36/11/27


تحمیل

الموضـوع:- مسألة ( 16 ) - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.

ووافق السيد الخوئي السيد اليزدي حيث ذهب إلى الحرمة ولكن لا لبيان السيد اليزدي بل لبيانٍ أخر سنشير إليه فميا بعد.

فإذن يوجد رأيان في المسألة ، الأوّل عدم الجواز وهو ما ذهب إليه السيد اليزدي والسيد الخوئي، والثاني هو الجواز وقد ذهب إليه السيد الخميني.

وربما اختار بعض الفقهاء الراي الأوّل - أي عدم الجواز - مع التصعيد وقال:- حتّى لو فرض أنّه يوجد صبيّ يرسم فأنت أيها الكبير يلزمك أن تردعه ، فليس فقط أنّه يحرم عليك طلب الرسم منه ، بل لو رسم هو من دون أن تطلب منه فعليك أن تردعه.

وذهب إلى هذا الشيخ جعفر كاشف الغطاء(قده) على ما حكى عنه تلميذه صاحب الجواهر(قده) حيث ذكر من نصّه:- ( بل لعلّه لا بأس بعدم منع الصبيان ونحوهم ممّن هو غير مكلّف عن العمل أيضاً للأصل وغيره لكن في شرح[1] الأستاذ أنّ القول بوجوب المنع لا يخلو من قوّة )[2] .

وهذا تصعيدٌ للهجة وإفراط لا داعي إليه ، وهو يبتني على أنّ هذا شيءٌ مبغوضٌ شرعاً من أيّ أحدٍ وبأيّ شكلٍ كما لو فرض أنّ الطفل أراد أن يسرق فهنا يلزم أن ننهاه لأنّ أصل وجود السرقة مبغوضٌ ، فنقول أحدها التصوير مثلاً.

وإذا سلّمنا بهذه الصغرى فالحقّ كما قال ، فكما يلزم أن ننهاه عن السرقة يلزم أن ننهاه عن الرسم.

ولكن دون ذلك خرط القتاد.

وأمّا التعليق والمناقشة فنقول:-

أمّا بالنسبة إلى رأي السيد اليزدي(قده) فالتعليق عليه واضح حيث يقال:- من أين لك هذا ؟ فإننا بالوجدان لا نشعر بأنّه يصدق عليه أنّه ( صوّر ) ، فحتى لو أكرهته فأنا المـُكرِه لا يصدق عليَّ عرفاً أني صوّرتُ ، وإنما الذي صوّر هو الشخص المــُكرَه غايته أنّه صوّر عن إكراهٍ لا عن اختيار.

ولكن توجد للسيد اليزدي(قده) إضافة لعلّه يتغلب بها على ما أشرنا إليه حيث ذكر أنّ المـُكرِه يصدق عليه أنّه صوّر ( ولو بضمّ ملاحظة مناط الحكم ).

أقول:- لعلّ مقصوده من مناط الحكم هنا هو المبغوضيّة ، فإنّ التصوير مبغوضٌ وهو نكتة الحكم بالحرمة ، أمّا لماذا هو مبغوضٌ ؟ فهذه قضية ثانية - فهو إما للتشبّه بالخالق أو غير ذلك - ، ، فإذا لاحظنا مسألة المبغوضيّة فحينئذٍ سوف يصدق عليه ذلك.

ولكن نقول:- نحن نسلّم بالمبغوضيّة في حقّ من ينتسب إليه التصوير بالمباشر والاختيار ، كما إذا أخذت القلم وقمت بالرسم مباشرةً واختياراً فهنا توجد مبغوضيّة وإلّا فلماذا نهى الشرع ، أمّا أنّ المبغوضيّة وسيعة حتى لغير المباشر - يعني للمُكرِه - فالمبغوضيّة تكون ثابتة في حقّه هو أوّل الكلام لأنّه ليس بمباشرٍ.

بل حتى في المــُكرَه فإنَّه وإن باشر ولكنّه ليس مختاراً ، فأصل المبغوضيّة الشرعية في حقّ المـُكرِه لا نجزم بثبوتها لأجل أّنه لم يباشر ، نعم هو محتملٌ ولكن لا جزم لنا بذلك.

هذا مضافاً إلى أنّه قال:- إنّه لو لاحظنا الحكم فسوف يصدق عليه أنّه صوّر.

