36/04/21


تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 1 ) - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
الكلب:-
لعل المعروف بين الفقهاء أنّ بيع كلب الهراش باطلٌ، وأمّا كلب الصيد فبيعه صحيحٌ، وأما غير ذلك - أي كلب الحارسة والزرع - فمحل كلامٍ واختلاف، قال المحقّق في الشرائع:- ( لا يجوز بيع شيء من الكلاب إلا كلب الصيد . وفي كلب الماشية والزرع والحائط تردّدٌ والأشبه المنع )[1]، وأما الشيخ الأعظم(قده) فقد بحث المسألة في المكاسب مرتين الأولى في كلب الهراش وأنّه لا يصحّ بيعه والثانية في باب المستثنيات من الأعيان النجسة حيث بحث حكم سائر الكلاب ككلب الصيد مثلاً وقال هو مستثنى[2] ثم بعد أن فرع الأعيان النجسة التي لا يجوز بيعها عقد كلاماً في المستثنيات وفي المسألة الثانية منها[3] ذكر الخلاف في غير كلب الهراش وأنّه قيل في جواز بيعه، وفي نهاية المسألة قال:- ( المسألة لا تخلو من إشكالٍ وإن كان بحسب الأدلة والأحوط في العمل هو المنع )[4].
والوجه في هذا الخلاف أنه توجد عندنا طائفتان من الروايات:-
الطائفة الأولى:- ما دلّ على أن ثممن الكلب سحت، وهي روايات متعدّدة لعلها تبلغ عشراً ولا يضرّ ضعف سندها بعدما كانت مستفيضة ومتعدّدة ومضمونها واحد حيث ذكرت أنّ ( ثمن الكلب سحت ) أو ما يقارب هذا المضمون، ومن ذلك موثقة السكوني المتقدّمة بالنسبة إلى الخمر وغيره حيث قالت:- ( عن أبي عبد الله عليه السلام:- السحت ثمن الميتة وثمن الكلب وثمن الخمر )[5].
الطائفة الثانية:- موثقة محمد بن مسلم وعبد الرحمن بن أبي عبد الله:- ( قال:- ثمن الكلب الذي لا يصيد سحت، ثم ثقال:- ولا بأس بثمن الهرة )[6]، وهي بهذا النقل مضمرة - أو مقطوعة - فيبقى الكلام أنّ المضمرات هل هي حجّة أو لا ؟ ولكن الذي يهوّن الخطب أنّه ورد في نسخةٍ:- ( محمد بن مسلم وعبد الرحمن بن عبد الله عن أبي عبد الله ... )، والمناسب هو هذا ويؤكده كلمة ( قال ) فإنّه لو لم يذكر الإمام فالمناسب التعبير بكلمة ( قالا ).
والمناسب بناءً على هذا نقول:- إنّه بمقتضى الطائفة الأولى يكون مطلق الكلب ثمنه سحتٌ يعني حرامٌ، وبالدلالة الالتزاميّة هو باطل، فيثبت أنّ مطلق بيع الكلب باطل، وأمّا الطائفة الثانية فهي مخصّصٌ أخرج كلب الصيد، فتصير النتيجة هي أنّ كلب الصيد يجوز بيعه وأما ما عداه من كلب الحراسة والزرع وغيرهما فيبقى تحت إطلاق الطائفة الأولى.
والنتيجة إذن هي أنّ كلب الصيد يجوز بيعه لموثّقة ابن مسلم وأمّا غيره من انحاء الكلب فلا يجوز تمسّكاً بإطلاق الطائفة الأولى.
هذا ولكن السيد الخميني(قده) في مكاسبه المحرمة[7]:- ذهب الى أنّ كلّ كلبٍ يجوز بيعه ما عدى كلب الهراش.
وكيف يقول كذلك والحال أنّ الطائفة الأولى فيها إطلاقٌ ومن خلاله يثبت بطلان بيع جميع أنواع الكلب ؟
إنّه منع الاطلاق.
ولو قلت:- إنّه حتى لو لم يكن هناك إطلاقٌ ولكن يوجد عندنا الطائفة الثانية من الروايات وهي قد قالت:- ( ثمن الكلب الذي لا يصيد سحت ) فهذه يفهم منها أنّ الذي يصيد فقط يجوز بيعه ؟!! فهي تفي بإثبات دعوانا – يعين أنّه يجوز بيع كلب الصيد دون غيره -.
