36/02/03


تحمیل
الموضـوع:- أحكام المصدود - مسألة ( 440 ).
تقدّم في المحاضرة السابقة إنّ السيد الخوئي(قد) لم يذكر وجهاً ودليلاً ونحن حاولنا أن نساعده بفكرة الانصراف، ولكن الآن أقول:- إنّه يمكن أن يستفاد من عبارته ثلاثة وجوه:-
الوجه الأوّل:- إنّه ورد في أدلّة النيابة أنّ المريض مثلاً يطاف به أو يطاف عنه، ونذكر لذلك رواية من قبيل صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( ... وقال أبو عبد الله عليه السلام:- إذا كانت المرأة مريضة لا تعقل يطاف بها أو يطاف عنها )[1]، وتقريب الدلالة هو أنّ الحديث قال:- ( يطاف بها أو يطاف عنها ) وما المقصود من هذا الترديد فإنه ليس ترديداً من الراوي ؟! إنَّ المقصود هو الاشارة إلى قضيّة وهي أنّ هذه المرأة المريضة مرّة تكون بحدٍّ يمكن أن تُحمل إلى المطاف ويطاف بها - كما هو المتعارف الآن حيث يحمل بوسيلة معيّنة ويطاف به - وإذا لم يمكن ذلك فيطاف عنها، وبناءً على هذا يقال إنّ قوله عليه السلام:- ( يطاف بها ) يعني أنّه قد فرضها موجودة في مكّة وإلا فلا يتصوّر أنّه يطاف بها وهذا معناه أنّ دليل النيابة ناظر إلى حالة تواجد الشخص في مكة إمّا إذا لم يكن في مكّة فلا يشمله للقصور في المقتضي . إذن دليل النيابة لا يشمل الخارج عن مكّة فيطبّق حكم الصد عليه.
وفيه:-
أوّلاً:- إنّ بعض الروايات وإن كانت كذلك أي ورد فيها التعبير المذكور فتصير قاصرةً عن شمول النيابة للشخص الذي يكون خارجاً عن مكة ولكن هناك بعض آخر من الروايات لا يوجد فيها هذا التعبير من قبيل صحيحة حريز بن عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( المريض المغلوب والمغمى عليه يرمى عنه ويطاف عنه )[2]، وهكذا صحيحة معاوية عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( المبطون والكسير يطاف عنها ويرمى عنهما )[3] وغيرهما فإنّ هاتين الروايتين لم تذكرا فقرة ( يطاف به ) حتى تكون قرينة على الاختصاص بفرض كون الشخص داخل مكة.
إذن إذا كان في تلك الرواية يوجد قصور فهاتان الروايتان ليس فيهما قصور عن الشمول لمطلق المكلف سواء كان داخل مكة أو خارجها إذ هذا التعبير ليس بموجودٍ في هذه الروايات.
إن قلت:- إنّ تلك تقيّد هذه، فهذه صحيحٌ أنها مطلقة ولكن تلك تقيّد تصير مقيّدة لهذه.
قلت:- المفروض أنّ تلك لا يوجد لها مفهومٌ يعني لا تريد أن تقول بمفهومها أنّ الخارج عن مكّة لا تشرع في حقّه النيابة، كلّا فإنها لا تدلّ على ذلك وإنما مفهومها ضيّق من الأساس يعني هي ناظرة إلى حالة كون الشخص في مكّة لا أنّ ذلك قد أخذ قيداً فيها حتى يثبت حينئذٍ المفهوم.
ثانياً:- لو سلّمنا أنّ جميع الروايات توجد فيها هذه الفقرة ولكن نقول إنّ كون تلك الفقرة ضيّقة وقد فرض فيها أنّ الشخص هو داخل مكة لا يستلزم أن تكون الفقرة الثانية كذلك - يعني فقرة ( يطاف عنه ) فإنا نريد أن نتمسّك بالفقرة الثانية - فإنه لا موجب لهذا.
وإن شئت قلت:- إنّ الفقرة الأولى هي تستبطن وتستلزم في حدّ ذاتها وجود الشخص في مكّة لأنّ الطواف بالشخص هو ذاته لا يكون إلّا إذا كان الشخص في مكّة وهذا بخلاف الطواف عنه فإنّه لا يستبطن في ذاته ولا يستلزم كون الشخص داخل مكّة، وكون الأوّل يكون فيه ذلك لا يكون موجباً لتضييق الثاني بذلك، وهذه قضيّة يلزم أن تكون واضحة.
