جلسة 80

المفطّرات

مسألة 997: الظاهر إلحاق النوم الرابع والخامس بالثالث[1] .

______________________

الظاهر أنّ الوجه في إلحاق النوم الرابع والخامس بالنوم الثالث هو أنّه إن لم يكن مثله فالأمر لا يعدو أحد احتمالين:

الاحتمال الأوّل: أن يكون حكمه أقل وأضعف من النوم الثالث بأن لا يجب فيه شيء حتّى القضاء فضلاً عن الكفارة.

الاحتمال الثاني: أن يكون حكمه أشدّ بأن يجب فيه القضاء والكفارة، بل أكثر من كفارة واحدة.

أمّا بالنسبة إلى الاحتمال الأوّل فهو بعيد جدّاً، وذلك لأنّ النوم الثاني والثالث إذا كان يجب فيهما القضاء فقط أو القضاء والكفارة فمن البعيد جدّاً ألاّ يجب شيء في الزائد عن النوم الثالث، وإلا يلزم أن يكون بإمكان الشخص أن ينام النوم الثالث لينفي عنه وجوب القضاء أو وجوب الكفارة.

وأمّا بالنسبة إلى الاحتمال الثاني فهو وجيه في نفسه، ولكن ذلك يحتاج إلى مثبت، وحيث أنّه مفقود ـ إذ لم ترد رواية في حكم ما زاد على النومة الثانية وإنّما انعقد الإجماع على أن النومة الثالثة تجب فيها القضاء والكفارة ـ فنتمسك بالبراءة.

والخلاصة: أنّ النوم الزائد على النوم الثالث حكمه حكم النوم الثالث، فإذا قلنا بوجوب القضاء والكفارة في النوم الثالث فيلزم أن نقول بذلك في الزائد عليه، إذ الحكم الأشد يحتاج إلى دليل، والحكم الأضعف غير محتمل.

مسألة 998: الأقوى عدم إلحاق الحائض والنفساء بالجنب، فيصح الصوم مع عدم التواني في الغُسل وإن كان البقاء على الحدث في النوم الثاني أو الثالث [2].

________________________

تقدّم التفصيل بين النومة الاُولى والنومة الثانية في خصوص الجنب، حيث دلّت صحيحة معاوية بن عمّار المتقدّمة على أن الجنب إذا نام النومة الاُولى فلا شيء عليه، وإذا نام النومة الثانية فعليه القضاء، وإذا نام النومة الثالثة فالإجماع انعقد على وجوب الكفارة مضافاً إلى القضاء، ولكن هل يشمل هذا التفصيل الحائض والنفساء أم لا؟

المناسب عدم الشمول، وذلك لأنّه لم ترد رواية تدلّ على التفصيل المذكور بلحاظهما، وعليه فلا يمكن الحكم بالإلحاق. ودعوى عدم الخصوصية عهدتها على مدعيها.

نعم، وردت في الحائض موثّقة أبي بصير عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال: «إن طهرت بليل من حيضتها ثمّ توانت أن تغتسل في رمضان حتّى أصبحت عليها قضاء ذلك اليوم» [3]، وقد دلّت على أنّ المدار التواني وليس على النومة الاُوّلى أو الثانية، فعلى هذا الأساس متى ما صدق عنوان التواني وجب القضاء حتّى لو كان ذلك في النومة الاُولى، وإذا لم يصدق ذلك فلا يجب القضاء حتّى لو كان ذلك في النومة الثانية فما زاد، فالمدار إذاً على صدق التواني وعدمه وليس على النوم الأوّل أو الثاني.

يبقى الكلام في أنّ الموثّقة خاصّة بالحائض، فكيف يمكن إلحاق النفساء بها؟ يمكن ذلك إذا تمّت دعوى قيام الإجماع على عدم الفرق بينهما في الأحكام، فإن تمّ فهو، وإلاّ كان إثبات الحكم المذكور للنفساء مبنياً على الاحتياط.

وهل الاحتياط وجوبي أو استحبابي؟

إنّ ذلك مرتبط بدراسة الإجماع، فإن فرض أنّ احتمال انعقاده كان ضعيفاً فالمناسب أن يكون استحبابياً، وإن كان احتمال انعقاده قويّاً فالمناسب أن يكون وجوبياً.

وبهذا انتهى الحديث عن المفطِّر السابع.

