37/02/02


تحمیل

الموضوع: الصوم, كفارة الافطار, مسألة, 21,22.

لم يقبل السيد الخوئي (قد) مسألة التهاون التي ذكرها السيد الماتن وقال _بعد إن ذكر عدم تمامية هذا الأمر_ (أما تحديد التأخر بعدم التهاون فلعدم الدليل عليه، بل العبرة في مقدار التأخير أن لا يصل إلى حد لا يطمأن معه بأداء الواجب نظرا إلى أن التكليف بعد أن صار فعليا وبلغ حد التنجز وجب الاطمئنان بالخروج عن عهدته قضاء لحكم العقل بأن الاشتغال اليقيني يستدعي البراءة اليقينية ، فلا بد من اليقين أو ما في حكمه من الاطمئنان بحصول الامتثال أما فعلا أو فيما بعد ، وأما لو لم يطمئن بذلك فاحتمل العجز لو أخر وجبت المبادرة حينئذ ولم يسغ له التأخير لما عرفت من حكومة العقل بلزوم احراز الطاعة للتكليف المنجز)[1]

ثم قال (قد) (فالعبرة بالاطمئنان دون التهاون وكان عليه ( قده ) أن يعبر هكذا " نعم لا يجوز التأخير إلا مع الاطمئنان من الأداء ")

اقول يمكن أن يلاحظ عليه:

اولاً: أن حرمة التهاون ليس حرمة شرعية لكي نلتمس لها دليلاً شرعياً فهي حرمة ثابتة بحكم العقل, ولا معنى لنفيها بذريعة عدم الدليل الشرعي عليها.

وثانياً: أن ما ذكره يمكن أن يرجع إلى نفس ما ذكره السيد الماتن لأنه في حالة عدم وجود اطمئنان بالأداء (كما لو احتمل العجز عن الاداء لو أخر) فأن هذا نوع من التهاون فالمكلف الذي تنجز عليه التكليف واخر الامتثال إلى أن يزول عنه الاطمئنان بالأداء ولم يبادر إليه فأن هذا نوع من التهاون, وحينئذ يكون نفس المطلب الذي ذكره السيد الماتن وليس شيئاً آخر, فأن المكلف مادام عنده اطمئنان بالأداء فأنه غير متهاون, لكن اذا زال الاطمئنان وصار الظن بالعجز أو احتمال ذلك فأنه يكون حينئذ متهاوناً بالأمر الشرعي, ومنه يظهر أن البقاء على ما ذكره السيد الماتن في محله.

قال الماتن

مسألة 23 : (إذا أفطر الصائم بعد المغرب على حرام من زنا أو شرب الخمر أو نحو ذلك لم يبطل صومه وإن كان في أثناء النهار قاصدا لذلك)[2]

لأن الواجب عليه هو الامساك في نهار شهر رمضان, وتناول الطعام يكون مفطراً له عندما يكون في نهار شهر رمضان سواء كان محللاً أو محرماً, أما تناول المحلل أو المحرم بعد الغروب لا يضر بصحة الصوم.

وكذلك لا يضر قصده ذلك _تناول المحرم بعد الغروب_ اثناء النهار, لأنه ليس من قصد المفطر, لكي يكون موجباً لبطلان الصوم.

قال الماتن

مسألة 24 : (مصرف كفارة الاطعام الفقراء إما باشباعهم وإما بالتسليم إليهم كل واحد مدا والأحوط مدان . من حنطة أو شعير أو أرز أو خبز أو نحو ذلك ولا يكفي في كفارة واحدة اشباع شخص واحد مرتين أو أزيد أو اعطاؤه مدين أو أزيد بل لا بد من ستين نفسا . نعم إذا كان للفقير عيال متعددون ولو كانوا أطفالا صغارا يجوز اعطاؤه بعدد الجميع لكل واحد مدا(

هذه المسألة تتضمن عدة فروع:

الفرع الاول: من هو مصرف الكفارة؟؟ فالسيد الماتن قال بضرس قاطع (مصرف كفارة الاطعام الفقراء) والحال انا اذا راجعنا الروايات لم يذكر فيها الفقير اطلاقاً وإنما المذكور فيها المسكين, فهل يرى السيد الماتن عدم وجود اختلاف بين مفهوم الفقير والمسكين؟؟

فالفقير: هو الذي لا يملك قوت سنته, وكأن السيد الماتن يرى أن المسكين كذلك.

