36/04/25


تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 1 ) - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
والنتيجة التي ستفدناها من الروايات:- هي بطلان بيع الكلب - إمّا مطلق الكلب عدى كلب الصيد أو بشكلٍ آخر كما ذهب إليه السيد الخميني(قده) -، فبالتالي بيع الكلب باطل ولا أقل كلب الهراش فإنّ هذا قدر متيقّن.
ولكن الكلام في أنه هل هو محرّمٌ تكليفاً ؟
إنّ الروايات المتقدمة كانت تعبّر بكلمة ( السحت ) والقدر المتيقّن من السحت هو الحرمة الوضعيّة وأمّا الحرمة التكليفيّة فاستفادتها أمرٌ مشكلٌ، والسيد الخوئي(قده) لم يدّعِ أنّ كلمة السحت تدلّ على الحرمة التكليفية، وعلى هذا الأساس اتضح أنَّ ما قد يوحي به ظاهر المتن من ثبوت الحرمة التكليفية في الأربعة لم تثبت في الميتة وكذلك في الكلب، نعم هو في الخمر له مجالٌ لأجل اللعن.
الخنزير:-
قال صاحب الجواهر(قده):- ( فلا خلاف أجده في عدم جوازه بل يمكن تحصيل الإجماع عليه )[1]
إذن يمكن أن يقال هناك عدم خلاف على بطلان بيع الخنزير من حيث الفتوى.
ولكن ما هو مستند ذلك بعد عدم كونه إجماعاً تعبّدياً - لأنه ليس اجماعاً تعبّدياً فلذلك لا عبّرة به - ؟
والجواب:- توجد طائفتان من الروايات أحدها توحي بالبطلان والأخرى توحي بالصحّة، أمّا الطائفة التي توحي بالبطلان فقد حاول السيد الخوئي(قده) أن يستفيد منها الحرمة التكليفية مضافاً إلى الحرمة الوضعيّة في بيع الخنزير أمّا في بيع الكلب والميتة فلم يذكر ذلك:-
أمّا الطائفة الأولى:- فهي عدّة روايات - ولعلها ثلاث أو أربع روايات - نذكر المهم منها:-
الرواية الأولى:- رواية أو صحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر قال:- ( سألته عن رجلين نصرانيين باع أحدهما خمراً أو خنزيراً إلى أجلٍ فأسلما قبل أن يقبضا الثمن هل يحلّ لهما ثمنه بعد الإسلام ؟ قال:- إنّما له الثمن فلا بأس أن يأخذه )[2].
وقد روى الحميري نفس هذه الرواية في قرب الأسناد عن عبد الله بن الحسن عن جدّه عليّ بن جعفر.
والفارق بين هذه الرواية وسابقتها هو أن السابقة أخذت من كتاب عليّ بن جعفر نفسه الموجود عند صاحب الوسائل، بينما الطريق الثاني فقد ذكره صاحب الوسائل في ذيل نقله للرواية الأولى هو من كتاب قرب الأسناد.
وقد تقدّم في أبحاثٍ سابقةٍ أنّ كِلا الطريقين يمكن الإشكال فيه:-
أما الطريق الثاني:- فباعتبار عبد الله بن الحسن فإنّه مجهول الحال.
وأمّا الطريق الأول:- فإن السيد الخوئي والسيد الشهيد حاولا أن يصحّحا طريق صاحب الوسائل إلى كتاب عليّ بن جعفر بالبيان المتقدّم، وقد علّقانا هناك وقلنا بأنّ هذا وجيهٌ لو كانت طرق صاحب الوسائل إلى الكتب التي ينقل عنها هي طرق على النسخة أمّا إذا كانت طرقاً تبركيّة فلا تنفع شيئاً، وحيث نحتمل أنّها تبركيّة فعلى هذا الأساس يكون هذا الطريق ساقط عن الاعتبار.
ولكن بعد ذلك حاولنا أن نصحّح السند ونأخذ به باعتبار أنّ هذه الرواية قد رويت في كتابين منسوبة فيهما إلى عليّ ببن جعفر فنفس ورودها في كِلا الكتابين لعله يولّد اطمئناناً فإذا ولد اطمئناناً فيكون السند لا بأس به.
إذن يمكن غض النظر من حيث السند واعتبار الرواية.
إنما الكلام في كيفية دلالتها على البطلان وحده أو بإضافة الحرمة التكليفية ؟
ذكر السيد الخوئي(قده) في هذا المجال[3]ما محصّله:- إنّ الرواية قد عبّرت بكلمة ( إنما ) ولم تعبّر بكلمة ( إنَّ ) وهناك فرقٌ بين التعبيرين، فكلمة ( إنَّ ) تفيد التأكيد لا أكثر وأما كلمة ( إنما ) فهي تفيد الحصر إضافةً إلى التأكيد أو من دونه، وعليّه ماذا نستفيد من الحصر في هذه الرواية - أي في قول الامام ( إنما له الثمن ) - ؟ إنّا نستفيد منه أنّ الامام عليه السلام يريد أن يثبت شيئاً وينفي شيئاً آخر وهو أن ثبت جواز أخذ الثمن وينفي الحلّية التكليفيّة والحليّة الوضعية أيضاً إذ لو كان يحلّ له تكليفاً إجراء المعاملة أو كان يحلّ له وضعاً إجراؤها فلا معنى للتعبير بكلمة ( إنما ) فكلمة ( إنما ) تفيد له شيئاً واحداً لا أكثر وذلك الشيء الواحد هو أخذ الثمن أمّا ما سوى ذلك فلا فيثبت بذلك الحرمة التكليفيّة والحرمة الوضعيّة، وبهذا يثبت المطلوب.