قال:- إنّ هذه لا تنفع أيضاً، أمّا بالنسبة إلى الطائفة الأولى التي قالت ( ثمن الكلب سحتٌ ) فهي من قبيل قولنا ( إنّ من محرمات الإسلام الكذب والخيانة والسرقة، ومن واجبات الإسلام الصلاة والصوم ) فإنه في مثل هذا هل يوجد إطلاق ؟! يعني نتمسّك بإطلاق ( من محرمات الإسلام الكذب ) ونقول إنّه في كلّ موردٍ يحرم الكذب ؟! إنّه لا يوجد إطلاقٌ بل المتكلم بصدد بيان أنّ الإسلام توجد فيه محرّمات وواجبات لا أكثر من ذلك أمّا أنّ هذه حرمتها وسيعة في كلّ الحالات أو في بعضها ووجوبها وسيعٌ في كلّ الحالات أو في بعضها فالمتكلّم ليس في مقام البيان من هذه الناحية بل في مقام بيان وجود تشريعاتٍ في الإسلام وأمّا التفاصيل فهو ليس بصدد بيانها الآن فلا يمكن آنذاك التمسّك بالاطلاق، والطائفة الأولى من هذا القبيل لأنها قالت:- ( السحت ثمن الميتة وثمن الكلب وثمن الخمر ) وهي في صدد بيان أنّ هذه من السحت أمّا أنها مطلقاً هي من السحت أو ليست من السحت فهي ليست في مقام البيان من هذه الناحية، فكما لا ينعقد هناك إطلاقٌ هنا أيضاً كذلك، وإذا لم هناك إطلاق فلا يمكن أن نستفيد من هذه الرواية التي قالت:- ( ثمن الكلب سحت )[8] أنّ بيع كلّ كلبٍ باطل، يعني سوف نقتصر على القدر المتيقّن وهو كلب الهراش، فغاية ما يثبت هو بطلان بيعه فقط لا أكثر.
وأما ما أفاده بالنسبة إلى الطائفة الثانية:- فحاصله أنّها عبرت وقالت ( ثمن الكلب الذي لا يصيد سحتٌ ) فهي عبرت بفقرة ( لا يصيد ) ولم تعبر بفقرة ( كلب الصيد ) وفرقٌ بين التعبيرين، فلو فرض أنّها كانت تقول ( ثمن كلب غير الصيد سحت ) أي كلمة ( صيد ) بحو الأسميّة وليس بنحو الفعل فنعم نفهم منه أنّ غير السحت هو كلب الصيد فتثبت صحّة البيع بالنسبة إلى كلب الصيد وأما غيره فبيعه ليس بصحيح، ولكن الرواية عبّرت بالفعل حيث قالت:- ( ثمن الكلب الذي لا يصيد سحت ).
وما الفارق بين ( صيد ) وبين ( يصيد ) ؟
قال:- إذا كان يعبرّ بكلمة ( صيد ) - أي بالاسم - فظاهر قولنا كلب الصيد يعني الكلب المعلّم والمدرّب للاصطياد فيختصّ حينئذٍ بكلب الصيد وبالمفهوم نفهم أنّ غيره من أنواع الكلاب - ولا يختص بالهراش - يصير بيعها باطل ويصير الأمر كما ذكر المشهور، ولكن حينما عبّرت الرواية بالفعل وقالت:- ( ثمن الكلب الذي لا يصيد سحتٌ ) نفهم أنّ الذي يصيد ليس بسحتٍ والذي لا يصيد سحتٌ وعنوان الذي يصيد يصدق حتى على غير كلب الصيد، فكلب الحراسة مثلاً أو كلب الماشية يصيد أيضاً لأنه يعضّ الذئب أو ابن آوى مثلاً فهو على هذا الأساس يصدق عليه أنّه يصيد ولا يلزم أن يكون المصطاد محلّل الأكل بل حتى لو كان محرّم الأكل يصدق بالتالي على العاضّ أنه يصيد، وعلى هذا الأساس يكون عنوان ( يصيد ) صادقٌ على مطلق الكلاب ويستثنى من ذلك الهراش.
إذن الطائفة الثانية حينما نأخذ بها فالعنوان المأخوذ فيها يشمل كلّ كلبٍ غير كلب الهراش فإنّه يصدق عليه هذا العنوان، قال(قده) ما نصّه:- ( فيمكن أن يقال إّن مطلق الكلاب عدى الكلاب المهملة التي في الأزقة والأسواق - مما زالت عنها ملكة الاصطياد والتكالب - داخل في عنوان الكلب الذي يصطاد والصيود )[9]. فإذن يثبت حليّة بيع أنواع الكلب.
والفارق بين المنعين هو أنّ لازم المنع الأوّل هو أنّ غاية ما يثبت هو أنّ السحتيّة تكون للقدر المتيقّن - أي الكلب الهراش - وأمّا ما عداه فلم تثبت له السحتيّة ولكن في نفس الوقت لم تثبت له الصحّة ولابد من إثباتها بإطلاق ﴿ أحلّ الله البيع ﴾[10] فهو سوف يثبت لك أنّ هذا سحتٌ وأما ذاك فمسكوت عنه، وهذا بخلافه في المنع الثاني فإنه لا يوجد سكوتٌ بل يوجد مفهومٌ حيث يقول بمنطوقه إنَّ الذي لا يصيد سحتٌ - والذي لا يصيد هو الهراش - وبالمفهوم نفهم أنّ الذي يصيد ليس بسحتٍ فيكون نفس المفهوم دالاً على الصحّة في غير الهراش بلا داعٍ إلى التمسّك بالاطلاق.


[2] تراث الشيخ الانصاري، الانصاري، تسلسل14، ص41، النوع الاول من المكاسب المحرمة، المسالة6.
[3] تراث الشيخ الانصاري، الانصاري، تسلسل14، ص51.