1441/05/02


تحمیل

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

41/05/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الديات

(مسألة 211): يستثني من ثبوت الدية في القتل الخطائي ما إذا قتل مؤمناً في دار الحرب معتقداً جواز قتله وأنّه ليس بمؤمن فبان أنّه مؤمن، فإنّه لا تجب الدية عندئذٍ وتجب فيه الكفّارة فقط(1)

    1. ذكرنا في الدرس السابق ان المراد بالخطأ في الاية الشريفة هو الخطأ في الاعتقاد بينما الخطأ المحض كان خطئاً في الفعل لا في الاعتقاد، ففي الخطأ المحض يعتبر عدم تعمد ايقاع الفعل بالمجني عليه ولا تعمد قتله وانما تعمد ايقاع الفعل بشيء اخر وتعمد قتله كما لو رمى طائراً بقصد قتله فاصاب انساناً، بينما لا اثنينية في الخطأ في الاعتقاد فانه تعمد ايقاع الفعل بنفس المجني عليه وتعمد قتله، ولذا لو لم نفرض الخطأ في الاعتقاد لكان هذا من العمد، فالتعدد في العنوان فقط ولا تعدد في الوجود الخارجي

فاذا كان هناك اصرار على تفسير الاية الشريفة بان المقصود من الخطأ فيها هو الخطأ في الاعتقاد، فقد قلنا بانه لا داعي لتفسير (من) فيها بمعنى (في) وارتكاب خلاف الظاهر فبالامكان ابقائها على ظاهرها والالتزام بانه خطأ في الاعتقاد بالبيان المتقدم في الدرس السابق

واما اذا افترضنا احتمالاً اخر في الآية بحمل الخطأ في الاية الشريفة على الخطأ المحض بالمعنى الاصطلاحي كما لو رمى كافراً حربياً فاصاب مؤمناً، فليس هناك تخيل انه كافر حربي وبناءً على هذا نبقي الآية على ظاهرها بمعنى ان كان المقتول خطئاً مؤمناً وقومه كافرين فلا دية فيه، وحينئذ تاتي التعليلات السابقة من ان قومه لا يرثونه لانهم كافرون والكافر لا يرث المسلم، والآية ذكرت بعدها ((فان كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق)) وفيها خلاف في اسم كان ورجوعه للمؤمن او المشرك فلو قلنا برجوعه للمؤمن فنرجع اليهم الدية رعاية للميثاق والمعاهدة

والانصاف ان استفادة المعنى الاول للخطأ بمعنى الخطأ في الاعتقاد من الآية الشريفة لا يخلو من صعوبة، واما من خارج الاية فهناك ما يمكن ان يستدل به على حمل الخطأ في الآية على الخطأ في الاعتقاد، واهم ما عثرنا عليه بهذا الصدد هو رواية واحدة تامة سنداً وهي مرسلة ابن ابي عمير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) في رجل مسلم كان في ارض الشرك فقتله المسلمون ثم علم به الامام بعد فقال : ((يعتق مكانه رقبة مؤمنة وذلك قول الله عز وجل (( وان كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة))[1] والاستدلال بها يكون في ان المسلمين قتلوه باعتقاد انه من المشركين والامام (عليه السلام) فسر الاية بالمؤمن الموجود في ارض الشرك

والروايات المؤيدة الاخرى لعلها اظهر في هذا المعنى

منها مرسلة العياشي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله: " وما كان لمؤمن ان يقتل مؤمنا الا خطئا " إلى قوله " فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن " قال: ((إذا كان من أهل الشرك فتحرير رقبة مؤمنة فيما بينه وبين الله وليس عليه دية)) " وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة " قال: قال ((تحرير رقبة مؤمنة فيما بينه وبين الله، ودية مسلمة إلى أوليائه))[2]

ومنها مرسلته الاخرى عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل مسلم كان في أرض الشرك فقتله المسلمون، ثم علم به الامام بعد؟ قال: ((يعتق مكانه رقبة مؤمنة، وذلك في قول الله: " وإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة))[3] والمذكور فيها يناسب ان يكون الخطأ في الاعتقاد

ولكن بقطع النظر عن هذه الروايات فان اقوال الفقهاء متفقة على تفسير الاية بالخطأ في الاعتقاد والظاهر ان منشأ هذا التفسير هو سبب النزول وهو كما ذكر في كلمات القوم وكذا ذكره الطبرسي (قده) (انها نزلت في عياش بن أبي ربيعة المخزومي، أخي أبي جهل لامه، لأنه كان أسلم، وقتل بعد إسلامه رجلا مسلما، وهو لا يعلم إسلامه وهو الحارث بن يزيد بن أنسة العامري، وكان يعذب عياشاً مع أبي جهل، وهو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام))[4] والظاهر ان هذا هو ما حملهم على تفسير الآية بالخطأ في الاعتقاد

والعامة لديهم روايات كثيرة جمعها الطبري في تفسيره باسانيد متعددة تؤدي نفس المعنى، نعم لديهم روايات تقول انها نزلت في ابي الدرداء او في اسامة بن زيد، ولكن الجميع يتفق على ان الخطأ خطأ في الاعتقاد، ولذا تحيروا حين جاؤوا الى (من) ففسروها بمعنى (في) وقلنا بان هذا لا موجب له فان انتماؤه الى قوم مشركين يوجب الخطأ في الاعتقاد ايضاً

اما ما ورد في اسباب النزول فلا يمكن الاعتماد عليه، نعم اذا حصل الوثوق بالروايات الكثيرة الواردة في اسباب النزول بالاضافة الى اقوال المفسرين والروايات الاخرى التي لم تكن دلالتها واضحة في هذا المعنى فقد يحصل للشخص الاطمئنان بتفسير الخطأ في الاية بالخطأ بالاعتقاد، واما اذا لم نطمئن لهذه الروايات فيتعين الاخذ بظاهر الآية الشريفة بحملها على الخطأ المحض بالمعنى الاصطلاحي كما تتحدث الفقرة السابقة على فقرة الاستدلال عن الخطأ المحض

ثم انه لم لا نعمم الخطأ المحض الى الخطأ في الاعتقاد بان نلتزم بدخوله في الخطأ المحض، وان كان ظاهر ادلة الخطأ المحض لا تشمل الخطأ في الاعتقاد على ما بيناه اذ لا تعدد فيه فان من يتعمده هو من يصيبه نعم هناك تعدد في العنوان، الا اننا نستطيع ان نقول انه يتعمد شيئاً فيصيب غيره بالعنوان فقط، كما لو تعمد قتل زيد بعنوان انه كافر حربي فيصيب زيداً لكن بعنوان انه مسلم، ومما يساعد على هذا ان الخطأ في الاعتقاد لا يدخل في اي من الاقسام الثلاثة المتقدمة فلا يدخل في العمد ولا الخطأ المحض ولا شبيه العمد

وبالتالي يكون المقام من الخطأ المحض ولم تدفع الدية للعلة التي ذكروها

ومن هنا يظهر ان ما ذكره السيد الماتن ليس بواضح


[1] تهذيب الاحكام: 10/ 316.
[2] تفسير العياشي: 1/ 263.
[3] تفسير العياشي: 1/ 266.
[4] مجمع البيان: 3/156.