32/05/22


تحمیل

مسالة 265 :-

إذا ستر المحرم رأسه فكفارته شاة على الاحوط . والظاهر عدم وجوب الكفارة في موارد جواز الستر والاضطرار .

تشتمل المسالة على نقطتين :-

النقطة الأولى:- انا ذكرنا فيما سبق ان المحرم لا يجوز له ان يستر رأسه ، ولكن لو فرضنا انه خالف ، فالاحوط ان يكفر بشاة

والنقطة الثانية :- ان التكفير بشاة لا يشمل مورد جواز الستر للاضطرار ، وقد جاء في العبارة ( والاضطرار ) والظاهر ان الصواب ( للاضطرار ) ، والأمر سهل .

أما بالنسبة إلى النقطة الأولى :- فقد نقل ذلك عن الأصحاب وقيل ان ذلك مقطوع في كلماتهم ولم ينقل خلاف في ذلك .

ولكن ما هو المستند ؟

يشكل تحصيله :- وقد يتمسك لذلك بصحيحة الحلبي ( المحرم إذا غطى رأسه فليطعم مسكينا في يده )[1] ، ولو كنا نحن وهذه الرواية لكان المناسب الحكم بذلك ، أي بلزوم التكفير بإطعام مسكين.

 هذا ولكن الحر نفسه (قده) نقل هذه الرواية في باب آخر ولكن المذكور فيها بدل ( الرأس ) كلمة ( الوجه )[2] فانه نقل الرواية عن الشيخ الطوسي بسند ينتهي إلى الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام ( المحرم إذا غطى وجهه فليطعم مسكينا في يده ) ، إذن لا نجزم بكون الوارد كلمة ( رأس ) وانه إذا غطى رأسه يطعم مسكينا . نعم المصير إلى ذلك من باب الاحتياط شيء وجيه ، وإلا فالجزم بالفتوى مشكل بعد عدم ثبوت كون الوارد كلمة ( رأس ) وكلامنا هو في ستر الرأس .

ان قلت :- انه يمكن المصير إلى ذلك من خلال طريق آخر ، وذلك بأن يقال ؛ ان نقل صاحب الوسائل ما دام قد اختلف فمرة نقل الرواية ( المحرم إذا غطى رأسه فليطعم مسكينا في يده ) وأخرى ( المحرم إذا غطى وجهه فليطعم مسكينا في يده ) ، وحيث لا ندري ان الصحيح هو الأول أو الثاني ، فهذا يدل على وجود نسختين من الرواية ، فيحصل علم إجمالي بوجوب الإطعام أما إذا ستر المحرم رأسه أو إذا غطى وجهه ، فعلى هذا الأساس يلزم إطعام مسكين في كلتا الحالتين ، يعني إذا غطى رأسه أو غطى وجهه ، وبالتالي يكون إطعام المسكين واجباً من بعد منجزية العلم الإجمالي ، وبالتالي قد انتهينا إلى لزوم إطعام المسكين عند ستر الرأس من خلال هذا الطريق وهو منجزية العلم الجمالي .

قلــت :- يرد عليه :-

أولا :- إنا إذا حققنا في النقل أكثر أمكن حصول الاطمئنان بأن الاشتباه من صاحب الوسائل (قده) بحيث ينحل العلم الإجمالي وان كان صاحب الوسائل (قده) قليل الاشتباه في مقام النقل ، وهذا من إحدى الكرامات ، إذ الاشتباه في نقل الحروف والكلمات في مثل الروايات المذكورة المتشابكة شيء طبيعي ، ولكن وقوع صاحب الوسائل في مثل الاشتباه المذكور شيء نادر ووجه حصول الاطمئنان هو ان الرواية قد نقلها الحر من الشيخ الطوسي ، وهي لم تذكر في التهذيب إلا مرة واحدة ، فقد نقلها الشيخ الطوسي عن الحلبي بلسان ( المحرم إذا ستر وجهه ) أي الثابت هو كلمة ( وجه ) ، ويظهر ان الشيخ الطوسي كان ملتفتاً وليس هناك اختلاف في نسخ التهذيب ، لان الشيخ الطوسي قال هكذا ( إذا غطى المحرم وجهه فهو وان لم يفعل حراما ولكن عليه إطعام مسكين ، ثم قال ويدل على ذلك ما رواه الحلبي

( إذا غطى المحرم وجهه فليطعم مسكينا في يده ) .

