذا لم يأكلوها بأكملها فلا يوجد إذنٌ بالأكل فيثبت حينئذٍ الضمان ، فلابد من ضمان العوض الواقعي ، والبحث عن هذا الموضوع سوف يأتي.


[2] وهذه إشارة إلى رواية في ذلك.
[3] ومقصوده من القسم الاول يعني إذا كان اللعب بالآلات المتعارفة، يعني حتى لو أعطى الرهن وهو راضٍ فهنا الأخذ مشكل.
[4] فمدعى صاحب الجواهر أن المعاملة ليست محرمة تكليفاً وإنما أقصى ما هناك فساد ما جعل رهناً.
[5] ورجال السند لا مشكلة فيهم.
[7] اي ضمان ما جعل وهو الماءة دينار مثلاً.