33-12-26


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

33/12/26

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مسألة ( 356 ) / الـواجـب الخامس مــن واجبـات عمـرة التمتع ( التقصير) / باب السعي / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 وتقريب الدلالة أن يقال:- إن الرواية قالت ( متمتع حلق رأسه بمكة ) ولم تذكر أنه قد حلق ما بعد عمرة التمتع فلعل المقصود أنه حلق في أثنائها أو في أثناء حج التمتع فإن التعبير الوارد فيها ( سأل أبا عبد الله عليه السلام عن متمتع حلق رأسه بمكة ) وهو يلتئم مع ما أشرنا إليه - أي أنه حلق أثناء عمرة التمتع أو أثناء الحج - فمن أين لك حمل هذه الرواية على من حلق بعد الفراغ من عمرة المتمتع بسبب التقصير ولمّا يدخل في الحج ؟!
 وفي مقام التغلب على هذه المشكلة يمكن أن نقول:- لو كان المراد هو الحلق أثناء إحرام عمرة التمتع أو أثناء إحرام حج التمتع فلا وجه لأن يفرّق الإمام بين شهر شوال وشهر ذي القعدة فإنه متى ما وقع الحلق أثناء الإحرام كان ذلك مخالفة للشرع ولا يجوز من دون فرق بين أن يكون ذلك في شهر شوال أو في ذي القعدة . إذن هذه التفرقة شاهد صدق على أنه ليس المقصود أن الحلق أثناء العمرة أو أثناء الحج.
 نعم قد تقول:- لعل المقصود هو الحلق قبل عمرة التمتع أو بعد الفراغ من الحج التمتعي فالرواية حينما قالت:- ( سأل أبا عبد الله عليه السلام عن متمتع ) وهذا لا ينفعنا فإن محلّ كلامنا هو الحلق بعد الفراغ من عمرة التمتع والإحلال منها بالتقصير وقبل الدخول بالحج أما قبل عمرة التمتع أو بعد الفراغ من الحج فهو ليس محلاً لكلامنا فكيف تنفي هذا الاحتمال ؟
 والجواب:- إن الشخص إذا لم يدخل بعدُ في عمرة التمتع فلا معنى لأن يعبّر بكلمة ( متمتع ) أو أنه ( سأل أبا عبد الله عن متمتع حلق بمكة ) فهذا ليس بمتمتع بل سوف يتمتع فإن المشتق مجازٌ في من سوف يتلبس والقضية عرفية قبل أن تكون أصولية فهذا لا يسمى متمتعاً ، وهكذا من فرغ عن حج التمتع لا يقال له أنه متمتع وإنما يقال ( سألته عمّن كان متمتعاً ) . إذن هذه الاحتمالات منتفية.
 وهكذا لا يحتمل أن يكون السؤال قبل أن يدخل في عمرة التمتع أو من فرغ عن حج التمتع لما أشرنا إليه فيتعين - بعد انتفاء هذه الاحتمالات - أن يكون السؤال عمّن فرغ من عمرة التمتع وبعدُ لم يدخل في الحج فإنه يصدق عليه عنوان ( متمتع ) لارتباط عمرة التمتع بالحج فينحصر السؤال بهذا وبذلك يتم المطلوب.
 هذا وقد أشكل صاحب المدارك [1] سنداً ودلالة:-
 أما سنداً:- فباعتبار أن علي بن حديد قد ورد في الطريق وهو لم يوثق.
 وأما دلالةً:- فلوجهين:-
 الوجه الأول:- إن الرواية عبّرت هكذا ( وإن تعمّد بعد الثلاثين يوماً التي يوفّر فيها الشعر للحج فإن عليه دماً يهريقه ) ومن الواضح أن الثلاثين التي يوفّر فيها الشعر هي شهر ذي القعدة ، فالرواية تقول إن تعمَّد بعد هذه الثلاثين والبعدُ هي عبارة عن ذي الحجّة فتكون الرواية دالّة على أن من حلق في ذي الحجة عليه دم يهريقه وهذا خارج عن محل الكلام فإن الكلام والدعوى هو أنه لو حلق في شهر ذي القعدة أيضاً فعليه الكفارة وفعل حراماً لا أنه فقط في ذي الحجة فهذه تثبت المدَّعى في مساحة ضيّقة - أي في خصوص ذي الحجة - لأنها عبرت بقول ( بعد الثلاثين التي يوفّر فيها الشعر ) ونصّ عبارته(قده) هكذا:- ( فانها إنما تضمّنت لزوم الدم بالحلق بعد الثلاثين التي يوفَّر فيها الشعر للحج وهو خلاف المدَّعى ).
