33-12-28


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

33/12/28

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مسألة ( 356 ) / الـواجـب الخامس مــن واجبـات عمـرة التمتع ( التقصير) / باب السعي / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 الرواية الثالثة:- صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام ( الحج أشهر معلومات شوال وذو القعدة وذو الحجة فمن أراد الحج وفّر شعره إذا نظر إلى هلال ذي القعدة ومن أراد العمرة وفّر شعره شهراً ) [1] .
 والاشكال عليها كالإشكال على الأولى وهو:-
 أولاً:- بقرينة السياق وهو أنه في العمرة وأنه لابد وأن يوفر شهراً فهذا يكون قرينة على الاستحباب ، وقلنا هذا مبني على مسلك الوضع.
 وثانياً:- إن هذه الصحيحة تقول:- ( فمن اراد الحج وفّر شعره إذا نظر إلى هلال شهر ذي القعدة ) يعني سواء أتي بعمرة التمتع أو لم يأت بها فهي مطلقة من هذه الناحية ، وهكذا هي مطلقة من ناحية الحج الذي يراد الإتيان به هو حج تمتع أو حج إفراد مثلاً مطلقاً يكون الحكم ذلك.
 وطرحنا اشكالاً وقلنا:- إن قلت فلنقيّد ، قلت:- إن الأمر يدور بين مخالفتين للظاهر إما مخالفة الظهور في الإطلاق في التقييد أو مخالفة الظهور في الوجوب بالحمل على الاستحباب وليس الأول بأولى من الثاني والسيرة لا نجزم في مثل هذه الحالة بأنها تقيِّد فيحصل الإجمال.
 الرواية الرابعة:- صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( اعف شعرك للحج إذا رأيت هلال ذي القعدة وللعمرة شهراً ) [2] . والمناقشة نفس المناقشة.
 الرواية الخامسة:- موثقة اسحاق بن عمار ( قلت لأبي الحسن موسى عليه السلام:- مرني كم أوفّر شعري إذا أردت العمرة ؟ فقال:- ثلاثين يوماً ) [3] وهي كما ترى واردة في العمرة وليس في الحج فلا تنفعنا.
 الرواية السادسة:- صحيحة الحسين بن أبي العلاء:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يريد الحج أيأخذ من رأسه في شهر شوال كلّه ما لم يرى الهلال ، قال:- لا بأس مالم يرى الهلال ) [4] بتقريب:- أن مفهومها هو أنه إذا رأى هلال ذي القعدة فالأخذ من شعر الرأس فيه بأس ، وبناءً على ظهور البأس في الإلزام والحرمة يثبت المطلوب . والاشكال هو الاشكال السابق
 ومن خلال هذا كله اتضح أن الروايات المذكورة قابلة للمناقشة لما ذكرناه ، ولعل هذا هو مقصود صاحب الجواهر(قده) حينما قال:- ( إن روائح الندب منها ظاهرة ) [5] ، ولعل مقصوده ما أشرنا إليه من القرائن فإن عطف العمرة على الحج قرينة على أن الحكم استحبابي ، وهكذا إطلاق الحج قرينة على أن الحكم استحبابي ، ولعل هذا هو مقصود ملا محمد باقر السبزواري(قده) صاحب الذخيرة أيضاً فإنه قال - على ما نقله صاحب الحدائق(قده) [6] - إن الأمر في استعمالاتنا الشرعية الواردة في الروايات لا يدل على الإلزام فيثبت بالتالي حكم الاستحباب بانضمام الأصل أي أصل البراءة ، وحَمَل عليه صاحب الحدائق(قده) حيث قال:- أن لازم ذلك القول بإباحة جميع الأشياء وتحليل المحرمات وسقوط الواجبات وهو خروج عن الدين من حيث لا يشعر قائله.
