33-12-21


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

33/12/21

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مسألة ( 354 ) / الـواجـب الخامس مــن واجبـات عمـرة التمتع ( التقصير) / باب السعي / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 وفيه:-
 أولاً:- إن كلتا القرينتين يمكن مناقشتهما:-
 أما القرينة الأولى:- فلاحتمال أن المقصود من قوله عليه السلام ( ليس له أن يقصر ) ليس ما أفاده من أن التقصير حرام عليه تكليفاً حتى تستنتج من ذلك صحة الإحرام الثاني ، كلا بل يحتمل أن يكون المقصود هو أنه لو أراد أن يقصِّر ويرجع إلى الصواب من الآن لتصحيح متعته فليس له ذلك فإن المتعة قد بطلت بتقديم إحرام الحج على التقصير ولا يجديه التقصير بعد ذلك لتصحيحها ثم الإحرام بعده . إذن عبارة ( ليس له التقصير ) ذات وجهين فكما يراد منها ما أفاده (قده) من الإشارة إلى الحرمة التكليفية كذلك يحتمل أن تكون إشارة إلى ما ذكرناه من أنه قد انسد عليه الباب ولا يمكن له تصحيح متعته بالتقصير الآن ثم الإحرام بعد ذلك ، وما دامت العبارة ذات احتمالين فلا يمكن التمسك بظهورها إذ لا ظهور لها بعد هذا الإجمال.
 وأما القرينة الثانية:- " وهي أن الإمام عليه السلام قد سكت وسكوته يدل على تصحيح الإحرام الثاني " فيمكن أن يقال:- إن الإحرام الثاني لو كان صحيحاً حقاً لكان من المناسب للإمام عليه السلام أن يبين ويقول ( عليه أن يكمل هذا الإحرام الثاني كحج إفراد أو كعمرة مفردة ) فإن هذا البيان لازم ولا يمكن للإمام عليه السلام أن يسكت عن هذه القضية فإن صحة الإحرام تستدعي لزوم الإكمال إما بهذا النحو أو بذاك فسكوته عن لزوم إكماله بأحد النحوين يمكن أن نستكشف منه البطلان عكس ما أراد هو(قده) إذ لو كان صحيحاً لأوضح عليه السلام لزوم الإكمال.
 إذن كلا القرينتين اللتين ذكرهما لإثبات صحة الإحرام الثاني قابلتان للمناقشة.
 وثانياً:- سلّما أن الإحرام الثاني صحيح لما أفاده(قده) من القرينتين ولكن صحة الإحرام الثاني لا تلازم أن يصير الحج حج أفراد فلعله يصير عمرة مفردة ، إن كلا الاحتمالين موجود . إذن بذل الجهد لإثبات صحة الإحرام الثاني لا يثبت من خلاله رأي المشهور بعدما كان إكمال الإحرام الثاني يمكن أن يكون بنحو العمرة المفردة.
 وثالثاً:- إنه ذكر أنه بعد الإكمال بعنوان حج الإفراد يلزم أن يأتي بعمرةٍ مفردةٍ ، ونحن نقول:- من أين لك هذا ؟ فان حجّ الإفراد لا يلازم العمرة المفردة بل هي عمل مستقل ، فلو فرض أنه كان قد اعتمر عمرة مفردة في زمنٍ سالفٍ وأدّى ما عليه من واجب فما المثبت آنذاك للإتيان بها لحجّ الإفراد ؟! نعم ثبت ذلك بالدليل الخاص في باب الحائض فالمرأة إذا طرأ عليها الحيض ولم يمكنها الإتيان بحج التمتع لضيق الوقت كما لو أحرمت ثم حاضت ولا يمكنها أن تنتظر حتى تطهر وتأتي بعمرة التمتع فإنه قد دل الدليل على انقلاب حجّها إلى الإفراد وتأتي بعد ذلك بعمرة مفردة ، ولكن هذا قد دلّ عليه الدليل في هذا المورد الخاص ولا يمكن أن نستفيد منه أنه يلزم الإتيان بعمرة مفردة بعد حج الإفراد في جميع الموارد.
 ورابعاً:- إن المشهور وهو(قده) أيضاً لم يذكروا بياناً وتوجيها لإثبات نظر الروايتين إلى العامد فانه لم يؤخذ في لسانهما كون الشخص قد تعمَّد ترك التقصير وتقديم إحرام الحج عليه وإنما الذي ورد في رواية أبي بصير هو ( المتمتع إذا طاف وسعى ثم لبّى بالحج قبل أن يقصّر فليس له أن يقصّر وليس له - عليه - متعة ) والذي ورد في رواية للعلاء بن فضيل هو ( سألته عن رجل متمتع طاف ثم أهل بالحج قبل أن يقصّر ، قال:- بطلت حجته هي حجّة مبتولة ).
