33-11-24


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

33/11/24

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- الـواجـب الخامس مــن واجبـات عمـرة التمتع ( التقصير) / باب السعي / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 وهناك شيء لم يتعرض إليه السيد الماتن ولعله لم يتعرض إليه أيضاً:- وهو أنه هل يلزم قصد التحلل عند الإتيان بالتقصير أو أنه يكفي الإتيان به وأن لم يقصد ذلك ؟ كما إذا كان المكلف جاهلاً بكون التقصير محلّلاً فانه لا يقصد به التحلّل . وبالجملة:- هل أن قصد التحلل شيء لازم في التقصير بحيث لولاه لا يحصل التحلل أو لا ؟
 والجواب:- هناك حالتان لابد من استثنائهما وإخراجهما عن محلّ البحث:-
 الأولى:- إذا اشترطنا قصد القربة - كما هو المعروف بين الفقهاء - فان المكلف إذا قصد القربة في فعله فذلك يعني أنه قد قصد التحلل ولو إجمالا إذ أن قصد القربة يدعو إلى ما هو واجب ومطلوب شرعاً والمطلوب شرعاً هو التقصير الذي يحصل به التحلل فأنا حينما أقصد القربة فبإتياني به قد قصدت التحلل بالتبع وإن لم أعرف ذلك تفصيلاً . إذن هذه الحالة ينبغي استثنائها وهي مجزية بلا اشكال.
 الثانية:- إذا قصد المكلف الإتيان بالتقصير بما أنه واجب ومطلوب شرعاً فإن هذا يستدعي قصد التحلل أيضاً إذ الواجب شرعاً هو التقصير الذي به يحصل التحلل فمن قصد الإتيان بهذا الواجب فقد قصد التحلل بالتبع.
 إذن هاتان الحالتان لا ينبغي الاشكال في الإجراء فيهما وإنما الاشكال فيما لو لم يعرف المكلف هذا ولا ذاك - أي لم يقصد التقرب ولا قصد عنوان كونه واجباً - كما لو فرض أنه كان جديد عهدٍ بالإسلام أو ليس بمطّلع على الأحكام فشاهد بعض الناس يقصّرون فقصّر بالتبع من دون أن ينوي قصد القربة أو عنوان كونه واجباً أو نفترض أنه كان يعرف هذه الأمور ولكن حصل منه هذا صدفة ، إن مثل هذا لو أمكن تحققه فهل يجزي أو أنه باطل ؟
 والجواب:- إن الروايات خالية من اعتبار ذلك وإنما جعلت التحلل نتيجة للتقصير أما أنه يلزم في التقصير أن يقصد التحلل فهي خالية عنه ومقتضى أصل البراءة - إن لم يكن هناك إطلاق ينفي اعتبار هذا القيد - هو عدم اعتبار ذلك ، يعني إن كان هناك إطلاق في الأدلة تمسكنا به وإلّا فيكفينا أصل البراءة والنتيجة واحدة ، ولكن كما قلت هذا يكون لو لم نعتبر قصد القربة وإلّا فقصد القربة أو الوجوب هو بنفسه مشير إلى ما هو الواجب شرعاً وهو ما يحصل به التحلل.
 وقبل أن نختم حديثنا في هذه النقطة نشير إلى استدراكين لما تقدم في النقاط السابقة:-
 الاستدراك الأول:- ذكرنا في بحث سابق - ولعله في النقطة الأولى من نقاط مسألتنا هذه - أنه لا توجد رواية تدل بوضوح على كون التقصير واجباً تكليفياً وإنما غاية ما يستفاد أنه به يحصل الإحلال أما أنه واجب تكليفاً فيصعب استفادته من الروايات.
