36/12/01


تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 16 ) - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
ويرد عليه:-
أمّا بالنسبة إلى البيان الأوّل فيرد عليه:- إنّه ماذا يقصد من ذلك ؟ فهل يقصد أنّ ( لا تشرب النجس ) يشمل عرفاً الشخص المسبِّب ونطبّقه على هذا الذي يقدّم النجس، أو تريد أن تطبقه على الذي يباشر الشرب - وهو الجاهل - ؟
فإن أردت تطبيقه على الأوّل - أي المسبِّب - فهذا عرفاً لا يقال له ( شرب ) و ( يشرب ) بل لعلّ الشرب لا ينتسب إليه حتى مجازاً فلا معنى لأن نطبّقه على الشخص المسبِّب فإنّه لا ينتسب إليه الشرب حتى بنحو المجاز.
وإذا أردت تطبيقه على الطرف الثاني الذي يباشر الشرب فهذا له وجاهة فإنّ ذاك يزاول شرب النجس فمن الوجيه أن يقال له لا تشرب.
ولكن يمكن أن يقال:-
أوّلاً:- إنّ النهي يختصّ بالحصّة العصيانيّة وهذا ليس عاصياً لأنّه جاهل.
ثانياً:- لو سلّمنا أنّه يشمل حتى الحصّة غير العصيانيّة ولكن هذا لا ينفعك لأنّ كلامنا هو في إثبات الحرمة في حقّ المسبِّب وليس في حقّ المباشر.
ثم إنّه قياس مقامنا على مثال ( لا تدخل عليَّ أحداً هذا اليوم ) في غير محلّه لأنّه في هذا المثال فحينما قال المولى ( لا تدخل عليَّ أحداً هذا اليوم ) فهمنا من الخارج أنّ المولى ليس له حالٌ فلا يريد أن يدخل عليه أحد بأيّ شكلٍ من الإشكال وإذا أراد أحدٌ أن يدخل فلابد لك أيها أن يمنعه رغم أنّك لم تسبّب لأنّك تعرف أنّ المولى يبغض الدخول عليه، وهذه قضية ثانية ولا تقس موردنا على هذا المثال فإن فيه قرينة خاصّة.
وأمّا بالنسبة إلى البيان الثاني:- يعني أنّ حديث الرفع يرفع المنجزيّة دون المبغوضيّة ودون الحرمة الواقعيّة فالتسبيب إلى الحرام أو النجس تسبيبٌ إلى الحرام الواقعي وهو لا يجوز وهذا البيان قد يظهر من بعض عبائر السيد اليزدي[1]- فنحن نقول في مقام الجواب:- صحيحٌ أنّ الحرمة الواقعيّة موجودةٌ والذي ارتفع هو التنجّز والتسبيب هذا هو تسبيب إلى الحرام الواقعي، ولكن الذي القبيح جزماً هو التسبيب إلى المبغوض الواصل إلى درجة التنجّز والتسبيب إلى الحرام الواصل إلى درجة التنجّز، أمّا الذي لم يصل إلى تلك الدرجة فمن قال إنّه مبغوضٌ وقبيح ولا يجوز فإنّ هذا أوّل الكلام.
إذن كِلا البيانين قابلان للمناقشة.
وبهذا اتضح أنّ كِلا الرأيين - أي الرأي الأوّل الذي ذهب إليه السيد اليزدي والسيد الخوئي والراي الثاني الذي ذهب إليه السيد الخميني - قابلان للمناقشة كما أوضحت.
والأنسب أن يفصّل بين حالة الإكراه فلا تجوز، وبين حالة الجهل أو حالة كون الطرف غير مكلّف لجهله أو لصغره أو لأمور أخرى فتجوز.
أما في حالة الإكراه:- بأن نفترض أن شخصاً بالغاً وعالماً وأنا أكرهه على الرسم، فهذا يمكن الحكم بحرمته، لكن لا لأجل ما أفاده السيد الخوئي(قده) - لا من أجل أنّه يُفهم عرفاً حرمة الانتساب مطلقاً أو أنَّ هذا تسبيبٌ إلى مبغوض المولى - بل ذلك لأجل أنّ الإكراه على الحرام حرامٌ، ولماذا كان الإكراه على الحرام حرام ؟
فلربّ قائلٍ يقول:- لنقل إنَّ الإكراه على الحرام ليس بحرامٍ باعتبار أنّه بالإكراه سوف ترتفع حرمة هذا الحرام، فالإكراه بالتالي لا يصير إكراهاً على الحرام بل هو إكراهٌ على غير الحرام لأنّ الحرمة قد ارتفعت بسبب الإكراه.
كلّا لا نقول بالحرمة لأجل أنّ الإكراه على الحرام هو بنفسه حرامٌ بذاته وإنما ذلك حرامٌ لاستفادته من أدلّة وجوب النهي عن المنكر، فإن الأدلّة المذكورة تقول من زاول الحرام كالرسم لصورة الحيوان فيلزمك أن تردعه وتنهاه، فإذا أراد رسم صورة حيوان علينا أن نمنعه من ذلك، وإذا أراد أن يشرب النجس وهو يعلم فيلزم أن ننهاه عن شربه، فإنّ النهي عن المنكر لازمٌ، فإذا كان يلزم أن أردع الشخص عن ارتكاب الحرام فحينئذٍ يُفهَم عرفاً أنّه لا يجوز لك أن تكرهه على الحرام - بالأولويّة أو من دون أولويّة - أو تشجيعه عليه أو غير ذلك فكلّه حرام.
وأمّا غير حالة الإكراه على الحرام:- بأنّ نفترض أنّ الطرف الثاني كان طفلاً أو مجنوناً أو جاهلاً بالموضوع - أي أنّ هذا رسم حيوان -، أو جاهلاً بالحكم – أيّ أنّ هذا رسم حيوان وهو لا يجوز - بحيث لا يصدق في حقّه عنوان المنكر ففي مثل هذا الحالة حرمة التسبيب - وفسح المجال له - أوّل الكلام باعتبار أنّه لا يوجد في حقّة منكرٌ حتى نستفيد من أدلّة النهي عن المنكر حرمة طلب فعل المنكر منه.
وإذا قلت:- إنّه توجد مبغوضية.
قلت :- المفروض أنّ المبغوضيّة ليست مبغوضيّة منجّزة في حقّه فيما إذا كان جاهلاً عن عذرٍ.
إذن لا يمكن التمسّك لإثبات الحرمة في حقّه لا من جهة أدلّة النهي عن المنكر ولا من جهة المبغوضيّة.


[1] السيد اليزدي، ص20 في الامور التي ذكرها.