36/07/14


تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 15 ) - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
الحالة الأولى:- البيع بشرط الصرف في الحرام:-
قد نقل صاحب الجواهر(قده)[1] عدم الخلاف في الحرمة والبطلان، وذكر ذلك الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب فقال:- ( لا اشكال في فساد المعاملة فضلاً عن حرمته ولا خلاف فيه )[2].
بيد أنّ للسيد الماتن(قده) رأيان، ففي التقرير شكك في كلتا الحرمتين الوضعية والتكليفية[3]، وأمّا في متن المنهاج فقد ذهب إلى الحرمة التكليفيّة دون الوضعيّة، وهذه قضية لا بأس بالالتفات إليها، ولا نريد أن نسجّل ذلك كإشكالٍ وإنما بيان واقع، والغريب أنّه في متن المنهاج لم يصر إلى الحرمة التكليفية بلسان الاحتياط الوجوبي مثلاً حتى يتلاءم ما في التقريرين مع ما في المنهاج بل أثبت الحرمة التكليفيّة بنحو الفتوى.
وذكر الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب ثلاثة وجوه لإثبات الحرمة والفساد:-
الأوّل:- التمسّك بكبرى حرمة الاعانة على الإثم والعدوان.
الثاني:- حرمة أكل المال بالباطل.
الثالث:- خبر جابر - صابر[4] - وهو:- ( سالت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يؤاجر بيته فيباع فيه الخمر،قال:- حرام أجرته )[5]، وقد قرّب الشيخ الدلالة فقال إنّ مورد هذا الحديث هو أنه يؤاجر فيباع فيه الخمر فإمّا أن نفترض أنّ بيع الخمر فيه أخذ بنحو الاشتراط فقد ثبت المطلوب - يعني أنّ الاجارة باطلة مع الاشتراط -، أو أنه كان يعلم بذلك من دون اشتراط وحينئذٍ يثبت البطلان بالأولويّة.
إذن دلالته تامّة بالتقريب الذي أشرنا إليه ولكنّه خاصٌّ بالإجارة ولا ينفعنا في البيع.
وعلى أيّ حال نذكر الأدلة التي يمكن التمسّك بها لإثبات الحرمتين - أي في صورة اشتراط الحرام -:-
الدليل الأوّل:- حرمة الاعانة على الإثم والعدوان.
وهذه الكبرى لنفترض أنّها تامة الآن - فإنه سوف يأتي في بحثٍ مستقل نعقده لهذه القاعدة وأنها تامة أو لا ولكن لنفترض أنها تامّة -، وبناءً على ذلك هل يتم الاستدلال بآية ﴿ ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ﴾ أو لا ؟
يمكن أن يشكل على ذلك بما يلي:-
أوّلاً:- إنّ الاعانة على الإثم والعدوان لا تتحقّق بمجرد عقد البيع وإنما تتحقّق بالتمكين الخارجي سواءً اشترط الصرف بالحرام أو لا، والمهم هو العلم بالصرف في الحرام، فمتى ما مكّنت الشخص من العنب الذي أعلم أنه سوف يصرفه في الحرام فسوف يصدق حينئذٍ عنوان الإعانة على الإثم والعدوان أمّا مجرد البيع بما هو بيعٌ والتمليك بما هو تمليك ٌبهذا الاشتراط من دون تمكينٍ فلا يصدق عليه عنوان الإعانة على الإثم والعدوان.
إذن نفس البيع ونفس التمليك لا يمكن أن نقول هو حرام وإنما الحرام هو التمكين سواء فرض وجود تمليك أم لم يوجد، ونحن الآن بصدد إثبات أنّ البيع والتمليك بشرط الصرف في الحرام هو بنفسه حرام تكليفاً وقد اتضح أنّ نفس البيع بشرط الصرف في الحرام هو ليس إعانة على الإثم والعدوان وإنما تتحقق الاعانة بالتمكين الخارجي فإذا حصل التمكين الخارجي حصلت الاعانة على الاثم والعدوان سواء كان يوجد بيع أو لا، والاشتراط أيضاً ليس بمهم بل قلنا يكفي العلم فنفس التمليك لا يمكن الحكم بحرمته وإنما المحرّم هو تمكين الطرف من العنب ولو من دون تمليك مع العلم بصرفه في الحرام وهذه نكتة ظريفة يجدر الالتفات إليها.
ثانياً:- لو سلّمنا أنّ الإعانة تتحقق بالبيع ولكن نقول لا يمكن أن يثبت بذلك البطلان فإنّ الإعانة عنوانٌ ملازمٌ للبيع لا أنّه نفس البيع حتى يثبت بذلك بطلان البيع لأنّه بنفسه ليس إعانة.
