33/01/22


تحمیل
 الموضوع :-

مسألة 295 / اشتراط الطهارة في الطواف / شروط الطواف / باب الطواف / مناسك الحج للسيد الخوئي (قد).
 مسالة 295:- الطواف المندوب لا تعتبر فيه الطهارة فيصح بغير طهارة ولكن صلاته لا تصح إلا عن طهارة.

 مضمون المسالة واضح فانه قد تقدم أن من شرائط صحة الطواف هو الطهارة من الحدث ، الآن يريد أن يستدرك ويقول ان هذا شرط في الطواف الواجب وأما الطواف المستحب فيجوز من دون ذلك . وبعبارة أصرح:- يجوز من دون وضوء ولكن هذا بالنسبة إلى خصوص الطواف ، وأما إذا فرغ منه فيلزمه لأجل صلاة الطواف أن يتوضأ . إذن يُفصَّل بين الطواف المندوب فلا يعتبر فيه الوضوء وبين صلاته فيعتبر فيها ذلك.
 أما لماذا لا يعتبر في الطواف المستحب الوضوء رغم وجود روايات مطلقة تعتبر الوضوء في الطواف من دون تقييد بكونه واجباً من قبيل صحيحة معاوية بن عمار قال أبو عبد الله عليه السلام ( لا بأس أن يقضي المناسك كلها [1] على غير وضوء إلا الطواف بالبيت والوضوء أفضل [2] ) [3] ، وهي كما ترى مطلقة فانه عليه السلام قال ( إلا الطواف بالبيت ) ولم يقل ( إلا الطواف الواجب بالبيت ) فلم يقيد بالوجوب . إذن الرواية المذكورة مطلقة ولكن يوجد مقيّد لها وهو صحيحة عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام ( لا بأس أن يطوف الرجل النافلة على غير وضوء ثم يتوضأ ويصلي فان طاف متعمداً على غير وضوء فليتوضأ وليصل ومن طاف تطوعاً وصلى ركعتين على غير وضوء فليعد الركعتين ولا يعد الطواف ) [4] ، ونحوها غيرها . ودلالتها واضحة على أن الطواف المستحب لا يلزم فيه الوضوء وإنما يلزم في الطواف الواجب فقط.
 ومن هذا يتضح النظر فيما نُسِب إلى أبي الصلاح الحلبي(قده) كما جاء في الجواهر [5] من أن الطهارة معتبرة في مطلق الطواف بما في ذلك المستحب ولابد أنه استند إلى المطلقات ، وقد عرفت أنها مقيَّدة بصحيحة عُبيد وغيرها ، والمطلب لا يستحق الإطالة.
 وهناك قضية جانبية لا بأس بالإشارة إليها:- وهي أنه قد عرفنا أن الطواف المستحب لا يلزم فيه الوضوء ، ونسأل هل يلزم فيه الطهارة من الحدث الأكبر ، أي من الجنابة أو لا ؟ و الكلام ليس في الطواف الواجب فهو حيث يعتبر فيه الوضوء فيعتبر فيه الطهارة من الحدث الأكبر بالأولوية ، وإنما الكلام في الطواف المستحب فهل يعتبر فيه الطهارة من الحدث الأكبر - ولابد وأن نفترض أن الشخص يحق له البقاء في المسجد وهو جنب كما لو فرض أنه كان نائماً في المسجد وأجنب وكان لا يتمكن من الخروج كما لو أغلقت أبواب المسجد - فهل يجوز له ذلك بعد فرض بقائه في المسجد وهو جنب لأجل وجود العذر ؟ ولا تقل ليتيمم فان الجواب هو أننا نفترض أنه لا يتمكن من التيمم ، أو نقول قضية علمية وهي أنه لم تثبت شرعيته لأجل الطواف المستحب ، فمثل هذا الشخص هل يجوز له الطواف المستحب ؟
 أجاب صاحب الجواهر [6] ووافقه على ذلك السيد الخوئي في المعتمد [7] :- بأنه يجوز ذلك ، فان المانع من صحة الطواف هو حرمة دخول الجنب إلى المسجد أو اللبث فيه والمفروض أنه معذور ومعه فالمانع من الصحة يكون منتفياً ولا دليل على اعتبار الطهارة من الحدث الأكبر في الطواف المستحب.
 وفي المقابل:- يمكن أن يدعى بأن الدليل على اعتبار الطهارة من الحدث الأكبر في الطواف المستحب موجود وهو صحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام ( سألته عن رجل طاف بالبيت وهو جنب فذكر وهو في الطواف ، قال:- يقطع الطواف ولا يعتد بشيء مما طاف ) [8] فإنها مطلقة ولم تقل ( يقطع الطواف إذا كان واجباً ) فيفهم من عدم التقييد إطلاق الحكم وأن الطهارة من الجنابة معتبرة في مطلق الطواف بما في ذلك المستحب ، فهي إذن مطلقة وبذلك تكون دليلاً في مقابل صاحب الجواهر والسيد الخوئي.
 وقد يجاب عن ذلك بدعوى الانصراف:- كما صار إليه الميرزا التبريزي(قده) [9] ، أي أنها منصرفة إلى الطواف الواجب فلا تكون دليلاً في مقابل العلمين.
