37/03/28


تحمیل

الموضـوع:- جواز الكلام مع المرأة الأجنبية - مسألة ( 17 ) حكم الغناء - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.

ذكرنا أنّ صاحب الجواهر(قده) قال بأنّه توجد الكثير من هذه الروايات التي تدلّ على الجواز ولم يذكرها ، ونحن نذكر بعضها:-

من قبيل:- رواية أم سعيد الأحمسيّة:- ( قالت:- جئت إلى أبي عبد الله عليه السلام فجاءت الجارية فقالت قد جئتك بالدابة ، فقال:- يا أم سعيد أيّ شيءٍ هذه الدابّة أين تبغين تذهبين ؟ قالت:- أزور قبور الشهداء ، فقال:- ما أعجبكم يا أهل العراق تأتون الشهداء من سفرٍ بعيدٍ وتتركون سيد الشهداء عليه السلام لا تأتونه !! قلت له:- من سيّد الشهداء ؟ قال الحسين بن عليّ ، قلت:- إني امرأة ، فقال:- لا بأس لمن كان مثلك أن تذهب إليه وتزوره ، قالت:- قلت أيّ شيءٍ ....... )[1] .

إنّ هذه الرواية وإن كان الحوار فيها مع المرأة الأجنبية ولكنه قضيّة في واقعة ، فيحتمل أنّ الإمام عليه السلام تكلّم معها وحاورها من باب أنها كانت عجوزاً ، فلا يمكن أن نستفيد من ذلك الشموليّة والعموم حتى لمثل الشابّة.

ومن قبيل:- رواية حبّابة الوالبية:- ( رأيت أمير المؤمنين عليه السلام في شرطة الخميس ومعه دَرَّة لها سبّابتان ........ ثم اتبعته فلم أزل اقفو أثره حتى قعد في رجبة المسجد فقلت له:- يا أمير المؤمنين ما دلالة الإمامة يرحمك الله ، قالت:- فقال:- إيتيني بتلك الحصاة وأشار بيده إلى حصاة فأتيته بهاه فطبع لي فيها بخاتمه ثم قال ، يا حبّابة إذا ادّعى مدّعٍ الإمامة فقدر أن يطبع كما رأيتِ فاعلمي أنّه إمامٌ مفترض الطاعة والإمام لا يعزب عنه شيء يريده، قالت:- فانصرفت حتى قبض أمير المؤمنين عليه السلام ، فجئت إلى الحسن عليه السلام وهو في مجلس أمير المؤمنين عليه السلام والناس يسألونه فقال:- يا حبّابة الوالبية ، فقلت:- نعم يا مولاي ، فقال:- هات ما عندك ، فأعطيته فطبع فيها كما طبع أمير المؤمنين عليه السلام ، قالت:- ثم أتيت الحسين عليه السلام وهو في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله فقرّب ورحّب ، ثم قال لي:- إنّ في الدلالة دليلاً على ما تريدين أفتريدين دلالة الإمام ؟ فقلت:- نعم يا سيدي ، فقال:- هاتِ ما معك فناولته الحصاة فطبع لي فيها ، قالت:- ثم أتيت عليّ بن الحسين وقد بلغ بي الكبر إلى أن أرعشتُ وأنا أعدّ يومئذٍ مئة وثلاث عشرة سنة فرأيته راكعاً وساجداً ومشغولاً بالعبادة فيئست من الدلالة فأومأ إليّ بالسبابة فعاد إليَّ شبابي ، فقلت:- يا سيدي كم مضى من الدنيا وكم بقي ؟ فقال:- أمّا ما مضى فنعم وأمّا ما بقي فلا ، قالت:- ثم قال لي هاتِ ما معك فأعطيته الحصاة فطبع لي فيها ، ثم أتيت أبا جعفر عليه السلام فطبع لي فيها ، ثم أتيت أبا عبد الله عليه السلام فطبع لي فيها ، ثم أتيت أبا الحسن عليه السلام فطبع لي فيها ، ثم أتيت الرضا عليه السلام فطبع لي فيها )[2] .

