جلسة 83

المفطّرات

وقد يقال: بأنّ عليّ بن الحسن بن فضّال لا يروي عن والده مباشرة؛ لأنّه ذكر: أنّي كنت صغير السنّ حينما أدركته، فتجنبت الرواية عنه مباشرة، ولذلك كان يروي عنه بالواسطة، وبناءً على هذا قد يقال: إنّ علي بن الحسين الوارد في سند الكليني هو مصحّف عليّ بن الحسن، والمقصود ابن فضّال، وبذلك يخرج عن كونه مجهولاً. وأمّا محمّد بن الحسين فهو مصحّف محمّد بن الحسن، يعني ابن فضّال، وهو أخ عليّ بن الحسن، وبذلك يصير السند هكذا: أحمد بن محمّد، يعني العاصمي أو ابن عقدة، عن عليّ بن الحسن بن فضّال، عن أخيه محمّد بن الحسن بن فضّال، عن أبيه وهو الحسن بن فضّال، وبذلك يكون السند صحيحاً ويتمّ ما نقل عن عليّ بن الحسن من أنّه لا يروي عن والده مباشرة، إذ بناءً على هذا قد روى عن أبيه بواسطة أخيه، ويكون السند الذي ذكره الشيخ الكليني ـ قدّس سرّه ـ هو الصحيح، بخلاف السند الذي ذكره الشيخ ـ قدّس سرّه ـ فإنه يكون مشتملاً على الخلل، حيث روى فيه عليّ بن الحسن عن أبيه مباشرة، وتكون هناك واسطة ساقطة، وحيث أنّها مجهولة فتكون بحكم المرسلة، وبهذا تنعكس النتيجة تماماً، فبينما كنّا نقول سابقاً: إنّ طريق الشيخ ـ قدّس سرّه ـ هو الصحيح وطريق الشيخ الكليني ليس بصحيح، صار طريق الشيخ الكليني هو الصحيح وطريق الشيخ بحكم المرسل.

هذا، ويمكن أن يجاب بأنّ ما ذكر في تصحيح طريق الكليني لا يعدو الظنّ، فيُظنّ أنّ علي بن الحسين هو علي بن الحسن، وأنّ محمّد بن الحسين هو محمّد بن الحسن، ولا يتولّد اطمئنان بذلك، والظنّ لا يكفي في أمثال المقام، فتصحيح طريق الكليني بهذا البيان مشكل، خصوصاً وأنّ المناسب على التصحيح المذكور أن يقال عن أخيه محمّد بن الحسن، فيؤتى بكلمة (أخيه)، وعدم ذلك يمنع من حصول الاطمئنان.

يبقى أنّ طريق الشيخ قد حكم بالإرسال عليه، فكيف يدفع؟

ويمكن الجواب عن ذلك بأنّ عليّ بن الحسن وإن ذكر: إنّي تجنّبت الرواية عن والدي، ولكنّه ذكر أنّه يروي بواسطة أخويه، وعليه فإن كانت هناك واسطة محذوفة فتلك الواسطة أخواه، وحيث أنّهما ثّقتان فلا مشكّلة. ولكن تبقى المشكلة السابقة على حالها، وهي أنّه لا ندري هل السند الصحيح هو ما نقله الشيخ الطوسي حتّى يكون سنداً صحيحاً، أو ما نقله الكليني حتّى يكون ساقطاً عن الاعتبار.

والذي يهوّن الخطب أنّ صاحب (الوافي) [1] ـ قدّس سرّه ـ ذكر أنّ نسخ (الكافي)، مختلفة، فبعضها ذكر السند بالشكّل الذي تقدّم عن (الكافي)، وبعضها نقله بالشكّل الذي تقدّم عن الشيخ الطوسي، وهذا يعني أنّ بعض نسخ (الكافي) موافقة لنقل الشيخ الطوسي، وبذلك قد يحصل اطمئنان بنقل الشيخ وتصير الرواية معتبرة السند. هذا كلّه من حيث السند.

