36/08/22


تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 16 ) - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
ذهبنا في المسألة السابقة إلى الاحتياط الوجوبي في مسألة التصوير والرسم أو التجسيم.
ودائرة هذا الاحتياط الوجوبي هو التصوير بنحوٍ أعم من النقش أو التجسيم ولكن لخصوص ذي الروح، ومنشأ هذا الاحتياط أمران:-
الأمر الأوّل:- رواية محمد بن مروان المدعومة برواياتٍ ثلاث، فهي وإن كانت محلّ إشكالٍ سنداً من حيث محمد بن مروان ولكن لأجل أنّها مدعومة بنفس المضمون برواياتٍ ثلاث فهي تصلح آنذاك للاحتياط الوجوبي، ودائرتها هو الحيوان - أي من صوّر صورة حيوان - وهو وإن كان ظاهراً في النقش والرسم ولكن بالأولويّة العرفية يثبت ذلك للتجسيم.
الأمر الثاني:- الاجماع أو عدم الخلاف بين الفقهاء على أنّ تجسيم ذي الروح محرّمٌ، نعم لو أردنا أن نتساير مع الاجماع لكان من المناسب الاقتصار على التجسيم لأنّ هذا هو محلّ الاجماع والاتفاق دون النقش، ولكن لأجل رواية محمد بن مروان عمّمنا الاحتياط للنقش والرسم أيضاً.
ونلفت النظر إلى أنّه لو كنّا نتساير بالشكل الذي سار عليه الشيخ أعظم(قده) ومن حذى حذوه فإنه لم يأخذ كلّ ورايةٍ ويناقش في دلالتها كما نحن صنعنا بل هو ارتأى تماميّة دلالة الروايات والذي شغل باله - ومن حذى حذوه - هو أن دائرة الحرام ما هي - يعني ماذا يستفاد من الروايات - أما أصل الدلالة على الحرمة فهو مسلّم لذلك ولم يناقشوا في الروايات وإنما ناقشوا وتأمّلوا وفصّلوا في دائرة الحرام، ونحن لو كنّا نسير ذلك المسير ولم نناقش في دلالة الروايات على الحرمة ماذا كانت النتيجة ؟ إنّ النتيجة هي النتيجة لا تتغير، فإنّ الروايات وإن فرض فيها ما يشتمل على الاطلاق - كما كان بالفعل - تدلّ على تحريم أيّ تصوير بحيث يشمل ذي الروح وغير ذي الروح وبنحو التجسيم وبنحو الرسم وما شاكل ذلك ولكن لابد من تقييد هذا الاطلاق بالرواية الأولى من الروايات المتقدّمة أعني بذلك صحيح محمد بن مسلم حيث جاء فيها:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن تماثيل الشجر والشمس والقمر، فقال:- لا بأس ما لم يكن شيئاً من الحيوان ) [1]، إنّها قيّدت البأس بالحيوان - يعني بذي الروح - وظاهرها النظر إلى التصوير - أي الرسم - بقرينة الشمس والقمر وبالأولويّة تشمل التجسيم.
إذن لو أردنا أن نسير على ما سار عليه الشيخ الأعظم(قده) فالنتيجة لا تتغيّر غايته إذا سرنا ذلك المسير كان علينا أن نفتي بنحو الجزم دون الاحتياط، أمّا حينما تركنا ذلك المسير وصرنا إلى ما سرنا إليه فلابد من القول الاحتياط الوجوبي دون الفتوى.
وهناك استدراكٌ يرتبط بما أشرنا إليه قبل رواية محمد بن مروان والتي كان فيها الحسن بن راشد والتي كانت جزء من حديث الأربعمئة والتي كان سندها في الاختصاص كالتالي:- ( الصدوق عن والده عن سعد بن عبد الله عن محمد بن عيسى بن عبيد عن القاسم بن يحيى عن جدّه الحسن بن راشد عن أبي بصير ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام ) هذه الرواية ذكرناها فيما سبق.
