37/01/27


تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 17 ) حرمة الغناء - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
ولكن يمكن أن يقال:- إنّ صدر الرواية لو كان ورداً وحده من دون أن يستشهد الإمام بالآية الكريمة لكانت الدلالة تامّة، أما بعد ضمّ الآية الكريمة إلى الفقرة المتقدّمة - أعني قوله ( الغناء مما أوجب الله عليه النار ) - فحينئذٍ يصلح أن يكون هذا شاهداً على أنّ مقصود الإمام عليه السلام هو الغناء الموجب لإضلال الناس، فتعود الرواية مجملة من هذه الناحية ولا يمكن التمسّك بها.
الرواية الثالثة:- رواية المجالس للشيخ الطوسي(قده) عن أحمد بن محمد بن الصلت عن أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة عن جعفر بن عبد الله العلوي عن القاسم بن جعفر بن عبد الله عن عبد الله بن محمد بن علي العلوي عن أبيه عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزام الأنصاري قال:- ( دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقال:- الغناءَ اجتنبوا الغناءَ، اجتنبوا قول الزور، فمازال يقول اجتنبوا الغناء اجتنبوا فضاق بي المجلس وعلمت أنّه يعنيني )[1].
إنّ قوله ( اجتنبوا الغناء ) أو ( فما زال يقول اجتنبوا الغناء اجتنبوا ) دلالته واضحة على الحرمة وليس فيها تأمل من هذه الناحية من دون فرقٍ بين أن يكون المقصود منه هو نفس الغناء أو يكون المقصود منه سماع الغناء فعلى كِلا التقديرين يثبت المطلوب، فإنّه حتى على تقدير كون المقصود هو اجتنبوا الاستماع فبالدلالة الالتزاميّة العرفيّة يدلّ على حرمة إيجاد الصوت كما قلنا وإلّا فالشيء الذي يكون إيجاده حلالاً فمن البعيد أن يكون الاستماع إليه محرّماً.
ولكن الكلام في سندها:- فإنّ أحمد بن محمد بمن الصلت يمكن أن يقال بأنّه لا إشكال فيه لأنّه من مشايخ النجاشي وبناءً على وثاقة جميع مشايخ النجاشي - لبعض العبائر الموجودة عن النجاشي التي يفهم منها أنّه لا ينقل إلا عن ثقة وقد نقلنا بعض تلك العبائر -، أمّا أحمد بن محمد بن سعيد بن عقده فهو الزيدي الرجالي الكبير وهو موثّق، وأمّا جعفر بن عبد الله العلوي فقد وثّقه النجاشي.
وإنما يبقى الإشكال في غير ذلك - أي القاسم بن جعفر بن عبد الله وعبد الله بن محمد بن علي العلوي عن أبيه عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزام الأنصاري - فهؤلاء الأربعة لا يوجد في حقّهم توثيق، بل لعل بعضهم من المجاهيل، نعم جهالة الراوي الأوّل عن الإمام عليه السلام لا تؤثر بخصوصه لأنّه ينقل شيئاً ضدّه حيث قال:- ( فما زال يقول:- اجتنبوا الغناء اجتنبوا فضاق بي المجلس وعلمت أنّه يعنيني ) فيمكن أن يقال إنّه لا مشكلة من ناحية هذا الرجل، ولكن تبقى المشكلة من ناحية الباقين.
هذا بالنسبة إلى الاستدراك.
ونعود إلى صلب الموضوع فنقول:- إنّه اتضح لدينا مجموعة من الروايات بعضها وإن كان قابلاً للتأمل من حيث الدلالة لكن البعض الآخر لا بأس بدلالته ولكنه ضعيف السند، فإذا أمكن ضمّ بعضٍ إلى بعضٍ ونحصّل الاطمئنان فلا بأس، وإن لم يتمّ هذا فعندنا الطريق الذي أشرنا إليه - وهو أنّ المسالة عامّة البلوى فيلزم أن يكون حكمها واضحاً .... الخ -.
ومن خلال هذا يتّضح شيء آخر:- وهو أنّ الشيخ الأردبيلي(قده) ذكر بعض الروايات التي أشرنا إليها ثم قال:- ( ولكن ما رأيت روايةً صحيحةً صريحةً في التحريم ولعلّ الشهرة تكفي مع الأخبار الكثيرة بل الإجماع على تحريم الغناء والتخصيص يحتاج إلى دليل)[2].
إذن هو أفاد مطلبين، الأوّل أنّه لم يجد روايةً صحيحةً صريحةً في التحريم - أي بهذين القيدين -، والثاني أنّ الشهرة بل الإجماع بإضافة الأخبار الكثيرة كافية لإثبات الحرمة وحينئذٍ نحصل على عموم التحريم والتخصيص يحتاج إلى دليل.
وأشكل السيد الخوئي(قده)[3]عليه بقوله:- ( إنّ والروايات الواردة في حرمة الغناء وإن كان أكثرها ضعيف السند ولكن في المعتبر منها غنىً وكفاية، والعجب من المحقّق الأردبيلي في شرح الإرشاد " ما رأيت رواية صحيحة صريحة في التحريم " ).
وهل الحقّ مع السيد الخوئي أو المحقق الأردبيلي ؟
يمكن أن يقال:- إنّ الأردبيلي(قده) قال لم أجد روايةً صريحةً صحيحةً بهذين القيدين وهذا الكلام صحيحٌ فإنّه لا توجد رواية تجمع هاتين الخصلتين - الصراحة في الدلالة والصحة في السند - وهذا شيءٌ لا بأس به، فالعجب إذن لا وجه له.
