33/04/24


تحمیل
 الموضوع :- الشك في عدد الأشواط / واجبات الطواف / باب الطواف / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 وفيه:-
 أولاً:- ان هذا لو تم فهو يتم بناءً على ارادة الحرج النوعي من القاعدة المذكورة دون الحرج الشخصي ، فانه بناءً على الحرج النوعي يمكن أن يقال:- حيث أن الاعادة بعد الفراغ من الطواف تشتمل على حرج بلحاظ غالب الناس ونوعهم والحالة العامة هي كذلك فيرتفع آنذاك وجوب الاعادة حتى في حق الشخص الذي لا حرج شخص عليه في الاعادة ، وأما اذا بني على ارادة الحرج الشخصي فيلزم أن نفصِّل بين الأشخاص ونقول ( من كانت الاعادة حرجية في حقه فلا اعادة ومن لا حرج عليه فتلزمه الاعادة ) والمفروض أن الفقهاء لم يفصِّلوا كذلك بل لا خلاف بينهم في نفي وجوب الاعادة مطلقاً ، فنحن نحتاج الى دليل تكون نتيجته عدم وجوب الاعادة بشكلٍ مطلقٍ وهذا لا ينفع ، وقد ذكرنا في بعض الابحاث السابقة أنه لا يبعد استظهار ارادة الحرج الشخصي من لسان قوله تعالى ( ما جعل عليكم في الدين من حرج ) فان المقصود هو ( ما جعل عليك يا زيد حكماً حرجياً ، وما جعل عليك يا عمرو حكماً حرجياً ...... وهكذا ) فهو مجموعة تكاليف منفية ولكن أبرزت بمثل هذا اللسان - أي بلسان الوحدة - من قبيل ( أقيموا الصلاة ) يعني أقم الصلاة يا زيد وأقم الصلاة يا عمرو ..... فهي تكاليف موجهة الى الاشخاص وبعددهم ولكن جُمِعت بهذا اللسان ، وبناءً على هذا يكون المدار على الحرج الشخصي - أي بلحاظ كل شخصٍ شخص - ولا معنى لملاحظة النوع ، اللهم الا أن يقوم دليل من الخارج فنلتزم بذلك ، ولكن لو خلينا والخطاب فلا يستبعد ارادة الحرج الشخصي منه.
 وثانياً:- ان غاية ما تدل عليه قاعدة نفي الحرج هو نفي وجوب الاعادة على هذا المكلف الشاك في عدد الاشواط بعد الفراغ ، ولكن هذا لا ينفي وجوب الاستنابة فان وجوب الاعادة بالمباشرة يشتمل على الحرج أما جعل نائب عنه فليس أمراً حرجياً ونحن نريد دليلاً ينفي هذا وذاك بينما قاعدة نفي الحرج تنفي وجوب المباشرة ولا تنفي وجوب النيابة.
 وثالثاً:- وهو الأهم ، وهو أن قاعدة نفي الحرج قاعدة نافية - أي أنها تنفي التكليف - وليست مثبتة فان لسانها لسان نفيٍ حيث تقول ( ما جعل ) أي لم يجعل عليكم وجوب الاعادة أو وجوب النيابة ، ولكن هذا لا يسمن ولا يغني من جوع فان المهم هو اثبات الاجزاء والصحة وأن هذا الحج صحيح قد فرَّغ الذمة من حجَّة الاسلام وهذا لا يثبت ذلك فالقاعدة لا تثبت أن هذا العمل صحيح وبه تفرغ الذمة بحيث لو حصلت استطاعة جديدة في السنة الثانية لا يجب عليه الحج ، بل أقصى ما نستفيده منها هو أنه لا يجب عليك أيها المكلف أن تذهب بالمباشرة وتعيد الطواف ، ولكن ليس هذا هو الهدف المهم بل الهدف المهم هو أن عملي هذا مجزٍ ومسقِطٍ لما في الذمَّة وهذا لا يمكن أن تثبته قاعدة نفي الحرج ، وقد أشرنا في بعض الابحاث السابقة الى هذه القضية وأن غاية ما نستفيد من هذه القاعدة هو نفي التكليف الحرجي أما الاثبات فلا ، ولذلك قلنا لو فرضنا أن الزوجة كانت معيشتها حرجية مع الزوج فيجوز لها الخروج من البيت والذهاب الى أهلها ولا يجب عليها الاطاعة ولا يحرم عليها الخروج لأنها حرجيَّة فتكون منفيَّة بالقاعدة ، ولكن لو طلبت الطلاق منه فلا يستطيع الحاكم الشرعي فعل ذلك استناداً الى قاعدة نفي الحرج لأنها لا تثبت الولاية للحاكم الشرعي في الطلاق بل لابد من التفكير في طريق آخر.
 اذن المهم في مناقشتنا لكاشف اللثام هو أنا نريد أن نقول:- نحن نريد أن نثبت أن هذا العمل صحيح ومجزٍ وقد فرغت به الذمة والقاعدة لا تنفعنا في ذلك بل أقصى ما تدل عليه هو عدم وجوب اعادة الطواف عليه وهذا لا ينفعنا ، والمهم هو ما أشرنا اليه.
 والنتيجة النهائية:- من شك في عدد الأشواط بعد الفراغ من الطواف فلا يعتني بشكه للوجهين السابقين لا لما أفاده كاشف اللثام.