وعندي عليها ثلاث استدراكات:-
الاستدراك الأوّل:- ذكرنا أنّ هذا السند لا مشكلة فيه إلّا من ناحية القاسم بن يحيى حفيد الحسن بن راشد أمّا الحسن بن راشد فهو ثقة أو أن أمره سهل . ولكن نستدرك ونقول:- إنّ الحسن بن راشد أيضاً يستحقّ التوقّف والتأمل فإنّه مشتركٌ بين الحسن بن راشد المكنّى بأبي عليّ وقد يرد في أسناد الروايات باسم أبي عليّ بن راشد وأسمه الحسن بن راشد وهذا ثقة قد وثّقه الشيخ في رجاله وهو من أصحاب الإمام الهادي والجواد عليهما السلام، ولكن يوجد الحسن بن راشد آخر وهو الذي يروي عنه حفيده كثيراً والذي هو من أصحاب الإمامين الصادق والكاظم عليهما السلام وهذا لم يوثق، نعم هو قد ورد في أسانيد كامل الزيارات وتفسير القمّي وبناءً على كبرى وثاقة من ورد في أسانيد الكتابين المذكورين لا مشكلة فيه، ولكن نحن نرفض تلك الكبرى، وهذا الرجل هو يروي عن أبي بصير عن أبي عبد الله ويروي حفيده عنه وهذه قرينة على كونه ليس هو أبو عليّ بن راشد، وهذا الشخص لم يذكر بتوثيق فهو محلّ تأمل - يعني الأمر فيه يكون على المباني -، ولكنّ هذا لا يؤثر في الموقف شيئاً لأنّ حفيده لم يوثّق.
الاستدراك الثاني:- ذكرنا أنّ القاسم بن يحيى الذي هو حفيد الحسن بن راشد لم يرد في حقّه توثيق، ولكن الصدوق في الفقيه ذكر زيارةً للحسين عليه السلام وقال في آخرها:- ( هذه الزيارة رواية الحسن بن راشد عن الحسين بن ثوير عن الصادق ) [2]ثم قال بعد ذلك ( قد أخرجت في كتاب الزيارات وفي كتاب مقتل الحسين أنواعاً من الزيارات واخترت هذه لهذا الكتاب لأنها أصحّ الزيارات عندي من طريق الرواية ) . فإذن هو حكم عليها بأنّها أصحّ الروايات، وربما يستفاد من تصحيح الصدوق لهذه الرواية والحال أنّ في الطريق القاسم بن يحيى أنّه يوثقه.
وأنا قلت فيما سبق:- إنّ القاسم بن يحيى لم يذكره الصدوق وإنما قال:- ( واخترت هذه لهذا الكتاب لأنها أصحّ الزيارات عندي ) وهو رواها عن عليّ ابن إبراهيم عن الحسين ولم يقل القاسم بن يحيى عن جدّه، وقلت إنَّ السيد الخوئي(قده) ذكر القاسم بن يحيى في الطريق والحال أنّه ليس موجوداً في الفقيه.
والآن استدرك وأقول:- إنّ السيد الخوئي(قده) حينما قال إنَّ في الطريق القاسم بن يحيى مقصوده هو أنّه في طريق الصدوق إلى الحسن بن راشد في المشيخة وليس هنا في الزيارة، يعني أنَّ الشيخ الصدوق حينما يروي الرواية عن الحسن بن راشد ما هو طريقه ؟ إنّه ذكره في المشيخة وإذا راجعنا المشيخة[3] نجده يقول:- ( وما كان فيه عن الحسن بن راشد فقد روايته عن أبي رضي الله تعالى عنه سعد بن عبد الله وأحمد بن محمد بن عيسى وإبراهيم بن هاشم جميعاً عن القاسم بن يحيى عن جدّه الحسن بن راشد ).[4]
إذن الصدوق حينما يروي شيئاً عن الحسن بن راشد فالواسطة إلى الحسن بن راشد هو القاسم بن يحيى، وقصود السيد الخوئي(قده) في الطريق يعني في الطريق المذكور في الشيخة لا أنّه ذُكِر عند الزيارة، فصحيحٌ أنّه عند الزيارة قال ( هذه أصحّ الزيارات رواها الحسن بن راشد عن الحسين بن ثوير ) ولم يقل القاسم بن يحيى عن جدّه الحسن بن راشد عن الحسين بن ثوير ولكن كيف يروي الصدوق عن الحسن بن راشد ؟ إنّه يوجد عنده طريقٌ في المشيخة يوجد فيه القاسم بن يحيى.
