32/05/05


تحمیل

 وبعد أن اطلعنا على الروايات نسأل ونقول ، كيف التخريج الفني لاختصاص حرمة ستر الرأس بخصوص الرجال وعدم العوم للمرأة المحرمة ؟

يمكن أن يبين ذلك بأحد البيانات الثلاثة التالية :-

البيان الأول :- التمسك بفكرة القصور في المقتضي وذلك بان يقال ؛ أنا لو رجعنا إلى الروايات لوجدنا أن بعضها قد قيد ب ( الرجل المحرم ) كالرواية الثالثة - أعني صحيحة زرارة - حيث جاء فيها ( الرجل المحرم يريد أن ينام ، يغطي وجهه من الذباب ؟ قال : نعم ولا يخمّر رأسه ) ، أن النهي عن تخمير الرأس ناظر إلى خصوص الرجل لان السؤال كان عنه ، فتكون الرواية خاصة بالرجل ولا تدل على أن المرأة المحرمة يحرم عليها ذلك أيضا ، هذا حال بعض الروايات .

 وبعضها الآخر ورد فيه التعبير بكلمة ( المحرم ) من قبيل الرواية الثانية - أعني صحيحة حريز- ( سالت أبا عبد الله عليه السلام عن محرم غطى رأسه ناسياً ، قال : يلقي القناع عن رأسه) ،انه لو فهمنا من المحرم ما يقابل المحرمة فحينئذ تكون الروايات ليس فيها تعميم فيتمسك به ، بل يكون موردها خاصا بالرجل . اللهم إلا أن نجزم بعدم الخصوصية ولكنه مشكل في خصوص المورد ، ومعه نتمسك بالبراءة عن حرمة ستر المرأة المحرمة رأسها .

وقد عرفنا أن هذا البيان موقوف على مقدمتين : -

الأولى :- أن لا نستفيد من كلمة المحرم التعميم وإنما فهمنا منها ما يقابل المحرمة وإلا كان لتعميم ثابتا .

والثانية :- أن لا يحصل لدينا الجزم بإلغاء الخصوصية ولو لأجل خصوصية موردنا وإلا كان الحكم عاما أيضا .

 إذن هذا البيان يتم على تقدير تمام كلتا مقدمتيه ، والثانية وان كانت قريبة ، إلا أن الأولى قد يوجد مجال للتوقف من ناحيتها ، يعني قد يقول قائل إني لا أفهم من المحرم أنه في مقابل المحرمة .

 والمهم لي هو كبر البيان

البيان الثاني : لو تنزلنا وقلنا أنه لا قصور في المقتضي وإنما الإطلاق تام - ولو باعتبار أن كلمة ( المحرم ) لم نفهم منها ما يقابل المحرمة - أمكن أن نقول بفكرة التقييد ، بمعنى أن بعض الروايات يستفاد منها أن حرمة ستر الرأس خاصة بالرجل ولا تعم المرأة ، واعني بذلك الرواية الأولى - أي صحيحة عبد الله بن ميمون - حيث جاء فيها ( المحرمة لا تتنقب لان إحرام المرأة في وجهها وإحرام الرجل في رأسه ) ، إنها واضحة في اختصاص حرمة ستر الرأس لخصوص الرجل ، فلو كان للروايات إطلاق أمكن تقييده من خلال هذه الصحيحة .

البيان الثالث :- لو فرضنا أن الإطلاق تام ولم نمتلك المقيد - اعني مثل صحيحة عبد الله بن ميمون - أمكن أن ندعي اختصاص الحرمة بخصوص الرجل من دون حاجة إلى رواية أو آية ، وذلك للقطع من الخارج إذ لا يحتمل أن المرأة لا يجب عليها الإحرام رأسا أو يجب ولكن عليها إن تكشف عن رأسها وتخرج كالرجل ، إن هذا مما نقطع ببطلانه من دون حاجة إلى نص شرعي ، وهذا الجزم الخارجي يكون مخصصا للروايات بلا حاجة إلى مخصص لفظي .

النقطة الثانية : لا تختص حرمة ستر الرأس بستر جميعه ، بل تعم ستر بعضه أيضا كنصفه أو ربعه ، وعلل في الجواهر [1] بأن ذلك هو مقتضى ظاهر بعض الروايات ، فان ظاهرها عدم الفرق بين ستر الكل وستر البعض فكلاهما محرم ، وقال ( إن ذلك قد صرح به الفاضل والشهيد وغيرهما أيضا ) , ولكنه (قده) لم يبين ذلك ، والحال انه قد يشكك في هذا كما سنرى .