 والآن نقول:- لعله توجد رواية يمكن استفادة الوجوب منها وهي صحيحة عبد الصمد بن بشير - والتي تقدمت أكثر من مرة - والتي وردت في الرجل الأعجمي الذي دخل المسجد الحرام وهو محرم وقد لبس قميصاً مخيطاً فضجّ الناس في وجهه فلما دخل الامام الصادق عليه السلام المسجد سأل عن حاله فأجابه الرجل:- إن قضيتي كذا وكذا والامام عليه السلام ذكر في هذه الرواية قاعدة مهمة حيث قال عليه السلام ( أي رجل ركب أمراً بجهالة فلا شيء عليه ، طف بالبيت سبعاً وصلِّ ركعتين عند مقام إبراهيم واسع بين الصفا والمروة وقصر من شعرك فإذا كان يوم التروية فاغتسل وأهل بالحج واصنع كما يصنع الناس ) [1] ، بتقريب:- أنه عليه السلام قال ( واسع بين الصفا والمروة وقصّر من شعرك ) وظاهر الأمر بالتقصير الوجوب التكليفي ، ان هذه الرواية رواية جيدة وهي أحسن الروايات حالاً في هذا المجال.
 وإذا أمكن التشكيك في دلالتها فهو هكذا:- إنه إذا كان الشيء واجباً بالوجوب الشرطي فحينئذ يصحّ التعبير عنه بصيغة الأمر إشارة إلى الوجوب الشرطي ، وفي كل موردٍ كان الشيء فيه واجباً بالوجوب الشرطي صحّ التعبير المذكور فيه من قبيل ( اغسل ثوبك من البول مرتين ) فان هذا أمر وظاهره الوجوب التكليفي ولكن بما أنه في باب الطهارة والنجاسة ونحن نعرف من الخارج أن غسل الثوب ليس بلازم إذ يمكن إبقاء الثوب وهو نجس وإنما الإمام عليه السلام عبرّ بذلك إرشاداً إلى الوجوب الشرطي يعني ( إن أردت أن تصلي فيه بحيث تكون صلاتك في الطاهر فاغسله ) إن هذا وجوب شرطي وليس وجوباً تكليفياً ، وفي مقامنا حيث نعلم من الخارج أن التقصير يتصّف بالوجوب الشرطي - بمعنى أن من أراد التحلّل فلابد له من التقصير فهو واجب لأجل أن يتحقق التحلل إذا أرده المكلف - وعليه ففي مثل هذا المورد الذي يكون فيه الشيء متصفاً بالوجوب الشرطي جزماً - والمفروض أن الكل متفق على الوجوب الشرطي وإنما الكلام في وجود وجوب أزيد من ذلك وهو الوجوب التكليفي - تصير الصيغة مردّدة بين الأمرين ولا أقل يزول ظهورها في الوجوب التكليفي لأنه يحتمل أن يكون المقصود هو الوجوب الشرطي بعد الجزم بأن التقصير واجباً بالوجوب الشرطي ، فالصيغة المذكورة حتى لو فرض أنها لم تكن مقترنة ببعض الموهنات والمضعّفات ولكن نفس كون التقصير واجباً بالوجوب الشرطي يزلزل ظهورها في الوجوب التكليفي ، وإذا قبلنا بهذا وكان وجيهاً فيزول الظهور في الوجوب التكليفي . هذا شيء ولكن بالتالي لا تتغير النتيجة التي انتهينا إليها وهي أنً الأحوط وجوباً كونه واجبا تكليفاً - أي يلزم على المكلف أن يأتي به لا أنه مجرد محلل -.
 الاستدراك الثاني:- ذكرنا فيما سبق - ولعله في النقطة الثانية - أن تقليم الأظافر هل يجزي في حصول التحلل من دون ضم قصّ الشعر إليه أو لا ؟ وقلنا يصعب أن نفهم من الروايات كفاية ذلك فإنها إما أن تجمع بين الاثنين معاً كصحيحة معاوية حيث جمعت بين قص الشعر وتقليم الأظفار أو أنها ذكرت قصّ الشعر من دون فالاجتزاء بتقليم الأظفار وحده.
 والآن نستدرك ونقول:- قد يتمسك بوجهين لإثبات كفاية تقليم الأظفار في حصول التحلل:-
 الوجه الأول:- ما ذكره العلامة(قده) في المنتهى على ما نقل صاحب الحدائق(قده) [2] وحاصله:- إن الروايات قد أمرت بالتقصير والتقصير كما يصدق على قصّ الشعر يصدق على الأخذ من الأظفار وتقليمها فان ذلك نحوٌ من التقصير ، قال في المنتهى ( ولو قصّ من أظفاره أجزأ لأنه نوع من التقصير فيتناوله المطلق فيكون مجزئاً ) .