 إذن المطلوب الذي يريد ان يستدل عليه هو تغطية المحرم وجهه وان عليه إطعام مسكين ، فحينما استدل فلابد انه استدل بروايةٍ قد اثبت فيها كلمة ( وجه ) دون كلمة ( رأس ) ، فاحتمال تعدد النسخ في التهذيب شيء بعيد بعد النكتة المذكورة فلا بد وان يكون الاشتباه من صاحب الوسائل (قده) ، انه يمكن حصول الاطمئنان بذلك فيزول العلم الإجمالي .

وثانياً :- انه يمكن ان يقال ان العلم الإجمالي المذكور حتى لو انعقد وافترضنا اختلاف نسخ التهذيب إلا انه ليس بمنجز ، فان شرط تنجيز العلم الإجمالي هو إذا كان علماً بالتكليف الإلزامي على كلا التقديرين بان يفترض بأني اعلم ان هذا حرام أو ذاك حرام ، انه هنا يحصل علم بالتكليف الإلزامي فيكون منجزاً ، أما إذا كان الحكم على احد التقديرين هو الكراهة وعلى التقدير الثاني هو الحرمة فلا يكون ذلك علماً بالتكليف الإلزامي حتى يكون منجزاً ، وهذا ينبغي ان يكون شيئاً واضحاً .

 وتعال إلى المقام ، فان الرواية على احد النقلين تقول ( إذا غطى المحرم رأسه فعليه ان يطعم مسكيناً ) وعلى هذا التقدير يكون الحكم إلزامياً ، إذ أن ستر الرأس محرَّم وثبوت الكفارة يكون إلزامياً ، انه شيء وجيه ، ولكن على تقدير النقل الثاني ، يعني ( إذا ستر المحرم وجهه ) انه على هذا التقدير يلزم ان نحمل الكفارة على الاستحباب ، فان ستر الوجه للمحرم شيء جائز وما دام جائزا فاحتمال ثبوت الكفارة بنحو الإلزام شيء بعيد فان المباح بذاته يبعد ان تثبت عليه الكفارة .

 نعم المباح بالعرض كالتظليل - فانه يباح بالعرض أي بواسطة الاضطرار - فيمكن ثبوت الكفارة ، أما إذا كان الشيء مباحاً في حد ذاته وبعنوانه الأول فثبوت الكفارة فيه بنحو الإلزام شيء بعيد وان ذهب الشيخ الطوسي إلى ذلك في عبارة التهذيب وقال ( إذا غطى وجهه وان كان ذلك مباحاً ولكن يلزمه الكفارة )

ان ظاهره كان هو الإلزام ، ولكنا نخالفه في ذلك ونقول حمل هذه الرواية على هذا التقدير على الإلزام شيء بعيد ، وقد قلت قبل قليل ان هذه قضية قابلة للاختلاف فيما بيننا ، فرب شخص يقول ان هذا شيء ليس ببعيد ، ونحن نقول ان هذا بعيد وهذا استبعاد بنحو يتولد الاطمئنان بأن هذا الحكم ليس إلزامياً وإنما هو استحبابياً وعليه لا يكون العلم الإجمالي منجزاً ، لأنه على احد التقديرين يكون إلزامياً وعلى التقدير الثاني يكون استحبابياً .