إنّ الإمام عليه السلام تحدّث في هذه الرواية مع حبّابة الوالبية ، فإن كان صاحب الجواهر(قده) يقصد مثل هذه الرواية فهذه قضيّة في واقعة ، فلعلّها من باب كونها عجوز ، ولعلّها من باب الضرورة حتى ينصب الإمام عليه السلام طريقاً لإثبات الإمامة ويدفع به في المستقبل الدعاوى والشبهات.

ومنها:- وروى الكليني(قده) تحت عنوان ( صلاة النساء على الجنائز ) ما نصّه:- ( عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن الحسن بن علي بن فضّال علي بن عقبة عن امرأة الحسن الصيقل عن الحسن الصيقل عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- سئل كيف تصلّي النساء على الجنازة إذا لم يكن معهنَّ رجل ؟ قال:- يصففن جميعاً ولا تتقدّمهن امرأة )[3] .

وموضع الشاهد هو أنّ علي بن عقبة يروي هذه الرواية عن امرأة الحسن الصيقل وهذا يدلّ على أنّ الحوار مع المرأة وسماع صوتها جائز.

وإذا كان يقصد صاحب الجواهر(قده) مثل هذه الرواية فهذه قضيّة في واقعه ، إذ لعلّه توجد قرابة – أي من محارمه - بين امرأة الحسن الصيقل وبين عليّ بن عقبة والرواية لا داعي لأن تنقل ذلك وتقول إنّ بينهما قرابة ، فمجرّد أنّه نقل عنها لا يدلّ على أن صوت المرأة لا بأس به ، فلذلك لا يمكن الاستشهاد بها.

مضافاً إلى أنّه لعلّه حينما تحدّث وتكلّمت معه كانت في زمان كبرها وشيخوختها.

مضافاً إلى أنّ هذه أحكام دينٍ ولعلّ نقل أحكام وتناقلها له خصوصيّة ، فلا يمكن أن نستفيد العموم من مثل ذلك.

إن قلت:- هذا تصرٌّف من عليّ بن عقبة ومنها وهو ليس حجّة علينا إذ هو ليس إمام ؟

قلت:- إنّه من الرواة ، فيظهر أنّ هذه الظاهرة كانت متداولة وطبيعيّة فيما بينهم ولكن لعلّه في هذه الحدود – أي حدود الأقارب المحارم أو حدود أحكام الدين مثلاً -.

ومنها[4] :- رواية زينب العطارة الحولاء وهي رواية الحسين بن زيد الهاشمي عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( جاءت زينب العطارة الحولاء إلى نساء النبي صلى الله عليه وآله وبناته وكانت تبيع منهنَّ العطر فجاء النبي صلى الله عليه وآله وهي عندهنَّ فقال:- إذا أتيتينا طابت بيوتنا ، فقالت:- بيوتك بريحك أطيب يا رسول الله ) [5] .

فهنا النبي صلى الله عليه وآله تكلّم معها وهي تكلّمت معه وسمع كلامها وصار بينهما حوار ولم تكن هناك ضرورة لذلك.

والجواب:- إنّه على تقدير تماميّة سندها - حيث إنّ الحسين بن زيد الهاشمي لا يوجد في حقّه توثيق - يحتمل أنّ زينب العطّارة كانت عجوزاً فكيف تتمسّك بهذه الرواية ؟!! وهذه قضيّة في واقعة ، فالنبي صلى الله عليه وآله تكلّم معها وسمع وصتها لأنها عجوز ، فلا يثبت الجواز المطلق.

وقال النجاشي في ترجمة كلثوم بنت سليم ما نصّه:- ( كلثوم بنت سليم روت عن الرضا عليه السلام كتاباً وأخبرنا عليّ بن أحمد قال حدثنا محمد بن الحسن عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن اسماعيل بن بزيع عنها بالكتاب )[6] .

