37/01/27


تحمیل

الموضوع: الصوم, كفارة الافطار, مسألة, 20.

قال الماتن

(وفي جواز التبرع بها عن الحي إشكال والأحوط العدم خصوصا في الصوم)[1]

وهذه المسألة خلافية وفيها اقوال ثلاثة:

الاول: جواز التبرع عن الحي مطلقاً, وهو محكي عن الشيخ الطوسي في المبسوط والعلامة في المختلف.

الثاني: عدم الجواز مطلقاً, ومال إليه وقواه الشيخ صاحب الجواهر ونسبه إلى المشهور وذهب إليه صاحب المدارك.

الثالث: التفصيل بين الصوم وبين العتق والاطعام, فلا يجوز التبرع عن الحي في الصوم ويجوز ذلك في العتق والاطعام, وذهب إليه صاحب الشرائع.

والذي يظهر من كلماتهم أن المقصود في التبرع في الامور المالية هو أن يدفع الشخص من ماله عن شخص آخر بدون إذنه (المتبَرع عنه)كما لو كان على الشخص الثاني كفارة واعتق الشخص الاول عنه بدون اذنه, وفي الامور البدنية كالصوم وامثاله هو أن يأتي بهذا العمل من دون إذن المتبَرع عنه , فيصوم نيابة عن الشخص الذي وجبت علية الكفارة, فالتبرع مأخوذ فيه عدم الاذن.

السيد الخوئي (قد) ذكر جهتين في البحث نتعرض لهما حيث قال (قد):( ولا بد من التكلم في جهات :الأولى : هل يعتبر في العتق والاطعام أن يكونا من خالص ماله ، أو يجوز التصدي لذلك ولو من مال غيره المأذون في التصرف فيه بحيث يكون هو المعتق والمتصدق وإن لم يكن المال له ، وإنما هو مرخص في التصرف فيه . الظاهر أنه لا ينبغي الشك في الجواز لإطلاق الروايات فإن الواجب عليه هو عتق النسمة واطعام الستين بحيث يكون الفعل صادرا عنه ومستندا إليه ، وأما كونهما من ملكه وماله فلم يعتبر ذلك في شيء من النصوص ، فلو أباح له أحد في التصرف في ماله فأطعم أو أعتق منه كفى في مقام الامتثال بمقتضى الاطلاق . وأما ما ورد من أنه لا عتق إلا في ملك ، فإما أن يراد به عدم جواز عتق غير المملوك - وهو الحر - أو يراد أنه لا بد وأن يستند إلى المالك ولو بأن يكون بإذنه ، وأما لزوم صدور العتق من نفس المالك فلا دلالة له عليه بوجه كما لا يخفى. وعليه فلو كان المفطر فقيرا لا مال له وكان والده ثريا وهو مرخص في التصرف في ماله جاز له الصرف منه في الكفارة ويصح معه أن يقال إنه أعتق نسمة أو أطعم الستين وإن لم يكن ذلك من مال نفسه .

وقد يلاحظ على هذا الكلام أنه يكون تاماً اذا كان الغرض من الكفارة اطعام المساكين في باب الاطعام أو تحرير العبيد في باب العتق لأن الغرض يتحقق اذا وصل المال أو الطعام إلى الفقراء أو تحرر العبد فيقال لا فرق بين أن يكون العتق أو الاطعام من ماله أو مال غيره فأن النتيجة تتحقق على كل حال فيمكن التمسك بأطلاق الدليل لأثبات عدم الفرق بين أن تكون الكفارة من ماله أو من مال غيره.

أما اذا كانت الكفارة في واقعها نوع من العقوبة والمؤاخذة فحينئذ قد يشكك في امكان التمسك بأطلاق الادلة لأثبات كفاية أن يكون من مال غيره, فالعقوبة لابد أن يخرج الكفارة من ماله, أما اذا لم يخرج شيئاً من ماله فقد يشكك في صدق مفهوم العقوبة ومفهوم المؤاخذة وبالتالي يشكك في تحقق مفهوم الكفارة أو الغرض منها, وقد يستشهد على هذا الفهم بإختلاف مقدار الكفارة في اختلاف الموارد فالكفارة في الافطار في صوم شهر رمضان اشد منها في الافطار في قضاء شهر رمضان, والكفارة في حال العمد غير الكفارة في الافطار حال العذر (كما في الشيخ والشيخة), فإختلاف المقادير كأنه يشير إلى أن الكفارة نوع من المؤاخذة وهي ترتبط بالجرم الذي يرتكبه المكلف فإذا كان الجرم صغيراً وضعت له كفارة صغيرة واذا كان الجرم كبيراً وضعت له كفارة كبيرة وهذا يعني أن القضية قضية مؤاخذة وعقوبة.

