جلسة 110

مفطرات الصوم

(مسألة 1005: إذا أفطر مُكرهاً بطل صومه، وكذا إذا كان لتقية سواء كانت التقية في ترك الصوم، كما إذا أفطر في عيدهم تقية، أم كانت في أداء الصوم كالإفطار قبل الغروب والارتماس في نهار الصوم، فإنه يجب الإفطار حينئذٍ ولكن يجب القضاء)[1] .

تشتمل المسألة المذكورة على عدة نقاط:

النقطة الاُولى: إذا اُكره الشخص على الإفطار وأفطر بالفعل فهل يجب عليه القضاء؟

أجاب السيد الماتن ـ قدّس سرّه ـ بالإيجاب، وقد وقعت هذه المسألة محلاً للخلاف بين الأعلام، فالمتقدمون ذهبوا إلى عدم المفطرية، ونسب ذلك إلى المشهور كما جاء في [مدارك الأحكام) [2] و(الجواهر) [3]، واختار بعض المتقدمين كالشيخ ـ قدّس سرّه ـ في (المبسوط) [4] وكذلك المتأخرون المفطرية ووجوب القضاء.

وسبب الاختلاف المذكور بعد عدم وجود رواية خاصة في هذا المجال هو الاختلاف في وجود المانع من وجوب القضاء بعد التسليم بتمامية المقتضي، فروايات القيء مثلاً تدل على أنه كلّ من حصل منه ذلك يجب عليه القضاء، واستثنت بعد ذلك ما إذا تحقق من دون اختيار بأن سبقه القيء وخرج، ومعه فيتمسك بإطلاقها في حالة ما إذا لم يذرعه، أي لم يسبقه فيثبت بذلك وجوب القضاء في حالة الإكراه أيضاً؛ لأنه ليس من مصاديق ذرعه وسبقه.

فالمقتضي إذاً تام وإنما الكلام في المانع، وهو الفقرة الواردة في حديث الرفع المتقدم: «رفع عن اُمّتي تسعة أشياء: الخطأ، والنسيان، وما أُكرهوا عليه»...[5]، وقد ذكر السيد الحكيم ـ قدّس سرّه ـ أنه لا يمكن التمسك به، إذ حديث الرفع حديث رفع وليس حديث إثبات، فهو ينفي الأمر بالكل ولا يثبت الأمر بالباقي، فلو فرض أن الفترة بين الحدين هي عشر ساعات فالحديث يرفع وجوب الإمساك عشر ساعات باعتبار أن بعض الساعات تشتمل على الإكراه، ولكنه لا يقول هناك أمر بالإمساك بمقدار الساعات المتبقية التي لم يقع فيها إكراه، وعليه فكيف تثبت صحة ما تبقى والاكتفاء به وعدم الحاجة إلى القضاء؟ إن ذلك غير ممكن.

وبالجملة نفي وجوب القضاء يتوقف على ثبوت الأمر بالباقي، وحديث الرفع لا يثبت ذلك، بل ينفي الأمر بالكل، وهذه مسألة سيّالة قد تطبق في غير مقامنا أيضاً، ففي الصلاة مثلاً إذا فرض تعذر بعض الأجزاء فلا يمكن الحكم بصحة الباقي تمسكاً بحديث الرفع لنفس النكتة. هذا ما ذكره السيد الحكيم قدّس سرّه [6].

وأضاف السيد الخوئي قدّس سرّه [7] بياناً آخر، وهو ما أشار إليه فيما سبق، وحاصله: أن حديث الرفع ناظر إلى رفع أثر الفعل الوجودي، فإذا تحقق شيء ووجد في الخارج فالأثر الشرعي المترتب عليه يكون مرفوعاً ما دام قد صدر عن إكراه، وفي مقامنا الفعل الوجودي الصادر عن إكراه هو الأكل في بعض اللحاظات، والأثر الشرعي المترتب على ذلك لولا الإكراه وجوب الكفارة، فيكون ذلك مرفوعاً لو فرض تحقق الإكراه، ولذلك يحكم بأن المكره لا كفارة عليه تمسكاً بحديث الرفع، وأمّا وجوب القضاء فليس هو أثراً لذلك، بل هو أثر لعدم الإتيان بالمأمور به، فإن من لم يأتِ بالمأمور به يكون القضاء ثابتاً في حقه، والحديث ناظر إلى أثر الفعل الوجودي، وأمّا ما يترتب على العدم فليس بناظر إليه حتى يُرفع، هذا ما أفاده قدّس سرّه.

