06-06-1435


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

35/06/06

بسم الله الرحمن الرحیم


الموضـوع:- مسألة ( 420 ) / الواجب العاشر والحادي عشر من واجبات الحج ( طواف النساء وصلاته ) / حجّ التمتع / مناسك الحجّ للسيد الخوئي(قد).
وأما لو أدخلنا النقل الآخر في الحساب[1]:- فتارةً نبني على أنه عند الدوران بين الزيادة والنقيصة تجري أصالة عدم الزيادة - بمعنى أن الزيادة واقعة في موقعها المناسب فهي ليست زيادة بل هي أصيلة - وقلنا هو أصلٌ عقلائي فالنتيجة تبقى كما هي ؛ إذ نتيجة أصالة عدم الزيادة هو أن فقرة ( أو غيره ) ثابتة وأصيلة وليست زيادة فتأتي الاحتمالات الأربعة المتقدّمة ويأتي ما استظهرناه ولا يوجد شيءٌ جديد، وأما أذا لم نبنِ على الأصل المذكور كما ذكرنا ذلك في بعض الأبحاث حيث قلنا إن القدر المتيقّن من البناء العقلائي على أصالة عدم الزيادة هو ما لو كانت هناك مؤشّرات مساعِدة على عدم الزيادة كما لو كانت الجملة جملةً كبيرةً أمّا إذا كانت صغيرة وكانت تلتئم مع زيادة اللسان لها فانعقاد أصل عدم الزيادة غير واضح، إنه إذا بنينا على هذا ففي مثل ذلك سوف يتردّد الصادر بين كونه هكذا - أي ( فلقض وليه أو غيره ) - أو هكذا - يعني ( فليقض وليّه ) - من دون فقرة ( أو غيره ) والمفروض أنّه لا مثبت لأحدهما - أي لثبوت أو غيره أو عدم ثبوته - ففي مثل ذلك نرجع إلى الأصل العملي حيث لا يوجد أصلٌ آخر ينقّح ثبوت الزيادة أو عدم ثبوتها. والكلام في الأصل العملي تارةً يقع بلحاظ الوليّ وأخرى يقع بلحاظ بقيّة المسلمين غير الولي . أمّا بلحاظ الولي فقد يقال إن الأصل يقتضي البراءة، بمعنى أن الوليّ يشكّ هل اشتغلت ذمته بنحو التعيين أو أنه اشتغال في الجملة ؟ فننفي قيد التعيين حيث إنه كلفة زائدة بالبراءة . هكذا قد يقال.
ولكن يرد عليه:- إن إجراء البراءة لا معنى له إذ أنّه إمّا أن نفترض أن أحداً من المسلمين قضى طواف النساء عن الميت أو نفترض أنه لم يأت أحد منهم به ولو لعدم علمهم، فإن أتى به بعضهم سقط عنه جزماً بلا حاجة إلى إجراء الأصل، وإن لم يأتِ به بعضهم كان الوجوب ثابتاً عليه جزماً حيث لم يأتِ به سواءً فرض أن الوجوب كان تعيينياً أو كفائياً حيث لم يقم به أحدٌ من المسلمين، فإجراء أصل البراءة إذن بلحاظ الولي لا ثمرة له.
وإذا قلت:- إن هذا شيءٌ سيّال ولا يختصّ بالمقام فيلزم في جميع الموارد التي نشك فيها في كون الوجوب تعيينياً أو كفائياً يلزم أن لا نجري أصل البراءة لنفس البيان المذكور والحال أنّا قرأنا في علم الأصول أن أصل البراءة جارٍ، فما هو الجواب ؟
قلت:- إن أصل البراءة يجري في ذلك ولكن فيما إذا فرض أن الشيء المشكوك وجوبه كان قابلاً للتكرار، أمّا إذا لم يكن قابلاً للتكرار فلا معنى لإجراء أصل البراءة، وهذه قضيّة كان ينبغي الإشارة إليها في علم الأصول، ولعلّه لشدّة وضوحها لم يشِر إليها، فتغسيل الميت مثلاً إذا شككت هل هو واجب عيني عليّ أو كفائي ؟ فحينئذٍ لو فرض أن أحداً من المسلمين قام به فيرتفع الوجوب عنّي جزماً لأنه قد غُسّل وانتهى، وهكذا بالنسبة إلى الدفن، فالدفن والتغسيل مرّتين لا معنى له، وإذا فرض أن أحداً من المسلمين لم يقم فهو واجب عليّ جزماً فلا شكّ حتى نجري البراءة . إذن إذا لم يكن قابلاً للترار فلا معنى لتطبيق أصل البراءة.
