جلسة 149

كفارات الصوم

الرابع: استعمال المفطِّر بعد طلوع الفجر من دون فحص ومراعاة، وتوضيح الحال في ذلك يتمّ باستعراض الشقوق الخمسة التالية:

1. أن يفترض قيام الحجّة الشرعية على طلوع الفجر، كما إذا استيقظ الشخص وهو معتقد بعدم طلوع الفجر، ولكن الثقة أخبره بالطلوع غير أنّه لعدم حصول الظنّ له من إخبار الثقة لم يعره أهمية وأخذ يزاول الأكل والشرب، ثمّ بعد ذلك اتضح أنّ الفجر كان طالعاً، وفي مثله يجب القضاء والكفّارة معاً. أمّا القضاء فواضح، وأمّا الكفّارة فلأنّه بعد قيام الحجّة الشرعية على الطلوع يكون الشخص المذكور بحكم المتعمّد.

2. أن يفترض عدم قيام الحجّة على طلوع الفجر، ولكن يفترض في نفس الوقت عدم تحقق المراعاة والفحص، كما إذا استيقظ الشخص وكان في حجرة لا يتمكّن من خلالها ملاحظة الوقت فقال في نفسه: إن شاء الله لم يطلع الفجر، وأخذ يأكل ويشرب، ثمّ اتضح أنّ الفجر كان طالعاً، وفي مثله لا تجب الكفّارة باعتبار أنّه ليس متعمّداً، إذ الفرض عدم قيام الحجّة على طلوع الفجر، بل قيامها على العكس، وهي الاستصحاب، فإنّ مقتضى الاستصحاب حين الشك في طلوع الفجر هو عدم طلوعه، إذ سابقاً لم يكن طالعاً جزماً، فإذا شكّ بعد ذلك في الطلوع كان مقتضى الاستصحاب بقاء عدم الطلوع على حاله. وإنّما الكلام في ثبوت القضاء عليه، إذ قد يحتمل عدم ثبوته عليه باعتبار أنّه معذور في مزاولته للمفطّر بعد فرض جريان الاستصحاب في حقّه.

هذا، ولكن المعروف بين الأصحاب وجوب القضاء، بل ذكر في (الجواهر)[1] عدم وجدان الخلاف في ذلك نصّاً وفتوى، وهناك نصوص متعدّدة نذكر منها ثلاثة تدلّ على وجوب القضاء إمّا مطلقاً أو بشرط عدم المراعاة والفحص، وقبل أن نذكر هذه النصوص نلفت النظر إلى أنّنا إنّما نكون بحاجة إليها فيما إذا لم يكن لدينا عموم يدلّ على وجوب القضاء في حقّ كلّ من فاته الصوم والإمساك من طلوع الفجر إلى الغروب، أمّا إذا فرض وجود مثل هذا العموم وأنّ كلّ من فاته الصوم يجب عليه القضاء ـ كما هو مختار جماعة كالسيد الحكيم والسيد الخوئي، بل هو المعروف بين الأصحاب ولم نطّلع على مخالف في هذا المجال ـ أنّه بناءً على هذا لا نكون آنذاك بحاجة إلى النصوص الخاصّة لإثبات وجوب القضاء، إذ حتى لو لم تكن يمكن أن نحكم بوجوب القضاء تمسّكاً بالعموم المذكور.

إذاً النصوص الخاصّة يحتاج إليها مثلنا ممّن لا يرى تمامية العموم على وجوب القضاء في حقّ كلّ من فاته الصوم، والنصوص الثلاثة هي:

الأول: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ: أنّه سُئل عن رجل تسحّر ثم خرج من بيته وقد طلع الفجر وتبيّن؟ قال: «يتمّ صومه ذلك ثم ليقضه...» الحديث [2].

الثاني: موثقة سماعة بن مهران، قال: سألته عن رجل أكل أو شرب بعدما طلع الفجر في شهر رمضان؟ فقال: «إن كان قام فنظر فلم يرَ الفجر فأكل ثمّ عاد فرأى الفجر فليتم صومه ولا إعادة عليه، وإن كان قام فأكل وشرب ثم نظر إلى الفجر فرأى أنّه قد طلع الفجر فليتم صومه ويقضي يوماً آخر؛ لأنّه بدأ بالأكل قبل النظر فعليه الإعادة»[3] .