وكلا الكلامين قابل للتأمل، أمّا ما أفاده السيد الحكيم ـ قدّس سرّه ـ فنسلم أن حديث الرفع حديث رفع وليس حديث إثبات، ولكن نحن لا نريد التمسك به لرفع الأمر بالكل حتى يقال: إن هذا لا ينفعنا، إذ مجرد رفع الأمر بالكل لا يثبت الأمر بالباقي، وإنما نريد التمسك به بشكل آخر، وذلك بأن نطبقه على الفعل الوجودي، أي على الأكل الصادر عن إكراه، فيقال: إننا نرفع بالحديث وجوب القضاء المترتب على الفعل الوجودي، وهو الأكل الصادر عن إكراه. نعم، يأتي آنذاك ما أفاده السيد الخوئي ـ قدّس سرّه ـ من أن وجوب القضاء ليس أثراً للفعل الوجودي، لكن جوابه ما سنذكره.

وأمّا ما أفاده السيد الخوئي ـ قدّس سرّه ـ فباعتبار أن بعض الروايات قد رتبت وجوب القضاء على الفعل الوجودي، كما في روايات القيء حيث قالت: «إذا تقيّأ الصائم فعليه قضاء ذلك اليوم»...[8].

ولك أن تقول في بيان المناقشة ما يلي: إنه إمّا أن نسلم ترتب وجوب القضاء في الروايات على الفعل الوجودي أو لا نسلم بذلك، فعلى الأوّل يثبت أن وجوب القضاء أثر شرعاً للفعل الوجودي، وبذلك يمكن تطبيق الحديث لرفع وجوب القضاء عند تحقق المفطر إكراهاً، وعلى الثاني يثبت عدم وجوب القضاء من باب القصور في المقتضي، إذ لو اعترفنا أن الروايات لم تثبت وجوب القضاء عند ارتكاب أحد المفطرات فذلك يعني الاعتراف بالقصور في المقتضي، وأنه لا دليل شرعاً على وجوب القضاء عند ارتكاب أحد المفطرات فيتمسك آنذاك بأصل البراءة.

إن قلت: يمكن التمسك لإثبات وجوب القضاء بما دل على أن كلّ من ترك المأمور به يجب عليه القضاء، فيكون وجوب القضاء بناءً على هذا مترتباً على ترك المأمور به.

قلت: لو كان لدينا مثل هذا اللسان أو بما مضمونه فلا إشكال آنذاك، ولكن لا يوجد عندنا مثل ذلك حتى نتمسك بإطلاقه، أجل ورد أن من أفطر وجبت عليه الكفارة، فإن مثل هذا اللسان موجود، لكن هذا لا ينفع، إذ بقرينة إثبات الكفارة يكون خاصاً بغير المكره، وعليه فنحن إمّا أن نعترف بأن الروايات قد رتبت وجوب القضاء على فعل أحد المفطرات وبذلك يثبت مطلوبنا وهو أن وجوب القضاء أثر شرعي للفعل الوجودي، أو لا نسلم بذلك، وهذا يعني الاعتراف بالقصور في المقتضي، وعلى كلا التقديرين يلزم ألاّ نحكم بوجوب القضاء؛ إمّا لحديث الرفع، وذلك على التقدير الأوّل، أو للقصور في المقتضي، وذلك على التقدير الثاني، فمقتضى الصناعة على هذا الأساس نفي وجوب القضاء على المكره وفاقاً لما عليه المتقدمون من الأصحاب.

النقطة الثانية: إذا أفطر الصائم لا لأجل الإكراه، بل للتقية وجب عليه القضاء أيضاً، سواء فرض أنه ترك الصوم من الأساس فيما إذا كانت التقية تقتضي ذلك، كما هو الحال في يوم عيدهم فإنه يترك الصوم رأساً للتقية، أو يفترض أن التقية لم تكن تقتضي الترك رأساً، بل للمخالفة في كيفية الأداء، كما إذا أفطر الشخص قبل الغروب أو ارتمس في نهار الصوم حيث يرى بعض العامة جواز ذلك، إنه على كل تقدير يجب القضاء. هكذا ذكر قدّس سرّه.

________________________

[1] منهاج الصالحين ج1 كتاب الصوم، المفطرات ص269.

[2] مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام ج6 كتاب الصوم ص69.

[3] جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام ج16 كتاب الصوم ص258.

[4] المبسوط ج1 كتاب الصوم ص273.

[5] الوسائل 15: 369، أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ب56، ح1.

[6] مستمسك العروة الوثقى ج8 كتاب الصوم ص318.

[7] مستند العروة الوثقى ج1 كتاب الصوم ص257.

[8] الوسائل 10: 87، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب29، ح3.