نعم يرد عليه:- أنّه لا داعي إلى الصحيحة الصريحة، فلا الصريحة توجد حاجة إليها بل يكفي الظهور، وأيضاً لا داعي إلى الصحيحة إذ مجرّد كون السند معتبراً ولو لكونها موثّقة فهذا يكفي أيضاً ولا حاجة إلى الصحّة.
ثم ذكر أنّه بعد ذلك وقال:- أضّم الإجماع والشهرة إلى روايات المسألة.
ونحن نقول:- إنَّ ضمّ الإجماع بعد أن كان محتمل المدرك لا يكفي، إلّا أن يسلك الطريق الذي أشرنا إليه والذي أعطينا من خلاله نصف قيمةٍ للإجماع حيث قلنا إنّ المسألة ابتلائية ولازم ابتلائيتها وضوح الحكم ولابد أن ينعكس هذا الحكم الواضح على فتوى الفقهاء وحيث إنّ المعروف بين الفقهاء هو الحرمة فيثبت أنّ ذلك الحكم الواضح هو الحرمة.
إنّ هذا ليس استفادة من الإجماع بما هو إجماعٌ، وإنما هو استفادة منه من خلال ضمّه إلى مقدّمات هذا الدليل الذي أشرنا إليه.
وبهذا ننهي كلامنا عن الروايات وعن الدليل على الحرمة، وقد اتضح أنّ الدليل على الحرمة ثابت إمّا بالروايات بعد ضمّ بعضها إلى بعضٍ وإن كان سندها ضعيف بحيث يحصل اطمئنانٌ بالحكم، أو من خلال الدليل الذي أشرنا إليه.
لفت نظر:- قد يتوهّم أنّه بناءً على الطريق الذي أشرنا إليه أنّه قد يقال:- إنّه لا يمكن آنذاك التمسّك بإطلاق لفظ ( الغناء ) بل المناسب التمسّك بالقدر المتيقّن فيما إذا شككنا في سعة وضيق دائرة ما هو محرّم، فإذا شككنا مثلاً هل يعتبر في الغناء الطرب أو الترجيع فنتمسّك بالقدر المتيقّن، وهكذا لو شككنا أن الغناء في الأعراس حرامٌ أو لا فنتمسّك بالقدر المتيقّن وهو الحرمة في غير الأعراس، وهكذا في كلّ موردٍ شَكٍّ نتمسّك بالقدر المتيقّن باعتبار أنّ ما أشرنا إليه دليلٌ لبّي وفي باب الأدلّة اللبّية حيث لا يوجد إطلاقٌ - لأنّه ليس لفظاً - فنتمسّك بالقدر المتيقّن.
وفي مقام التعليق نقول:- هذا تامٌّ في غير موردنا، أمّا في موردنا الذي افترضنا فيه أنّ الغناء قضيّة ابتلائية وافترضنا أنّ الفقهاء أيضاً صبّوا حكمهم على عنوان الغناء، فإذن هذا العنوان مورد للابتلاء لابد وأن يكون حكمه واضحاً والفقهاء صبّوا حكمهم بالتحريم عليه، فالنتيجة يمكن أن يقال إنّ هذا العنوان هو مصبّ التحريم باعتبار هذه الخصوصيّة التي أشرنا إليها - وهي أنّ هذا العوان هو مورد الابتلاء وهو مصبّ التحريم في كلمات الفقهاء -، وعلى هذا الأساس نتعامل معه معاملة الدليل اللفظي، فلو فرض أنّه كان لدينا دليلٌ لفظيٌّ يقول ( الغناء حرام ) ماذا كنّا نصنع ؟ فهنا أيضاً نصنع كذلك، فلو فرض أنّا شككنا في قيدٍ مثل الطرب وشككنا أنّه معتبرٌ في الغناء أو لا ؟ فإذا فرض أنّ هذا القيد كنّا نحتمل دخالته في أصل المفهوم - يعني بحيث لا نجزم بصدق مفهوم الغناء من دون فرض الطرب - فلا يجوز التمسّك بالإطلاق لأنّه من التمسك به في مورد الشبهة المفهوميّة، لأنّ مفهوم الغناء هنا غير محرز حتى يتمسّك بإطلاق الدليل، نعم إذا جزمنا بأنّ الطرب ليس دخيلاً في مفهوم الغناء ولكن شككنا في اعتباره في الحرمة كقيدٍ زائدٍ فهنا لا بأس بالتمسّك بالإطلاق لنفيه.
وهكذا بالنسبة إلى الغناء في الأعراس، فلو شككنا أنّه حرام أو ليس بحرام فالمناسب على ضوء ما ذكرنا التمسّك بإطلاق دليل التحريم فإنّه مطلقٌ، إلا أن تفترض وجود ضمائم تستوجب حلّية الغناء في الأعراس ولكن تلك قضيّة ثانية، كما لو فرض أنّنا تمكنا أن نصوغ مثل هذا الدليل - وهو أنّ المسألة ابتلائية ... الخ - في الغناء في الأعراس ونثبت حلّيته باعتبار أنّ المعروف عند الفقهاء هو الحلّية فنحكم بحلّيته.
وبالجملة:- إنَّ الذي نريد أن نقوله هو أنّه في الأدلّة اللبّية وإن كان الثابت هو عدم جواز التمسّك بالإطلاق فيها وإنّما يتمسّك بالقدر المتيقّن ولكن في خصوص المقام وأمثاله يصحّ التمسّك بالإطلاق باعتبار أنّ عنوان الغناء هو مورد الابتلاء وباعتبار أنّ هذا العنوان هو مصبّ كلمات الفقهاء في التحريم فنتمسّك بالإطلاق في غير موارد الشك في صدق المفهوم من دون تحقّق القيد المشكوك.