1441/03/11


تحمیل

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

41/03/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الديات

الدية تعني اعطاء مقدار من المال الى المجني عليه او الى اقاربه من قبل الجاني او من قبل عاقلة الجاني بسبب الجناية

وهي مصدر مشتق من ودى على غرار وعد يعد عدة ، وهذا الاصل له معاني كثيرة احدها ما ذكرناه، ومنها ودى الفرس اذا ادلى لكي يضرب او يبول، ومنها ودى فلان اي دفع اليه ديته

ومشروعية الدية ثابتة بلا اشكال في الكتاب والسنة، قال تعالى ((وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا))

وقوله تعالى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ۖ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَىٰ بِالْأُنثَىٰ ۚ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ))

قالوا ان هذه الاية تشير الى الدية فالمراد من قوله تعالى (( فمن عفي له من اخيه شيء)) هو العفو عن القصاص والانتقال الى الدية، والاية عبرت ((فاتباع بالمعروف)) وهذا موجه الى المجني عليه واقربائه وقوله ((واداء اليه باحسان)) موجه الى الجاني اي اداء الدية باحسان وبلا مماطلة، ووردت بعض الروايات المعتبرة في تفسير الاية بهذا الشيء كما في معتبرة أبي بصير ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه ‌السلام) عن قول الله عزّ وجلّ : ( فمن تصدق به فهو كفارة له قال: ((يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما عفا عنه من جراح أو غيره))، قال: وسألته عن قول الله عزّ وجل: (فمن عُفِي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه باحسان) قال : هو الرجل يقبل الدية فينبغي للطالب أن يرفق به ولا يعسره ، وينبغي للمطلوب أن يؤدي إليه باحسان ولا يمطله إذا قدر))[1]

وقوله تعالى ((وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)) المائدة45 وقد ورد في روايات منها المعتبر ان المراد بالتصدق هو العفو وانه يكفر عن ذنوبه بمقدار ما عفى كما في صدر رواية ابي بصير المتقدمة، ورواية معلى أبي عثمان ، عن أبي عبدالله (عليه‌السلام) ، سألته عن قول الله عزّ وجلّ : ( فمن تصدق به فهو كفارة له ) قال : يكفر عنه من ذنوبه على قدر ما عفى عن العمد ، وفي العمد ، يقتل الرجل بالرجل ، إلا أن يعفو أو يقبل الدية وله ما تراضوا عليه))[2]

واما من السنة فهناك روايات متظافرة بل لعلها متواترة تدل على مشروعية الدية في الشريعة المقدسة

ثم ان الجناية في الاسلام لها جزاءان: القصاص والدية، وهما يختلفان باختلاف الجناية من حيث كونها عمدية او كونها خطئاً محضاً او شبه العمد فالقصاص يثبت في الجناية العمدية من دون فرق بين ان تكون الجناية على النفس او تكون على الاطراف وهكذا الجروح، نعم قد يسقط القصاص وتثبت الدية بدله اذا طالب بها ولي المجني عليه ورضي الجاني

ويدل على ذلك مرسلة يونس ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبدالله (عليه‌السلام) قال : ((من قتل مؤمنا متعمدا فانه يقاد به إلا أن يرضى أولياء المقتول أن يقبلوا الدية أو يتراضوا بأكثر من الدية أو أقل من الدية ، فان فعلوا ذلك بينهم جاز ))[3]

وصحيحة الحلبي و عبدالله بن سنان ، قال : سمعت أبا عبدالله (عليه‌السلام) يقول : ((من قتل مؤمنا متعمدا قيد منه إلا ان يرضى أولياء المقتول أن يقبلوا الدية ، فان رضوا بالدية وأحب ذلك القاتل فالدية))[4] وهذه الرواية ذكرت التقيد بموافقة الجاني على ان يدفع الدية دون الرواية السابقة

واما في الاطراف فيدل عليها معتبرة إسحاق بن عمار ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال: ((قضى أمير المؤمين عليه‌السلام فيما كان من جراحات الجسد أن فيها القصاص ، أو يقبل المجروح دية الجراحة فيعطاها))[5]

ومعتبرة أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه‌السلام) قال : سألته عن السن والذراع يكسران عمدا ، لهما أرش؟ أو قود؟ فقال : قود ، قال : قلت فان أضعفوا الدية؟ قال : إن أرضوه بما شاء فهو له))[6]

واما الدية فهي تثبت بالاصالة في موردين: في الجناية الصادرة خطئاً وهو على قسمين كما قسمه الفقهاء تبعا لما اشارت له الروايات: الخطأ المحض وهو موضوع الدية على العاقلة، والخطأ شبيه العمد وهو موضوع الدية على الجاني، ولا يثبت فيهما القصاص بدل الدية حتى مع التراضي

وحيث ان موضوع هذا الكتاب هو الخطأ المحض وشبه العمد فحينئذ لابد معرفة المقصود منهما

والقدر المتيقن من العمد في باب القصاص يتحقق بكون الجاني قاصداً للفعل وقاصداً ترتب القتل عليه او قطع العضو او الجراحة كما لو اطلق رصاصة قاصداً للفعل وقاصداً القتل بهذا الفعل، ولكن هناك موارد يقع الكلام في دخولها في العمد او شبهه لا بد من التطرق اليها

الحالة الاولى: ما اذا قصد الجاني الفعل الذي يترتب عليه القتل او القطع او الجراحة دون ان يقصد ما يترتب عليه، كما اذا اطلق رصاصة على شخص ملتفتاً ولم يكن غرضه القتل بل كان غرضه اعاقته عن الهروب

الحالة الثانية: اذا قصد القتل بالفعل الذي لا يؤدي اليه عادة

اما الحالة الاولى فالصحيح عندهم هو تحقق العمد بذلك واستدل له في الجواهر بان القصد الى الفعل المزبور - الذي يقتل غالباً-كالقصد الى القتل

وذكر السيد الخوئي (قده) بان قصد الفعل الذي يترتب عليه القتل عادة مع الالتفات الى ذلك لا ينفك عادة عن قصد القتل بالتبع وان لم يكن قاصداً له ابتداءً

وما ذكره السيد الخوئي (قده) ليس ببعيد ولكن مع فرض الالتفات الى ترتب القتل عليه -كما ذكره- الا ان كلامنا لا يختص بصورة الالتفات وان كان لا يبعد صحة ما ذكره مع التقييد بالالتفات

 


[1] وسائل الشيعة: باب57 من أبواب قصاص النفس ح2.
[2] وسائل الشيعة: باب57 من أبواب قصاص النفس ح4.
[3] وسائل الشيعة: باب19 من أبواب قصاص النفس ح1.
[4] وسائل الشيعة: باب19 من أبواب قصاص النفس ح3.
[5] وسائل الشيعة: باب13 من أبواب قصاص الأطراف ح3.
[6] وسائل الشيعة: 29/176، باب13 من أبواب قصاص الأطراف ح4.