36/04/06


تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 1 ) - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
وما ذكرناه من إمكان وجود طريقٍ آخر لتصحيح المعاملة قد أشار إليه الشيخ الأعظم(قده) نفسه وذلك في مسألة هل يجوز بيع الحشرات أو الديدان التي إمّا لا منفعة لها أو أن منفعتها نادرة فهناك ذكر أنّه إذا لم يمكن تصحيح المعاملة بالبيع باعتبار أنّه يتوقّف على الماليّة وهذه ليست مال فهذه يمكن تصحيحها من خلال تجارةٍ عن تراضٍ وما شاكل ذلك من الأمور التي أشرنا إليها، ونصّ عبارته:- ( أقول:- ولا مانع من التزام جواز بيع كلّ ما له نفعٌ ما . ولو فرض الشك في صدق المال على مثل هذه الأشياء المستلزم للشك في صدق البيع أمكن الحكم بصحة المعاوضة عليها لعمومات التجارة والصلح والعقود والهبة المعوّضة وغيرها وعدم المانع لأنه ليس إلا أكل المال بالباطل والمفروض عدم تحققه هنا )[1][2] . إذن هو(قده) سلك هذا الطريق لتصحيح مثل هذه المعاملات وهذه قضيّة ننتفع بها في بعض المجالات فبعض الأشياء إذا لم يمكن تصحيحها من حيث البيع كالدم إذا فرضنا أنّه لا يمكن أن ننتهي إلى جواز بيعه فيمكن تصحيحها بهذه الطريقة كالصلح أو ما شاكل ذلك.
وتوجد عبارة ثانية للشيخ في موضعٍ آخر فنلاحظ هل فيها تنافياً مع هذه العبارة أو ليس فيها تنافياً حيث ذكر تحت عنوان شرط الماليّة في العوضين في باب البيع ما نصّه:- ( إنّ ما تحقّق أنّه ليس بمالٍ عرفاً فلا إشكال ولا خلاف في عدم جواز وقوعه أحد العوضين )[3] [4]، فربما يقال إنّ هذه العبارة تنافي تلك لأنّ هذه تدلّ على أنّ الباب مغلقٌ ولا طريق لتصحيح المعاملة لأنّه قال:- ( فلا إشكال ولا خلاف في عدم جواز وقوعه أحد العوضين ) يعني أنّ المعاملة لا يمكن أن تقع عليه، بينما في العبارة المتقدّمة ذكر أنّه يوجد طريقٌ وذلك من خلال الصلح أو الهبة أو غير ذلك وهذا قد يعدّ تنافياً.
وربما يدفع ويقال:- إنَّ الشيخ في العبارة الثانية ناظر إلى خصوص البيع، يعني حينما قال:- ( فلا إشكال وخلاف في عدم جواز وقوعه أحد العوضين ) يعني كمعاملة بيعٍ أمّا أنّه هل هناك طريق آخر أو لا فهو ليس بصدده.
الوجه الرابع:- الحديث النبوي المنقول بأحد أشكالٍ ثلاثة:-
الأوّل:- ( إنَّ الله إذا حرّم شيئاً حرّم ثمنه )[5] [6].
ودلالته لا بأس بها إن تمّ سنده حيث دلّ على أنّ الشيء إذا حرم يعني إذا حرمت منافعه البارزة إمّا جميعاً أو خصوص الأكل فيحرّم ثمنه يعني حرّم بيعه أو مطلق المعاملة به.
ولكنّها ضعيفة السند فلا تنفعنا شيئاً.
الثاني:- ( إنّ الله إذا حرّم على وقومٍ أكل شيءٍ حرّم عليهم ثمنه )[7] [8].
وهذه كسابقتها لا بأس بدلالتها لأنّ النجاسات يحرم أكلها فيحرم ثمنها ولكن السند ضعيف.
الثالث:- ( إنّ الذي حرّم شربها حرّم ثمنها )[9].
ودلالته لا بأس بها ولكنّه خاصٌّ بالخمر فلا تنفعنا فنحن أردنا شيئاً كلّياً في مطلق النجاسات لا خصوص البيع.
الوجه الخامس:- الروايات الخاصّة التي سوف نذكرها عند التحدّث عن كلّ عينٍ من الأعيان النجسة، فحينما نتعرّض إلى تلك الأعيان واحداً واحداً سوف نتعرض إلى رواياتها الخاصة ونلاحظ، وعليه فترك الحديث إلى محلّه.
