04-05-1435


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

35/05/04

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:- مسالة ( 416 )، الواجب العاشر والحادي عشر من واجبات الحج ( طواف النساء وصلاته ) / الحلق والتقصير / حج التمتع / مناسك الحجّ للسيد الخوئي(قد).
النقطة الثانية:- إن طواف النساء وإن كان واجباً ولكنه ليس جزءاً من الحج - يعني أنه واجب مستقلّ مطلوبٌ بعد الفراغ من الحج وتتوقف عليه حلية النساء - والذي نريد أن نتحدث عنه في هذه النقطة هو أنه ليس جزءاً من الحج لا أكثر من ذلك، وأمّا أنه واجبٌ تكليفي يلزم الاتيان به رغم أنه ليس بجزءٍ فهذا ما سوف يأتي في النقطة الثالثة.
أما من حيث الفتوى:- فلم ينقل الخلاف من أحدٍ في أنه ليس جزءاً من الحجّ . نعم يمكن أن ينسب الخلاف إلى بعض المتأخرين أعني السبزواري صاحب ذخيرة الأحكام فإن له عبارة في ذخيرته قد توحي بالتشكيك في ذلك، وأوّلاً سوف نقرأ عبائر من ذهب إلى أنه هذه المسألة اتفاقيّة ولا يوجد خلاف في أنه ليس بجزءٍ . وواضح أنه قبل أن نقرأ العبارة لابد وأن نلتفت إلى أنه توجد روايتان أحدهما للحلبي والأخرى للخزّاز قد يستفاد منهما عدم الجزئية، وأضاف السيد الخوئي(قده) رواية ثالثة، والمهمّ الذي أردت الالتفات إليه هو أن عبائر الفقهاء التي سنشير إليها تشير إلى هاتين الروايتين وأنهم يستندون إليهما، قال في الشرائع:- ( الثالث في أحكام الطواف ...... الأولى الطواف ركن من تركه عامداً بطل حجّه )، وهذه العبارة كما ترى تشمل بإطلاقها طواف النساء والحال أن طواف النساء لا إشكال في أنه ليس بجزء، ومن هنا علّق صاحب المدارك(قده) قائلاً:- ( إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في ذلك بين طواف الحجّ وطواف العمرة وطواف النساء . وذكر الشارح(قده) أن المراد به غير طواف النساء فإنه ليس بركنٍ[1]إجماعاً، وقال الشهيد في الدروس كلّ طواف واجب ركن إلا طواف النساء )[2]، وقال في الجواهر تعليقاً على عبارة المحقّق:- ( نعم الظاهر خروج طواف النساء عن ذلك وإن أوهمه ظاهر العبارة لكن هو غير ركنٍ فلا يبطل النسك بتركه حينئذٍ من غير خلاف كما عن السرائر لخروجه عن حقيقة الحجّ )[3]، إن الشاهد هو أنه هنا نقل عدم الخلاف، وأما عبارة السرائر فهي:- ( والثالث طواف النساء فهو فرض وليس بركنٍ فإن تركه متعمداً لم تحلّ له النساء حتى يقضيه ولا يبطل حجّه )[4] . إذن المسألة يمكن أن يقال بأنها اتفاقيّة ولا خلاف فيها.
وأما عبارة السبزواري التي توحي بالخلاف فنصّها:- ( إن مقتضى الدليل الذي ذكرنا على حكم طواف الفريضة تحقّق البطلان بترك طواف النساء أيضاً إلّا أن يثبت الاجماع على عدم القائل بالفصل بين أقسام الحج والعمرة  )[5]، إن هذه العبارة قد توحي بالتشكيك وأنه يمكن أن يقال بكونه جزءاً حيث إن الدليل الذي يستدلّ به على جزئية بقيّة أفراد الطواف يأتي بنفسه هنا.
