32/07/12


تحمیل

الفرع السادس:- إذا فرض أن المحرم لم يتصدَّ بنفسه لقص أظافره وإنما قصها له شخص آخر ، فيقع السؤال مرة بلحاظ المحرم المقصوص أظافره وهل تثبت عليه الكفارة أو لا ؟ وهل تثبت في حقه الحرمة التكليفية أو لا ؟ ومرة أخرى نتحدث عن فعل الشخص الذي تصدى للقص وهل تثبت عليه الكفارة أو لا ؟ وهل تثبت في حقه حرمة تكليفية أو لا ؟ إذن توجد حالتان:-

الحالة الأولى:- يفترض أن الشخص المحرم قدَّم يده باختياره إلى الشخص القاص إما بطلب ابتدائي من الشخص القاص أو من دون طلب مسبق والجامع انه يقدِّم يده باختياره.

والحالة ثانية:- أن نفترض انه نائم أو غافل فيقص له أظافره وهو غافل مثلاً أو مع الإكراه ، والمهم انه ليس باختياره.

أما بالنسبة إلى الحالة الأولى:- فالمناسب ثبوت الكفارة وثبوت الحرمة التكليفية على المحرم الذي قدَّم يده باختياره ، لأنه يصدق عليه أنه قصَّ أظافره ، وصحيحة أبي بصير السابقة إن لم تكن شاملة للمورد المذكور بنفسها فلا أقل من عدم احتمال الخصوصية من كون المحرم يقص أظافره بنفسه ، فانه لا نحتمل الخصوصية من هذه الناحية بل لا فرق بين ذلك وبين أن يقدم يده للآخر فإن الحرمة التكليفية ثابتة والكفارة كذلك.

 وأما بالنسبة إلى الشخص المتصدي للقص:- فهل تثبت عليه الحرمة والكفارة أو لا ؟ أما بالنسبة إلى الكفارة فلا وجه لثبوتها ، فان صحيحة أبي بصير قد دلت على ثبوتها في حق من قص أظافره وهذا لم يقص أظافره وإنما قص أظافر غيره فالصحيحة لا تدل على ثبوت الكفارة في حقه ، واحتمال الخصوصية موجودٌ ، ومعه يتمسك بأصل البراءة لنفيها عنه . إذن من ناحية الكفارة لا موجب لثبوتها في حقه.

 وإنما الكلام هو بالنسبة إلى الحرمة التكليفية فهل فعل محرما أو لا ؟

 والجواب:- انه بناءاً على حرمة الإعانة على الإثم يكون المورد مصداقاً لذلك من دون فرق بين كون القاص محرماً أو محلاً ، فانه على كلا التقديرين قد أعان على الإثم وبناءاً على حرمتها يكون قد ارتكب حراماً .

 نعم إذا قلنا إن الإعانة ليست محرمة وإنما المحرم هو التعاون على الإثم والعدوان باعتبار أن الآية الكريمة تقول ( ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) أي ( ولا تتعاونوا ) ولم تقل ( ولا تعينوا على الإثم ) فالمنهي عنه هو التعاون دون الإعانة ، والفرق بينهما انه في مادة ( التعاون ) يفترض أن الفعل الواحد يكون منتسباً إلى الاثنين معاً لا إلى احدهما بالخصوص ، كأن هذا يضربه بسكين والثاني أيضاً يضربه بسكين فهم تعاونا واشتركا في قتله بحيث أن القتل ينتسب إليهما معاً ، وأما في مادة ( الإعانة ) فالنسبة تكون إلى واحدٍ ، ودور الثاني دور المساعد والمقدمة ، بأن يفترض إن أحدهما يقدّم السكين للثاني وذاك يقتل الشخص ، فالقتل منتسب إلى خصوص أحدهما وليس إلى كليهما ودور الآخر دور المقدمة . إذن يوجد فرق بين مادة التعاون وبين مادة الإعانة ، والآية الكريمة نهت عن التعاون ولم تنه عن الإعانة ، وعليه فلا يمكن أن نستفيد منها حرمة الإعانة بل خصوص حرمة التعاون[1] .

 إذن بناءاً على حرمة الإعانة وانه لا تختص الحرمة بخصوص التعاون يكون المناسب ثبوت الحرمة في حق المتصدي للقص لأنه معين على ارتكاب القص المحرَّم في حق المُحرِم من دون فرق بين أن يكون القاص محرماً أو لا .

نعم هناك طريق آخر لإثبات الحرمة:- وهو التمسك بقاعدة التسبيب التي بنى عليها السيد الخوئي (قده)[2] وذلك بأن يقال: أنه حينما يقول الشارع ( لا تشرب النجس ) فالعرف يفهم أن لا تشرب بنفسك ولا تشرب غيرك ، أي لا تُسَبِّب لشرب الغير ، هكذا ادعى (قده) ، ولو تمت هذه القاعدة فيمكن أن يقال أن الشخص القاص إذا كان محرماً وتختص هذه القاعدة بحالة ما إذا كان القاص محرماً سوف يتوجه إليه النهي فيقال له ( لا تقص أظافرك ) والعرف يفهم منه النهي عن التسبيب أيضاً ، يعني لا تقص أظافرك ولا تُسَبِّب إلى قص أظافر الغير ، انه قد يقال بانطباق هذه القادة على المقام فتثبت الحرمة في حق القاص .

 أما إذا أنكرنا القاعدة أو سلمناها ولكن قلنا ان التسبيب يصدق إذا كان الطرف الأخر غافلاً لا ما إذا كان ملتفتاً ، فلا تثبت حينئذ الحرمة .

والخلاصة:- انه بناءاً على حرمة التسبيب قد يحكم بالحرمة على القاص شريطة أن يكون محرماً ، بخلاف ما إذا كان المستند حرمة الإعانة فان الحرمة تثبت على القاص سواء كان محلاً أم محرماً.

وأما الحالة الثانية:- فنقول هنا أما بالنسبة إلى المحرم النائم فلا حرمة تكليفية ولا كفارة عليه كما هو واضح فإنهما فرع الالتفات والمفروض أن هذا نائم أو غافل ، وأما بالنسبة إلى الشخص القاص فلا تثبت في حقه الكفارة لنفس ما ذكرناه في الحالة الأولى ، إذ الدليل قد دل على ثبوت الكفارة في حق المقصوص منه الأظافر دون القاص .

 وإنما الكلام في الحرمة التكليفية ، وهنا لا يمكن تطبيق قاعدة حرمة الإعانة لو سلمنا بثبوتها ، ولماذا ؟ لأن المفروض أن الطرف الثاني غافل أو نائم فلا حرمة في حقه حتى يصدق على القاص انه قد أعان على الإثم.

 نعم بناءاً على تمامية قاعدة التسبيب يمكن الحكم بالحرمة إذا كان القاص محرماً إذ يتوجه إليه النهي عن قص أظافره ومن هذا النهي يفهم العرف حرمة التسبيب إلى قص أظافر الغير . بهذا انتهت هذه المسألة.

[1] هكذا ذكر الحاج ميزا علي الايرواني في حاشيته على المكاسب ووافقه جماعة على ذلك .

[2] ذكر ذلك في كتاب الطهارة من التنقيح عند تعرض صاحب العروة لمسالة انه هل يجوز تقديم النجس إلى الجاهل ؟ هنا ذكر انه لا يجوز وذلك استنادا إلى قاعدة التسبيب.