32/07/08


تحمیل

دوران الأمر بين الزيادة والنقيصة:- عرفنا فيما سبق إن صحيحة أبي بصير قد ورد فيها على أحد النقلين كلمة ( قيمة ) وعلى النقل الآخر لم ترد هذه الكلمة ، وحينئذ يدور الأمر بين أن تكون هذه الكلمة زائدة وان عدم ذكرها هو الصحيح وبين العكس.

 وفي هذا المجال قد يدعى أن الأصل هو أن الزيادة قد وقعت في موقعها المناسب ، يعني أن ذكر كلمة ( قيمة ) هو المناسب وليس شيئاً زائداً وإنما الخلل هو في حذفها ، وهذا ما ربما يعبر عنه بأن الأصل هو عدم الزيادة ، والمقصود واحدٌ ، فحينما يقال ( الأصل عدم الزيادة ) فيقصد منه أن الزيادة واقعة في موقعها المناسب وان ذكر كلمة ( قيمة ) هو المناسب والصحيح . وهذه قضية يجدر الالتفات إليها في البداية.

قد يستدل على الأصل المذكور بالوجوه التالية:-

الوجه الأول:- التمسك بقاعدة ( كلما اجتمع نص صريح في معنىً معين وحديث آخر ظاهر في معنىً منافٍ للأول جمع بينهما بتأويل الظاهر لحساب الصريح ) وهذه قضية عرفية عقلائية قياساتها معها ، يعني أن دليلها هو العرف.

وتطبيق هذه الكبرى في المقام يكون بالشكل التالي:- نتمكن أن نقول إن ناقل الزيادة كلامه ونقله صريح في ثبوت الزيادة ، بينما الذي لم ينقلها يكون نقله ظاهراً في عدم وجود الزيادة وليس صريحاً في ذلك ، إذ غاية ما تحقق منه هو السكوت عن ذكر الزيادة ، والسكوت لا يولّد صراحةً في عدم وجود الزيادة بل أقصى ما يولّده هو الظهور في عدم ثبوت الزيادة ، إذ يقال لو كانت الزيادة ثابتةً لنقلها ، ولمّا لم ينقلها فيكون عدم نقله لها ظاهراً في عدم ثبوتها ، وهذا بخلاف ناقل الزيادة فانه حينما ينقلها يكون كلامه صريحاً في ثبوتها ، ومعه تُرفع اليد عن الظهور في النقيصة لأجل صراحة ناقل الزيادة في ثبوتها . إذن مقامنا صغرى لتلك الكبرى . هكذا قد يقال في توجيه الأصل المذكور.

ويرده:- إنا نسلم أن كلام ناقل الزيادة يكون صريحاً في ثبوتها بخلاف كلام ناقل النقيصة فانه ظاهرٌ في عدم ثبوت الزيادة ، ولكن نقول إنما يجمع العرف برفع اليد عن الظهور لأجل الصريح فيما إذا فرض أن الكلام الصريح والظاهر وردا في كلام متكلم واحد ، فأنا الواحد لو نقلت نقلين أحدهما صريح في معنىً والآخر ظاهر في معنىً مغاير فالعرف يجمع بينهما بتوجيه الظاهر أو برفع اليد عنه بقرينة الصريح ، أما إذا فرض أن الصريح ورد في كلام شخصٍ والظاهر ورد في كلام شخصٍ آخر فهل يجمع العرف في مثل هذه الحالة برفع اليد عن الظاهر لحساب الصريح ؟ انه لا يجزم بذلك ، فان السيرة دليل لبّي والقدر المتيقن منها ما إذا كان كلا الكلامين لشخص واحد ، اما إذا كانا لشخصين فلا يجزم بانعقاد السيرة على طرح الظاهر لحساب الصريح ، بل لعل السيرة تعد ذلك من المتعارضين اللذين لا يقبلان الجمع العرفي ، بل يمكن أن نقول لا معنى للجمع بين الكلامين ما داما لشخصين ، فان الصريح إذا ورد في كلام هذا والظاهر ورد في كلام ذاك فلا معنى لجعل هذا الصريح قرينة على توجيه ذلك الظاهر ورفع اليد عنه ، أن هذا لا معنى له في حد نفسه ، نعم إذا كانا صادرين من شخص واحد فيمكن أن يدعى أن كلام الشخص الواحد يفسر بعضه بعضاً .

والخلاصة :- إنا لا نجزم بانعقاد السيرة على الجمع برفع اليد عن الظاهر بقرينة الصريح في حالة كون الكلامين لشخصين ، ومقامنا من هذا القبيل ، فان الناقل لأحد الكلامين الذي فيه الزيادة هو الشيخ الطوسي أو من ينقل عنه الشيخ الطوسي ولو بوسائط ، بينما النقيصة حصلت من الشيخ الصدوق أو ممن ينقل عنه بواسطة أو وسائط لا أن الزيادة والنقيصة حصلتا معا في كلام شخص واحد - أعني أبو بصير مثلاً - بل حصلت جزماً أو احتمالاً من الناقل عن أبي بصير ولو بوسائط ، إذن هذا الوجه الأول لا يمكن التمسك به لما أشرنا إليه.

الوجه الثاني:- إن المقام يدور بين غفلتين ، يعنى أن ناقل الزيادة غفل وبسبب غفلته نقل الزيادة ، أو أن ناقل النقيصة غفل فسكت عن نقل كلمة ( قيمة ) مثلاً ، إن منشأ ذكر الزيادة أو حذفها ليس هو إلا الغفلة ، فأما أن يكون الغافل هو الأول أو أن يكون هو الثاني .

 ومعه يقال: متى ما دار الأمر بين غفلتين غفلة تستدعي ذكر الزيادة وغفلة تستدعي النقيصة فالغفلة الأقوى هي الغفلة بالنقيصة ، إذ الإنسان عادةً حينما تنتابه الغفلة يحذف كلمةً لا انه يذكرها ، ولا نريد أن نقول إن الغفلة تنحصر بالنقيصة دائماً ولا يمكن أن تكون بالزيادة ، وإنما المقصود هو أنه غالباً ما تصير الغفلة سبباً لحذف كلمة ، لا أن تصير سبباً لذكرها ، ومعه يكون الحق مع الشيخ الطوسي الذي ذكر كلمة ( قيمة ) لما اشرنا إليه.

إذن هذا الوجه مركب من مقدمتين:- الأولى:- أن منشأ الزيادة وهكذا النقيصة هو الغفلة ، وبسببها تحصل الزيادة أو النقيصة .

الثانية:- إن الغفلة تستوجب النقيصة عادةً دون الزيادة ، ومعه يكون الأقوى هو ثبوت الزيادة وأنها وقعت في موقعها المناسب ، فان الغفلة في الحذف أقوى من الغفلة في الذكر والزيادة.