وأمّا من حيث الدلالّة فالكلام يقع من ناحيتين:

الاُولى: هل المدار في المفطّرية على الاحتقان بالمائع، أو يعمّ ذلك الجامد؟

الثانية: أنّ عملية الاحتقان هل هي محكومة بالمفطّرية والحرمة التكليفية، أو بخصوص الحرمة التكليفية؟

أمّا بالنسبة إلى الناحية الاُولى فيمكن أن يقال: إنّه بناءً على تصحيح سند الرواية الثالثة يمكن تخصيص الحكم بالمائع؛ لأنّ الثالثة قالت: «لا بأس بالجامد»، وهي مخصّصة للثانية وللاُولى معاً، إذ الثانية قالت: «لا بأس بإدخال الدواء للصائم»، فيخصّص ذلك بالجامد، والاُولى قالت: «الصائم لا يجوز له أن يحتقن»، فيخصّص ذلك بغير الجامد، فإذاً التخصيص بالمائع واضح بناءً على صحة سند الثالثة.

وأمّا بناءً على حذفها من الحساب والاقتصار على الروايتين الاُوليين فقد يحكم بالتعارض بينهما، حيث أنّ الاُولى لم تجوّز مطلقاً، والثانية جوّزت مطلقاً، فيسقطان ونرجع إلى البراءة أو إلى إطلاق صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة [2].

ويمكن الجواب بأن الرواية الاُولى عبّرت بالاحتقان وهو مختصّ بالمائع، فغير المائع لا يعبّر عنه بالاحتقان، وعلى الأقل ذلك هو المنصرف من كلمة الاحتقان، ومعه تكون الرواية الاُولى مختصّة بالمائع، فتخصّص الرواية الثانية التي نفت البأس مطلقاً وتحمل على خصوص الجامد، وبذلك نصل إلى النتيجة التي عليها مشهور الفقهاء.

وأمّا بالنسبة إلى الناحية الثانية فيمكن أن يقال: بأنّ النهي قد ورد في الصحيحة الاُولى حيث قال: «الصائم لا يجوز له أن يحتقن»، وظاهر نفي الجواز هو عدم الجواز تكليفاً، ومعه يحكم بحرمة الاحتقان تكليفاً من دون الحكم بالمفطرية؛ لعدم الدليل.

وقد يجاب عن ذلك بأنّ النهي وإن كان ظاهراً في الحرمة التكليفية إلاّ أنّه في باب المركبات هناك ظهور آخر خاصّ بها، وهو الظهور في الإرشاد إلى المانعية والفساد، فحينما يقال: تصلِّ في ما لا يؤكل لحمه، يفهم منه الإرشاد إلى مانعية ذلك وأنّ الصلاة في ذلك فاسدة، لا أنّ ذلك محرّم تكليفاً، إذ لا إشكال في أنّ ارتداء ما لا يؤكل لحمه ليس كارتداء الذهب والحرير بالنسبة للرجل بحيث يكون من المحرّمات النفسية، كلا إنّه ليس كذلك لا في الصلاة ولا في غيرها، وعليه لابدّ من حمل نفي الجواز في الصحيحة الاُولى على بيان المانعية والإرشاد إلى الفساد على تقدير الاحتقان.

وفيه: أنّ دعوى احتمال هذا الظهور الثانوي في باب المركبات أمر وجيه، ولكن ادعاء الجزم به مشكل، فإنّه في مثل: «لا تصلِّ فيما لا يؤكل لحمه» نسلّم أنّ المقصود هو الإرشاد إلى المانعية، ولكن ذلك ليس لظهور نفس النهي في ذلك، بل للارتكاز المتشرّعي على أنّ لبس ما لا يؤكل لحمه ليس هو من المحرّمات التكليفية. وهكذا في كلّ مورد يراد الاستشهاد به علٍى الظهور المذكور يمكن أن ندعي وجود ارتكاز متشرّعي على عدم الحرمة النفسية، فدعوى الظهور المذكور مشكّلة، وعليه فالحكم بمفطرية الاحتقان أمر مشكّل خصوصاً إذا لاحظنا صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة التي حصرت المفطرات في ثلاثة، فإنّ مقتضى الصحيحة المذكورة عدم مفطرية ما سوى الثلاثة، ولسانها آبٍ عن التخصيص، ولكن حيث أنّ المعروف بين الفقهاء هو الحكم بالمفطرية فالمصير إلى الاحتياط في المسألة يكون أمراً وجيهاً.

________________________

[1] الوافي 11: 182.

[2] الوسائل 10: 31، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب 1، ح 1.