1441/04/26


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

41/04/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 73 ) حكم المال الذي باعه الفضولي عند عدم تحقق الاجازة من مالكه – شروط المتعاقدين.

وفيه: -

أولاً:- إن المدرك المهم الضمان المنافع الفائتة كالفندق أو الدار أو غير ذلك ليس قاعدة من أتلف حتى يأتي هذا الكلام، وإنما المدرك هو الارتكاز العقلائي غير المردوع عنه، وإلا فقاعدة من أتلف قلنا هي مأخوذة من الارتكاز ولذلك ذكر الاثنين معاً في رتبة واحدة وفي عرض واحد كما قد توحي به بعض كلمات السيد الخوئي(قده) ليس بصحيح، فإنَّ قاعدة من أتلف لا مستند لفظي لها وإنما المستند هو الارتكاز والسيرة، فالمهم هو الارتكاز العقلائي غير المردوع عنه، ففي أي مورد من الموارد إذا لاحظنا أنه يوجد ارتكاز عقلائي على الضمان فسوف نحكم فيه بالضمان، مثل مسألة الفندق حيث أنَّ ارتكازنا العقلائي يقتضي أنه يوجد ضمان، ولكن ليس المانع هو السلطة إذ لعل السلطة لابد لها أن تفعل هذا لأجل تنظيم الأمور، أما الانسان العادي لأجل قضايا شخصية يمنعه من فتح فندقه فهنا لا يبعد وجود ارتكاز عقلائي بوجود الضمان، فالمهم هو ملاحظة الارتكاز العقلائي لا قاعدة من أتلف، ومعه يكون النقض في هذه الموارد الأربعة في غير محله، لأنه لو سلّمنا عدم الضمان فيها فنقول هنا لا يوجد ارتكاز ونحن نسير وراء الارتكاز، فإذا حبس شخصٌ شخصاً آخر في غرفةٍ فإن لم يكن هناك ارتكاز على الضمان فنقول بعدم الضمان، ولكن هذا لا يسجّل نقضاً، لأننا لم ندّع بالارتكاز قاعدة وسيعة وأنَّ كل من سبَّبَ اتلاف منافع مال الغير يكون ضامنا، وإنما نحن نتساير مع الارتكاز العقلائي، فمتى ما ثبت الارتكاز العقلائي على الضمان بضمّ عدم الردع نقول بالضمان.

فإذاً لا معنى للنقض بهذه الموارد الأربعة، كما لا معنى لدعوى أنَّ هذه القاعدة لم تثبت بدليل لفظي، فإنَّ كل هذا الكلام لا مجال له.

ثانياً: - إنَّ الموارد الأربعة التي ذكرت كنقض هي محل تأمل: -

أما بالنسبة إلى المثال الأول- وهو ما لو حبس شخص آخر حراً فهنا لا ضمان - فنقول في مقام الجواب: - إنَّ عدم الضمان هو أوّل الكلام، فإنه لو فرض أن المحبوس شخص عادي فهذا صحيح، أما لو فرض أنه كان بنّاءً أو عاملاً فإذا فرض أنه حبسه فيوجد مجال بأن نقول إنَّ الارتكاز العقلائي يقضي بالضمان، فنحكم بالضمان.

وهكذا بالنسبة على المثال الثاني - هو ما لو منعه من الاستفادة بعينٍ من أعيان ماله الفندق أو سيارة الأجرة فإن هذا أول الكلام - فإنه لا يمكن النقض بمثل هذا: - لأنَّ البناء صار على الارتكاز، ولعل الارتكاز العقلائي يقضي بالضمان.

وأما المثالان الأخيران: - فلا وجه للاستشهاد بهما: -

أما بالنسبة إلى مثال الرعي في الأرض المباحة: - فذاك في الحقيقة قد منعه من الاستفادة من اباحة المباح لا أنه أتلف عليه شيئاً، وإنما هذا من الأماكن المباحة فقد يقال إنه لم منعه من الاستفادة مما يملكه وإنما هو منعه من المباح فقط.

وهكذا بالنسبة إلى المثال الرابع: - كما لو منعه من الاستفادة من النهر لإخراج السمك، فهو أيضاً منعه من الأشياء المباحة، وفرقٌ بحسب الارتكاز العقلائي بين هذا وبين المثالين الأولين.

وإذا قال قائل: - أننا من حيث الارتكاز لا نرى فرقاً بين هذين المثالين والمثالين الأوّلين.

فنقول: - إن الأربعة هي من واد واحد والارتكاز فيهما جميعاً قاض بالضمان.