القضية الثالثة:- ماذا يقصد من تحريم بيع الأعيان النجسة كالخمر والميتة والكلب غير الصيود والخنزير فهل يراد أنّ نفس إنشاء البيع حرامٌ تكليفاً - أي نفس لفظ بعت واشتريت - أو بقصد ترتيب الأثر كأن أبيع الخمر بقصد الشرب أمّا نفس بيعه بما هو وحده فليس بحرامٍ - فلو قلت بعت واشتريت ولم تقصد الأثر فليس بحرامٍ تكليفاً - ؟ أو أنَّ المقصود هو أنّ البيع حرامٌ إذا ضُمَّ إليه بقصد الدفع إليه يعني أعطيه العين بعد ذلك أمّا مجرّد قول بعت واشتريت من دون أن يكون هناك قصدٌ للدفع فهذا ليس بحرام ؟ فماذا يقصد من تحريم بيع الأعيان النجسة تكليفاً - أو بالأحرى خصوص هذه العناوين الأربعة - ؟
والجواب:- إنّ في ذلك احتمالات:-
الاحتمال الاوّل:- ما هو ظاهر الشيخ الأعظم في المكاسب فإنه لم يسلّط الأضواء على الإشكال لكنّه ذكر الجواب وهو أنّ المقصود هو حرمة البيع بقصد ترتيب الأثر المحرّم - يعني بقصد الشرب والتناول فحرمة البيع والمعاملة والاكتساب بالخمر مثلاً أو بغيره من الأعيان النجسة التي يحرم بيعها تكليفاً، ونصّ عبارته:- ( ومعنى حرمة الاكتساب حرمة النقل الانتقال بقصد ترتب الأثر[10])[11] [12].
وقد تمسّك بالظهور فقال إنّ ظاهر الأدلة هو ذلك، ولكنه لم يبين قرينةً عليه حيث قال:- ( لأن ظاهر أدلة تحريم بيع مثل الخمر منصرفٌ إلى ما لو أراد ترتيب الآثار المحرّمة أما لو قصد الأثر المحلّل فلا دليل على تحريم المعاملة إلا من حيث التشريع[13])[14] [15]،. فإذن هو ادعى الظهور الناشئ من الانصراف يعني أنَّ المنصرف من الأدلة هو هذا المعنى.
ولكن نقول:- لو رجعنا إلى الأدلة التي يمكن استفادة الحرمة التكليفية منها لبيع الخمر نجد المهم منها ثلاثة أمور:-
الأوّل:- وهو المهم - وهو ما أثبت اللعن، وهي موثقة زيد بن علي الدالة على:- ( أنّ الرسول صلى الله عليه وآله لعن غارس الخمر وبايعها ومشتريها ) بناءً على أنّ اللعن يدلّ على الحرمة التكليفيّة وأما إذا لم نقل بذلك فلا يمكن الاستدلال بها .
ولكن لو سلمنا أنّ اللعن يدلّ على الحرمة واستفدنا الحرمة التكليفيّة ولكن نقول للشيخ الأعظم(قده) من أين لك أنّ المقصود من ( لعن الله بائعها ) هو أنّه إذا قصد ترتيب الأثر المحرّم فإنَّ هذا ليس بواضحٍ ؟!! فاستفادة الحرمة التكليفيّة من هذا اللعن ليس بواضح.
الثاني:- قوله تعالى:- ﴿ إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان فاجتنبوه ﴾[16] لو تمت دلالتها على حرمة البيع وعدم اختصاصها بالشرب.
ولكن لا يستفاد منها هذا التخصيص - وهو أنّ وجوب الاجتناب والأمر يختصّ بحالة ما إذا قصد ترتيب الأثر المحرّم - فهي مطلقةٌ من هذه الناحية.
الثالث:- رواية تحف العقول التي ذكرت أنّ الأشياء التي يحرم الانتفاع بها يحرم التقلّب بها وإمساكها وشراؤها.
ولكن نقول:- هي حتى لو تمّت سنداً ودلالةً لكنها مطلقة.
إذن استفادة هذا القيد من الروايات كما ذكر الشيخ الأعظم(قده) شيءٌ صعب.


[1] تراث الشيخ الانصاري، تسلسل14، ص158.
[3] تراث الشيخ الانصاري، تسلسل17، ص10.
[6] سنن الدارقطني، ج3، ص7، ح20.
[7] سنن البيهقي، البيهقي، ج2، ص103. .
[8] مسند احمد، أحمد، ج1، ص247.
[10] وفي بعض العبائر ورد هكذا:- ( بقصد ترتب الأثر المحرم )، وهو المناسب.
[11] تراث الشيخ الانصاري، تسلسل14، ص13.
[13] يعني هي باطلة فلو اوقعتها فتصير نحواً من التشريع وأنت تريد ايقاعها.
[14] تراث الشيخ الانصاري، تسلسل14، ص13.