37/05/07


تحمیل

الموضـوع:- الولاية للظالمين - مسألة ( 36 (- المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.

مسألة ( 36 ):- تحرم الولاية من قبل السلطان الجائر إلا مع القيام بمصالح المؤمنين وعدم ارتكاب ما يخالف الشرع المبين . ويجوز أيضاً مع الاكراه من الجائر بأن يأمره بالولاية ويتوعّده على تركها بما يوجب الضرر بدنياً أو مالياً عليه أو على من يتعلق به بحث يكون الاضرار بذلك الشخص إضراراً بالمكره عرفاً كالإضرار بأبيه أو أخيه او ولده أو نحوهم ممن يهمه أمرهم.[1]

ومضمون المسألة واضح وقصير ، وهي تشتمل على ثلاثة أحكام:-

الأوّل:- تحرم الولاية من قبل الجائر.

الثاني:- يجوز التولي إذا فرض القيام بمصالح العباد مع الأمن من الوقوع في الحرام.

الثالث:- يجوز أيضاً التولي إذا أكرهه الجائر على ذلك ، بمعنى أنّ الشخص خاف من لحوق الضرر له أو ممن يرتبط به.

وهناك زيادة في ألفاظ المسألة كما هو واضح.

تحقيق الحال في الحكم الأوّل:-

أما بالنسبة إلى حرمة التولّي من قبل الجائر:- فينبغي أن تكون واضحة ، وإنما الكلام في التخريج الفنّي لذلك ، وعلى أي حال يمكن أن يستدلّ على ما ذكر بالوجوه التالية:-

الوجه الأوّل:- إنّ قبول الولاية من الجائر نحو ركون إليه وقد قال تعالى:- ﴿ ولا تركنوا إلى الذي ظلموا ﴾.

فإذن الدليل الأوّل هو التمسّك بالآية الكريمة ، والصغرى واضحة وهي أنّ قبول الولاية هو نحوٌ من الركون.

إن قلت:- إنّ المقام من ركون الظالم إلى الشخص الذي قبل منه الولاية فذاك – أي الظالم - هو الذي ركن لا أني أنا الذي قبلت الولاية قد ركنت إليه ، فالآية حينئذٍ لا يمكن التمسّك بها للنكتة المذكورة.

قلت:- كما أن الظالم بطلبه قد ركن إليَّ فأنا بقبولي أيضاً قد ركنت إليه ، فالركون متحقّق من الطرفين وليس من طرف واحدٍ ، وحينئذٍ تكون الآية الكريمة شاملة للشخص الذي يقبل الولاية فإنه بالتالي قد تحقّق الركون من قبله.

الوجه الثاني:- إنّ ذلك نحو من دعم الظلم والانحراف والجور فأنا بقبولي بالولاية أكون عرفاً قد دعمت انحرافه وظلمه ، ودعم الظلم والانحراف لا يجوز لأدلة النهي عن المنكر فإنها بالمطابقة تدلّ على أنّ المنكر إذا تحقّق يلزم الوقوف أمامه وهي بالالتزام تدلّ على أنه لابد من الحيلولة من وقوع الانحراف المنكر وبالتالي لا يجوز دعم الانحراف وتقويته.

إذن حرمة تقوية الانحراف والظلم مدلولٌ التزاميّ عرفيّ لأدلة النهي عن المنكر.

الوجه الثالث:- يمكن أن يدّعى أن الذي يقبل الولاية من قبل الجائر قبوله هذا يستلزم صدق عنوان أعوان السلطان عليه ، فهذا من أعوانه بسبب قبوله للولاية يشمله ما دلّ على حرمة عنوان الأعوان.

واستدرك هنا وأقول:- هذا لو فرض أنّ دليل حرمة الأعوان كان شيئاً غير الوجهين السابقين ، أمّا إذا كان هو نفس آية ﴿ ولا تركنوا إلى الذين ظلموا ﴾ يعني أو الاوّل أو الثاني وهو دعم الانحراف والمنكر فقد عاد هذا الوجه الثالث إلى الوجهين السابقين ، إنّما يصحّ أن نجعل هذا وجهاً ثالثاً فيما إذا دلّت الروايات على حرمته بعنوانه ، من قبيل رواية أو صحيحة ابن أبي يعفور المقدّمة[2] التي تقول:- ( إنّ أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار حتى يحكم الله بين العباد )[3] ، إنّ قوله عليه السلام ( في سرادق من نار ) هو بنفسه دليل على تحريم هذا العنوان بما هو هو بلا حاجة إلى ارجاعه إلى أحد الوجهين السابقين.

الوجه الرابع:- ربما يتمسّك بالروايات التالية:-

من قبيل:- صحيحة أبي بصير المتقدمة:- ( سألت أبا جعفر عليه السلام عن أعمالهم ، فقال:- يا أبا محمد لا ولا مدّة قلم إنّ أحدهم لا يصيب من دنياهم شيئاً إلا أصابوا من دينه مثله - حتى يصيبوا من دينه مثله - )[4] .