وهذا التحول من المسكين المذكور في الادلة إلى الفقير صار محل بحث, فالفقهاء بنوا على عدم الفرق بين المسكين والفقير حتى شاع بأن المسكين والفقير اذا اجتمعا افترقا واذا انفردا اتفقا وفي محل كلامنا انفردا لأن المذكور هو المسكين فقط وقد اجتمعا في اية الزكاة {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }[3]

وذكروا اقوالاً في هذه المسألة:

الاول: انهما( الفقير والمسكين) مترادفان ونسب إلى جماعة منهم المحقق الحلي وعلى هذا الاساس جعل المحقق الحلي اصناف الزكاة سبعة لا ثمانية.

الثاني: انهما متغايران مفهوماً ومصداقاً وهو منسوب إلى صاحب المدارك.

الثالث: متغايران في حالة الاجتماع ومتحدان في حالة ا لافتراق, مع كون الفقير اسوأ حالاً من المسكين.

الرابع: متغايران في حالة الاجتماع ومتحدان في حالة ا لافتراق, مع كون المسكين اسوأ حالاً من الفقير.

وقد ذكر في لسان العرب (والمِسْكينُ والمَسْكِين ؛ الأَخيرة نادرة لأَنه ليس في الكلام مَفْعيل : الذي لا شيء له ، وقيل : الذي لا شيء له يكفي عياله ....والفرق بين المِسْكين والفقير مذكور في موضعه ، وسنذكر منه هنا شيئاً ، وهو مِفْعيل من السكون ، مثل المِنْطيق من النُّطْق .

قال ابن الأَنباري : قال يونس الفقير أَحسن حالاً من المسكين ، والفقير الذي له بعض ما يُقيمه ، والمسكين أَسوأُ حالاً من الفقير ، وهو قول ابن السكيت......وروي عن الأَصمعي أَنه قال : المسكين أَحسن حالاً من الفقير ، وإليه ذهب أَحمد بن عُبَيْد ، قال : وهو القول الصحيح عندنا لأَن الله تعالى قال : أَمَّا السَّفِينة فكانت لمساكين ؛ فأَخبر أَنهم مساكين وأَن لهم سَفينة تُساوي جُمْلة ، وقال للفقراء الذين أُحصِروا في سبيل الله لا يستطيعون ضَرْباً في الأَرض : يَحْسَبهم الجاهلُ أَغنياءَ من التَّعَفُّف تعْرفهم بسِيماهم لا يَسْأَلون الناس إلحافاً ؛ فهذه الحال التي أَخبر بها عن الفقراء هي دون الحال التي أَخبر بها عن المساكين.)[4]

ولم يتعرض إلى احتمال اتحاد المفهومين والذي يظهر منه أنه فارغ عن اختلافهما مفهوماً, والترادف المفهومي الذي ذهب إليه المحقق لعله ليس مقصوده الترادف المفهومي وإنما الترادف المصداقي من قبيل اسماء الله سبحانه وتعالى حيث انها تختلف مفهوماً فالخالق غير الرازق لكنهما من حيث المصداق متحدان, ومن البعيد جداً أن نفترض أن المحقق يريد الترادف المفهومي, بأعتبار أن الفقير مأخوذ من الفقر بمعنى الحاجة والمسكين مأخوذ من المسكنة بمعنى الخضوع والذلة وهذا يعني وجود التباين بين المفهومين فالذلة شيء والحاجة شيء آخر, والذي يبدو أن التغاير المفهومي بينهما واضح ولذا نقلوا عن المحقق التراجع عن قوله هذا في النافع و المعتبر ورتب على تراجعه اثراً حيث جعل اصناف الزكاة ثمانية.

وهذا البحث الذي ذكروه (أن الاختلاف بين الفقير والمسكين في المعنى المفهومي والمصداقي أو خصوص المفهومي ) هل يختص بصورة اجتماعهما أو يشمل صورة افتراقهما ايضاً, أي يختلفان مفهوماً حتى في صورة الانفراد.

