36/06/16


تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 9 ) - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
وباتضاح هذا نقول:- إنّ النقطة المذكورة تشتمل على حكمين:-
الأوّل:- إنّ البيع صحيحٌ لو تعلّق بالمادّة دون المجموع المركب.
الثاني:- يلزم التغيير قبلاً أو الوثوق بالتغيير بعداً.
أمّا بالنسبة إل الحكم الأوّل:- فهذا هو مقتضى القاعدة؛ إذ لو كانت عندنا روايات تنهى فهي تنهى عن بيع الصنم وأنا لم أبِع الصنم وإنما بعت المادّة - وهي النحاس أو الخشب - فلا يكون ذلك مشمولاً للأخبار المانعة.
ولو فرض أنّ شخصاً قال:- مادامت الهيئة الصنميّة موجودة فهذا أيضاً بيع للصنم.
فيقال:- إنّ الروايات المانعة ناظرة إلى حالة بيع المجموع وأما حالة بيع المادّة فقط فمنصرفة عنه، فيمكن أن يدّعى الانصراف عن هذه الحالة، وعليه فلا مشكلة في البيع المذكور وهو مقتضى القاعدة، والروايات لا تشمل ذلك إمّا حقيقةً أو انصرافاً.
وأمّا بالنسبة إلى الحكم الثاني:- فهذا حكم تكليفيٌّ محضٌ، ونكتته أنّ مادّة الفساد لابد من حسمها والقضاء عليها - على مبنى الشيخ الأنصاري وجماعة - فلابد إذن إمّا أن أتصدّى أنا البائع لحسمها وإزالتها أو يفترض أنّي أثق بأنّ المشتري سوف يصنع ذلك فيما بعد فيتحقّق بذلك امتثال هذا التكليف، فالنكتة هي إمّا حسم مادّة الفساد أو هي كي لا تتحقّق الاعانة على الحرام فإني إذا لم أغير ولم أثق فسوف تتحقّق عبادة هذا الصنم مثلاً وبالتالي سوف تتحقّق الإعانة منّي والإعانة على الحرامِ حرامٌ.
إذن توجيه هذا الحكم مبنيّ على أحد هذين.
ولكن الأنسب هو الأول دون الثاني، فإنّ الثاني مبنيّ على فكرة الإعانة والسيد الماتن(قده) لا يبني على أنّ الإعانة على الحرام حرام، ولو بنينا عليها فأيضاً يشكل التمسّك بذلك في المقام باعتبار أنّ الاعانة فرع إحراز تحقّق الحرام خارجاً، فلو بعت خاتم الذهب لرجل سوف يلبسه حتماً فهنا تتحقق الإعانة، أمّا لو فرض أني لا أجزم بأنّه يلبسها فقد يتحقّق منه اللبس أو لا يتحقّق فسوف لا أجزم بتحقّق صدق الإعانة حينئذٍ يكون التمسّك بالآية الكريمة التي تقول ﴿ ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ﴾ [1]تمسّكاً بالعام في الشبهة الموضوعيّة، وهنا أيضاً كذلك إذا لم نثق بأنّه سوف يغيّر الهيئة فهذا لا يعني أنّه حتماً سوف يتحقّق منه الإعانة وإذا لم نجزم بتحقّق الإعانة فالتمسّك حينئذٍ يصير تمسّكاً بالعام في الشبهة الموضوعيّة.
إذن الأنسب هو التعليل الأوّل وهو أنّه يجب ذلك من باب حسم مادّة الفساد، نعم الثاني جيّد إذا جزمنا أنّه سوف يتحقّق منه الفساد فيما بعد.
وألفت النظر إلى قضيّتين:-
الأولى:- إنّ ما ذكرناه يتماشى مع مسلك السيد الماتن(قده) الذي يرى فيه أنّ هذه الآلات لابد من إعدامها من دون تفصيلٍ كما تقدّم ذلك منه، وأما بناءً على ما اخترناه من أنّ الإعدام لازمٌ في حالتين - وهما ما إذا فرض الجزم أو خشية ترتّب الفساد أو إذا فرض صدق عنوان تقوية شوكة الباطل والانحراف - فلابد وأن نقيّد هنا ونقول إنّه يلزم تغيير الهيئة قبلاً أو يوثق بأنّه سوف يغيّرها بعداً فيما إذا فرض أنّه جزمنا أو خشينا بترتّب الفساد أو فرض لزوم تقوية شوكة الباطل، فلابد إذن وأن نقيّد ذلك بإحدى هاتين الحالتين، فإذن هذا اختلافٌ حسب المباني لابد من ملاحظته.
الثانية:- جاء في عبارة المتن أنه لابد إمّا من التغيير قبلاً أو الوثوق بالتغيير بعداً، ونسأل نقول:- ما المقصود من التغيير قبلاً فهل هو التغيير قبل البيع أو هو التغيير قبل التسليم إلى المشتري ؟
إنّ عبارة المتن تعطي أنّ المقصود هو التغيير قبل البيع، والظاهر أنّ المناسب أن يكون التغيير قبل الدفع فإنّ التغيير إذا صار قبل البيع صار المورد من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع، فإنّه بعد تكسير الصنم لا معنى لأن تقول ( ابيع المادّة ) فقولك هذا إنما يصدق فيما إذا فرض أنّك تبيع صنماً أمّا إذا كان الصنم مكسوراً فيكون سالبة بانتفاء الموضوع لأنّ الهيئة قد تغيّرت، فلاحظ العبارة حيث قال:- ( ويجوز بيع مادّتها من الخشب والنحاس والحديد بعد تغيير هيئتها بل قبله لكن لا يجوز دفعها إلى المشتري إلا مع الوثوق بأنّ المشتري يغيرها )، وظاهر قوله ( بعد تغيير هيئتها ) أنّه يجوز بيع مادّتها بعد تغيير هيئتها فالبيع حينئذٍ سوف يصير بعد الهيئة وهذا ينبغي إخراجه عن محلّ الكلام فلابد وأن يكون مقصوده ما ذكرنا.