ثالثاً:- إذا رجعنا إلى الروايات وجدناها واردة في موارد خاصّة يعني هي واردة في المريض أو الكسير أو المغمى عليه أو غير ذلك من العناوين ولم ترد بعنوانٍ عام - مثلاً بلسان ( من لا يتمكن على الطواف أو السعي فيطاف عنه أو يسعى عنه ) - وإنما الموجود هو موارد خاصة فإذا أردنا أن نتساير مع النصّ وتعابيره فمن اللازم أن نقول من البداية أنّ النيابة في الطواف والسعي ليست مشروعة في حقّ المصدود الذي مُنع من الطواف سواء كان داخل مكة أو خارجها لأنّ الروايات هي من البداية خاصّة بالمريض والكسير وهذا ليس بمريضٍ ولا كسير، فإذا صار التعامل مع ألفاظ النصّ فمن البداية ينبغي أن نقول إنّ الذي مُنع من الطواف والسعي لا يشمله دليل النيابة سواء كان خارج مكة أو داخلها.
إذن لماذا توسعنا ؟ وذلك لأجل أنّ العرف لا يرى خصوصيّةً لهذه الأمثلة، يعني أنَّ هذه تحمل على المثاليّة لكلّ من لا يقدر على الطواف أو السعي وهذا ما يعبّر عنه بإلغاء الخصوصيّة عرفاً أو يعبر عنه بمناسبات الحكم الموضع المركوزة في أذهان العرف والعقلاء . إذن المدرك للتعميم هو هذا، فإذا قبلنا بهذا حينئذٍ نقول:- مادام العرف يلغي خصوصيّة الكسير والمريض فهو أيضاً يلغي خصوصيّة كونه داخل مكة أو خارجها والمهم أنّه لا يتمكن فمادام أنّه لا يتمكن وقبلنا أن نتحرّر من قيد الكسير والمبطون فحينئذٍ لا فرق بين أن يكون داخل مكة أو خارجها
فمن هذه الناحية أيضاً حتى لو سلّمنا أنّ المقتضي كان قاصراً في حدّ ذاته فيمكن أن نثبت التوسعة بمناسبات الحكم والموضوع فكما هو قاصرٌ في من لا يتمكّن حيث أنهّ وارد في موارد خاصّة ووّسعنا بمناسبات الحكم والموضوع فهنا أيضاَ نوسّع بمناسبات الحكم والموضوع.
الوجه الثاني:- أنّه لو وسّعنا من النيابة وقلنا هي مشروعة حتى في حقّ من كان خارج مكة يلزم من ذلك أنّ ورايات المصدود سوف لا يبقى لها مصداق ومورد لأنه بالتالي كلّ شخص عادةً يتمكن أن يطلب من شخص آخر أن ينوب عنه وحالة عدم التمكّن حالة نادرة فيلزم من ذلك عدم تحقّق عنوان المصدود إذ حتى لو مُنع خارج مكة فهو يتمكن أن يطلب من شخصٍ آخر أن ينوب عنه في الطواف والسعي فحينئذٍ لا يبقى مصداق للمصدود أو تبقى مصاديق نادرة وهذه قرينة على أنّ من كان خارج مكة لا يكون مشمولاً لحكم النيابة.
وفيه:- إنّه يمكن أن نفرّق ونقول إنَّ الخارج من مكة على نحوين فتارةً يكون خارجاً عنها من البداية كما هو الحال في صلح الحديبية فإنّه من البداية مُنع النبي صلى الله عليه وآله وأصحابه من دخول مكة، وأخرى يفترض أنّه يدخل مكة ولكن بعد ذلك يخرج إلى منى ثم يمنع من دخول مكة لأجل الطواف والسعي فهو إذن ممنوعٌ من دخول مكة ولكن ليس ممنوعاً من بداية أمره وإنما حصل المنع في وسط الطريق.