 وأما صاحب المدارك [2] فقد نقل عن العلامة في المنتهى وجها في التعميم يقرب أن يكون فلسفيا حيث نقل عن العلامة انه قال ( النهي عن إدخال الستر في الوجود يستلزم النهي عن إدخال أبعاضه ) ، وكأنه حينما يقول الشارع ( لا تستر راسك ) فقد نهانا عن أصل الستر ، فلا بد من ترك ستر البعض أيضا وإلا لصدق الستر النهي عنه .

وجوابه واضح : حيث يقال أن الشرع لم ينه عن أصل الستر بان قال ( لا تستر ) وإنما قال ( لا تستر راسك ) فنهى عن ستر الرأس ، ويمكن لقائل أن يقول إن ستر الرأس لا يصدق عرفا إلا بستر جميعه أو اغلبه ، كما هو الحال في حلق الرأس فان النهي عن حلق الرأس يفهم منه النهي عن حلق جميع الرأس أو اغلبه ، أما حلق منطقة صغيره منه فلا يصدق عليها عنوان حلق الرأس ، وهنا أيضا كذلك حيث أن النهي عنه هو ستر الرأس وذلك لا يصدق عرفا إلا بستر جميعه أو أغلبه .

 ومن هنا حاول صاحب المدارك أن يستند إلى توجيه آخر لإثبات التعميم حيث قال ؛ انه توجد عندنا رواية يمكن أن نستفيد منها التعميم وهي الرواية الأخيرة - أي صحيحة عبد الله بن سنان - حيث جاء فيها ( سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول لأبي وشكا إليه حر الشمس وهو محرم وهو يتأذى به ، فقال تري أن أستتر بطرف ثوبي ؟ فقال : لا باس بذلك ما لم يصبك راسك ما لم يصب راسك - )

بتقريب : أن النهي هو عن إصابة الثوب للرأس حيث قال له ( لا باس ما لم يصب راسك ) فان إطلاق النهي عن إصابة الثوب عن رأسه يقتضي ذلك ، هذا ما أفاده صاحب المدارك .

 والسيد الخوئي (قده)[3] اختار ما ذكره صاحب المدارك وقال ما وحاصله : إنا لو غضضنا النظر عن الرواية الأخيرة - أعني صحيحة بن سنان - فلا يمكن أن نستفيد من الروايات التعميم ، فان غالب الروايات دلت على أن المحرّم هو ستر الرأس ، وظاهر ستر الرأس هو ستر جميعه كما في حلقه حيث انه لا يصدق إلا بحلق جميعه ، ولكن لأجل صحيحة بن سنان التي جوزت الاستتار بالثوب شريطة أن لا يصيب الرأس يمكن أن نحكم بالتعميم ، فان إصابة طرف من الثوب تصدق بتغطية بعض الرأس . انتهى ما أفاده (قده) .

 والظاهر انه لم يذكر شيئا أكثر مما ذكره صاحب المدارك .

 وقبل أن نعلق أود الإشارة إلى قضية فنية : أنه (قده) قال إن غالب النصوص نهت عن ستر الرأس ، والحال انه لو رجعنا إليها ربما يصعب تحصيل ذلك - يعني النهي عن عنوان ستر الرأس - نعم ورد في الرواية الثالثة - اعني صحيحة زرارة - ( ولا يخمّر رأسه ) الذي هو مقارب لعنوان ستر الرأس ، إن هذه هي الرواية الوحيدة التي يمكن أن يستفاد منها ذلك ، وإلا فبقية الروايات لم تأخذ عنوان ستر الرأس ، فمثلا الرواية الأولى قالت ( إحرام المرأة في وجهها وإحرام الرجل في رأسه ) ، والرواية الثانية قالت (عن محرم غطى رأسه ، قال : يلقي القناع عن رأسه ) ، وهكذا بقية الروايات فانه لم تأخذ عنوان ستر الرأس . وهذه قضية فنية ليست مهمة .

[1] الجواهر 18 - 383

[2] المدارك 7 - 355

[3] المعتمد 4 - 215