ثالثاً:- نسلّم أنّ عنوان الإعانة ينطبق ومتّحد مع البيع فنفس البيع هو إعانة لا أنه ملازمٌ لها وبنفسه هو منهيّ عنه، ولكن كما هو واضح أنّ النهي في باب المعاملات لا يلازم البطلان.
إن قلت:- أوليس قد قرأنا أنّ النهي في باب المعاملات ظاهر في الارشاد إلى الفساد ؟! فإذن يمكن أن نثبت الفساد من خلال هذا الظهور الثانوي المدّعى في باب المعاملات.
قلت:- إنّ من يدّعي هذا الظهور لا يقول أنا استفيد الفساد من الحرمة التكليفيّة وإنما يقول إنّ النهي ابتداءً هو واردٌ لإثبات البطلان وأجنبيّ عن الحرمة التكليفية، فهو ظاهر في البطلان والفساد دون الحرمة التكليفيّة، هكذا يدّعى، ونحن في المقام نريد أن نثبت كلتا الحرمتين، وحينئذٍ يقال إنّه من الحرمة التكليفية لا يمكن أن تستفيد الفساد فإنّ الحرمة التكليفيّة في باب العبادات تقتضي الفساد لا في باب المعاملات.
رابعاً:- إنّ الشيخ الأعظم(قده) نفسه والذي استدل بهذا الدليل هو يبني على أنّ الشرط الفاسد ليس بمفسدٍ - لبيان مذكور في محلّه -، وبناءً على هذا سوف يكون هذا الشرط - أعني صرف الخشب في جعله صنماً مثلاً - فاسداً أمّا نفس البيع فليس بفاسد.
ولكنّي أستدرك واقول:- لا يبعد أن الشيخ الأعظم(قده) وإن ذهب إلى الحرمة والفساد معاً لكنّه لا يريد أن يستفيد الحرمتين من دليلٍ واحدٍ، فلعل الحرمة التكليفية يستفيدها من آية ﴿ ولا تعانوا على الإثم والعدوان ﴾ والفساد يستفيده من دليلٍ آخر، وفي بعض عبائره تلميحٌ إلى ذلك، فمثلاً قال ما نصّه:- ( بل الأظهر فساده وإن لم نقل بإفساد الشرط الفاسد لما عرفت من رجوعه في الحقيقة إلى أكل المال في مقابل المنفعة المحرمة )[6]، إنّ هذه العبارة قد يفهم منها أنه لا يريد أن يثبت الفساد بآية ﴿ ولا تعانوا ﴾ وإنما يريد أن يثبته بآية ﴿ ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ﴾ حيث قال:- ( لما عرفت من رجوعه في الحقيقة إلى أكل المال في مقابل المنفعة المحرمة ).
وله عبارة أخرى لعلّها أوضخ من هذه حيث قال:- ( ثم كلّ مورد ٍحكم فيه بحرمة البيع من هذه الموارد الخمسة فالظاهر عدم فساد البيع لتعلّق النهي بما هو خارج المعاملة أعني الإعانة على الإثم )[7].
إذن هو ملتفتٌ إلى أنّ آية التعاون لا تقتضي الفساد لأنّ الإعانة عنوانٌ خارج عن البيع غايته أنّه ملازمٌ ومسبَّب عن البيع لا أنّه نفس البيع فالنهي المذكور لا يقتضي الفساد، فإذن الحرمة والفساد لا يريد أن يثبتهما من خلال دليلٍ واحدٍ بل يثبت الحرمة التكليفيّة من دليلٍ ويثبت الحرمة الوضعيّة من دليل آخر ولا محذور في ذلك.
ومن خلال هذا كلّه اتضح أنّ التمسّك بآية النهي عن التعاون على الإثم والعدوان لإثبات الحرمة محلّ إشكالٍ، أمّا الحرمة التكليفية فلما أشرنا إليه من أنّ الاعانة لا تتحقّق بنفس البيع وإنما تتحقّق بالتمكين الخارجي سواء كان البيع موجوداً أو لا، وأمّا الحرمة الوضعيّة فلأجل أنّ النهي المذكور هو نهيٌّ عن عنوانٍ خارجٍ وليس بمتّحدٍ مع البيع، بل حتى ولو كان متّحداً ولكن النهي عن المعاملة لا يقتضي الفساد.
إذن هذه الآية الكريمة لا يمكن التمسّك بها لإثبات الحرمة التكليفيّة، كما لا يمكن التمسّك بها لإثبات الحرمة الوضعيّة.