وعلى أي حال المهم النظر الى الدليل، وما يمكن أن يستدلّ به على نفي الجزئية أمران الأول الروايات والثاني الأصل:-
أما الروايات:- فهي روايتان إحداهما للحلبي والأخرى للخزّاز، وأضاف السيد الخوئي(قده) ثالثة . وألفت النظر من الآن إلى أنه توجد لعله روايتان تدلّان على العكس ولكن الآن نحن بصدد نقل الروايات النافية للجزئية وهي:
الرواية الأولى:- هي صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال:- ( وعليه[6] طواف بالبيت وصلاة ركعتين خلف المقام وسعي واحد بين الصفا والمروة وطواف بالبيت بعد الحج )[7] إن قوله عليه السلام ( وطواف بالبيت بعد الحج ) يدل على خروج هذا الطواف عن كونه جزءاً من الحج لأنه عليه السلام قال ( بعد الحج ) فلو كان جزءاً من الحج فالحج بَعدُ لم يتمّ . إذن هذه العبارة يمكن أن تكون دالّة على المطلوب.
نعم قد يشكل بإشكالين:-
الاشكال الأول:- من قال أنّ هذا الطواف هو طواف النساء ؟ فعله طواف آخر وليس طواف النساء ؟
والجواب جوابان:-
الجواب الأوّل:- الارتكاز المتشرّعي والوضوح الشرعي في أنه لا يوجد عندنا طواف آخر غير طواف النساء، إن من يعيش أجواء الروايات والفقه فهذا الاحتمال ليس بموجودٍ عنده . وأريد أن الفت النظر إلى أن هذا البيان الذي ذكرته لا يعرفه إلّا من يعيش أجواء فقهنا، وإلا فإنه بلا ملاحظة الارتكازات والوضوحات التي نحصّلها من أجواء الفقه والروايات فسوف يخرج فقهاً جديداً . ولكن من حقّ شخص أن يقول إن هذا الوضوح ليس موجوداً عندي.
الجواب الثاني:- أن نقول:- إنه في صحيحة معاوية الأولى المتقدمة صُرّح بطواف النساء حيث جاء فيها:- ( فإذا زار البيت وطاف وسعى بين الصفا والمروة فقد أحلّ من كلّ شيء أحرم منه إلا النساء، وإذا طاف طواف النساء فقد أحلّ من كلّ شيءٍ أحرم منه إلّا الصيد )[8]، إن قوله عليه السلام ( وإذا طاف طواف النساء ) يعني بعد طواف الحج والسعي ( فقد أحلّ ) فهذا يدلّ على أن هناك طواف مطلوب بعد طواف الحج والسعي وسماه الإمام عليه السلام بطواف النساء وبه تحلّ النساء، فإذا ضُمَّت هذه الرواية إلى تلك يحصل اطمئنان لدى الفقيه بأن المقصود من ذلك الطواف الآخر الذي أشير إليه في صحيحة الحلبي هو هذا الطواف . إذن يمكن تجاوزه هذا الإشكال والمهم هو الإشكال الثاني.
الإشكال الثاني:- إن هذه الرواية خاصّة بالمفرد فكيف تثبت أن حجّ التمتع كذلك ؟ وهكذا كيف تثبت أن العمرة المفردة كذلك ؟
وهذا أحد الاشكالات التي أوجبت أن يتوقّف صاحب الذخيرة فإنه أشار في عبارته إلى أن إحدى الروايتين واردة في المفرد فلابد وأن ندّعي آنذاك للتغلّب على هذا الاشكال أنه لا تحتمل الخصوصيّة، وهذه مسألة يحتاجها الفقيه في موارد متعدّدة، فإن جزمنا بعدم الخصوصيّة - أي عدم الفصل فقهياً - فبها، وإلا فللتوقّف مجال . هذا بالنسبة الى الرواية الأولى وقد اتضح أنها لا تخلو من هنٍ وهن.
الرواية الثانية:- صحيحة أبي أيوب الخزّاز قال:- ( كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذ دخل عليه رجل فقال:- أصلحك الله إنّ معنا امرأة حائضاً ولم تطف طواف النساء فأبى الجمّال أن يقيم عليها، قال:- فأطرق وهو يقول:- لا تستطيع أن تتخلف عن أصحابها ولا يقيم عليها جمّالها تمضي فقد تمّ حجّها )[9]، وقد استند إليها غير واحدٍ من الفقهاء وأفتى على طبقها وقال إذا لم تتمكن المرأة من طواف النساء نتيجة عدم انتظار القافلة فلا تحتاج إلى نيابة أيضا بل تمضي ولا شيء عليها.