وحينئذٍ نفصّل ونقول:- إنّ روايات المصدود تشمل الأوّل - يعني الذي مُنع من البداية - فلا تشرع في حقّه النيابة فإنّه الفرد المتيقّن والمقطوع من المصدود - يعني الذي صد من أصل دخول مكة - فحينئذٍ لا تكون النيابة ثابتة في حقّه وإلا يبقى المصدود بلا مصداق أو يبقى المصداق نادراً.
ولكن هذا لا يستلزم أن يكون كلّ من هو خارج مكة حتى ولو قد دخلها من البداية أن يكون خارجاً من دليل النيابة فيبقى هذا الثاني الذي دخل مكة فخرج فمُنِعَ مشمولاً لدليل النيابة لإطلاق دليل النيابة ولا مانع من ذلك ولا يلزم محذور بقاء المصدود بلا مصداقٍ أو بمصداقٍ نادرٍ لأنّه يوجد فردٌ مقطوعٌ ومتيقّنٌ وهو من مُنِع من البداية.
الوجه الثالث:- إنّه ورد في الرواية الشريفة:- ( أن الامام الحسين عليه السلام اعتمر مرّة فلما وصل إلى السقيا[4] اعتل فأدركه أمير المؤمنين عليه السلام في السقيا وهو مريض فقال يا بني ما تشتكي ؟ فقال اشتكي رأسي فدعى عليه السلام ببدنة فنحرها وحلق رأسه وردَّه إلى المدينة )[5]، إنّ الامام الحسين عليه السلام كان يتمكّن أن ينيب في الطواف والسعي ولكن رغم ذلك لم يقل له الامام أمير المؤمنين أرسل نائباً عنك كما لم يرسل أمير المؤمنين عنه نائباً وإنما أمره بأن يحلّ بواسطة ذبح الهدي فهذا يدلّ على أنّ حكم من كان خارج مكة هو حكم المصدود ولا يشمله حكم النيابة، هكذا نستنتج من هذه الرواية.
وفيه:-
أوّلاً:- إنّ هذه الرواية وارد في المحصور ونحن نتكلّم في المصدود، يعني أنَّ هذا حُبِس لأجل مرضٍ ونحن كلامنا في أنّه حُبِس لأجل الصدّ، ودعوى أنّهما من حيث الحكم من هذه الناحية واحدٌ جزماً قضيّة غير واضحة.
ثانياً:- إنّه قد فرض أنّ الإمام الحسين عليه السلام لم يدخل بَعدُ مكّة وحصل له هذا المانع ومحلّ كلامنا هو في من دخل مكّة وطرأ له هذا المانع . فإذن لا يمكن أن تكون هذه الرواية مقيّدة لعموم دليل النيابة إذا فرضنا أنّ فيه عموماً أو طلاقاً فإنّ هذا لا يصلح للتقييد.
إذن الحق مع الشيخ النائيني(قده) فإنّه لا فرق في جواز النيابة بالنسبة للسعي والطواف بين أن يكون الشخص داخل مكة أو خارجها.
والفت النظر إلى قضيّةٍ وهي ليست علميّة ولكنها أقرب إلى الوجدانية:- وهي أنّه بناءً على ما ذكره(قده) - يعني أن الشخص الذي هو خارج مكة لا يشمله دليل النيابة - لو فرض أن شخصاً كان في منى وبعد أن رمى وأتى بباقي الأعمال طرأ عليه طارئ لا يتمكن معه من الذهاب إلى مكة لأجل الطواف والسعي فإنه بناءً على ما أفاده(قده) يلزم أنّه لا يصحّ له أن ينيب شخصاً في الطواف والسعي لأنّ دليل النيابة خاصٌّ بمن كان داخل مكة وأمّا منى فليست هي جزء من مكّة فعلى هذا الأساس لا تصحّ هذه النيابة، وماذا يفعل وهل يحتمل هذا في حقه ؟!! إنّه لا يوجد احتمالٌ في أنّه لا تصحّ له النيابة في الطواف والسعي لكونه خارج مكّة.
إذن الذي هو خارج مكة والذي لا تصحّ منه النيابة هو من لم يدخل أبداً لا مثل هذا الذي دخل ثم طرأ عليه طارئ، هذا كل كلامنا في الحالة الثانية بكلا شقّيها.