النقطة الخامسة:- لو فرض أنّ المشتري خالف ولم يغيّر الهيئة فهل يفسد البيع ؟ والجواب:- كلّا لا تتزعزع صحّة البيع، والوجه في ذلك واضحٌ فإنّ التغيير حكمٌ تكليفيٌّ وليس حكماً مصحّحاً للبيع فإنّ المصحّح للبيع هو وقوعه على المادّة، فمادام وقع على المادّة فالبيع صحيح سواء فرض أنّ المشتري غيّر بعد ذلك أو لم يغيّر، فصحّة البيع لم تكن بتغيير المشتري وإنما كانت بوقوع البيع على المادّة والمفروض أنّه وقع على المادّة فلا موجب لأن تتزعزع صحته.
بل أقول أكثر:- وهو أنّه لو فرض أنّ البيع وقع على المادّة ولم يحصل وثوقٌ بأنّ المشتري سوف يغيّر الهيئة فرغم هذا يمكن أن نحكم بالصحّة باعتبار أنّ البيع قد وقع على المادّة ولم يقع على الصنم . نعم من اللازم عليّ وعلى الجميع من باب النهي عن المنكر وحسم مادّة الفساد أو غير ذلك - رغم أنَّ هذا صار ملكاً للمشتري لأنّ البيع قد وقع على المادّة - أنّ نقطع دابر الفساد أمّا البيع فيكون صحيحاً حيث وقع على المادّة.
النقطة السادسة:- إنّ الهيئة إنما يلزم تغييرها - إمّا مطلقاً أو في الحالتين على المباني - فيما إذا كانت الهيئة مختصّة بالحرام، أما إذا كانت هناك فائدة محلّلة ولو قليلة فلا يلزم آنذاك تغييرها، والوجه واضحٌ إذ المورد يصير من الآلات المشتركة ومحلّ كلامنا هو في الآلات المختصّة بالحرام.
ولا أدري هل هناك حاجة إلى هذا المطلب أو هو استدراكٌ وتبنيهٌ إلى ما هو واضحٌ وإنّي لا أرى داعياً إلى بيان هذا.
كما أنه جاء في المتن عبارة ( ولو قليلة ) حيث قال ( أما إذا كانت لها فائدة ولو قليلة لم يجب تغييرها ) ولابد وأن يكون المقصود منها هو أن القلّة لم تصل إلى حدّ النُّدْرَة وإلّا إذا صارت هذه المنفعة المباحة نادرة فهي بحكم العدم وقد تقدّم منه(قده) أنّ المقصود من الآلات المختصّة بالحرام هي ما كان طابعها العام هو الحرام وإن كان لها منفعة نادرة محلّلة في حكم العدم، فهذا الشيء لابد من الالتفات إليه وهو أنّ فيه فائدة قليلة لكن بشرط أن لا تصل إلى حدّ النُّدْرَة فلو وصلت إلى حدّ النُّدْرَة فوجودها لا يؤثر.
ونشير إلى شيء:- وهو أنّه جاء في المنهاج القديم للسيد الحكيم(قده) فقرة إضافيّة للمتن وهي:- ( لكن لا يجوز دفعها إلى المشتري إلا مع الوثوق بأنّ المشتري يغيّرها أو يمنعها من أن يترتب عليها الفساد )، ومقصوده هو أنّه يلزم أحد أمرين إمّا الوثوق بأنّ المشتري سوف يغيّر الهيئة أو أن أمنع عن ترتّب الفساد فبمجرّد أن أرى المشتري يريد أن يرتّب الفساد عليها فأقوم بمنعه من ذلك، هذا هو المفهوم من العبارة.
وتوجد قضية لفظيّة:- وهي أنّه قال ( يمنعها ) فالضمير يرجع على ماذا ؟ إنّه يرجع إلى الآلات، والمناسب أن يحذف الضمير فيقول ( أو يمنع من ترتّب الفساد عيها ).
والقضية العلميّة المهمّة:- هي أنّه يحصل تنافٍ بين حكمه في صدر هذه المسألة حيث حكم بأن إعدام الهيئة شيءٌ لازمٌ على كلّ شخصٍ حسماً لمادّة الفساد وحكم بأنّه يلزم تغيير الهيئة، وهنا يظهر منه أنّ إبقاء الهيئة جائزٌ ولكن نمنعه من أن يرتّب الفساد عليها، أوليس هذا تنافياً بين المطلبين - بين صدر المسألة حيث حكم بلزوم الإعدام وبين هذه العبارة حيث يظهر منها أنّ بقاء الهيئة جائز ولكن المهم هو أنّ نمنع من ترتّب الفساد عليها - ؟!! ولعلّه لأجل هذا حذف السيد الماتن(قده) هذه الفقرة.