32/10/21


تحمیل

هذا ويكمن ان يجاب ويقال:-

أما الإشكال الأول:- [ والذي يظهر من السيد الخوئي(قده) قبوله فانه قال:- يمكننا أن نستعين برواية منصور فقد ورد فيها لفظ ( القطع ) من دون اختلاف في النسخة ، ان هذا الكلام الذي ذكره(قده) ربما يفهم منه قبوله للإشكال ، ولكن يحاول الاستعانة برواية أخرى لإثبات التعميم ] فيمكن دفعه ببيان:- أنه حتى لو فرض كون الوارد هو القلع ولكن مع ذلك نفسر القلع بالقطع ، إذن مقصود الرواية هو القطع حتى لو كان الوارد فيها هو القلع ، فان المراد من القلع على تقدير كونه هو الوارد هو القطع وبذلك يتم الاستدلال بالرواية.

 وكيف نثبت أن المراد من كلمة القلع لو كانت هي الوارد هو القطع ؟ ان الوجه في ذلك هو استعانة الرواية بكلمة ( من ) حيث جاء فيها هكذا ( سألته عن الرجل يقطع من الأراك الذي بمكة ، قال:- عليه ثمنه ) فيقال:- لو فرض أن الوارد هو القلع أي كانت الرواية هكذا ( سألته عن الرجل يقلع من الأراك ) فهنا بقرينة التعبير بـ ( من ) يكون المراد من القلع هو القطع إذ لو كان المراد هو القلع حقاً لما احتيج الى ( من ) لأن القلع بمعناه الحقيقي يتعدى بنفسه فتقول ( قلعت الشجرة ) لا أن تقول ( قلعت من الشجرة ) إلا إذا قصدت أنك قطعت بعضاً منها وهذا من الأمور الواضحة وليست من الأمور الخفية حتى يقال ان الراوي قد يتسامح من هذه الجهة ، وعليه فلو كان الوارد هو القطع كما في نسخة صاحب الوسائل فقد ثبت مطلوبنا ، وان كان الوارد هو القلع كما في نسخة التهذيب والمدارك والحدائق فالمقصود بقرينة التعبير بكلمة ( من ) أن المقصود هو القطع أيضاً وبذلك يثبت عموم الكفارة بالقطع بالمطابقة وفي القلع بالأولوية.

وأما الإشكال الثاني:- فيمكن أن يجاب عنه بأنه يوجد في الرواية ذيل يساعد على التعميم فان السائل قال هكذا ( سألته عن الرجل يقطع يقلع من الأراك الذي بمكة ، قال عليه ثمنه يتصدق به ) فلو كنا نحن وهذا المقدار لكان احتمال اختصاص الحكم بشجرة الأراك شيئاً وجيهاً ولكن بعد ذلك قال الإمام عليه السلام ( ولا ينزع من شجرة مكة شيئاً إلا النخل وشجر الفواكه ) ان هذا الكلام من الإمام عليه السلام يدل على أن حكم بقية الأشجار من حيث الكفارة هو حكم شجرة الأراك ، إذ لو كان الحكم مختلفاً - والمفروض أن الإمام كان في صدد التبرع بالكلام - فمن المناسب أن يبين أن كفارة الأشجار الأخرى شيء آخر وليس هو التصدق بالثمن ، فسكوته عن بيان الكفارة مع فرض أنه هو المتبرع يدل عرفاً على أن حكم الجميع من حيث الكفارة واحد وهو التصدق بالثمن . وهذه نكتة ظريفة يجدر الالتفات إليها.

 ومن خلال هذا كله اتضح أنها تامة سندا ودلالة.

وأما الرواية الثالثة:- وهي رواية الصدوق بسنده الى منصور بن حازم ( سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الأراك يكون في الحرم فاقطعه ، قال:- عليك فداؤه ) . وهنا يوجد إشكالان أحدهما من حيث الدلالة والآخر من حيث السند.

أما الإشكال الدلالي:- فباعتبار أن الإمام عليه السلام قال ( عليك فداؤه ) وسكت عن تعيين الفداء ولا يجزم بكون المقصود منه هو القيمة حتى تكون هذه الرواية متلائمة مع الرواية السابقة بل يحتمل أن يكون الفداء شيء آخر غير القيمة ، وعلية فالرواية المذكورة لا يمكن التمسك بها لإجمال المقصود من كلمة الفداء.

وأجاب السيد الخوئي(قده):- بأن كلمة ( الفداء ) غالباً ما تستعمل في البدل يعني المثل أو القيمة وهذه الغلبة تولد ظهوراً لها في ذلك - يعني في إرادة المثل أو القيمة - واستشهد لذلك ببعض الآيات الكريمة من قبيل قوله تعالى ( وان يأتوكم أسارى تفادوهم ) أي تطالبون أو تدفعون الفدية والمقصود من الفدية هنا هو البدل بمعنى المثل أو القيمة ، وهكذا في قوله تعالى ( يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ....) فان ( يفتدي ) هي بهذا المعنى - يعني يود أن يفدي نفسه بدفع البدل من مثل أو قيمة - وعليه فكلمة الفداء ظاهرة بسبب غلبة الاستعمال في البدل من المثل أو القيمة.