ونصّ عبارته:- ( فإن مفهومه أن غير أخذ الثمن لا يجوز له بعد الإسلام وعليه فيستفاد من الرواية أمران الأوّل حرمة بيع الخنزير بعد الإسلام وإلا لكان الحصر فيها لغواً والثاني صحّة المعاملة عليه قبل الإسلام وإلّا كان أخذه ثمنه بعد الإسلام حراماً وأكلاً للمال بالباطل ).
إذن هو(قده) أراد أن يستفيد من هذه الرواية أنّ له بعد الاسلام أخذ الثمن فقط، فهي محرّمة بعد الإسلام تكليفاً وصحيحة قبله ولأجل صحّتها قبل الإسلام جاز أخذ الثمن.
وفيه:- إنّ كلمة ( إنما ) وإن كانت تدلّ على الحصر ولكن أحياناً قد تستعمل للتأكيد فقط دون الحصر ولا يبعد أنّ روايتنا من ها القبيل فإن السائل لم يسأل عن مسألة حرمة المعاملة أو عدم حرمتها بل يسأل عن أخذ الثمن هل هو جائز أو لا فإنّه كان يتخوّف من أنه بعد أن أسلم وعلم بأن المعاملة بعد الإسلام محكومة بالبطلان هل يحقّ له أخذ الثمن أو لا ؟ والإمام عليه السلام قال له نعم يجوز كه أن تأخذ الثمن، فالسؤال عن أخذ الثمن وليس عن حكم المعاملة صحةً وفساداً أو جوازاً وحرمة.
وما ذكرته لا أدّعي أنّه ظاهر الرواية بل أقول الرواية محتملة لهذا ومحتملة لما أفاده السيد الخوئي(قده) بنحوٍ لا ظهور لها في أحدهما بخصوصه فهي مجملة من هذه الناحية.
إذن استفادة الحرمة التكليفية غير يمكن.
والصحيح أن يقال:- إنّ المستفاد من الرواية وجود ارتكاز في ذهن السائل على أنّ المعاملة على الخمر والخنزير باطلة ولأجل بطلانها وقع في حيرةٍ من ناحية أخذ الثمن والإمام عليه السلام أبقى له هذا الارتكاز، فعنده ارتكاز بأنّ المعاملة بعد الإسلام باطلة فكيف يأخذ الثمن ؟ والإمام عليه السلام جوّز له أن يأخذ ذلك ولو باعتبار أنّها صحيحة قبل الإسلام فهي وقعت في زمانٍ كانت فيه صحيحة وإن كان حين أخذ الثمن لو وقعت فهي محكومة بالبطلان ولكن العبرة في مقام أخذ الثمن بزمان وقوع المعاملة فاستفادة الحرمة التكليفيّة شيءٌ مشكلٌ بل غاية ما يستفاد هو الحرمة الوضعيّة بالبيان الذي أشرنا إليه.

الرواية الثانية:- صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام:- ( في رجلٍ كان له على رجلٍ دراهم فباع خمراً وخنازير وهو ينظر فقضاه، فقال:- لا بأس به أما للمقتضي فحلال وأما للبائع فحرام )[4]، إنّه ربما يقال بأنّ الذيل - أعني ( وأما للبائع فحرام ) ربما يقال يستفاد منه الحرمة التكليفية، وعليه فسوف الرواية دالة على الحرمة التكليفيّة.
ولكن نقول:- إنّ هذه الرواية لابد من ردّ علمها إلى أهلها، أو لا أقل توجّه ببعض الوجوه وإلا فلا يمكن الأخذ بها على ظاهرها باعتبار أنّ الإمام عليه السلام حكم بأنّ هذا الثمن هو حلالٌ للذي يطلب الدراهم وهو حرامٌ لذلك الشخص الذي عليه الدين - أي الذي باع الخمر والخنزير، ونحن نقول إنّ البيع إمّا أن يكون صحيحاً أو باطلاً ولا يخلو عن أحذ هذين فإن كان صحيحاً فكيف يكون الثمن حراماً للبائع !! وإن كان باطلاً فكيف صار أخذه جائزاً للمقتضي !!
إذن الرواية يصعب الأخذ بظاهرها ولابد من ردّ علمها إلى أهلها، نعم قد توجّه بأنّ البيع باطلٌ ولكن الإمام عليه السلام أعمل ولايته فحكم بالولاية الشرعيّة بأنّ الثمن حلالٌ للمقتضي وإن كان باقياً على ملك مالكه لكن الإمام له الولاية على الجميع فأباحه للمقتضي وأشغل ذمة البائع.
إذن هذه الرواية لا يمكن التمسّك بها.
وعلى منوالها توجد رواياتٍ أخرى في نفس الباب ولكن ليس فيها هذا التفصيل بل يوجد فيها كما في موثقة منصور:- ( إنما لك عليه دراهم فقضاك دراهمك ) فلذلك مثل هكذا روايات لا يكون الإشكال عليها واضحاً، أمّا في هذه الرواية حيث إنّه يفصّل فيأتي الإشكال وعليه فلابد من ردّ علمها إلى أهلها.