ولكن تأملّنا فيما سبق في دلالتها:- باعتبار أنه وإن سأل أبو بصير الإمام وقال:- ( سألت أبا جعفر عليه السلام عن أعمالهم ، قال لي:- يا أبا محمد لا ) ومن مصاديق أعمالهم قبول الولاية ، وقلنا ههنا يوجد فعل مقدّر بعد كلمة ( لا ) وحث إنّه مجمل فلعلّ المقدّر هو كلمة لا يحسن أو لا أحب وليس المقدر هو كلمة يجوز - يعني لا يجوز - فإنّا لا نجزم بذلك ، فالرواية مجملة من هذه الناحية ويشكل التمسّك بها.

ومن قبيل:- صحيحة الوليد[5] بن صبيح:- ( قال:- دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فاستقبلني زرارة خارجاً من عنده فقال لي أبو عبد الله عليه السلام:- يا وليد أما تعجب عن زرارة سألني عن أعمال هؤلاء أي شيء كان يريد ؟! أيريد أن أقول له لا فيروي ذاك عليَّ ؟! ثم قال:- يا وليد متى كانت الشيعة تسأل عن أعمالهم إنما كانت الشيعة تقول يؤكل من طعامهم ويشرب من شرابهم ويستظل بظلهم ، متى كانت الشيعة تسأل عن هذا ؟! )[6] .

والسؤال فيها عن أعمال هؤلاء والذي هو من مصاديقه هو تولي الولاية لهم كما هو واضح ، ولكن الامام عليه السلام قال بعد ذلك ( أي شيءٍ كان يريد ) يعني هل يتوقع منّي أن أقول له ( لا ) وهذا خلاف التقيّة مثلاً والشيعة لم يكونوا يسألون عن مسألة الولاية ، نعم هم كانوا يسألون عن قضايا جانبية وأنه هل يجوز الأكل من طعامهم أو ما شاكل ذلك أمّا نفس الولاية فلم يسأل أحد منهم عنها.

وهذا كما ترى فهو كما يلتئم مع التحريم يلتئم مع الكراهة الشديدة واستفادة التحريم من ذلك قد يكون شيئاً صعباً.

ومن قبيل:- رواية ابن بنت الوليد بن صبيح الكاهلي:- ( من سوّد اسمه في ديوان ولد سابع حشره الله يوم القيامة خنزيراً - حيراناً - ) ، ومن أحد مصاديق تسويد الاسم أو أعلى مصداق له هو قبول الولاية.

ولكن قلنا:- إنّ الحشر خنزيراً أو حيراناً قد يصعب دلالته على التحريم.

ومن قبيل:- رواية الكليني عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن حماد عن حميد قال:- ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- إني وليت عملاً فهل لي من ذلك مخرج ؟ فقال:- ما أكثر من طلب المخرج من ذلك فعسر عليه ، قلت:- فما ترى ؟ قال:- أرى أن تتقي الله عزّ وجلّ ولا تعد )[7] ، إنّ ذيلها قال ( أرى أن تتقي الله ولا تعد ) فتعبير ( لا تعد ) هو نهي ، على هذا الأساس قد يستفاد منه التحريم.

ولكن في المقابل قد يقال:- إنّ المفروض أنه قد ولّي حيث قال ( إني قد وليت عملاً ) والامام عليه السلام لم يقل له اخرج بل قال له ( لا تعد ) يعني لا تعد إلى مثل هذا ، وعلى هذا الأساس الرواية يصعب استفادة التحريم منها ، ولا أقل هي مجملة من هذه الناحية فالتمسّك بها لإثبات التحريم شيءٌ صعب.

مضافاً إلى أنّ السند قد اشتمل على حميد وهو الذي يروي عن الإمام عليه السلام ، وهو إمّا أن يكون هو حميد بن المثنى وهو المعبر عنه بأبي المغرى الذي هو ثقة ، أو يحتمل أنه حميد بن راشد الذي قيل أنّ له كتاباً ولكنه لم يذكر بتوثيق ، فإذن الرواية محلّ تأملٍ سنداً أيضاً.

هذه بعض الروايات في هذا المجال ، ويكفينا لإثبات الحرمة المستندات الثلاثة الاولى التي أشرننا إليها.

يبقى سؤال:- وهو أنه بعد أن بنينا على الحرمة هل المحرّم هو الولاية بما هي ولاية أو باعتبار ما يقارنها من محرّمات ومظالم للعباد ؟


[2] حيث قلنا إن بشير يمكن أن نتغلب على مشكلته بواسطة ابن أبي عمير.
[5] وهو قد وثقه النجاشي.