37/05/01


تحمیل

الموضـوع:- معونة الظالمين - مسألة ( 18 (- المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.

وأمّا الروايات:- فهي:-

الرواية الأولى:- وراية عذافر المتقدمة حيث جاء فيها:- ( قال لي أبو عبد الله عليه السلام:- يا عذافر نبئت أنك تعامل أبا أيوب الربيع فما حالك إذا نودي بك في أعوان الظلمة ، فقال له أبو عبد الله عليه السلام:- أي عذافر إني إنّما خوفتك بما خوفني الله عزّ وجلّ به ..... )[1] .

وتقدم فيما سبق أن هذه الرواية لا يستفاد منها تحريم عنوان أعوان الظلمة حيث قلنا إن تعبير الرواية لا يستفاد منه تحريم عنوان أعوان الظلمة بل أقصى ما يستفاد من تعبير ( فما حالك إذا نودي بك في أعوان الظلمة ) هو أنه يلتئم مع المبغوضية الجامعة للحرمة والكراهة ، فعلى أي حال استفادة الحرمة من هذا التعبير شيءٌ صعب.

الرواية الثانية:- موثقة السكوني المتقدّمة ( قال:- قال رسول الله صلى الله عليه وآله إذا كان يوم القيام نادى منادٍ أين أعوان الظلمة ومن لاق لهم دواة أو ربط كيساً أو مدّ لهم مدّة قلم فاحشروهم معهم )[2] .

فهذه أيضاً كسابقتها ، فإن هذا التعبير أقصى ما يستفاد منه التوبيخ أمّا التحريم فيصعب استفادته منه.

الرواية الثالثة:- الشيخ الطوسي بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى - صاحب كتاب نوادر الحكمة وهو رجل ثقة - عن يعقوب بن يزيد عن ابن بنت الوليد بن صبيح الكاهلي عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( من سوّد اسمه في ديوان ولد سابع حشره الله يوم القيامة خنزيراً - من سوّد اسمه في ديوان الجبارين من ولد فلان حشره الله يوم القيامة حيراناً - )[3] .

والدلالة على التحريم ليست ثابته ، فهل حينما يحشر خنزيراً فهذا معناه أنّه حرام ؟!! أو حينما يحشر حيراناً فهل هذا حرام ؟!! إنّ استفادة الحرمة من ذلك شيءٌ صعب.

مضافاً إلى أنّ السند قابل للتأمّل باعتبار أنَّ ابن بنت الوليد بن صبيح الكاهلي لم يرد في حقه توثيق.

الرواية الرابعة:- وهي المهمة ، وهي رواية ابن أبي يعفور المتقدّمة ونصّها:- ( كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذ دخل عليه رجل من أصحابنا فقال له:- جعلت له فداك إنه ربما أصاب الرجل منّا الضيق أو الشدّة فيدعى إلى البناء يبنيه أو النهر يكريه أو المسنّاة يصلحها فما تقول في ذلك ؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام:- ما أحب أني عقدت لهم عقدة أو وكيت لهم وكاءً وأن لي ما بين لا بيتها ، لا ولا مدّة بقلم ، إنّ أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار حتى يحكم الله بين العباد )[4] .

وموضع الشاهد هو قوله عليه السلام:- ( إنّ أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار حتى يحكم الله بين العباد ) ، فهذه الرواية دلالتها على الحرمة واضحة.

وقد تقول:- إنّه فيما سبق أنت ناقشت في دلالة هذه الرواية والآن قبلتها فما عدى ممّا بدى ؟

قلت:- إنّ هذا ليس تراجعاً ، فإنه فيما سبق كنّا نريد أن تمسّك بهذه الرواية لإثبات حرمة معونة الظالم ، فأردنا أن نستفيد من قوله عليه السلام:- ( ما أحبّ أني عقدت لهم عقدة أو كيت لهم وكاءً ) وقلنا إنَّ هذا التعبير ليس فيه دلالة على الحرمة وتطبيق الكبرى بعد ذلك وهي ( إنّ أعوان الظلمة ... ) في الحقيقة احتمال أن يكون لا بداعي التطبيق الحقيقي وإنما بداعي التحذير من أنّه احذر بأنك لو اعنتهم فقليلاً قليلاً لعلّك تصل إلى درجة الأعوان ، ففي السابق ناقشنا من ناحية معونة الظالم وأمّا الآن فنحن نناقش من ناحية عنوان أعوان الظلمة فيستفاد حينئذٍ حرمة أعوان الظلمة وهذا ليس تراجعاً عمّا سبق.