 وفيه:- إن كلمة التقصير تطلق عادة على تقصير الشعر وأما الأظافر فلا يطلق ذلك بلحاظها ، وإذا فرضنا أنه كان لفظ التقصير موضوعاً لغة للأعم ولكن يمكن أن يدعى انصرافه إلى خصوص الأخذ من الشعر فالتمسك بالإطلاق شيء مشكل.
 هذا مضافاً إلى أنه لو تنزلنا وأنكرنا الانصراف وفرضنا أن كلمة التقصير عامة تشمل الموردين معاً ولكن نقول:- إن الروايات حينما ذكرت التقصير ذكرته مضافاً إلى الشعر ومقيداً به وقالت ( وقصِّر من شعرك ) كما في صحيحة عبد الصمد المتقدمة وصحيحة معاوية وغيرها ، نعم هناك رواية واحدة قد اشتملت على لفظ التقصير من دون إضافةٍ إلى الشعر وهي صحيحة معاوية بن عمار الأخرى التي قالت ( وليس في المتمة إلّا التقصير ) فإنه قد يدّعى أن كلمة التقصير هذه مطلقة فتشمل حينئذ الأخذ من الأظفار ، إنه إذا كان هناك رواية يصلح التمسك بإطلاقها فهي مثل هذه الرواية.
 ولكن يمكن أن يقال:- هي صدد بيان أن الحلق لا يكفي ، فإن الحلق لازم أو جائز في الحج وأما في عمرة التمتع فلا يجوز فيها إلّا التقصير فهي بصدد البيان من هذه لناحية أما أن التقصير بكلا فرديه جائز - يعني من الشعر ومن الأظفار وهكذا من شعر الرأس واللحية أو جميع الجسد أو غير ذلك فهي ليست بصدد البيان من ناحيته فكيف يمكن التمسك بإطلاقها آنذاك ؟!!وعليه فهذا الوجه يصعب التمسك به.
 الوجه الثاني:- التمسك بصحيحة سعيد بن يسار المتقدمة الواردة فيمن نسي بعض أشواط السعي فانه جاء فيها ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- رجل سعى بين الصفا والمروة ستة أشواط ثم رجع إلى منزله وهو يرى أنه قد فرغ منه وقلّم أظافيره وأحلَّ ثم ذكر أنه سعى ستة أشواط .. ) بتقريب:- أن ظاهر الرواية أن المرتكز في ذهن السائل هو أن تقليم الأظفار يكفي في حصول الإحلال لأنه قال ( وقلم أظافيره وأحلَّ ) يعني أحلَّ بتقليم الأظفار وليس المقصود ( وقلم أظافيره ثم أحلّ ) - أي بشيء آخر غير الأظفار - فيظهر أن المرتكز في ذهن السائل هو أن تقليم الأظفار يكفي في التحلل والإمام عليه السلام سكت عن هذا ولم يقل ( لا يكفي تقليمها عن حصول التحلل ) وبذلك يثبت المطلوب.
 اللهم إلا أن يقال:- إن الإمام عليه السلام هو بصدد علاج مشكلته من ناحية السعي أما أنه حصل له شيءٌ جهلاً حيث كان يتصور أن تقليم الأظفار يكفي في حصول الحلِّ فالإمام ليس بصدد العلاج من ناحيته كما هو الحال حينما يسألنا شخص ونحن نكون بصدد علاج مشكلته التي طرحها أما القضايا الأخرى التي يتضمنها سؤاله فقد نغضّ النظر عنها حتى لا نشوش عليه ، فإذا ادعي هذا فحينئذ لا يمكن أن يستفاد الإمضاء ، ولكن هذا شيء يمكن أن يدعى بُعدَه فتكون دلالة الرواية على كفاية تقليم الأظفار في حصول الحلِّ شيءٌ وجيه.


[1] الوسائل 12 488 45 من أبواب تروك الاحرام ح3.
[2] الحدائق 16 298.