 وقبل أن ننهي حديثنا يوجد استدراك وحاصله:- قلنا في المحاضرة السابقة ان الدليل الثاني على عدم الاعتناء بالشك اذا كان بعد الفراغ هو الروايات التي اشتملت على التعبير بكلمة ( ففاته ) فان استدراكي يرتبط بهذه القضية وهي أنه قد يقول قائل:- هناك رواية يظهر منها أن المقصود من جملة ( ففاته ذلك ) لا ما استقربناه حيث استقربنا أن المقصود هو حصول الشك بعدما فاته الطواف وانتهى ، بل توجد رواية تدل على أن الشك حصل قبل الفوات ولكن المكلف لم يعتن به وتلك هي صحيحة منصور بن حازم المتقدمة حيث جاء فيها ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام اني طفت فلم أدرِ أستة طفت أم سبعة فطفت طوافاً آخر [1] ، فقال:- هلا استأنفت ، قلت:- طفت وذهبت ، قال:- ليس عليك شيء ) ان هذه الرواية قد يظهر منها أن الشك قد طرأ قبل أن يفوت ويفارق المحل حيث قال ( طفت طوافاً آخر ) أي أتيت بشوطٍ ، ثم لما قال الامام عليــه الســلام ( هلّا استأنفت ) قال ( طفت وذهبت ) ان هذه قد يظهر منها أن الذهاب قد تحقق بعد الشك لا أن الشك قد طرأ بعد الذهاب.
 وهو شيء وجيه ولكن نفس هذه الرواية قد رواها الشيخ الكليني(قده) بشكل آخر ليس فيه ما يوحي بذلك - أي بكون الشك قد طرأ قبل الطواف - حيث نقلها عن نفس منصور بن حازم هكذا ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل طاف طواف الفريضة فلم يدر ستةً طاف أم سبعة ، قال:- فليعد طوافه ، قلت:- ففاته ، قال:- ما أرى عليه شيئاً والاعادة أحب اليَّ وأفضل ) ومقتضى هذا النقل أن من القريب أن يكون الشك بعد الفوات والفراغ ، وحيث أن من البعيد تعدد الرواية بحيث يسأل منصور الامام عليه السلام مرتين فيحصل الاطمئنان بكونهما رواية واحدة والّا فالبعد وحده لا يكفي ، بل قلنا في بعض الأبحاث بكفاية الاستبعاد أيضاً باعتبار أن مدرك التعدّد هو السيرة العقلائية وهي لا يجزم بانعقادها على الحكم بالتعدد في مثل هذا المورد الذي تلوح منه القرائن على الوحدة .
 وعلى أي حال بعد فرض كون الرواية واحدة وعدم معلومية الصادر فلا يعود مانع من الأخذ بظهور بقية الروايات التي ورد فيها التعبير بفقرة ( ففاته ذلك ) ، والمهم هو اسقاط ظهور هذه الرواية حتى يبقى ظهور تلك الروايات بلا معارض.
 والخلاصة من كل هذا:- هو أن الشك لا عبرة به ما دام بعد الفراغ.
 بيد أن هناك نقطة أخرى:- وهي أنه بم يتحقق الفراغ ؟ بعد الالتفات الى أن الصلاة اليومية قد يقال بأن الفراغ منها يتحقق بفقرة ( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ) وأما الطواف فكيف يتحقق الفراغ منه بعد الالتفات الى أن الشارع لم يجعل حدّاً معيناً للفراغ منه ؟ نعم جعل حّداً لانتهاء الوجوب فالوجوب ينتهي عند الوصول الى الحَجَر الأسود في الشوط السابع ، أما أنه ينتهي بذلك الطواف كانتهاء الصلاة بالتسليم فهذه قضية تستحق البحث .
 قال كاشف اللثام في هذا المورد:- ان المدار على القصد حيث قال ( والعبرة في الانصراف بالنية ) [2] .
 والجواب:- ان هذا يحتاج الى مدرك وسند علمي ولا يوجد له سند الا أن يدَّعى أن العرف يرى أن الفراغ يحصل بالنية ، ولا ندري هل الأمر كذلك عرفاً أو لا.
 والمناسب ان يقال:- ان الدليل جعل المدار على عنوان المضي ، فان موثقة محمد بن مسلم المتقدمة قالت ( كل ما مضى ) والعقلاء يرون ذلك أيضاً أي أن المدار على المضي - وحينئذ كلما صدق المضي عرفاً كفي ذلك ولا يبعد أن يقال انه يصدق عرفاً في حالتين:-
 الأولى:- اذا دخل المكلف في العمل الثاني الذي يأتي بعد الطواف - أعني صلاة الطواف - فانه يصدق عليه آنذاك عنوان المضي عرفاً.
 والثانية:- ان تمضي فترة ليست بالقصيرة يتحقق معها عنوان المضي عرفاً كما اذا فرض أنه انتهى من الطواف وحلَّ وقت صلاة الجماعة فانه ينتظر الى تنتهي الجماعة وهذا لعله يحتاج الى فترة خمس دقائق مثلاً فبهذه الفترة يصدق عنوان المضي ، أما اذا فرض انه لم يتحقق هذا ولا ذاك كما اذا وصل الى الحَجَر الأسود في الشوط السابع وتجازوه وبعد أن تجاوزه بأقل من دقيقة شك هل أنه أتى بستة أو بسبعة فهنا يشكل صدق عنوان المضي عرفاً ، والقضية عرفية وليست شرعية فالشرع قد جعل المدار على المضي أما كيف يتحقق عنوان المضي ؟ فحيث أنه سكت عنه فهذا معناه أنه أوكل الأمر الى العرف ، وقد قلت ان العرف يرى في هاتين الحالتين أن المضي قد تحقق.


[1] وهنا فسرنا ( طوافا آخر ) بالشوط.
[2] كشف اللثام 5 439.