وأمّا مثال ما يقبل التكرار كما لو فرض أنّنا شككنا هل يجب على الوليّ أن يقرأ الفاتحة عن الميّت أو لا ؟ أو يتب عليه صلاة ليلة الدفن أو لا ؟ إنها قابلة للتكرار، فيمكن أن يأتي بهما المسلمون كما أنّ الولي يمكن ان يأتي بهما أيضاً، فإذا أتى بها بعض المسلمين فالوليّ يشك هل يوجد وجوبٌ عينيٌّ عليه بالخصوص أو لا ؟ هنا يمكن أن ينفي قيد العينيّة حيث يمكن الاتيان بالعمل من قبل الوليّ رغم إتيان بعض المسلمين به . إذن في مقامنا حيث لا نحتمل أن المطلوب هو طواف النساء مرّتين عن الميّت بل بعد إتيان بعض المسلمين به يسقط عن الوليّ جزماً واحتمال بقائه على الوليّ رغم إتيان بعض المسلمين به شيءٌ بعيدٌ فحينئذٍ لا معنى لإجراء أصل البراءة . أجل له معنىً إذا فرض أن طواف الغير يكفي بشرط إنابة الوليّ وإذنِه، أمّا أن يأتي به من دون أن يأذن له الوليّ وإنما يأتي به تبرّعاً فهذا لا يكفي ففي مثل ذلك يكون إجراء أصل البراءة وجيهاً حيث إنّه إذا أتى به بعض المسلمين من دون استئذانٍ من قبل الوليّ فنشكّ أن الولي هل يجب عليه مضافاً إلى الاتيان به من بعض المسلمين من دون استئذان أو لا ؟ فهنا يوجد مجالٌ لأصل البراءة إلّا أن هذا الاحتمال هو ضعيفٌ في حدّ نفسه . نعم من استوجهه يكون هناك مجالٌ لأصل البراءة في حقّ الولي.
والخلاصة من كلّ هذا:- إن اجراء البراءة بلحاظ الولي لا معنى له لما أشرنا إليه من أنه لو أتى بعض المسلمين به كان الوجوب ساقطاً عن الولي جزماً، وإذا لم يأت به بعض المسلمين كان الوجوب ثابتاً على الولي جزماً فأين الشك حتى يجري أصل البراءة ؟!!
وأمّا بلحاظ غير الوليّ:- فالمجال ثابت لأصل البراءة، فيمكن أن يشك غير الولي في أنه هل يجب عليه أن يطوف عن الميت أو لا - يعني في حالة عدم طواف الوليّ -  ؟ فلو كان وجوب الطواف على الوليّ عينياً فلا يجب على غيره، وإذا كان كفائياً فيجب على غير الولي.
والنتيجة النهائية التي سوف نخرج بها:- هي أن الولي يجب عليه الطواف عن والده إذا لم يأتِ أحد من المسلمين به، وأما إذا أتى أحدهم به فلا يجب عليه، وأمّا بلحاظ بقيّة المسلمين فيما إذا لم يأت الولّي بالطواف فلا يجب عليهم قضاء طواف النساء عن الميت بمقتضى الأصل الذي ذكرناه - يعني بناءً على أن النقل مردّد - فحينئذٍ لا يجب على غير الولي وإنما يجب على الوليّ لو لم يفعله بعض المسلمين.