الثالث: صحيحة معاوية بن عمّار، قال: قلت لأبي عبد الله ـ عليه السلام ـ: آمر الجارية أن تنظر طلع الفجر أم لا، فتقول: لم يطلع بعد، فآكل ثم أنظر فأجد قد كان طلع حين نظرت، قال: «اقضه، أمّا أنّك لو كنت أنت الذي نظرت لم يكن عليك شيء» [4].

وهذه الروايات الثلاث تشترك في الدلالة على وجوب القضاء، غايته أنّ الأولى مطلقة، بينما الثانية ـ بل ربّما الثالثة أيضاً ـ مقيّدة بعدم الفحص والمراعاة فتكون مقيدة لها، والنتيجة بعد التقييد هي التفصيل بين حالة المراعاة فلا قضاء وبين العدم فيجب.

3. إذا افترض عدم قيام الحجّة على طلوع الفجر وفرضت المراعاة، وفي مثله لا يجب القضاء؛ لما تقدّم من أنّه مقتضى الجمع بالحمل على التقييد.

4.أنّ وجوب القضاء إنّما يرتفع عند المراعاة فيما إذا فرض حصول الاطمئنان بعدم الطلوع بعد تحقق المراعاة، وأمّا إذا لم يحصل فالمراعاة المذكورة في حكم العدم، وبالتالي يجب القضاء. هكذا ذكر قدّس سرّه.

وقد وقع الخلاف بين الأصحاب من الناحية المذكورة، فهناك رأي يرى نفس ما أفاده السيد الخوئي قدّس سرّه، ورأي يقول بأنّه مع المراعاة سواءً حصل الاطمئنان أم لا يجب القضاء، وقد اختاره السيد الحكيم قدّس سرّه[5] وتبنّاه بعض المحشّين على (العروة الوثقى) فلاحظ.

والوجه في الرأي الأوّل هو أنّ الوارد في موثقة سماعة: «قام فنظر فلم يرَ الفجر...»، ومن الواضح أنّ من يقوم وينظر في السماء ولا يرى الفجر يحصل له عادة الاطمئنان بعدم طلوعه لفرض أنّه نظر وفحص ولم يرَه، والإمام ـ عليه السلام ـ حذف كلمة الاطمئنان ولم يقل: (فنظر فلم يرَ الفجر واطمئن بذلك) اتكالاً على وضوح الأمر، إذ من الواضح أنّ من نظر ولم يرَ الفجر يحصل له الاطمئنان بعدم طلوعه. هكذا ذكر قدّس سرّه.

ولكن يمكن أن يقال: إنّ حصول الاطمئنان وإن كان حالة متعارفة ولكنّها ليست حالة دائمية، بل قد تنفك، فيمكن أن ينظر الإنسان ويحصل له الظنّ بعدم الطلوع أو الشك، وما دام ذلك أمراً ممكن التحقق فمن المناسب التمسّك بإطلاق الموثّقة، إذ الإمام ـ عليه السلام ـ لم يأخذ قيد الاطمئنان، بل قال: إن كان قام فنظر ولم ير الفجر لا إعادة عليه، فقَيْد حصول الاطمئنان لم يأخذه عليه السلام. ولعلّ نفس النظر والفحص ولو من دون حصول الاطمئنان له نحو من المدخلية في رفع وجوب القضاء، باعتبار أنّه يمثّل نحو اهتمام من المكلّف وعدم تسامحه وتهاونه، بخلاف من لم ينظر رأساً فإنّه أثبت في حقّه القضاء جزاءً على تهاونه، وعليه فالمناسب هو التمسّك بالإطلاق من هذه الناحية.

_________________________

[1] جواهر الكلام 16: 276 كتاب الصوم.

[2] الوسائل 10: 115، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب44، ح1.

[3] الوسائل 10: 115 ـ 116، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب44، ح3.

[4] الوسائل 10: 118، أبواب ما يمسك عنه الصائم، ب46، ح1.

[5] مستمسك العروة الوثقى 8: 385 كتاب الصوم.