لكن الذي يبدو أن هذا الاشكال غير وارد وان كانت الكفارة نوع من العقوبة والمؤاخذة, لأن العقوبة تتحقق بنفس إلزام المكلف بالكفارة, ولا فرق بين أن يأتي بها من ماله أو من مال غيره, ومن هنا يظهر عدم المانع من الاخذ بإطلاقات الادلة كما ذكر السيد الخوئي (قد) لنفي اعتبار أن تكون الكفارة من مال الشخص الخاص.

ثم قال (قد) ويؤيده ما ورد في قصة الأعرابي الذي واقع في نهار رمضان وادعى العجز عن الكفارة من قول النبي صلى الله عليه وآله له : خذ هذا التمر وتصدق به ، فإن هذا وإن أمكن أن يكون من باب التمليك إلا أن ذلك غير ظاهر من الرواية ، ولعله ظاهرها التصدق من مال رسول الله صلى الله عليه وآله . وعليه فهي مؤكدة للمطلوب وكيفما كان فالإطلاقات كافية من غير حاجة إلى ورود دليل خاص حسبما عرفت .

الثانية هل يعتبر التصدي للعتق أو الاطعام مباشرة أو يجوز التوكيل فيهما ؟ الظاهر أنه لا ينبغي الاشكال في جواز التوكيل ، فإن فعل الوكيل فعل الموكل نفسه عرفا وينتسب إليه حقيقة ومن غير أية عناية ، ويكفي في ذلك اطلاق الأدلة بعد عدم الدليل على اعتبار المباشرة . وقد ذكرنا في بعض مباحث المكاسب أن الوكالة على طبق القاعدة في موردين ، وفي غيرهما يحتاج إلى قيام دليل بالخصوص . أحدهما : الأمور الاعتبارية بأسرها ، من البيع والهبة ، والطلاق والنكاح ، والعتق ونحوها ، فإن الأمر الاعتباري وإن توقف تحققه على الاعتبار النفساني مع ابرازه بمبرز ، وبهذا الاعتبار يكون فعلا ممن صدر منه مباشرة إلا أنه لكونه خفيف المؤنة يكفي في انتسابه إليه انتهاؤه إليه إما لمباشرته في ايجاده أو لتسبيبه فيه بتفويضه إلى غيره ، فلو وكل أحدا في تولي البيع مثلا فاعتبره الوكيل وأبرزه خارجا ينسب البيع حينئذ إلى الموكل حقيقة ومن غير أية عناية كما ينسب إلى الوكيل لأن البيع ليس إلا الاعتبار بضميمة الابراز وقد تحققا معا بفعل الوكيل مباشرة ، والموكل تسبيبا ، فيصح أن يقال حقيقة أن الموكل باع أو أعتق أو وهب أو نحو ذلك من سائر العقود والايقاعات ، وهذا أمر عرفي عقلائي لا حاجة فيه إلى قيام دليل عليه بالخصوص .

