33-11-21


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

33/11/21

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- تتمة الشك في السعي ، الـواجـب الخامس مــن واجبـات عمـرة التمتع ( التقصير) / باب السعي / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 وفيه:-
 أولاً:- إنه لا يوجد في المقام شيآن أحدهما علة والآخر معلول حتى يطبّق قانون ( إن حرمة العلة لا توجب حرمة المعلول ) بل إن نفس حركة العربة هي بنفسها طواف وسعي لا أن الطواف والسعي شيء يتحقق بحركة العربة فإن المطلوب هو الطواف والطواف عبارة عن الحركة حول الكعبة غايته الدليل لم يقيّد أن تكون الحركة بنفس الرجلين بل يكفي ولو بالواسطة فان مقتضى إطلاق الدليل كفاية الحركة ولو بالواسطة وهذه الحركة التي من خلال العربة هي في الحقيقة طواف بالكعبة لا أن الطواف شيء يتحقق بحركة العربة كما هو الحال في حركة الرجلين ، يعني لو فرضنا أن الإنسان تحرك برجليه فالطواف يتحقق بنفس حركة رجليه لا أنه شيء يتولد ومعلول لحركة الرجلين كلا بل نفس حركة الرجلين هي الطواف وإلّا فلا توجد حركتان حول الكعبة حركة للعربة وحركة للشخص فان الشخص لا يتحرك حقيقةً بل العربة هي التي تتحرك كالجالس في السفينة فانه لا توجد حركتان وهنا أيضاً كذلك هي حركة واحدة يصدق عليها أنها حركة للعربة وفي نفس الوقت يصدق عليها أنها طواف أو سعي ، وإذا سلمنا بهذا فحيث أن هذه الحركة حركة للمغصوب فيكون نفس هذا الطواف محرّماً. وبالجملة:- ما أفاده(قده) مبني على وجود اثنينية أي حركة العربة وحركة الطائف أما بعد أن عرفنا أن الحركة واحدة وهي يصدق عليها حركة للعربة ويصدق عليها في نفس الوقت أنها طواف فيلزم أن تكون محرمة ويكون الطواف محرمّاً.
 وثانياً:- لو سلمنا أن الطواف شيء يتحقق بحركة العربة ولكن مع ذلك يمكن أن نقول إنه يقع باطلاً رغم عدم حرمته فهو بنفسه ليس بحرامٍ أي الطواف المتولد من حركة العربة وهو(قده) كأنه يبني على أنه متى ما كان الطواف ليس محرماً فهو صحيح ، ونحن نريد أن نقول:- هذا المطلب نرفضه فالشيء قد لا يكون محرّماً لكن رغم ذلك يقع باطلاً والوجه في ذلك هو أن مسألة القرب والتقرب من المولى قضية عقلائية وليست بقضية عقلية ودقيّة وتتبع الحسابات الدقيِّة والعقلية ، كلا وإنما هي قضية عقلائية فما رآه العقلاء يوجب القرب يكون مقرّباً وما لا يرونه كذلك لا يكون مقرّباً وإن كان ينبغي أن يكون مقرباً بالحسابات العلمية والدقية في كلتا الحالين أو ليس بمقرب في كلتيهما ولكن في مسألة القرب والبعد المدار على النظرة العقلائية فلابد أن نرى العقلاء ماذا يرون ؟ وحينئذ نقول:- قد يكون الشيء في حدّ نفسه ليس مبغوضاً للمولى ولكنه مقارن لشيء يبغضه ففي مثله لا يتحقق التقرب بذلك الشيء الذي يحبّه وما ذاك إلّا لأجل مقارنته بما هو مبغوض نظير الشاي فقد يكون المولى راغباً فيه فيقدمه له عبده لأجل أن يتقرب إليه ولكن ليس في القدح المناسب بل في إبريق فإنه في مثل هذه الحالة هل يحصل التقرب لدى العقلاء ؟ كلا رغم أن الشاي هو في حدّ ذاته محبوب للمولى ولكن إنما يكون تقديم الشاي مقرباً إذا لم يكن في هذا الظرف غير المحبذ وإلا فلا يكون مقرباً وهذه قضية عقلائية ، لو أدخلنا الحسابات العلمية فلعل قائلاً يقول:- مادام الشاي محبوباً فيقع مقرباً وإن اقترن بشيء مبغوض للمولى ولكن بحسب الحسابات العقلائية هذا لا يكون مقرباً وقس بقية الأمثلة على ما ذكرناه ، وبناءً على هذا يمكن أن نحكم ببطلان الطواف والسعي في جميع الحالات الثلاث - يعني إذا كان ساتر العورة مغصوباً أو كان اللباس مغصوباً وإن لم يكن ساتراً أو فرض أن العربة كانت مغصوبة - فان السعي أو الطواف سوف يؤتى به بمقارنٍ مبغوض للمولى فلا يصلح مثله للتقرب ، وهذا الذي ذكرناه إذا لم يحصل لنا الجزم به فلا أقل أن يكون منشأ للاحتياط الوجوبي بالبطلان ، وهذا وجه سيّال نتمسك به في الصلوات اليومية أيضاً فإن هناك كلاماً بأن الصلاة لو أوقعت في عباءة أو قباء مغصوب فهل تقع صحيحة أو لا ؟ هناك قالٌ وقيل بين الفقهاء ، وقد اتضح من خلال ما ذكرنا أنه يوجد مجال للقول بالبطلان لما ذكرناه.
 إن قلت:- المقارن إذا كانت مبغوضيته توجب عدم صلاحية مقارنه للتقرب فلازم ذلك أن من نظر إلى الأجنبية في أثناء صلاته فسوف تقع باطلة - أي غير مقربة - باعتبار أنها اقترنت بما هو مبغوض ، وهل تلتزم بمثل ذلك ؟
 قلت:- إن درجات الاقتران في نظر العقلاء مختلفة فبعضها تولد مبغوضية بحيث أن الحبوب سوف لا يمكن أن يكون مقرباً بينما بعض درجات الاقتران الأخرى لا توجب ذلك - أي لا توجب عدم صلاحية المحبوب أن يكون مقرباً - والأمر بيد العقلاء كما قلنا والمسألة لا تتبع الحسابات الدقية ، ففي المثال المتقدم نشعر بالوجدان أن الشاي لو قُدِّم بالإبريق أو ما شاكل ذلك لا يكون مقرباً بينما لو فرض أنه وضعت إلى جنب قدح الشاي كعكة مغصوبة لكن درجة الاقتران هذه لا توجب مبغوضية ذاك بل المولى لا يأكل الكعكة وأما الشاي فيأخذه ويشربه ويحصل به تقرب من زاويته بخلاف ما لو كان في الإبريق فانه لا يشربه رأساً . إذن درجات الاقتران مختلفة في النظرة العرفية ومسألة النظر إلى الأجنبية في أثناء الصلاة هي من الدرجات الضعيفة في الاقتران فلا تؤثر على صحة الصلاة بخلاف ما لو لبس الشخص اللباس المغصوب وأدى الصلاة فيه فإن الاقتران يكون أكيداً فيؤثر على البطلان إن لم يكن جزماً فلا أقل بدرجة وجيهة توجب الاحتياط الوجوبي ، وبهذا ننهي حديثنا عن هذا المتن بفروعه الثلاث.
 