وثالثاً :- وهو ان العلم الإجمالي ليس منجزاً من جهة أخرى ، فان المنجز هو العلم بالحرمة لا بالكفارة ، فلو كانت الرواية تدل على الحرمة أمكن ان نقول يحصل لنا علم إجمالي بثبوت حرمة جزماً إما لتغطية الرأس أو لتغطية الوجه فالحرمة نجزم بثبوتها ولكن متعلقها مردد بين تغطية الوجه وتغطية الرأس فيلزم الاحتياط بتركهما معا ، ولكن المفروض في المقام ان الرواية بصدد إثبات الكفارة ونريد ان نشكِّل علماً إجمالياً بلحاظ الكفارة فلا يمكن ان يقال ان المكلف سوف يعلم بوجوب الكفارة عليه إما في ستر رأسه أو في تغطية وجهه ، كلا ، انه لا علم بذلك ، لان المفروض ان المكلف لم يتحقق منه كلا السترين - أي ستر الرأس وستر الوجه - وإنما تحقق منه احدهما فهو أما ان يكون قد ستر وجهه ولا جزم له بثبوت الكفارة ، أو انه غطى رأسه ولا جزم بثبوت الكفارة ، نعم لو غطى الاثنين معاً فيحصل له علم بثبوت الكفارة أما على تلك التغطية أو على هذه ، وأما إذا حصلت إحدى التغطيتين فلا علم إجمالي له بثبوت الكفارة .

والفارق بين الحرمة وبين ثبوت الكفارة - حيث قلنا في باب الحرمة يتولد العلم الإجمالي وأما في باب الكفارة فلا يتولد هو :- انه في باب الحرمة تكون الحرمة فعلية وليست معلقة على شيء ، فهناك حرمة فعلية ثابتة جزماً ولكن لا يدرى هل هي لتغطية الرأس أو لتغطية الوجه ، فيصير العلم الإجمالي منجزاً ، وأما وجوب الكفارة فهو وجوب تعليقي ، يعني انه إذا فرض انه تحقق الموضوع يصير وجوب الكفارة فعلياً أما قبل تحقق الموضوع فلا وجوب فعلي للكفارة ، فمثلا الصائم في شهر رمضان يحرم عليه بالفعل هذا المفطر وذاك المفطر ، فالحرمة فعلية وثابتة لشيءٍ إما معين تفصيلاً وأما انه مردد ، وأما وجوب الكفارة فهو ليس فعلياً بل تجب الكفارة بالوجوب الفعلي ان صدر المفطر ، فقبل صدور المفطر لا علم إجمالي ولا تفصيلي لثبوت الكفارة .

 فإذن في مقامنا لو فرض ان الرواية ليست بصدد الكفارة بل بصدد إثبات الحرمة ولكن لا يدرى أنها تريد ان تثبت حرمة هذا الستر أو ذاك فيتشكل العلم الإجمالي ويكون حجة ، أما إذا كانت بصدد إثبات الكفارة وتقول تجب الكفارة ان تحقق كذا أو تحقق كذا فوجوب الكفارة ليس وجوباً فعلياً وإنما يصير فعلياً عند تحقق موضوعه ، فلا يتحقق علم إجمالي بالتكليف الفعلي ، وهذه نكتة جميلة فارقة بين وجوب الكفارة فلا يتشكل العلم الإجمالي ، وبين حرمة الشيء أو وجوب الشيء فيتشكل العلم الإجمالي .

والخلاصة :- ان العلم الإجمالي في مقامنا ليس منجزاً.

 وعليه يتضح من خلال هذا ان العلم الإجمالي ليس بمنجز .

هذا وقد حاول صاحب الجواهر

[3] ان يتمسك بوجوه ثلاثة أخرى لإثبات الحرمة :-

الوجه الأول :- التمسك بصحيحة زرارة المتقدمة عن أبي جعفر عليه السلام ( من لبس ثوباً لا ينبغي له لبسه وهو محرم ففعل ذلك ناسياً أو جاهلاً فلا شيء عليه ومن فعله متعمداً فعليه دم )[4] بدعوى وهذا من عندي أنها دلت على ان من لبس ما لا ينبغي له لبسه فعليه الكفارة ، وذلك يصدق بستر الرأس فان من ستر رأسه يصدق عليه انه لبس ما لا ينبغي لبسه .

[1] الوسائل 13 153 5 بقية كفارات الإحرام ح1

[2] الوسائل 12 505 -55 تروك الإحرام ح4

[3] الجواهر 20 - 418

[4] الوسائل 13 158 8 بقية كفارات الصيد ح4