 وفي مقام التعليق نقول:- لعل مقصود صاحب الذخيرة(قده) ليس هو كون الأمر لا يدل على الوجوب دائماً وبصورة عامّة وإنما مقصوده يكون كذلك في بعض الموارد مثل هذه الموارد التي يوجد معها ما يوجب التوقف ، وإذا كان هذا مقصوده فله درجة من الوجاهة ، وأما الحملة عليه من قبل صاحب الحدائق فلا داعي إليها فإن استفادة الالزام وحرمة الشيء لا يتوقفان على أن الأمر ظاهر أو موضوع للوجوب أو الحرمة بل إن وسائل استفادة الالزام متعددة لا تنحصر بظهور الأمر بل هو أحدها وحيث أنه وسيلة عامة أي كثيرة - غالباً فبهذا الاعتبار بحثها الأصوليون بعنوان ( هل الأمر ظاهر بالوجوب أو لا ) وإلّا فهناك وسائل أخرى من قبيل ( كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم ) فلا توجد هنا صيغة أمر ولكن رغم ذلك يستفاد الإلزام ، وهكذا من قبيل ( إن عليه دماً يهريقه ) فهنا لا توجد صيغة أمر أيضاً ولكن رغم ذلك نستفيد الالزام ، أو من قبيل ( إن فيه بأس ) كما في الرواية السابقة حيث قلنا إنه بالمفهوم يكون في الأخذ من الشعر من بداية ذي القعدة بأس والبأس كما قيل يدل على الحرمة . إذن توجد وسائل أخرى متعددة لاستفادة الإلزام ولا تنحصر بصيغة الأمر فلا داعي إلى هذه الحملة القويّة على صاحب الذريعة.
 ثم إنه بهذا اتضح أن المناقشة الصحيحة في هذه الروايات - أعني الدليل الثالث - هو ما أشرنا إليه - أي عدم تمامية كل واحدة من الروايات -.
 هذا ولكن العلامة(قده) في مختلفه [7] ناقش بمناقشتين:-
 المناقشة الأولى:- إن غاية ما تدل عليه هذه الروايات هو أن توفير الشعر من بداية ذي القعدة مأمور به شرعاً ، ومن الواضح أن عنوان ( المأمور به ) كما يصدق على الواجب يصدق على المستحب فإن المستحب مأمور به أيضاً ، ونص عبارته:- ( والجواب:- نقول بموجب الحديث فإن المستحب مأمور به كالواجب ).
 والإشكال على ما أفاده واضح:- فإن الروايات لم تستعمل كلمة ومادة ( أمر ) يعني ( أنت مأمور بتوفير الشعر ) حتى يقول إن عنوان المأمور به يصدق على المستحب ، كلا وإنما الموجود هو صيغةٌ للأمر لا مادته.
 المناقشة الثانية:- إن هذه الروايات معارضة برواية أخرى ، فإذا صارت هناك معارضة وهناك روايات أخرى تدل على عدم اللزوم فعليه إما أن نؤول ونخالف ظهور تلك الروايات في الحرمة ونحملها على الكراهة بقرينة هذه الدالة على الجواز ، أو لا أقل نقول يحصل التعارض والتساقط ونرجع إلى البراءة والنتيجة واحدة على كلا التقديرين.
 ولنلاحظ هل هناك روايات معارضة أو لا ؟
 الرواية الأولى:- موثقة سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( سألته عن الحجامة وحلق القفا في أشهر الحج فقال:- لا بأس به ، والسواك والنورة ) [8] فانها دلت على جواز حلق القفا في أشهر الحج ، والقفا يعني قفا الرأس . فإذن على هذا الأساس هي تدل على جواز حلق الرأس وبذلك يثبت المطلوب - يعني تكون معارضة لتلك الروايات -.
 وقال صاحب المدارك(قده):-( وهي ضعيفة سنداً ودلالة ) [9] ولم يقل أكثر من ذلك .
 ولعل مقصوده من أنها ( ضعيفة سنداً ) أنها ضعيفة من ناحية سماعة فإنه واقفي وبعض كلماته(قده) تشير إلى أنه لا يعمل بالخبر الموثق بل يعمل بالخبر الصحيح فقط.
 وأما دلالةً فيمكن أن يقال:- إن هذه مطلقة فتقيد بغير شعر الرأس مثل شعر الظهر خصوصاً بقرينة الحجامة فانها تحتاج إلى حلاقة لقفا الظهر فالعطف على الحجامة قرينة على أن المقصود قفا الظهر لا قفا الرأس ، بل نقول أكثر:- وهو أن قفا الرأس لا معنى لحلقه إذ أنه ليس بمعهود حتى في زماننا ويكفينا إبراز الاحتمال فتصير الرواية مطلقة وقابلة للتقييد.


[1] المصدر السابق ح4.
[2] المصدر السابق ح5.
[3] الوسائل 12 318 3 من وابواب الاحرام ح1.
[4] الوسائل 12 319 4 من أبواب الاحرام ح1.
[5] الجواهر 18 170.
[6] الحدائق 15 5.
[7] المختلف 4 48.
[8] المصدر السابق ح3.
[9] المدارك 7 246.