ولكن هذا شيئاً ثانياً ويمكن أن يعلّق عليه بأنّ نقول:- سلّمنا أنّه مبغوضٌ من المـُكرِه ، أمّا أنّه سوف يصدق عليه أنّه صوّر بسبب المبغوضية فمن أين لك هذا ، فإنّ هذا ليس له ربط بذاك ؟!!

إذن ما أفاده واضح التأمّل.

ورب قائل يقول:- لماذا لا نربط مسألتنا هذه بمسألةٍ أخرى هو أنّ السبب هل هو أقوى من المباشر أو لا ؟ فبناءً على فكرة أنّ السبب أقوى من المباشر يتم ّما أفاده السيد اليزدي(قده) وأمّا بناءً على إنكار ذلك فلا يتمّ ؟

والمقصود من السبب في مقامنا هو المـُكرِه والمباشر هو المـُكرَه ، فإذا بنينا على فكرة أنّ السبب أقوى من المباشر يكون الفعل حينئذٍ ينتسب إلى المـُكرِه ؟

قلت:- المهمّ ليس هو أنّ السبب أقوى من المباشر أو لا فإنّ هذا لا يؤثر شيئاً ولا قيمة علميّة له ، بل المهم هو أنّ المـُكرِه الذي هو السبب يصدق عليه أنّه صوّر أو لا ؟ أمّا أنّ السبب أقوى من المباشر أو ليس بأقوى فهذا لا يؤثر ، فحتى لو فرض أنّه كان أقوى ولكن لا ينتسب إليه ( صوّر ) عرفاً فهل ينفعنا شيء ؟!! إنّه لا ينفعنا شيئاً ، بل الذي ينفع وهو أنّه يصدق عليه ( صوّر ) أو لا سواءً قلنا أنّ السبب أقوى من المباشر أو لا.

إذن ربط مسألتنا بمسألة السبب أقوى من المباشر لا وجه له فإنّ هذه المسالة مجرّد ألفاظ لا سند علمي لها ، والمهم أن نلاحظ أنّ هذا المـُكرِه يصدق عليه أنّه صوّر أو لا فإن صدق ثبتت حينئذٍ الحرمة في حقّه سواء بنينا على أنّ السبب اقوى من المباشر أو لا ، وإذا لم يصدق فلا حرمة في حقّه ولا عقوبة سواء فرض أنّنا بنينا على أنّ السبب أقو ى من المباشر أو لا.

وأمّا ما أفاده السيد الخميني(قده)[3] فنقول:- إنّ نفس تعليقنا على كلامه في الصورة الفوتوغرافية - حيث قال هناك إنّ صاحب الكاميرا هو لم يصوّر لأنّه لم يمسك القلم ويرسم الشخص وإنما أوجد الصورة ، وهنا أراد أن يطبّق هذا المطلب أيضاً فقال إنّ عنصر المباشرة ليس موجوداً فلا يصدق عليه أنّه صوّر - يأتي هنا حيث قلنا إنّ قياس موردنا على ( كتب ) قياسٌ مع الفارق ، فإنه في باب ( كتب كتاباً ) يوجد كتابٌ في الخارج من قبل المؤلف وهو يقدّمه إلى صاحب المطبعة ، فصاحب المطبعة لا يصدق عليه أنّه كتب الكتاب لأنّ الكتاب قد كُتِبَ وانتهى وإنما هو يكثّر النسخ فذلك نقول هو أوجد الكتاب أو طبع الكتاب لا أنّه كتب الكتاب ، وهذا بخلافه في مثال الصورة فإنّها ليست موجودة في البداية وإنّما هذا الشخص أوجدها وصوّرها فيصدق عليه أنّه أوجد الصورة كما يصدق عليه أيضاً أنه صوّرها ، وعلى هذا الأساس لا يعتبر عنصر المباشرة باليد بل يكفي الجهاز.


[1] أي في شرح القواعد للشيخ جعفر كاشف الغطاء.
[3] وكان من المناسب فنياً أن ذكر كلام السيد الخوئي ومناقشته مع كلام السيد اليزدي لأنهما يتفقان في الرأي ولكن أخرته بعد مناقشة كلام السيد الخميني لأجل وجود وقفة طويلة لنا معه.