 إذن كلتا الروايتين لم يذكر فيهما أن المكلف قد تعمّد التقصير فكيف نثبت التعميم للمتعمّد أو أن نظر الروايتين إليه ؟
 والجواب:- إن غاية ما يمكن أن يقرّب به هو ما أشرنا إليه سابقاً وذلك بأن يتمسك إما بالإطلاق أو بفكرة عدم الاستفصال ، ففي الرواية الثانية كان سؤالاً من قبل الراوي حيث قال ( سألته عن رجل متمتع طاف ثم أهل بالحج قبل أن يقصِّر ، قال:- بطلت عمرته ) فهنا لا معنى للتمسك بالإطلاق بل نتمسك بفكرة ترك الاستفصال فالإمام عليه السلام لم يستفصل بين كون الشخص متعمداً أو غير متعمد فبترك الاستفصال يثبت العموم للمتعمّد وإذا ثبت العموم له ولغيره فنقول إن الساهي قد خرج بالروايات السابقة فيبقى المتعمّد تختص به هذه الرواية ، أو التمسك بإطلاق الرواية الأولى التي تقول ( المتمتع إذا طاف وسعى ثم لبّى للحج قبل أن يقصّر فليس له أن يقصِّر وليس له متعة ).
 إذن العموم للعامد نستفيده إما من فكرة الإطلاق أو من فكرة ترك الاستفصال ، وحينئذ نقول:- إن شرط انعقاد الإطلاق عدم احتمال احتفاف الكلام بالقرينة الارتكازية المتصلة الواضحة ، فمرَّة نجزم بأن هناك قرينة ارتكازية متصلة وواضح أنه هنا لا ينعقد الإطلاق ، ومرَّة نحتمل احتمالاً عقلائياً وجيهاً أن الكلام كان محتفّاً بقرينة ارتكازية متّصلة وفي مثل هذه الحالة يمكن أن يدعى - كما ادعى بعض - أن الإطلاق لا ينعقد ما دامت القرينة المحتملة قرينة متصلة ارتكازية بحيث لا تستحق النقل ، وفي مقامنا نقول إنه يحتمل ذلك لأن الامام عليه السلام حينما يتكلم يعتمد على شيءٍ واضح وهو أن المسلم الذي أراد الحج لا يتعمَّد المخالفة فيترك التقصير ويقدِّم إحرام الحج ، إن هناك قرينة ارتكازية متصلة من هذا القبيل وهي أن النظر ليس إلى هذه الحالة وهذا احتمال وجيه ومعه كيف ينعقد الإطلاق ؟!! ولا يخفى لطف ذلك.
 ومعه يتضح الحال إذا أريد التمسك بفكرة ترك الاستفصال فالكلام هو الكلام فيقال:- إن الإمام عليه السلام لم يستفصل لاحتمال أن هناك وضوح في أن الشخص لا يكون متعمداً في ترك التقصير والاتيان بإحرام الحج مقدّماً عليه.
 إذن دعوى انعقاد الإطلاق والعموم للمتعمّد شيء مشكل على مقتضى الصناعة والفن . نعم ينعقد الإطلاق بلحاظ الجاهل والناسي فإن ذلك ممكن في حقهما غايته نقول قد خرج الناسي بالروايات السابقة فيبقى الجاهل تحت هاتين الروايتين.
 وبهذا يتضح أن ما ذكره المشهور من أن حكم المتعمد هو الانقلاب إلى حج الإفراد ليس في محله إذ الروايتان لم يرد فيهما قيد المتعمد وإنما يمكن التمسك بالإطلاق بالبيان المتقدم وقد عرفت مناقشته ، وعليه فالمناسب أن يبقى المتعمد على طبق القاعدة الأولية ، يعني أن إحرامه للحج يكون باطلاً وأما بالنسبة إلى عمرة التمتع فإذا كان يوجد مجال للتقصير ثم الإحرام للحج فبها وإلّا فقد فاته الحج في هذه السنة . نعم بالنسبة إلى الناسي نتمسك بالروايات الأربع المتقدمة ويأتي الحديث عنه مجدداً انشاء الله تعالى.
 وأما بالنسبة إلى الجاهل فلا محذور في شمول الروايتين له ونقول بتبدل حجّه التمتعي إلى إفراد تمسكاً برواية العلاء فان سندها وإن اشتمل على محمد بن سنان ولكنّا نميل إلى وثاقته وغض النظر عنه لرواية الأكابر والأجلة عنه ، هذا هو المناسب صناعياً في المقام .
 نعم تبقى مسألة الاحتياط - ولكنها مسألة ثانية - وهي أنه هل على الجاهل الحج فـي السـنة الثانيـة ؟
 والجواب:- إن مقتضى سكوت الامام عليه السلام هو عدم وجوب ذلك ولكن مقتضى الاحتياط الاعادة في السنة الثانية بعد التبدل في السنة الأولى إلى حج الإفراد.