فالرأي الاول يقول بأن الاختلاف المفهومي يختص بصورة اجتماعهما, كما في اية الزكاة, وأما في صورة الانفراد فيدلان على معنى واحد وهو من لا يملك قوت سنته كما في محل الكلام, وقد ادعي الاجماع على هذا المطلب, ولم يتعرض اللغويون إلى هذا البحث (أن اجتمعا افترقا وان افترقا اجتمعا) وظاهر كلامهم انهما مختلفان مفهوماً مطلقاً (في صورة الاجتماع والافتراق), ومسألة الاجماع فيها تشكيك بل التشكيك حتى في وجود الشهرة, والمهم في المقام البحث عن الاسوئية, والذي يبدو من خلال مراجعة كلمات اللغويين أن المسكين اسوأ حالاً من الفقير خصوصاً في امثال المقام مما وقع فيه المسكين موضوعاً لوجوب الانفاق والاطعام, وذلك لأن مناسبات الحكم والموضوع تقتضي أن يكون الموضوع ليس هو المسكين من حيث كونه مسكيناً ( الذي يعني الخضوع والذلة) حتى اذا كان غنياً, فلا يقبل العرف أن يكون معنى اطعم ستين مسكيناً يعني المسكين بمعنى الخضوع والذلة حتى لو كان غنياً, فقيد الحاجة دخيل في هذا الموضوع الذي وقع موضوعاً لوجوب الانفاق, فالغرض من وجوب الانفاق هو سد الحاجة والغرض من وجوب الاطعام هو رفع الجوع ومن هنا تكون مناسبات الحكم والموضوع على الاقل في محل كلامنا _ وان كان بشكل عام يبدو أن المسكين اسوأ حالاً من الفقير_ لابد أن نقول بأن المسكين الذي اُخذ موضوعاً لوجوب الانفاق هو الذي يكون محتاجاً وحاجته هي التي تكون موجبة لصيرورته خاضعاً وذليلاً, فالحاجة معتبرة والمسكنة معتبرة ايضاً, ولو كانت الحاجة معتبرة لوحدها في كفاية الاطعام في الكفارة لقال الفقير, وهذا الكلام لا ينطبق على مفهوم الفقير الذي لا يملك قوت سنته فلو فرضنا بأن قوت سنته كان يساوي الف دينار وهو يملك تسعمائة فأنه فقير شرعاً لكنه لا يصدق عليه بأنه مسكين, هذا هو ظاهر الادلة ولكن الاخذ بهذا الظاهر يوقعنا في مشكلة وهي لابد من البحث عن المسكين لإعطائه الكفارة ولا يكفي الفقير كما يقول السيد الماتن بأن مصرف الكفارة هو الفقير, وقد ذهب العلماء إلى كفاية دفع الكفارة إلى الفقراء, نعم استشكل العلامة في القواعد في كون مصرف الكفارة هو الفقراء, ومن هنا حاول من يلتزم بهذا وينصر رأي المشهور أن يستدل على كفاية الدفع إلى الفقير وان لم يكن مسكيناً بدعوى وجود بعض الروايات الدالة على كفاية الحاجة في دفع الكفارة إليه, وقد استدل كل من السيد الحكيم (قد) و السيد الخوئي (قد) برواية على جواز دفع الكفارة إلى الفقير وعدم لزوم دفعها إلى المسكين والرواية هي موثقة إسحاق ابن عمار (قال : سألت أبا إبراهيم ( عليه السلام ) عن إطعام عشرة مساكين أو إطعام ستين مسكينا أيجمع ذلك لانسان واحد يعطاه ؟ قال : لا ، ولكن يعطي إنسانا إنسانا كما قال الله تعالى ، قلت : فيعطيه الرجل قرابته إن كانوا محتاجين ؟ قال : نعم)[5]

والاستدلال بهذه الرواية على كفاية الدفع إلى الفقير يكون بأعتبار انها ظاهرة في كفاية مجرد الحاجة في كونه مصرفاً للكفارة والحاجة تعني الفقر, وليس في الرواية قيد آخر غير الحاجة.

تأمل بعضهم في هذا الاستدلال بأن يقول أن السؤال في الرواية لو كان عن كفاية الحاجة واجابة الامام علية السلام بهذا الجواب (نعم) لأمكن التمسك بأطلاق كلامه لكفاية مطلق الحاجة, أو يسأله مثلاً عن المستحق للكفارة ويجيبه الامام عليه السلام بأن المستحق هو المحتاج, لأمكن اثبات هذا المطلب بذلك ايضاً, لكن السؤال الذي وقع في الرواية لم يكن كذلك وإنما وقع بصورة (فيعطيه الرجل قرابته إن كانوا محتاجين ؟) واجاب الامام عليه السلام بنعم وهذا الكلام اذا اردنا الاستفادة من اطلاقه, يمكن استفادة جواز الدفع إلى هؤلاء الاقرباء أن كانوا محتاجين, أي نستفيد منه كفاية الحاجة الموجودة في هؤلاء الاقرباء, ولا نستطيع الاستفادة منه كفاية الحاجة مطلقاً حتى في غير هؤلاء الاقرباء, فلعل هؤلاء كانوا واجدين لبعض الصفات وبعض الخصوصيات التي تكون معتبرة في مصرف الكفارة وهذا يعني أن مجرد الحاجة لا تكفي, ولا يمكن التمسك بأطلاق الرواية لأثبات كفاية مطلق الحاجة.

ويمكن التأمل في هذه المناقشة.