ثانيهما : كل ما هو من قبيل القبض والاقباض والأخذ والاعطاء فإنها وإن كانت من الأمور التكوينية إلا أنها بمنزلة الأمور الاعتبارية في أن الوكالة تجري فيها بمقتضى السيرة العقلائية ، مضافا إلى استفادة ذلك من بعض الروايات ، فلو وكل أحدا في تسلم ما يطلبه من الغريم فأخذه ، كان قبضه حقيقة بالنظر العرفي ، فلو تلف لم يضمنه المديون بل تفرغ ذمته بمجرد الدفع إلى الوكيل وإن لم يصل إلى الموكل وكذلك الحال في الاقباض . فلو وكل أحدا في أن يعطي زكاته أو دينا آخر لزيد برئت ذمته بمجرد الدفع ، ونحوه ما لو باع في مكان ووكل أحدا في أن يقبض المبيع في مكان آخر . بالجملة ففي هذه الموارد ينسب الفعل إلى الموكل حقيقة ، فهو أيضا قابض من غير أية عناية . وأما ساير الأمور التكوينية غير ما ذكر من الأكل والشرب والنوم ونحو ذلك فهي غير قابلة للتوكيل ولا يستند الفعل فيها إلى غير المباشر بوجه من الوجوه ، فلا يصح أن يقال زيد نام فيما لو طلب من عمرو أن ينام عنه وهكذا الحال في ساير الأفعال . نعم لا بأس بالإسناد المجازي في بعض الموارد كما لو أمر بضرب أحد أو قتله فإنه قد ينسب الفعل حينئذ إلى الآمر بضرب من العناية وإلا فالفعل الخارجي غير منتسب إلى الآمر انتسابا حقيقيا . وكيفما كان فجريان الوكالة في غير ما ذكرناه يحتاج إلى الدليل فإن نهض كما في الحج حيث ثبت بالدليل الخاص جواز التوكيل فيه وأن حج الوكيل حج للموكل والمستنيب فهو ، وإلا كما في غير مورد الحج فلا مجال لجريان الوكالة فيه ، فلا يصح التوكيل في مثل الصوم والصلاة ونحوهما مما هو واجب عبادي أو غير عبادي . وعليه ففي مقامنا هذا أعني خصال الكفارة يجري التوكيل في اثنتين منها : وهما العتق والاطعام ، لأن الأول أمر اعتباري ، والثاني من قبيل الاقباض والاعطاء . وأما الثالث وهو الصوم فغير قابل لذلك لعدم الدليل عليه ومقتضى اطلاق الدليل صدور الصوم من المفطر مباشرة لا من شخص آخر فلا يجري فيه التوكيل هذا تمام الكلام في التوكيل.)[2]

ويلاحظ على الجهة الثانية أن ما ذكره ليس من قبيل القوانين الصارمة التي لا يمكن تخطيها والتخلف عنها فلا يوجد قانون يقول بأن كل الامور الاعتبارية تقبل التوكيل فقد يكون هناك امر اعتباري لا يقبل التوكيل وقد يكون الاحرام من هذا القبيل فهو امر اعتباري مع أنه لا يقبل التوكيل, نعم مخرمات الاحرام امور خارجية, الا إن نفس الاحرام امر اعتباري , كما أن الامور التكوينية التي هي ليست من قبيل القبض والاقباض والاخذ والاعطاء التي ذكر بأنها تقبل التوكيل وذكر بأن غيرها _كالنوم والاكل_ لا يقبل التوكيل ولكن قد نعثر على امر تكويني ليس من قبيل القبض والاقباض لكنه بالرغم من ذلك يقبل التوكيل كإيذاء المؤمن فتارة يباشر ذلك(الحاكم الجائر) بنفسه واخرى يأمر جنوده أو حرسه بفعل ذلك والنتيجة يكون هو الذي ارتكب تلك الاذية للمؤمن, لأنه وكلهم بفعلها, أو يكون قد اطلق سراح سجيناً فأنه تارة يباشر ذلك الفعل بنفسه واخرى يوكل شخصاً آخر به, فأطلاق السراح وايذاء المؤمن وغير ذلك من الافعال التكوينية التي لا علاقة لها بالقبض والاقباض يمكن أن تكون قابلة للتوكيل.

نعود إلى اصل المسألة:

وقد استدل على القول الاول (الجواز مطلقاً) بأدلة نستعرضها:

الدليل الاول: الذي ذُكر في كلمات المتقدمين يتألف من صغرى وكبرى, فالصغرى تقول بأن الكفارة من الديون, والكبرى تقول بأن كل دين يجوز التبرع به عن الحي, والنتيجة هي أن الكفارة يجوز التبرع بها عن الحي, ولا يفرق في هذا الدليل بين الصوم وغيره.