(الثامن): إنزال المني بفعل ما يؤدّي إلى نزوله مع احتمال ذلك وعدم الوثوق بعدم نزوله، وأمّا إذا كان واثقاً بالعدم فنزل اتفاقاً، أو سبقه المني بلا فعل شيء لم يبطل صومه[4] .

__________________________

تشتمل المسألة المذكورة على نقطتين:

النقطة الاُولى: أنّ الاستمناء مفطِّر، ومفطريته لا خلاف فيها في الجملة، وقد ادعي الإجماع أو الاتفاق أو نفي الخلاف [5] على ذلك.

والظاهر اتفاقهم على عدم الفرق بين أن يكون سبب نزول المني هو الملاعبة مع الأهل أو سبباً آخر، ولكن إذا رجعنا إلى الروايات فقد لا نستفيد منها التعميم المذكور. والروايات هي كما يلي:

أ ـ صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السلام ـ عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتّى يمني؟ قال: «عليه من الكفّارة مثل ما على الذي يجامع» [6].

ب ـ موثقة سماعة قال: سألته عن رجل لزق بأهله فأنزل؟ قال: «عليه إطعام ستّين مسكيناً، مدّ لكلّ مسكين» [7].

وقد يلاحظ أنّنا نستفيد من الروايتين المذكورتين ثبوت الكفارة دون القضاء.

ولكن لا يبعد وجود ارتكاز متشرّعي على أنّه متى ما وجبت الكفارة وجب القضاء، فيكون المستند حينئذٍ لوجوب القضاء هو ضمّ هذا الارتكاز الدال على الملازمة.

يبقى أنّ مورد الروايتين هو العبث بالأهل أو اللزق بها، ومعه كيف نثبت التعميم لحالة الإنزال بغير ذل، كما إذا كان باليد أو بغيرها؟

وفي هذا المجال ذكر السيّد الخوئي ـ قدّس سرّه ـ [8] أن الرواية الاُولى عبّرت بكلمة (حتّى)، حيث قالت: يعبث بأهله في شهر رمضان حتّى يمني، والرواية الثانية عبّرت (بالفاء)، حيث قالت: لزق بأهله فأنزل، وهذا يعني أنّ العبث بالأهل أو اللزق بها لوحظ كطريق إلى إنزال المني، وكأنّ السائل يقول: أنزل الرجل المني فكان الطريق والمقدّمة هو العبث بالأهل أو اللزق بها، وهذا معناه أنّه لا خصوصية للعبث أو اللزق، بل المدار على إنزال المني بأي شكّل اتفق.

وفيه: أنّ هذا الاستظهار أوّل الكلام، فلعلّ الشخص يسأل عن هذه الفرضية ـ عبث حتّى أنزل ـ وليس سؤاله عن مطلق الإنزال بأي سبب كان.

ولو تنزّلنا وسلّمنا بهذا الاستظهار فيمكن أن يقال: بأنّه يتمّ لو كان وارداً في كلام الإمام عليه السلام، بحيث هو ـ عليه السلام ـ قال ابتداءً: إذا عبث الرجل بأهله حتّى أمنى وجبت عليه الكفارة، أمّا لو كان وارداً في كلام السائل ـ كما هو المفروض ـ فلا يمكن فهم التعميم، إذ لعلّ الإمام ـ عليه السلام ـ أجاب بلزوم الكفارة من باب أن هناك إمناءً بإضافة العبث بالأهل بحيث يكون المجموع بما هو مجموع له المدخلية في ثبوت الكفارة، ومعه كيف نستظهر عمومية الحكم لكلّ إنزال؟! وجرّب ذلك من نفسك، فلو فرض أنّك كنت ترى أنّ الإنزال بسبب العبث بالأهل هو الموجب للكفارة لا مطلق الإنزال، وجاءك شخص وسألك قائلاً: رجل عبث بأهله حتّى أنزل، فكيف يكون جوابك؟ إنّه يكون كما أجاب عليه السلام، أي تقول: عليه الكفارة.

________________________

[1] منهاج الصالحين 1: 266.

[2] منهاج الصالحين 1: 266.

[3] الوسائل 10: 69، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب 21، ح 1.

[4] منهاج الصالحين 1: 267.

[5] مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام 6: 61. الحدائق 13: 118، المطلب الثاني. الجواهر 16: 252.

[6] الوسائل 10: 39، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك،ب 4، ح 1.

[7] الوسائل 10: 40، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك،ب 4، ح 4.

[8] مستند العروة الوثقى 1: 118.