37/06/05


تحمیل

الموضوع:- الولاية للجائر – مسألة ( 36 ) – المكاسب المحرمة.

هذا وقد وافق والسيد الخميني(قده) ما ذهب إليه الشيخ الأعظم(قده):- يعني أنّه جوّز ما عدى القتل ، فالحبس والضرب جائز كما قال الشيخ الأنصاري ، ولكنه استدل بغير ما استدل به الشيخ الأعظم(قده) ، فإنه استدل بوجهين:-

الوجه الأوّل:- قوله تعالى:- ﴿ إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ﴾[1] ، الواردة في قضية عمّار ، بتقريب:- أنّ الآية الكريمة جوّزت لمن كان مكرهاً أن يتجاوز على عِرض النبي صلى الله عليه وآله بمعنى السبّ ، بل ويجوز تكذيبه في نبوّته ورسالته وأنّه كاذب أو ساحر مادام هناك إكراه.

ثم نضمّ مقدّمةً إلى مضمون هذه الآية الكريمة وهي أنه إذا جاز هذا في حق النبي صل الله علهي وآله جاز غيره فإنّه لا شيء أعظم من عِرض الرسول صلى الله عليه وآله ومن تصديقه في الرسالة ، فإذا جاز التجاوز على عِرضه جاز إذن التجاوز على عِرض الآخرين بسبّهم وأخذ أموالهم وحبسهم وغير ذلك.

الثاني:- الرواية الواردة في البراءة من أمير المؤمنين عليه السلام ، فإنه جاء في رواية مسعدة بن صدقة:- ( قيل لأبي عبد الله عليه السلام:- إنّ الناس يروون عن عليّ عليه السلام قال على منبر الكوفة:- أيها الناس إنكم ستدعون إلى سبّي فسبّوني ثم تدعون إلى البراءة منّي فلا تبرأوا منّي ، فقال:- ما أكثر ما يكذب الناس على عليّ عليه السلام ، ثم قال:- إنما قال ستدعون إلى سبّي فسبّوني ثم تدعون إلى البراءة منّي وإني لعلى دين محمد صلى الله عليه وآله ولم يقل ولا تبرأوا مني )[2] .

إنّ هذا الحديث جوّز سبَّ الإمام عليه السلام ودلالته واضحة في ذلك ، فإنّ الامام الصادق عليه السلام يقول هو لم يقل لا تبرأوا مني ، فجوّز السبّ وجوّز البراءة ، وإذا جاز ذلك جاز غيره بالأولويّة - أو من دون حاجة إلى الأولوية[3] – ، وهو نفس التقريب في الآية السابقة -.

وفيه:- إنّ مقصوده(قده) من التمسّك بهذين الوجهين ليس هو إثبات أن حديث رفع الاكراه يعم جميع الآثار التي منها حرمة سجن الآخرين وضربهم وأنّ القرينة على ذلك هذان الوجهان ، وإنما يريد أن يستدلّ على التعميم وجواز حبس الآخرين لا بحديث الرفع كما صنع الشيخ(قده) فإنّ الآية الكريمة التي هي الوجه الأول لا معنى لأن نقول هي ناظرة إلى حديث الرفع فالآية كيف تنظر إلى الحديث ؟!! بل مقصوده هو التمسّك بهذين الوجهين مستقلاً عن الحديث الشريف.

ويرد على التمسّك بالوجهين المذكورين:- إنّ جواز التجاوز على عِرض الرسول لا يلازم جواز حبس الآخرين أو أخذ أموالهم أو ضربهم فإنّ التجاوز على العِرض تجاوزٌ معنوي إن صحّ التعبير وهو يتحقّق على مستوى لقلقة اللسان ، فحينما يتجاوز عمّار على النبي صلى الله عليه وآله فهذا تجاوز في اللسان فقط ولكن قلبه مطمئنٌ بالإيمان ، فهو تجاوزٌ معنويٌّ في حقّ الرسول صلى الله عليه وآله ، وهكذا سبّ أمير المؤمنين عليه السلام أو البراءة منه فإنّ هذا تجاوز معنوي وعلى مستوى اللسان ، وجواز مثل هذا لا يلازم جواز ضرب المؤمن أو حبسه ، فإنه لا ملازمة أبداً لا من قربٍ ولا من بعدٍ ونحن في مقامنا لا نريد أن نثبت جواز سبّ المؤمن ، نعم إذا كان مقصودنا هو إثبات جواز سبّ المؤمن فهذا صحيح فنقول إذا جاز سبّ مقام النبوّة أو مقام الولاية فبالأولى يجوز سبّ المؤمن ، ولكن مقصودنا هو الحبس والضرب وما شاكل ذلك وجواز ذاك لا يلازم جواز هذا ، وهذه قضية وجدانية ، فلو رأيت شخصاً تجاوز عليّ وسبّني فسوف أرضى بذلك ، أمّا أنّه لو أكِره على أن يضربني فلا أرضى منه ذلك وسوف أقول له لماذا تضربني ؟ فلو قال إني إن لم أضربك فسوف أُضرَب ، فسوف أقول له فلتضرب.

إذن إذا أردنا أن نتساير مع الوجدان فالقضية واضحة ، فالسبّ قد نجوّزه كما جوّزته الآية الكريمة ورواية مسعدة ولكن هذا يلازم جواز سبّ الآخرين عند الاكراه لا جواز حبسهم أو ضربهم أو أخذ أموالهم فإنّ هذا ضررٌ بدني أو مادّي بينما السبّ ضرر معنوي والانسان قد يقبل بالضرر المعنوي في حالة الإكراه ولا يقبل بالضرر المادّي أو الجسدي وإن كنت مكرهاً على ذلك.

إذن ما ذكره واضح المناقشة.

ومن خلال هذا كلّه اتضح أنّ الدليل الأوّل الذي استدل به الشيخ الأعظم(قده) على إثبات هذا التفصيل وأنه يجوز غير القتل من التمسّك بإطلاق حديث الرفع قابل للمناقشة.

وهكذا ما ذكره السيد الخميني(قده) من التمسّك بالآية الكريمة وبرواية مسعدة بن صدقة أيضاً قابل للمناقشة كما أشرنا.


[3] المكاسب المحرمة، السيد الخميني، ج1، ص209.