 التقصير
 وهو الواجب الخامس في عمرة التمنع . ومعناه أخذ شيء من ظفر يده أو رجله أو شعر رأسه أو لحيته أو شاربه . ويعتبر فيه قصد القربة . ولا يكفي النتف عن التقصير.
 ..........................................................................................................
 يشتمل المتن المذكور على مجموعة نقاط:-
 النقطة الأولى:- إن التقصير هو الواجب الخامس من واجبات عمرة التمتع بل هو الواجب الأخير وبه يحلّ المحرم من جميع محرمات الإحرام . إذن التقصير له خصوصيتان الأولى أنه واجب تكليفاً والثانية أنه به يحصل الإحلال ، والمسألة قد يقال بأنها إجماعيه من هذه الناحية ، قال في الحدائق ( إن وجوبه مما لا خلاف فيه على المعتمر المتمتع وأنه به يحلّ كل شيء إلّا الصيد لكونه في الحرم ) [1] ، وفي الجواهر [2] ادعى الإجماع بقسميه عليه على وذكر الشيخ النراقي [3] ذلك أيضاً.
 وإذا رجعنا إلى الروايات فاستفادة الخصوصية الثانية منها شيء مسلم - يعني أنه يحصل الإحلال - ولكن الخصوصية الأولى - أعني أن التقصير واجب تكليفاً - قد يقبل المناقشة ولو على بعض المباني فلاحظ الروايات من قبيل صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام ( إذا فرغت من سعيك وأنت متمتع فقصّر من شعرك من جوانبه ولحيتك وخذ من شاربك وقلّم من أظفارك وأبق منها لحجك فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شيء يحلّ منه المحرم وأحرمت منه فطف بالبيت تطوعاً ما شئت ) [4] ، هكذا على رواية الكليني(قده) وقريب منها رواية الشيخ الطوسي(قده) [5] ، إن هذه الرواية قد دلت على الخصوصية الثانية فانها قالت ( فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شيء ) ولكن بالنسبة إلى الخصوصية الأولى فقد يقال بأن الرواية اقترنت بمجموعة من المستحبات حيث قالت ( فقصّر من شعرك من جوانبه ولحيتك وخذ من شاربك وقلّم من أظفارك ) والحال أن هذا المجموع الرباعي ليس بلازم بل يكفي واحد منها لابد وأن يحمل الباقي على الاستحباب ، فالرواية قد اقترنت بمجموعة مستحبات ومعه يشكل استفادة الوجوب منها إلّا بناءً على مسلك حكم العقل في استفادة الوجوب والتحريم فإن أصحاب هذا المسلك يقولون إن العقل يحكم بالوجوب ما دام المولى قد طلب ذلك ونرفع اليد عن الوجوب بمقدار ما دلّ عليه الدليل - أي القرينة على عدم اللزوم - وهو قد دلّ على عدم اللزوم بقيد لجميع أي الأربعة أما الواحد منها فلم يدل الدليل على عدم لزومه فنحكم بلزوم واحدٍ منها ، فبناءً على مسلك حكم العقل ربما تكون استفادة الوجوب ممكنة ولا اشكال فيها ، وأما بناءً على مسلك الوضع - الذي نميل إليه - فالأمر مشكل.
 بل قد يشكك في استفادة الوجوب من ناحية أخرى وذلك بأن يقال:- إن الامام عليه السلام هو في صدد بيان طريقةٍ لتحقق السعة والإحلال للمكلف وتلك الطريقة هي أن يأخذ شيئاً من شعره أما إذا أراد أن يبقي نفسه في الضيق فالرواية لا تدل على الوجوب فهي قالت ( إذا فرغت من سعيك وانت متمتع فقصر من شعرك ) يعني إذا أردت أن تحلّ فهذه هي الطريقة للإحلال وللسعة أما إذا لم ترد الإحلال فحينئذ لا نقول لك أنه يجب عليك التقصير ، فتكون الرواية مجملة من هذه الناحية ، وهذا احتمال وجيه بحيث قد يسلب ظهور الرواية في الوجوب وتعود مجملة ومرددة من هذه الناحية بين الاحتمالين خصوصاً إذا التفتنا إلى أن الامام عليه السلام قال ( إذا فرغت من سعيك فقصِّر ) فإنه بلا اشكال لا يقول فقيه أنه بمجرد الفراغ من السعي يلزم التقصير بل يجوز أن يؤخر إلى أن يذهب المكلف إلى السكن أو إلى اليوم الثاني أو الثالث وهكذا ما دام لم يضايقه الحج . إذن الإمام عليه السلام حينما قال فإذا فرغت فافعل ذلك من باب بيان منفذ للراحة وإلّا فليس الهدف هو الإلزام بذلك.


[1] الحدائق 16 - 296
[2] الجواهر 20 450.
[3] مستند الشيعة 12 190.
[4] الوسائل 13 506 1 من أبواب التقصير ح4.
[5] المصدر السابق ح1.