 وقد تُرَدُّ دعوى الانصراف:- كما ردَّها هو(قده) بأن الانصراف المذكور لا وجه له فان الإمام عليه السلام في بعض الروايات فصَّل بين الطواف الواجب والطواف المندوب بلحاظ الوضوء مثلاً كما في صحيحة عبيد السابقة فكان من المناسب لو كان هناك فرق بين الطواف الواجب والمستحب بلحاظ الطهارة من الحدث الأكبر أن يفصِّل عليه السلام كما فصَّل بالنسبة إلى الوضوء . ومن هنا رفض دعوى الانصراف وتمسك بإطلاقها.
 ولكن يمكن أن يقال:- ان دعوى الانصراف إلى خصوص الواجب ضعيفة في حد نفسها ولا تستحق أن تذكر ، ولكن قد يوجه الانصراف بشكل آخر فيقال:- ان الحالة العامة للإنسان هي أن يكون متمكناً من الخروج من المسجد وان غلق الأبواب حالة نادرة فيمكن أن يدَّعى أن الصحيحة منصرفة إلى الجنب المتعارف الذي يمكنه أن يخرج من المسجد ، وعليه فلا يمكن أن نستفيد التعميم حتى لمثل الجنب المذكور . فان قبلنا بهذا الانصراف فهو وان لم نقبله فنتمسك بالقاعدة التي أشرنا إليها في باب الإطلاق وهي أنه إنما يصح التمسك بالإطلاق فيما إذا كان الإطلاق مستهجناً فيما لو أريد التقييد واقعاً وهنا لا يستهجن الإطلاق لو كانت حالة التقييد هي المرادة واقعاً فلا يقول الناس للمتكلم - وهو الإمام عليه السلام - لماذا لم تقيِّد ؟ إذ يجاب بأن هذه الحالة نادرةٌ والتقييد بعدمها هو الذي يكون مستهجناً.
 والنتيجة من كل هذا:- انه لا يمكن أن نستفيد من صحيحة علي بن جعفر اعتبار الطهارة من الحدث الأكبر في مطلق الطواف حتى المستحب إما لأجل دعوى الانصراف أو لأجل الطريق الذي أشرنا إليه فيبقى كلام العلمين بلا معارض.
 ولكن نقول:- صحيحٌ أن المانع من الصحة مفقودٌ إذ هو حرمة اللبث في المسجد والمفروض عدمه ولكن عدم المانع لا يكفي لإثبات الصحة إلا إذا كان المقتضي للصحة موجوداً ، فكان من المناسب للعلمين(قده) - وهذه قضية فنيَّة مهمة إثبات تمامية المقتضي ولا يكتفيان بمجرد القول بعدم المانع.
 وإذا أردنا أن نتمم المقتضي للصحة فهناك طريقان ان تمَّا تمَّ ما ذكراه:-
 الطريق الاول:- التمسك بما دل على استحباب الطواف ، فانه توجد روايات تدل على أن الطواف بالبيت مستحب وأن الطواف بالبيت هو تحية المسجد ..... وغير ذلك ، فان هذه الروايات مطلقة فنتمسك بإطلاقها في غير مورد التقييد الجزمي والتقييد الجزمي ثبت بلحاظ الواجب وأما بلحاظ الطواف المستحب فلم يثبت فيه اعتبار الطهارة من الحدث الأكبر فيتمسك بالإطلاق في غير مورد التقييد.
 وفيه:- لا يبعد أن يدعى أنها في صدد بيان أصل استحباب الطواف أما أنه ماذا يعتبر فيه وماذا لا يعتبر فهي ليست في مقام البيان من ناحيته ، وعليه فيشكل التمسك بالإطلاق.
 الطريق الثاني:- التمسك بإطلاق أدلة البراءة ، أي فقرة ( رفع عن أمتي ما لا يعلمون ) فانّا نشك في أنه هل يعتبر الطهارة من الحدث الأكبر في الطواف المستحب أولا ؟ وحيث أن الشرطية مشكوكة فنتمسك بإطلاق حديث الرفع لمثل المورد المذكور فنرفع الشرطية الذكورة بلحاظ الطواف المستحب . وهذا طريق علمي وفني ، ولعل السيد الخوئي(قده) يقصد هذا المعنى في عبارته حيث قال ( ولا دليل على اعتبار ذلك في الطواف المستحب فالمانع مفقود إذ المفروض أنه يجوز له البقاء ولا دليل على اعتبار ذلك في الطواف المستحب) فهناك مقدمة مطويَّة لم يذكرها وكأنه يريد أن يقول ( فما دام لا دليل هنا فنتمسك بالبراءة ) فهل هذه قضية تامة أو لا ؟ وهذه ان تمت فسوف تنفعنا ، فزيارة عاشوراء مثلاً هل يعتبر فيها أن يكون السلام واللعن في مجلس واحد أو لا ؟ أو هل يعتبر الوضوء ؟ فمرة نقول ان لسان الرواية مطلق وهذا تمسك بالإطلاق وهو ليس محلاً لكلامنا ، وإنما كلامنا فيما إذا لم يكن هناك إطلاق فهل نستطيع التمسك بالبراءة ؟


[1] ولعل الأنسب هو تقضى للمبني للمجهول
[2] يعني في غير الطواف فان الوضوء بلحاظ بقية المناسك غير الطواف وان لم يكن شرطا لازما بيد انه أفضل
[3] الوسائل 13 374 38 ابواب الطواف ح1.
[4] المصدر السابق ح2
[5] الجواهر 19 -270.
[6] الجواهر 19 - 270
[7] المعتمد 4 320.
[8] المصدر السابق ح4.
[9] التنقيح 3 21.