فهنا ابن بزيع يروي الكتاب عنها وهذا يدلّ على أنّ صوت المرأة ليس عورة وإلا كيف يصنع بن بزيع ذلك والذي هو من أجلة اصحابنا !! ويظهر أنّ هذه ظاهرة كانت موجودة عندهم.

ولكن نقول:- فيه ما أشرنا إليه سابقاً من احتمال أنّها كانت من الأقارب المحارم ، أو يحتمل أنّها كانت امرأة كبيرة السن ، ولعلّه توجد خصوصيّة للمورد - وهو نقل أحكام الدين - ، كما يحتمل أنّ ذلك تمّ بدفع الكتاب إليه وليس بالقراءة له.

وعلى هذا الأساس تكون بقيّة الروايات لو كانت موجودةً لا يبعد أنّها من هذا القبيل ، وتحصيل روايةٍ سالمةٍ لعلّه شيءٌ صعبٌ ويحتاج إلى تتبّع.

هذا كلّه بالنسبة إلى ما أفاده الشيخ صاحب الجواهر(قده).

الوجه الثاني[7] :- هو للشيخ للنراقي(قده)[8] حيث تمسّك بصحيحة ربعي بن عبد الله عن لأبي عبد الله عليه السلام قال:- ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله يسلّم على النساء ويرددن عليه وكان أمير المؤمنين عليه السلام يسلّم على النساء وكان يكره أن يسلّم على الشابّة منهنَّ ويقول أتخوّف أن يعجبني صوتها فيدخل عليّ أكثر مما طلبت من الأجر )[9] .

والشاهد هو عبارة ( ويرددن عليه ) عندما كان النبي صلى الله عليه وآله يسلّم عليهن ، وهذا صوت المرأة ، وهذا يدلّ على أنّ صوت المرأة ليس بعورة وإلا كيف كان يسمع صلى الله عليه وآله ردّهن للسلام ، واحتمال كون ذلك خاصّ بالعجائز يدفعه ما بعد ذلك حيث قالت الرواية ( وكان أمير المؤمنين يسّلم على النساء وكان يكره أن يسلّم على الشابّة ) فمعناه أنّ النبي صلى الله عليه وآله كان يسلّم على الجميع من العجائز والشابات[10] .

إذنّ هذه الرواية جيدة الدلالة بهذا الشكل الذي قرّبته – وهو(قده) لم يقرب الدلالة بهذا الشكل الذي قربته -.

وفيه:- إنّ هناك احتمال الخصوصيّة للسلام ، ولا يمكن أن نستفيد من ذلك أنّ الكلام العادي غير السلام جائز ، فلعلّه بهذا المقدار يكون سماع صوت الأجنبية جائز وما زاد فلا.

الوجه الثالث:- ما تمسّك به السيد الخوئي(قده) وهو موثقة عمّار الساباطي:- ( عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه سأله عن النساء كيف يسلّمن إذا دخلن على القوم ؟ قال:- المرأة تقول عليكم السلام والرجل يقول السلام عليكم )[11] .

قال(قده) في تقريب الدلالة:- ( إنّ ظاهرها إنّ أصل جواز سلامه أمرٌ مفروغ عن شرعيته والسؤال عن الكيفية فلو كان صوتها محرّماً لكان الأنسب تنبيه الإمام على ذلك )[12] .


[4] هذا ما استدركه الشيخ الاستاذ في الدرس المحاضرة التالية.
[6] اختيار معرفة الرجال، الطوسي، ص319، رقم الترجمة874، ط مؤسسة النشر الاسلامي.
[7] غلى أن صوت المرأة ليس بعورة.
[10] لأنّه صلى الله عليه وآله كان مثلاً أكبر من أمير المؤمنين عليه السلام لا يخاف أن يدخله شيء أما أمير المؤمنين فقد كان أصغر فكان يتحرّز من السلام على الشابة ويسلم العجائز فقط.
[12] موسوعة السيد الخوئي، تسلسل32، ص81.