ثالثاً: - إنه قال إنَّ ضمان اتلاف منافع مال الغير أو التسبيب إلى خسارة الغير لم يثبت بنصٍّ لفظي وإنما ثبت في موردين فقط، فهذا قد ظهر التعليق عليه مما سبق: - وهو أننا لا نستند إلى النص اللفظي وكان من المناسب الإشارة إلى الارتكاز، والغريب عدم الإشارة إليه من قرب ولا من بعد والحال أنه هو المستند المهم، والعلمان الخوئي والتبريزي(قده) استندا إلى مسألة الارتكاز وليس إلى مسألة المستند اللفظي.

هذا بالنسبة إلى الوجه الأول الذي قد يذكر لتوجيه هذا الاحتمال.

الوجه الثاني: - وهو أشبه بالنقض وحاصله أن يقال: - نحن نجد في موارد لا يحكم على الغاصب بالضمان رغم أنه غاصبن وهذا نقض يسجل على من يقول إن الغاصب يكون ضامناً، وذلك كما لو فرض أنَّ قاطعاً للطريق قال لشخصٍ لا تركب سيارتك الأجرة ولكنه لم يغصبها وإنما كانت موجودة عند مالكها، ثم جاء شخص ثالث وأرى أنَّ الفرصة مناسبة فوضع يده على هذه السيارة ولكنه قال للمالك إذا أردت الركوب فيها والاستفادة منها فلا بأس، ففي مثل هذه الحالة لا ضمان على الغاصب لأنه فسح المجال للمالك بأن يستفيد من ملكه، أما بالنسبة إلى الشخص الأوّل الذي منع المالك فهو ليس بغاصب حتى نقول بلزوم الضمان عليه، فإذاً مَن هو غاصب لم يمنع من الاستفادة، ومَن منع من الاستفادة من العين ليس بغاصب، فتصير النتيجة أنه لا ضمان على الغاصب، فكيف تقولون إنَّ الغاصب يكون ضامناً؟

والجواب واضح حيث نقول: - إنَّ الغاصب نأخذه كمرآة إلى من يسيطر على المال ويمنع من الاستفادة منه، أما الشخص الذي يغصب ولكنه لم يمنع من الاستفادة من العين كالشخص الثالث في مثالنا فهذا لا نقصده، إنما الغاصب الذي حكمنا عليه بارتكازنا العقلائي بالضمان هو الذي سيطر على المال ومنع من الاستفادة منه، أما الذي سيطر عليه ولم يمنع فهذا ليس غاصباً بالمعنى المبحوث عنه، فالاستشهاد بهذا المورد في غير محلّه.

والخلاصة من كل هذا: - إنه ليس المدرك للحكم بالضمان هو النصّ حتى يقال بأنه لا يوجد نصّ يقضي بأنَّ من أتلف مال الغير فهو له ضامن، وإنما المدرك هو الارتكاز.

ومما تقدم عرفنا أنه توجد ثلاثة آراء في المسألة، والمناسب هو الأوّل، وهو التفصيل الذي ذكره السيد الخوئي(قده).

هذا كله بلحاظ مقتضى القاعدة.

وأما الروايات: - فنستعرض ثلاث ورايات ونلاحظ هل يمكن الاستعانة بها لإثبات الضمان أو لا: -

الرواية الأولى: - ما ورد في الجارية المسروقة، فإنَّ الامام عليه السلام حكم بضمان منافعها المتوفاة، وهي معتبرة زرارة: - ( قلت لأبي جعفر عليه السلام:- الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها ثم يجيء الرجل فيقيم البينة على أنها جاريته لم تُبَع ولم توهَب، فقال:- تُرَدُّ إليه جاريته ويعوّضه بما انتفع )، فإنَّ الامام عليه السلام قال يعوّضه بما استوفاه أما الذي لم يستوفِهِ فقد سكت عنه، وسكوته يدل على أنه لا ضمان.

الرواية الثانية: - صحيح محمد بن قيس الواردة في الوليدة، والكلام فيها هو الكلام، حيث قال عليه السلام في آخر الرواية: - ( خذ وليدتك وابنها فناشده المشتري، فقال:- خذ ابنه حتى ينفذ لك ما باعك، فلما أخذ البيّع الابن، قال أبوه:- أرسل ابني، فقال له:- لا أرسل انبك حتى ترسل انبي ..... ) فالرواية لم تذكر أنه يضمن المنافع غير المستوفاة وإنما سكتت عنها.

الرواية الثالثة: - صحيحة أبي ولّاد الواردة في البغل، حيث قال عليه السلام: - ( أرى له عليك مثل كراء بغل ذاهباً من الكوفة إلى النيل ومثل كراء بغل من بغداد إلى الكوفة توفيه إياه )، وهذا معناه أنَّ الامام عليه السلام أثبت الضمان بلحاظ المنفعة المستوفاة، أما غير المستوفاة فقد سكت عنها.

فهل يمكن أن نستفيد من هذه الروايات الثلاث الحكم بعدم ضمان المنافع غير المستوفاة ولو لسكوت الامام عليه السلام، فنرفع اليد عمّا تقتضيه القاعدة أو لا؟