وهو كما ترى:- فانه لم تثبت كثرة الاستعمال الى حد تولد ظهوراً في إرادة المعنى المذكور فان مجرد الاستعمال في موردين أو ثلاثة لا يمنح اللفظ الظهور المذكور - وهذه قضية يجدر الالتفات إليها - فلا معنى لأن نستشهد بآية قرآنية استعملت فيها لفظة معينة في معنى معين ونقول ان تلك اللفظة ظاهرة في هذا المعنى بقرينة الاستعمال القرآني ، نعم إذا كان الاستعمال كثيراً وشائعاً فلا يبعد ما ذكره ، أما مجرد الاستعمال في موارد قليلة معدودة فلا ينفع.

 بل لعله يستشكل حتى في هذين الموردين ويقال:- من أين لك أن كلمة الفداء في هذين الموردين يراد بهما المثل أو القيمة ؟ نعم نسلم أن المراد بها هو البدل ولكن لا بمعنى المثل أو القيمة بل الأعم من ذلك من قبيل الدية أو شيء آخر كالأولاد والعشيرة يجعلهم بدلا ، إذن لا يمكن أن نقول ان المراد من البدل هنا هو المثل أو القيمة والذي ينفعنا في المقام هو ذلك - أي تفسره بالبدل أو القيمة - حتى يتلاءم مع الرواية السابقة

والأنسب في التخلص من الإشكال التمسك بأحد البيانين التاليين:-

الأول:- حينما قال في الرواية الإمام عليه السلام ( عليه الفداء ) وسكت فنفس سكوته يدل على أنه أحال القضية على العرف وهذا ما يعبر عنه في علم الأصول بـ( الإطلاق المقامي ) من قبيل صلة الرحم ، فان النصوص أمرت بالصلة أما كيف تتحقق الصلة أو كيف تتحقق القطيعة فالنصوص ساكتة عنها وهذا معناه انها أحالت الأمر الى العرف ، وهذه قضية واضحة ولطيفة يجدر الالتفات إليها ، وهنا الأمر كذلك فالعرف لا يرى شيئاً صالحاً للفداء إلا قيمة ذلك الشيء وإلا فاحتمال كونه بقرة أو شاة فهذا شيء ليس بمعهود لدى العرف.

البيان الثاني:- ان أصل الإشكال واهٍ باعتبار أن المورد من المجمل والمبين ، فإذا فرض أنه توجد لدينا روايتان أحداهما تشتمل على لفظ مجمل والأخرى تشتمل على لفظ مبين فيفسر ذلك المجمل على طبق ما يقتضيه اللفظ المبين والمفروض في مقامنا ذلك لأن رواية سليمان هي من قبيل المبين حيث قالت ( عليه ثمنه يتصدق به ) ورواية منصور هي وان كانت مجملة لكنها تفسر على طبق تلك الرواية فاصل الإشكال واهٍ من أساسه.

 هذا كله من حيث الدلالة وقد اتضح انه لا مشكلة فيها.

وأما الإشكال السندي:- فالرواية المذكورة قد رواها الشيخ الصدوق(قده) كما قلنا عن منصور بن حازم وإذا رجعنا الى مشيخة الفقيه وجدنا أن الشيخ الصدوق يبتدئ السند بمحمد بن علي ماجيلويه - والظاهر أنه ترضى عنه في بعض الموارد - وهو من مشايخه ولم يرد في حقه توثيق ، وعليه فتكون الرواية ساقطة عن الاعتبار بسبب جهالة الرجل المذكور ، وهذا إشكال سيّال في جميع الموارد التي يبتدئ فيها السند بـ( ماجيلويه ).

وقد حاول السيد الخوئي(قده) وطبيعي من يقبل مسالة الترضي أو وثاقة مشايخ الإجازة فلا مشكلة عنده حل الإشكال حيث قال:- صحيح ان الصدوق ابتدأ سنده الى منصور بن حازم بـ( ماجيلويه ) ولكن إذا ذهبنا الى فهرست الشيخ الطوسي في ترجمة منصور بن حازم لوجدنا أن الشيخ الطوسي يقول ان لي طريقاً الى كتب منصور حيث قال ما نصه ( له كتاب أخبرنا به جماعة عن أبي جعفر بن بابويه عن ابن الوليد عن الصفار عن محمد بن الحسين بن الخطاب وإبراهيم بن هاشم عن ابن أبي عمير وصفوان عنه ) أي عن منصور بن حازم .

ولعلك تقول:- هذا بماذا ينفعنا ؟ فانه يثبت ان للشيخ الطوسي طريقاً صحيحاً الى منصور ونحن نريد طريقاً للصدوق الى منصور ؟ والجواب:- انه في هذا السند قال الشيخ الطوسي ( أخبرنا جماعة - وقد قلنا ان هذا اللفظ مثل لفظ عدة من أصحابنا لا مشكلة فيه عن أبي جعفر بن بابوية ) وأبو جعفر هو الشيخ الصدوق وهذا معناه ان للشيخ الصدوق طريق آخر الى كتاب منصور ، فهو قد روى كتاب منصور عن ابن الوليد - الذي هو محمد بن الحسن الذي هو من ثقاة أصحابنا - عن الصفار الى آخر السند . إذن هذا طريق آخر للصدوق ينتهي الى كتاب منصور .

 وهذه قاعدة رجالية عامة يمكن تطبيقها في هذا المورد - ولكن ضمن الشرائط التي ذكرناها - فيثبت أن للصدوق طريقين الى كتاب منصور ذكر أحدهما في مشيخة الفقيه والآخر وصل الى الشيخ الطوسي وبذلك نتغلب على مشكلة ( ماجيلويه ).