 ونحن تكملة لمراده نقول:- إن الرواية لو كانت تقول هكذا ( وإن تعمد ذلك بعد الثلاثين ) من دون ذكر فقرة ( التي يوفَّر فيها الشعر ) فما نسب إلى الشيخ الطوسي والمفيد يكون وجيهاً لأن ( بعد الثلاثين ) ينطبق على الثلاثين المتقدمة ، والثلاثون المتقدمة هي ثلاثون شوال فـ( بعدها ) هي ثلاثون ذي القعدة فيتمّ المطلب ، ولكن الرواية قد ذكرت قيداً توضيحياً للثلاثين حيث قالت ( وإن تعمّد بعد الثلاثين يوماً التي يوفّر فيها الشعر ) وهذه الثلاثون حيث أنها ثلاثون ذي القعدة فما بعدها ثلاثين ذي الحجة فلا ننتفع بالرواية.
 وأما الاشكال الدلالي الثاني:- وهو أن الرواية المذكورة خاصة بمن حلق بمكة أما إذا حلق في مكان آخر - بأن خرج من مكة بعد عمرة التمتع ذهب إلى عرفات وحلق - فهي لا تدل آنذاك على الحرمة فهي إذن أخصّ من المدّعى.
 وفيه:-
 أما بالنسبة إلى الإشكال السندي من ناحية علي بن حديد:- فهو تامٌّ لو كانت هذه الرواية قد رويت بطريق الشيخ الكليني فقط ، فإنا ذكرنا أنها قد رويت بطريقين والطريق الثاني هو ( ورواه الكليني عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن حديد عن جميل بن دراج ) . إذن في هذا الطريق توجد مشكلة وهي مشكلة علي بن حديد ، ولكن ذكرنا أن الشيخ الصدوق رواها أيضاً وإذا رجعنا إلى مشيخة الشيخ الصدوق في طريقه إلى جميل بن دراج لم نجد علي بن حديد موجوداً فيمكن أن نستعين بطريق الشيخ الصدوق بدلاً من طريق الكليني ككل رواية إذا كان لها أكثر من سند فإن أحد السندين إذا كان ضعيفاً أمكن الأخذ بالسند الآخر ، ولكن يظهر أن صاحب المدارك(قده) غفل عن السند الثاني.
 نعم هناك مشكلة أخرى كان صاحب المدارك غافلاً عنها:- وهي أن طريق الشيخ الصدوق وإن كان صحيحاً ولكنّه قال:- ( كلما رويته عن جميل بن دراج ومحمد بن حمران فأنا أرويه بهذا الطريق ) ، وإذا رجعنا إلى ترجمة جميل وجدنا أن له كتاباً يشترك فيه مع محمد بن حمران - ولديه كتاب ثانٍ اشترك فيه مع مرازم بن حكيم - وعليه فالشيخ الصدوق ذكر طريقاً صحيحاً إلى جميل لكن شريطة أن يكون معه محمد بن حمران فمتى ما ابتدأ الشيخ الصدوق السند بجميل ومحمد بن حمران نفهم أنه روى هذه الرواية بهذا الطريق الصحيح المذكور في المشيخة ، وأما إذا بدأه بجميل ولم يُضف إليه محمد بن حمران كما هو الحال في هذه الرواية فحينئذ يشكل أمر السند لاحتمال اختصاص السند الصحيح الذي ذكره بالرواية عنهما معاً ، وهذه نكتة سيّالة ففي كل موردٍ ابتدأ الشيخ الصدوق فيه السند بجميل تأتي المشكلة ، وهكذا إذا ابتدأه بمحمد بن حمران وحده ، هذا مع فرض أن الصدوق لم يذكر طريقاً صحيحاً إلى جميل وحده فالمشكلة موجودة ويكفينا الاحتمال لعدم التمسك بالرواية المذكورة.
 اللهم إلا أن يقول قائل:- صحيح أنه ذكر طريقاً إلى جميل وابن حمران ولم يذكر طريقاً إلى جميل ولكن حينما لم يذكر طريقاً إلى جميل وحده والمفروض أنه يروي في الفقيه كثيراً عن جميل وحده فهذا معناه أن الشيخ الصدوق يريد أن يقول إن نفس ذلك الطريق الذي أذكره لجميل وابن حمران يكون طريقاً إذا رويت الرواية عن جميل وحده فالطريق طريق واحد.
 ونتمكن أن نضيف إضافة:- وهي أن مقصوده من جميل هو جميل مع ابن حمران ولكنه حذف ابن حمران من باب الاختصار لأنه لا داعي إلى ذكر جميل وابن حمران في كل مرة فاختصاراً ذكر جميل وحده.
 وعلى هذا الأساس لا مشكلة من هذه الناحية - هذا إذا تولّد لدينا الاطمئنان بذلك - .
 إذن الرواية تقبل المناقشة من حيث السند كما عرفنا لكن لا من الجهة التي أشار إليها صاحب المدارك(قده) بل ك الجهة التي أشرنا اليها.


[1] المدارك 7 247.