الاستدراك الثالث - وهو تنبيه -:- قلت فيما سبق إنّ تصحيح الشيخ الصدوق(قده) لطريقٍ لا يدلّ على أنّه يوثّق رجال السند بل لعلّ الحكم بالصحّة هو لنكاتٍ أخرى يبني عليها لا مسألة التوثيق، فالتصحيح في الزمان المتقدّم ليس من المعلوم أنّه بمعنى الصحّة في زماننا، فالصحّة في زماننا هي مصطلحٌ صار للروايات التي في سندها ثقات عدولٌ إماميّة أمّا في ذلك الزمان فهو يعني الحجّة المعتبر الذي يجب العمل به أمّا لماذا يجب العمل به ؟ إنّ هذا نكاته مختلفة فقد يكون هو التوثيق وقد يكون هو الوثوق وقد يكون هو رواية بعض الأصحاب وقد يكون غير ذلك، فهناك موازين مختلفة لإثبات أنّ الخبر الحجّة ما هو، فهناك إجابات متعدّدة وقد أشرنا إليها في كتابنا دروس تمهيدية في القواعد الرجالية، فلعلّ الصدوق(قده) لا يريد أن يقول بالتوثيق ولذلك قلت بالمناسبة أنّه في مقدّمة الفقيه هو قال ( لا أخرج فيه إلا ما أعتقد بصحته ويكون حجّة بيني وبين ربي وأحكم به ) ولكن مع ذلك قلنا هذه العبارة لا تدلّ على التوثيق فلعلّه لنكاتٍ ولقرائن ولموازين لو اطلعنا عليها لرفضناها، ونفس الشيء يأتي هنا، ثم قلنا إنَّ هذه قضية واضحة والسيد الخوئي(قده) حينما ذكرها هو لم يذكر ذلك لإثبات توثيق القاسم بن يحيى وإنما بيّن هذا المعنى وهو أنّه قد عبّر الصدوق بــ ( أصح ) ولعله يستفاد شيء من ذلك لا أنّه يريد أن يثبت الوثاقة.
وقد يقول قائل:- إنّ السيد الخوئي(قده) قد حكم بالوثاقة وصرّح بذلك حيث قال:- ( ويؤيد وثاقته حكم الصدوق بصحة ما رواه في زيارة الحسين عليه السلام عن الحسن بن راشد وفي طريقه إليه القاسم بن يحيى )[5] [6]. فإذن هو حكم بأنّه ثقة لحكم الصدوق؟
والجواب:- إنّه عبر بعبارة ( ويؤيد ) ولم يقل ( ويدلّ ) وشتّان بين التعبيرين، فهو على مستوى التأييد وليس على مستوى الدلالة، وعلى هذا الأساس لا يمكن أن نستفيد من كلام السيد الخوئي(قده) أنّه يريد أن يقول إنَّ من موجبات ودلائل التوثيق حكم الصدق بالصحّة على سندٍ، كلّا بل هو في موارد متعدّدة يرفض هذا المبنى أشد الرفض.
بهذا انتهينا من النقطة الأولى من النقاط التي تشمل عليها مسألتنا والتي ثبت من خلالها أنّ التصوير محرّمٌ بنحو الاحتياط الوجوبي لخصوص ذي الروح وأوضحنا المستند لذلك أيضاً.