والدليل على الصغرى هو أنه ثبت في جملة من الروايات _ وبعضها تامة ومعتبرة_ اطلاق الدين على بعض الامور التي هي من قبيل الصلاة والحج كما ينقل الشيخ الصدوق (يا بني إذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخرها لشيء ، صلها واسترح منها فإنها دين)[3]

فتطلق الدين على الصلاة ورواية الخثعمية المعروفة حيث تطلق الدين على الحج وهي وعن امرأة خثعمية : أنها أتت إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله ) ، فقالت : يا رسول الله إن فرض الحج قد أدرك أبي ، وهو شيخ لا يقدر على ركوب الراحلة ، أيجوز أن أحج عنه ؟ قال ( صلى الله عليه وآله ) : " يجوز " قالت : يا رسول الله ، ينفعه ذلك ؟ قال ( صلى الله عليه وآله ) : " أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته ، أما كان يجزئ ؟ " قالت : نعم ، قال : " فدين الله أحق)[4]

واذا اعتبرنا الحج ديناً والصلاة كذلك فالكفارة عبارة عن صوم وعتق واطعام فمن باب اولى أن تكون ديناً فالصلاة والحج لم يكن فيهما جنبة مالية ومع ذلك اعتبرا ديناً فالصوم كذلك ومن باب اولى اعتبار الاطعام والعتق كذلك لأن فيهما جنبة مالية فهما اقرب إلى الدين من الصلاة, بل يمكن أن يقال بأن اطلاق الدين بهذا الاعتبار كما ينقل عن السيد الحكيم (قد) والذي يعتقد هو به بأن التكاليف الشرعية كالصلاة ديون في الذمة والدائن هو الله سبحانه وتعالى وبناءً على ذلك فلا فرق بين الصلاة والحج الواردين في الروايات وبين الصوم الذي نتكلم عنه في المقام فضلاً عن العتق والاطعام الذين فيهما جنبة مالية, هذا الكلام في الصغرى.

أما الكبرى (كل دين يجوز التبرع به) والذي ينفعنا في المقام التبرع به عن الحي والدليل على الكبرى رواية الخثعمية المتقدمة لأن النبي صلى الله عليه واله قال فيها (دين الله احق).

وقد نوقش في كلتا المقدمتين أما النقاش في الصغرى فهو أن الدين عندما يطلق يفهم منه الدين المالي وهو عبارة عن المال الكلي الثابت في ذمة شخص لشخص آخر لأي سبب من الاسباب (كالبيع والقرض وغير ذلك).

نعم اطلقت بعض الروايات الدين على الصلاة والحج لكن من الواضح أن الحج والصلاة وامثالهما واجبات الهية وليس ديوناً والمجعول فيهما هو التكليف والوجوب, بينما الدين حكم وضعي ليس المجعول فيه اولاً وبالذات التكليف نعم قد يترتب عليه التكليف من وجوب الاداء وغير ذلك لكنه حكم وضعي لثبوت شيء في ذمة شخص لشخص آخر, بينما الحج والصوم والصلاة امور تكليفية والمجعول فيها التكليف الالهي ففي باب الصلاة يفهم من الادلة أن هذه الصلاة واجبة على المكلف بمعنى انت مكلف بها ولا يفهم من الدليل (اقيموا الصلاة) بجعل الصلاة في ذمة المكلف لله سبحانه وتعالى على نحو يكون الله سبحانه وتعالى دائناً ويكون المكلف مديناً على غرار الدين المالي _ وان ادعى ذلك السيد الحكيم (قد) _ كما هو الحال في الآمر العرفي عندما يكلف عبده بسقيه ماءً فأنه لا يفهم منه أنه يجعل ذلك في ذمته بحيث يصبح الآمر دائناً والمأمور مديناً.

إذن الدين هو الدين المالي ومن هنا يكون اطلاق بعض النصوص الدينَ على الحج أو الصلاة مبنياً على شيء من المسامحة ولا ضير في ذلك بأعتبار أن كل منهما يجب الخروج عن عهدته وبهذا الاعتبار والمشابهة من هذه الجهة لعل الشارع _والله العالم_ اطلق عليها دين وليس مقصود الرواية أن الصلاة دين انها دين على غرار ما يثبت في الذمة من الامور ا لمالية, من هنا يتضح عدم تمامية الصغرى.