وعلى أيّ حال إن هذه الرواية دلّت على أنه تمضي ولا إشكال عليها فلو كان طواف النساء جزءاً من الحجّ فكيف يقول عليه السلام ( تمضي فقد تمّ حجها ) ؟!إن تعبير ( تم حجّها ) يدلّ على خروج طواف النساء عن حقيقة الحج وعن أجزاء الحجّ وهذا مطلب واضح، وهي ليست واردة في حجّ الإفراد بل هي ولو بالاطلاق أو عدم الاستفصال تشمل حجّ التمتع، وعليه فلا شكال.
نعم هناك إشكال على هذه الرواية من ناحية أنها مختصّة بحالة الضرورة بينما مدّعى الفقهاء أوسع من ذلك فإنهم يقولون بإنه حتى في حالة غير الضرورة إذا ترك الشخص طواف النساء فلا يؤثر ذلك على حجّه، فكيف نستفيد إذن التعدّي إلى غير حالة الضرورة ؟
وكان صاحب الجواهر(قده) ملتفتاً إلى هذه القضيّة فتمسّك رداً على هذا اشكال بقاعدةٍ فقال إن المورد لا يخصّص الوارد، ونصّ عبارته:- ( ولا يقدّم في كون مورده الاضطرار إذ العبرة بعموم الوارد لا خصوص المورد )[10]، يعني أن موردها وإن كان هو الاضطرار ولكن عليك أن تأخذ بعموم الوارد.
والاشكال عليه واضح:- فإن هذا يتمّ لو فرض أن الأمام أعطى قاعدة كليّة كما في قاعدة التجاوز حينما سأله زرارة والإمام قال:- ( يا زرارة إذا خرجت من شيء ودخلت في آخر ..... )، فالمورد كان هو الصلاة ولكنّ الوارد عامٌّ فحينئذٍ نقول المورد لا يخصّص الوارد[11]، والمفروض في موردنا هو أن الامام لم يعط قاعدة وإنما السائل سأل عن امرأة لا يقيم عليها جمّالها ولا تستطيع أن تأتي بطواف النساء والامام عليه السلام قال له لا شيء عليها، فهل في الوارد عموم ؟ إنه لا يوجد عموم في الوارد.
ولعل الشيخ النراقي حينما قال:- ( والجواب - بأن موردها وإن اختص بها لكن العبرة بعموم الجواب - ضعيفٌ في الغاية إذ لا عموم في الجواب أصلاً )[12] يقصد ما أشرنا إليه إذ لا عموم في الجواب أصلاً فأن الإمام عليه السلام لم يبيّن حكما عامّاً حتى نقول المورد لا يخصّص الوارد، بل قال هي فلتمضِ ولا شيء عليها.
والذي أريد أن ألفت النظر أليه هو أن الشيخ النراقي(قده) لعله كان ناظراً إلى كلام صاحب الجواهر(قده) فإنهما كانا يعيشان في زمانٍ واحد، ولعله ناظر إلى كلام غيره.
والخلاصة:- إن هذا إشكال يسجّل على الرواية، ولأجله توقف صاحب الذخيرة في التعميم.


[1]  والمقصود من الركن في باب الحج غير الركن في باب الصلاة عند الفقهاء فحينما يقال هذا ركن بمعنى أنه من تركه عامداً يبطل العمل ومعنى أنه ليس بركن بمعنى أن من تركه عامداً لا يبطل عمله بذلك.
[5]  الذخيرة، السبزواري، ص625.
[6]  يعني من يأتي بحج الافراد وأنت راجع ذلك ولاحظه.
[11]  على كلامٍ أيضاً عند صاحب الكفاية(قده) حيث يقول إن القدر المتيقن في مقام التخاطب يمنع من انعقاد الاطلاق، وعلى كلامٍ عندنا حيث نقول إن شرط انعقاد الاطلاق استهجان كون المراد هو الإطلاق عند إرادة المقيد وهنا قد يقال لا استهجان، والآن هذا  ليس هو محل نظرنا بل نأخذ على الرأي المعروف من أن المورد لا يخصّص الوارد.