إن قلت:- إن بالإمكان أن ننفي الوجوب حتى عن الوليّ فيما إذا لم يأت به بعض المسلمين، وذلك بأن يقال:- صحيحٌ أن بعض النقل يوجد فيه ( فليقض عنه وليّه أو غيره ) وفي نقلٍ ثانٍ يوجد ( فليقض عنه وليّه ) فلو اقتصرنا على هذين النقلين فالنتيجة كما ذكرنا، ولكن يوجد نقلٌ ثالثٌ وهو فاقدٌ لهذه العبارة بالكامل كما كان كذلك في النقل الخامس والثالث ففي هذين النقلين لا يوجد تعرّضٌ إلى هذه الفقرة حتى بلحاظ بدايتها - يعيني حتى عبارة ( فليقض عنه وليّه )- فالجملة صدراً وذيلاً ليست موجودة، وبناءً على هذا سوف لا نجزم بوجود فقرة ( فليقض عنه وليّه ) الذي يثبت الوجوب على الوليّ، فينتهي الأمر إلى أصالة عدم الزيادة، وحيث أنّا رفضنا الأصل المذكور فلا مثبت إذن لوجود فقرة ( فلقض عنه وليّه )، وبالتالي يصير ثبوت الوجوب على الولي مشكوكاً من الأساس فننفي أصل الوجوب حتى إذا لم يقضِ بعض المسلمين عن الميّت، فرغم ذلك ننفي الوجوب عن الوليّ بعد إدخال هذا النقل في الحساب وبناءً على أن أصالة عدم لزيادة عند الدوران بين الزيادة النقيصة مرفوض.
قلت:- هذا شيءٌ وجيهٌ إذا لم تجرِ أصالة عدم الزيادة، ولكن يمكن أن نقول بأن أصالة عدم الزيادة تجري هنا وأمّا هناك فلا يجري، ووجه ذلك:- هو أن الجملة على هذا التقدير الذي نتكلم عنه والتي يدور الأمر فيها بين أن تكون ثابتة أو غير ثابتة هي جملة طويلة - وهي ( فليقضِ عنه وليّه أو غيره ) - ومن البعيد أنها ذكرت اشتباهاً وزيادةً في بعض النقول، وهذ بخلاف فقرة ( أو غيره ) التي هي قصيرة، فمؤشرات عدم الزيادة هي موجودة إذا كانت الجملة طويلة، أمّا إذا كانت الجملة قصيرة فمؤشرات عدم الزيادة ليست موجودة، فعلى هذا الأساس تكون أصالة عدم الزيادة هنا قابلة للجريان حيث أنّ المؤشر لعدم الزيادة موجودٌ، وبالتالي تكون النتيجة كما ذكرنا.
والخلاصة:- إنه إذا شكنا بالنسبة إلى الولي إذا لم يأت الغير فالوجوب ثابت عليه، وإذا أتى به الغير فالوجوب ساقطٌ عنه جزماً . وأمّا بالنسبة إلى غير الولّي فلا وجوب في حقّه.
هذا كلّه بلحاظ أصل وجوب القضاء.
وأما بالنسبة إلى أنه هل يُخرَج من أصل المال أو لا ؟
فقد ذكر صاحب الجواهر(قده) تعبيراً ربما يفهم منه أنه يخرج من أصل التركة حيث قال:- ( لو مات ولم يقضِه بنفسه أو بغيره قضاه وليّه بنفسه أو بغيره وجوباً بلا خلاف أجده فيه لما سمعته من النصّ بل ظاهر صحيح معاوية إجزاء فعل الغير عنه وإن لم يكن باستنابةٍ من الوليّ . ولا بأس به لأنه من قبيل الديون والله العالم )[2]، فهو(قده) قال:- ( ولا بأس به ) يعني يكفي أن يتصدّى الغير ولو من دون إذن الوليّ لأنه من قبيل الدين، وإذا كان ديناً فأيّ شخص تصدّى له كفى . إنّ عبارة ( لأنه من قبيل الديون ) قد يُفهَم منها الإخراج من أصل التركة لأن الديون الماليّة تُخرَج من أصل التركة.
ولكن ممّن صرح بأنه يخرج قضاء طواف النساء من أصل التركة الشيخ النائيني(قده) حيث قال:- ( ولو مات قبله يُقضى من صلب ماله )[3].
ولكن ما هو مدرك ذلك ؟ فمن أين للشيخ النائيني المستند لهذا الحكم ؟ فهذه مسألة مهمّة ولم يوجد لها إشارة في كلمات الآخرين أو في الروايات فكيف نثبت مثل هذا الحكم ؟