ومن خلال هذا كلّه اتضح أنّ عنوان أعوان الظلمة محرّمٌ بلا إشكال بمقتضى القاعدة لما أشرنا ، ولآية ﴿ ولا تركنوا إلى الذين ظلموا ﴾[5] ، وهذه الرواية أيضاً تدلّ على ذلك .

وبهذا ننهي كلامنا عن هذا الموضوع.

ولكن بقيت أمور:- وهي:-

الأمر الأوّل:- ذكرنا فيما سبق أن معونة الظالم في المباح لم يثبت حرمتها ، والآن نقول:- لو فرضنا أنا استفدنا ذلك بالإطلاق فهل يوجد مخصّصٌ يخرج المعونة على المباح غير فكرة القصور في المقتضي - فنحن نتمسّك بفكرة القصور في المقتضي يعني لا يوجد اطلاق - ؟

والجواب:- يمكن أن يدّعى وجود المخصّص ، وهو وجود السيرة القطعية على الاعانة في المباح ، فمثلاً يأتي حواشي الظالم إلى الخبّاز فيبيع عليهم الخبر ، وكذلك صاحب المطعم فيبيع لهم الطعام ، وما شاكل ذلك ، وهذه سيرة ثابتة قطعية ومن ناقش فيها فقد ناقش في أمرٍ واضح ، وهذه السيرة لا يحتمل أنها جديدة ، فالسيرة جزماً مخصّصة للإطلاق إنّ فرض وجود إطلاق.

إذن المعونة على المباح جائزة إمّا لفكرة القصور في المقتضي كما ذهبنا إليه أو لوجود المخصّص وهو السيرة القطعية التي لا يحتمل أنها جديدة.

هذا ولكن صاحب الجواهر(قده) حاول أن يستدلّ بأدلة ثلاثة على جواز الاعانة في المباحات:-

الأوّل:- السيرة.

الثاني:- أنّ أئمتنا عليهم السلام أمرونا بأن نكون مجاملين معهم ، فإذا لم ابع لهم الخبز وغير ذلك فسوف لم تحصل مجاملة وسوف يصيرون أعداءً لنا.

الثالث:- إنه يلزم من ذلك العسر والحرج.

ونصّ عبارته:- ( إلا أنّ السيرة القطعية على خلاف ذلك بل هو منافٍ لسهولة الملّة وسماحتها وإرادة اليسر ضرورة عدم سوقٍ مخصوص للشيعة وعدم تمكنهم من امتناع عنهم بل هو مناف لما دلّ على مجاملتهم وحسن العشرة معهم والملق لهم وجلب محبتهم وميل قلوبهم كي يقولوا رحم الله جعفر بن محمد ما أحسن ما كان يؤدّب به أصحابه )[6] .

وجذور هذا الكلام موجودة في كلمات السيد العاملي(قده) صاحب مفتاح الكرامة حيث قال بعد أن ذكر جواز الاعانة في غير الحرام - يعني في المباح - ما نصّه:- ( وإلا لكان ذلك باعثاً على أذيتنا وكيف يتم ذلك مع حثه لنا على مجاملتهم بل لم تقم لنا سوق واشتد الأمر علينا ، مضافاً إلى استمرار السيرة )[7] .

والمهم من هذه الأدلة هو السيرة ، وأأكد أيضا وأقول إنّ السيرة وإن كانت ثابتة وقطعية إلا أنها ثابتة قطعية في الجملة ولا يمكن أن نتعدّى إلى أوسع من مساحتها ، فالسيرة جارية في بيع الخبز والطعام لهم ومن هذا القبيل من الموارد ، فهذا المقدار من السيرة موجود ومنعقد ، أما أن نتعدّى إلى كلّ مباح] فلا يمكن لأنّه لا يوجد لفظٌ حتى نتمسّك بإطلاقه فنقتصر على القدر المتيقّن وهو ما جرت عليه السيرة لا أن نطلق العنان ونقول إنَّ المعونة على المباح جائزة ، وإنما يوجد قصورٌ في المقتضي ، فلا يوجد إطلاق في أدلّة حرمة الاعانة.

أمّا الذي يسلّم بالإطلاق ويريد أن يخرج عنه بالمخصّص فالسيرة لا تثبت له أنّ جميع أفراد الاعانة على المباح هي جائزة ، وإنما أقصى ما تثبت له هو ما انعقدت عليه السيرة ، فيلزم أن نلاحظ ما هي الموارد التي انعقدت عليها فنقتصر على تلك الموارد لا أكثر ، وهذه مؤاخذة تسجّل على كلّ من تمسّك بالسيرة.

إذن الدليل المهم في الخروج عن الاطلاق هو السيرة ولكن ينبغي الاقتصار على القدر المتيقّن كما قلنا.